
الابتسامة البيضاء ليست تلك التي تُظهر صفَّ الأسنان، ولا تلك التي تلمع في الصور الملتقطة بعناية؛ إنها أعمق من مظهر، وأصفى من لحظة خاطفة. هي حالة نفسية تتسرب من الداخل إلى الملامح، فتضيء الوجه بنور لا تصنعه العيادات ولا تُهديه برامج الفلاتر. إنها البياض الذي ينبت من قلبٍ صافٍ، لا من لمعانٍ خارجي.
الابتسامة البيضاء هي التي تقول دون كلام: إن النفس مرتاحة، وإن الروح خفيفة، وإن الإنسان اختار — رغم كل شيء — أن يقف في صفّ الأمل لا صفّ الألم. هي ابتسامة لا تُزيَّف، لأنها لا تأتي من عضلة الشفاه، بل من قناعة عميقة بأن الحياة تستحق أن تُستقبل بابتسامة، مهما أثقلت الأيام أكتافنا.
كثيرون يبتسمون، لكن قليلين يملكون تلك الابتسامة البيضاء التي تشعرك بالطمأنينة. تلك التي لا تجرح، ولا تُخيف، ولا تتصنع. تخرج تلقائيًا من شخص ملأ قلبه رضا، أو اكتفى بما قسم الله له، أو عرف قيمة اللطف في زمن يصخب فيه القسوة. هذه الابتسامة ليست جميلة لأنها بيضاء، بل بيضاء لأنها صادقة.
والعجيب أن الابتسامة البيضاء لا تحتاج تكلفة، لكنها تمنح الآخرين ثروة من الهدوء. هي هدية يومية صغيرة، لكنها تُغير المزاج، وتخفف التوتر، وتفتح الأبواب المغلقة بين الناس. بل قد تكون — في كثير من الأحيان — سببًا في تليين قلب، أو مسح ضيق، أو إصلاح خاطر.
إنها رسالة بسيطة تقول: “أنا بخير، وأتمنى أن تكون كذلك.” وما أجمل أن يحمل الإنسان هذه الرسالة على وجهه كل صباح، مهما أثقلته هموم الأمس. فالابتسامة البيضاء ليست علامة على خلو الحياة من الوجع… بل على امتلائها بالنضج.
ابتسم بياضًا… ليس لأن الحياة دائمًا جميلة، بل لأن القدرة على الابتسامة رغم ما فيها هي الجمال الحقيقي.



