مقالات

إختر أي الحدّين يلمس قلبك

بقلم : محمد سالم الغزواني

إختر أي الحدّين يلمس قلبك

ليس المال عدوًّا للطمأنينة، ولا حليفًا مطلقًا للسعادة، إنه كالنار في كفٍّ حكيم، تضيء الطريق، أو كفٍّ غافل، تحرق قلبه.

كم من فقيرٍ أرهقته الليالي، يئن تحت وطأة الحاجة، فإذا نُثر عليه شيء من الرزق استقامت نفسه، وهدأت روحه، وعاد للنوم قرير العين، فالمال هنا دواء، يُسكت جوعًا، ويُطفئ نار قلق، ويُرمم كرامة إنسانية مزّقتها العوز.

لكن المال حين يفيض بلا ضابط، ويعلو فوق سقف الكفاف والاعتدال، قد يصير عبئًا أثقل من الفقر نفسه، إذ يبدأ القلب يتيه في زحام الحسابات، ويشتد الخوف من الفقد، وتُثقل الروح بكثرة الطامعين، ويغدو العطاء حذرًا، والعلاقات مريبة، والضحكات مرصودة، يطغى الظن، وتبهت الثقة، ويُزرع القلق في وسادة من حرير.

أحيانًا، يصل الإنسان إلى القمة المالية، ليكتشف أن الجبل كان أجوف، وأن الوحدة أشد قسوة من الفقر، وأن المعنى لا يُشترى، وحين يظن أنه امتلك كل شيء، يكتشف أنه فقد أبسط ما كان يملكه: سكينة البال وصفاء القلب.

فالمال نعمة، نعم، لكن بشرط: أن يُحمل في اليد لا في القلب، وأن يُسخَّر لا يُعبَد، وأن يُنفق ليُسعد، لا يُكنَز ليُحزِن.

إن السعادة لا تقيم بيتها في رصيدك البنكي، بل في راحة البال، وفي دعاء أم، وفي لحظة صِدق مع ذاتك، المال وسيلة، لا غاية، وسلاح ذو حدّين… فاختر أي الحدّين يلمس قلبك.

تعليق واحد

  1. ما أجمل ما كتبت ، فكلماتك تعكس عمق التجربة الإنسانية بين المال والسعادة، وتسلط الضوء على التوازن الدقيق الذي يجب أن نحققه في حياتنا.
    المال كما وصفت، هو وسيلة لتحقيق الراحة والكرامة، لكنه يتحول إلى عبء إذا ما أصبح الهدف الأسمى. إن السعادة الحقيقية تكمن في العلاقات الإنسانية، وفي اللحظات البسيطة التي تملأ قلوبنا بالسكينة.
    أنت تذكرنا بأن القيم الحقيقية لا تُشترى، وأن القلوب بحاجة إلى الحب والرحمة أكثر من أي شيء مادي. اختيارنا للحد الذي يلامس قلوبنا هو في الأساس اختيار للسلام الداخلي والسعادة الحقيقية.
    ما أجمل تعزيز هذه القيم في حياتنا، ونجعل من المال وسيلة لتحقيق الخير وليس غاية نحيا من أجلها ، شكراً لمشاركتك هذه الأفكار العميقة .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى