منوعات

الأستاذ حسن بن يحيى علي الداثري الفيفي

إعداد : عبدالله بن علي قاسم آل طارش الفيفي ـ أبو جمال

الأستاذ حسن بن يحيى علي الداثري الفيفي

الموهبة إذا ما اقترنت بالعوامل المساندة لها، وصلت إلى درجة عالية من النجاح والتفوق، منحه الله صوتا قويا مبدعا، واتقانا في اخراج الحروف وتنغيمها، مع علو كعبه في اللغة العربية وقواعدها، وفي الفصاحة والبلاغة وتجويدها، وينطبق في وصفه بكل دقة، قول الشاعر المتبني :

 في صوته ذاب الجمال عذوبة 

  لله در الصوت ما احلاه

لولا مخافة أن يقال بأنني

   بالغت في وصف الذي اهواه

لحلفت قد خلق الكلام لأجله 

 والصمت حكم واجب لسواه

فهو المنشد الأجمل والاقوى، والأول في فرقة فيفاء الشعبية، تميز واشتهر بكل ذلك، وبذّ فيه الاخرين، بجمال صوته وقوته وابداعاته، وفي الترقي وتطوير نغماته، يتقن كل الالحان في موروثنا الجميل، ويتصف بأنه ذو حنجرة ذهبية قوية، واحساس فطري بديع، لا يرضى إلا بمضاعفة الجهد في اختيار الكلمة، وفي اختيار اللحن التراثي المناسب لها، وفي جميع مراحل اخراجها، ولا يرتاح حتى تكتمل في صورة كاملة في غاية الجمال، تشنف سمع المتلقين لها، وفقه الله وحفظه وزاده توفيقا ونجاحا وتألقا.

إنه الاستاذ المبدع حسن بن يحيى علي قاسم الداثري الفيفي حفظه الله ووفقه.

والده هو الفاضل الشيخ يحيى بن علي قاسم الداثري حفظه الله ووفقه، رجل فاضل متواضع، على درجة كبيرة من الفطنة والاخلاق الحسنة، وجمال المعشر، يقدم الاخرين على نفسه في كل خير، جمع بفضل الله أجمل الصفات من الصدق والكرم والشجاعة والحياء والأمانة، والوقوف الجاد مع كل مضطر للمساعدة والنخوة، انسان متواضع لا يتحدث عن نفسه ابدا، ويقدم الأخرين في كل حالاته، على درجة كبيرة من الشجاعة والجسارة، تمرس منذ صغره المبكر بمرافقة والده واخيه الاكبر قاسم رحمهما الله، في اسفارهما المتكررة، وعملهما في التجارة، وتنقّلهما بين أسواق المنطقة طلباً للرزق، وما يتطلبه ذلك من القوة والجلد والصبر، فاكتسب كثيرا من القوة والخبرة، وكان تعليمه محدودا، قاصر على تعلم القرآن الكريم، على حسب المدارس الاهلية المتوفرة حينها (المعلامة)، فدرس لفترة بسيطة في معلامة جامع الدرب المجاور، عند المعلم السيد علي بن احسن وولده أحسن رحمهما الله، واشتغل تاليا في كل مجالات الحياة طلبا للرزق، ومهنته الرئيسية الزراعة، المهنة السائدة حينها في المجتمع من حوله، وكان جاد في عمله عفيف في تعامله، ولا يحب أن يشعر ابنائه بأنهم اقل من غيرهم، فكان يضغط على نفسه في سبيل تحقيق كل احتياجاتهم، وأن لا يكونوا أقلّ من غيرهم، فيعمل على توفير متطلباتهم مهما كلّفه الأمر، بل ولا يظهر لهم أبدا ما قد يمر به من ظروف، تجبره احيانا على تحمل الديون، في سبيل تحقيق ما يرغبون فيه من الترف، والابناء في الغالب لا يشعرون ولا يقدرون ظروف اهاليهم، ومما يذكره في هذا الشأن، ولم يدركه إلا لاحقا بعدما كبر، أنه في المرحلة المتوسطة اتفق وبعض زملائه، على الاجتماع في كل ليلة أربعاء عند واحد منهم، ومن يكون عليه الدور يتولى تجهيز العشاء، مما اضاف إلى اسرهم معاناةً أخرى أعظم وأشدّ أثراً حينها، حيث كانت تلك الفترة يصعب على كثير من هذه الأسر توفير قوت اليوم، ولم يكن يدري حينها أن والده يمرّ بأسوأ مراحل حياته، وأشدّها فقراً وعوَزاً على الإطلاق، ومع ذلك لم يكن ليظهر له شيء من ذلك، ولم يشعر في أي لحظة بأنه كان لا يجد شيئاً، وإن وجد فربما لا يكفي حاجتهم الضرورية، ومع ذلك فكان يذهب في يوم الثلاثاء السابق لموعد عشاء ابنه، ليقترض مبلغاً من المال لشراء ذبيحة يجهزونها للعشاء، وكان ذلك الوضع هو ما يحدث مع كل أسر زملائه، وغالب الابناء لا يدرون، ويعترف اليوم بأن تصرفه وزملائه حينها كان نوع من الجهالة والحماقة، ولكنها تتضح اخلاق الاباء الواعين، الذين يضحون ويحرصون على بث الامل في ابنائهم، واشعارهم دوما بالقوة والعزة، لقد كان هذا الوالد على قدر كبير من الحكمة، ويمثل قدوة رائعة لأبنائه في كل اخلاقه وتصرفاته، تعلموا منه النبل والتعفف وقوة التحمل، واكتسبوا منه كيفية الصبر على تحمل متاعب الحياة واكدارها، والايمان المطلق بأنّ كلّ ما يصيب الأنسان من خير أو شر، فإنما هو بقضاء الله وقدره وحده، وليس للمرء فيه خيارٌ، غير التسليم والحمد والثناء لله الواحد الاحد، مقدر الأقدار ومسبب الأسباب، حفظه الله ووفقه واسعده واطال في عمره على ما يحب و يرضى.

واما أمه فهي الفاضلة خيرة بنت محمد حسن قاسم الداثري الفيفي حفظها الله، يلتقيان في جدهما قاسم رحمه الله، امرأة عظيمة ومربية كريمة، كانت خير عون لزوجها في تجاوز كثير من مصاعب الحياة ومشاقها، تشاطرا هموم التربية لأبنائهما، وفي توفير لقمة العيش الكريمة لهم، وما زالت المرأة الكريمة العفيفة التقيّة الرحيمة، تحسن معالجة الامور وفي زرع الثقة والطموح في ابنائها، وهي الملجأ لهم في صغرهم، إذا ما اشتد غضب والدهم من تصرف سلبي من احدهم، ومع ذلك فتجعل منه مصدر هيبة لهم، تردعهم بها إذا ما تمادى واحد منهم، فكانت الميزان بين الشدة المفرطة وبين التراخي الزائد، عانت مع وليدها البكر حسن الشيء الكثير، لما كان عليه من فرط الحركة والشقاوة الزائدة، وما مر به في صغره المبكر من فترة مرضية عصيبة، حفظها الله واطال في عمرها ورزقها برهم وصلتهم.

ولد لهما في بيتهما الثاهر، الواقع تحت بيتهم الكبير (اللمة)، وسط بقعة آل حسن قاسم، بغربي الجبل الأعلى من فيفاء، في تاريخ ١٦/١/١٤٠١هـ، وكان بكرهما، وعاش طفولته في هذا البيت السعيد، في حياة جميلة، ورائعة بكل تفاصيلها وبأدواتها البسيطة في ذلك الوقت، مع ما قد يتخللها احيانا من مواقف لا تخلو من المنغصات، وهي أمور طبيعية في حياة أي طفل، إضافةً إلى أنه كان على درجة كبيرة من الشقاوة، التي قل أن يسلم منها أحد من الجيران، وحتى الحيوانات في محيطهم، ولذلك كان يتلقى كثيرا من التأديب والتهذيب، والسعي لتعديل سلوكه من والده، وإذا اشتدت عليه الوطاءة من أبيه، سارع لاجئا إلى بيت جده الشيخ علي بن قاسم حسين، وجدته مطرة بنت حسين جبران، رحمهما الله، في بيتهما اللمة، وكانا هما الملجأ الآمن للفرار من لحظة التأديب، فما إن يصل إلى أحدهما إلا أعتبر نفسه في مأمن تام، وحتى بعد وفاة جده رحمه الله، تولّت المهمة من بعده جدّته مطرة، ولكن الويل له إذا ما تمكن منه والده قبل وصوله الى هذا الملجأ، ورغم كل هذا إلا أنه لا يرتدع ولا يتوقف أبداً عن ارتكاب المزيد من الحماقات، واستمر هذا نهجه حتى بعد ما كبر وتجاوز المرحلة الابتدائية، وكانت لا شك مرحلة طويلة تلقى خلالها تربيةً تصحيحية، وتأديباً مستمراً لا يفتر على قدر مشاكساته، أعادته كثيرا للطريق السوي الصحيح، بل كان هو المثال والقدوة لتربية بقية اخوانه من بعده، حتى أن والده اكد له ذلك لاحقا، وإنها القاعدة التي كان يؤمن بها في تربيته، لمعرفته الأكيدة بأنّ صلاح الابن الأكبر وتقويمه، هو تقويم لكل اخوانه من بعده، وسيسيرون على منواله، فلن يتعب كثيرا في تربيتهم إذا ما احسن تربيته، ولكن إذا خرج الابن الأول عن السيطرة، فسيكون تربية بقية الأبناء التالين أمر صعب جداً، وتلك حقيقة ثابته في الغالب، قد تفطن لها هذا الاب الكريم.

تعليمه :

كان والده حريص على تعليمه، لمعرفته بأهمية التعليم، وسعيا لما حرم منه شخصيا في صغره، وعمل على ذلك مع بقية اخوانه من بعده، فألحقه قبل المرحلة الابتدائية في حلقات تحفيظ القرآن القائمة حينها في جامع الدرب المجاور لبيتهم، على يد مجموعة من المعلمين الأجانب، كانوا على قدر كبير من العلم، واتقان لكتاب الله حفظاً وتلاوةً وتجويداً، ويذكر من هؤلاء الشيخ آدم أحمد، والشيخ محمد زين، وكلاهما من الجنسية السودانية، مرافقين للزوجتيهما المعلمتين في مدرسة البنات، وبقي مداوما في هذه الحلقة إلى أن تخرج من المرحلة الابتدائية، لم ينقطع عنها معاودا قراءة القرآن واتقانه لعدة مرات، وأما المدرسة الابتدائية فلما بلغ السن المناسبة للقبول، الحقه والده في عام ١٤٠٨هـ، في مدرسة الداثري والمخشمي الابتدائية، وموقعها قريب نسبيا من بيتهم، تقع في الجهة الغربية من بقعتهم، ومطلة على قرية حاذر، فيما يعرف بقرعميس (ولعلها قرى عميس)، وكان الوصول إليها سيرا على الأقدام، فلم يشق بعد طريق السيارة (طريق الغربي)، وكانت رحلة يومية يقطعها مع بعض زملائه من جهتهم، تبدأ معه من فناء بيتهم الثاهر، مرورا بالدرب بجوار الجامع، ومنه نزولاً بالتدرج حتى البارد، البيت الواقع تحت بيت المغاوي مباشرةً، ثم بعده بيت المفاية الواقع تحت بيت الكداحي، ثم المحماه وصولاً إلى المدرسة، واستمر بهذه الطريق يقطعه كل يوم، على مدار دراسته في معظم المرحلة الابتدائية، وعندما فتحت طريق السيارة في جهتهم عام 1413هـ، وكان حينها في الصف السادس، لم يتغير شيء يذكر إلا التمتع قليلا بالركوب إذا ما توفرت سيارة مارة بهذا الطريق.

   لقد تم قبوله في العام الدراسي 1408/1409هـ، طالبا في الصف الاول الابتدائي، واقبل على دراسته فرحا مسرورا، ومهيأ من خلال ما تلقاه في حلقات القرآن الكريم، فاقبل بنهم وحب للدراسة، ينافس على المراتب الاولى في فصله، وكان طلاب هذه المدرسة من أميز الطلاب علماً وخُلقاً، فالمدرسة تخلو تماماً من أي مخالفات سلوكية، بل يسود بين جميع طلابها الودّ والإخاء، ولعل مرجع ذلك لأسباب من أبرزها، محيط المدرسة المتماسك المتآلف، وما يسود بينهم من التلاحم والمحبة، والترابط، والتكاتف الشديد بين كل افراد اهل الغربي بشكل عام، وهو لا شك عامل مهمّ في رسم القدوة الحسنة بين الابناء، فجميع اهل هذه الجهة يعيشون على قلب رجلٍ واحد صغاراً وكباراً، واصبح منهج ثابت لا يتغير بينهم أبداً، وما زال قائم بحمد الله إلى اليوم، كانت المدرسة تحوي نخبة من المعلمين الفضلاء، يذكر منهم مدير المدرسة الأستاذ حسن بن سلمان حسن الداثري، والأستاذ علي بن سليمان أسعد المخشمي، والأستاذ حسن بن جابر يحيى المخشمي، والأستاذ عبدالله بن محمد علي الداثري، والأستاذ يحيى بن مسعود حسن الداثري، والأستاذ محمد بن يحيى محمد المثيبي، والأستاذ موسى بن أحمد العبدلي، والأستاذ عيسى بن موسى العمري، والأستاذ عبدالله بن علي أحمد المخشمي، والأستاذ موسى بن حسن علي العمري، والأستاذ محمد بن يحيى الظلمي، ومن المعلمين الاجانب الأستاذ محمد بن علي السنوسي (سوداني)، والأستاذ جابر (مصري)، والأستاذ عبدالله أبو مسامح (فلسطيني)، والأستاذ مصطفى السيد (مصري)، وغيرهم من جنسيات مختلفة، رحم الله من مات منهم وحفظ بحفظه الباقين.

 ولكن يلاحظ شيء من الفوارق بين المعلم السعودي وغيره، فأبن الوطن يتصف بتعامله الراقي وفي حسن التوجيه والاحترام، مما لا تجده كثيرا لدى الغالب من غيرهم، فمعظمهم تجد فيهم الكثير من الغلظة والشدّة غير المبررة احيانا، ويستحضر شاهد واحد من بعض معلميه في هذه المدرسة، فقد كان بعض منهم يسكنون حول بيت وجامع الدرب، فإذا ما اشترى احدهم اغراضا من البقالة بجوار المدرسة، أمر أحد الطلاب بحملها وايصالها إلى مقر سكنه، ولك أن تتصور طالب في المرحلة الابتدائية، ضعيف البنية منهك في نهاية الدوام، ويمشي على قدميه مسافة طويلة صعودا إلى بيته، ويحمل حقيبة دروسه الثقيلة، ومع ذلك يُضاف إليها هذا الحمل الثقيل، والمعلم يسير امامه خالي الوفاض، وزاد الامر على حده المعتاد بل وتطور، حتى نفد الصبر وبلغ اقصى مداه، وتولى بنفسه أن يجعل حد لهذا الامر، فاتلف في الطريق ما كلف بحمله، ثم ابلغ والده بواقع الحال، مما جعله يقف بكل حزم وينهي كل هذه المعاناة، وعلى العموم فلا يعمم، وهي مقارنات لا تقدح في فضل المعلم مهما بدر من بعضهم القليل، وكانت المدرسة حينها تزخر بثلة من الاخوة الزملاء الافاضل، بلغ عددهم اربعة وعشرون طالبا، استمروا مع بعضهم إلى نهاية الصف الثالث المتوسط، بل إن الكثير منهم انتقلوا معا إلى ثانوية فيفاء، وجزء منهم درسوا في ثانوية نيد الضالع، كانوا على قدر كبير من التآلف والتآخي والمحبة الصادقة، يذكرهم جميعا، وهم كل من : (عبدالله بن سليمان المخشمي، ويحيى بن مبره الخسافي، وعبده بن محمد المخشمي، ومفرح بن حسن الداثري، وأحمد بن موسى المخشمي، وحسن بن قاسم الداثري، وعبدالله بن أسعد المخشمي، ويحيى بن أحمد العمري، ومبارك بن حسن الداثري، وسلمان بن حسن الداثري، وعبده بن حسن المثيبي، وعيسى بن موسى الداثري، وإبراهيم بن يحيى المثيبي، ومحمد بن يحيى الداثري، وعيسى بن سلمان الخسافي، وعبدالله بن حسن الداثري، وعيسى بن عبدالله المثيبي، وعلي بن جبران المثيبي، ومحمد بن علي الداثري، وعبدالله بن جابر المثيبي، وهادي بن يحيى المثيبي، وبندر بن يحيى الداثري، ومحمد بن جابر الداثري) رحم الله من مات منهم وحفظ الباقين بحفظه.

وبالطبع استمرت دراسته في المرحلة المتوسطة بنفس المدرسة، ولم يتغير عليه شيء فيها، المبنى والإدارة والمعلمين والزملاء، واستمر مواصلا دراسته على نفس نهجه السابق، وتمضي به السنين سريعة متعاقبة، إلى أن تخرج من هذه المرحلة بعد ثلاث سنوات، يحمل شهادة الكفاءة المتوسطة، وقد حدد مساره وعين اتجاهه، ليلتحق بمتوسطة وثانوية فيفاء، الواقعة في نيد الدارة ببقعة العذر، التي كان عرابها ومديرها حينها، المربي الفاضل الأستاذ الشيخ حسن بن فرح الابياتي رحمه الله، حيث تشرف بانتسابه إليها وما زالت تحت قيادته، لأنه رحمه الله تقاعد قبل نهاية ذلك العام الدراسي، ورغم قصر هذه المدة، إلا أنه عاش معه موقفا مؤثرا لا ينساه، وذلك عندما دخل عليه الإدارة في احد الايام، وكان معه فيها مجموعة من المعلمين، احدهم الأستاذ أحمد بن موسى المثيبي، معلم مادة المكتبة والبحث، وكان يعرفه بحكم الجيرة في الغربي، فعرّفَ به للأستاذ حسن بن فرح، ومما قاله عنه بأنه شاعر ويكتب الشعر، ( وبالفعل كان في تلك الفترة يحبّ الشعر ويعشقه، وكانت له محاولات شعرية بسيطة، ولكنه لا يعلم بها احد إلا خاصة الخاصة)، ولما سمع عنه ذلك التفت إليه بكل اهتمام، مما جعله في موقف حرج جداً، وبالذات عندما طلب منه أن يُسمِعه بعضاً مما كتبه من الشعر، فاعتذر منه بشدة وأقسم له بأنه ليس بشاعر، وإنما هو متذوق للشعر فقط، ولا يحفظ حينها شيء من تلك الخواطر، ولكنه لم يقتنع منه، بل قال له (مادام أن خالك جابر بن محمد فأكيد إنك تشعّر، ولا لك عذر، فلا بد أن تطلعني غدا على كلّ ما قد كتبته، وإذا لم اكن موجودا فضعه لي على هذا المكتب)، فيقول لا تسأل عن مدى احراجي، حيث مرت ساعات ذلك اليوم بشكل بطيئ، وكأنها شهر من الاحساس بطولها، وما إن عاد إلى البيت حتى سعى جاهدا إلى جمع تلك الخواطر المبعثرة، وإعادة ترتيبها وتنقيحها من جديد، ليتسلل في اليوم التالي ويضعها على مكتب المدير، الذي ارسل له بعد يومين مظروفا صغيرا به رسالة، مضمونها الثناء والإعجاب، ومذيلة بملاحظاته وتوجيهاته، وختمها بطلبه الاستمرار وعدم التوقف، وكانت رسالة من اجمل الرسائل، سعد بها كثيرا وارتفعت معنوياته، واصبحت نقطة تحول مؤثرة في مستقبله وإلى اليوم.

    وفي السنة الثانية عندما كان يدرس في الصف الثاني ثانوي، نظمت إدارة تعليم صبيا، أمسية شعرية للطلاب، وعمم الاعلان عنها لكل المدارس، وطلب من كل مدرسة الرفع بأعمال طلابها، وترشيح الذين سيشاركون منهم في هذه الأمسية، وحينها طلبت منه إدارة المدرسة المشاركة، ثم رفعت بالمطلوب من اعماله إلى إدارة التعليم، وحضر من ضمن المشاركين في هذه الامسية الرائعة، التي حضرها سعادة وكيل أمارة منطقة جازان المساعد، الأستاذ عبدالعزيز الهويدي، ومدير تعليم محافظة صبيا، وقد أثنى عليه سعادة الوكيل عندما سلم عليه بعد انهاء مشاركته، وفي ذلك العام شرف أيضا بالمشاركة في حفل تقاعد الشيخ الاستاذ حسن بن فرح الابياتي رحمه الله.

   لقد تميز في تلك المرحلة بالنشاط، وحب المشاركة في الأنشطة المدرسية، وكان من رواد الإذاعة المدرسية، ويشارك ايضا في عدة انشطة، منها النشاط الكشفي، وفي البرامج والأنشطة الصيفية، خلال الإجازات الصيفية، مما صقل مواهبه واكسبه الثقة الكبيرة بنفسه، والجرأة على الوقوف أمام الجمهور ومخاطبتهم، واستطاع الموازنة بين مشاركاته ودراسته، فواصل سيره الدراسي جادا مجتهدا، لا يصرفه عن تحصيله وتفوقه شيء، وكانت المدرسة في تلك الفترة زاخرة بنخبة فاضلة من المعلمين، يذكر منهم إضافة إلى الشيخ الاستاذ حسن بن فرح، كل من الأستاذ موسى بن سلمان مسعود الأبياتي، القائد التربوي المتميز، والأستاذ يحيى بن علي حسن العمري( المدير الحالي لمكتب تعليم العيدابي )، الذي لا ينسى  فضله في جعل مادة الكيمياء من أجمل المواد وأمتعها لديه، ثم الأستاذ الشيخ يحيى بن سالم الظلمي، والأستاذ جابر بن جبران المخشمي، والأستاذ علي بن أحمد العمري، والأستاذ يحيى بن يزيد الحكمي، والأستاذ جابر بن مسعود العبدلي، والأستاذ عبدالله بن محمد العمري، والأستاذ موسى بن شريف الخسافي، والأستاذ عبدالله بن جبران الأبياتي، والأستاذ مرعي بن أحمد الأبياتي، والأستاذ يحيى بن سلمان الخسافي، والأستاذ أحمد بن موسى المثيبي، والأستاذ أحمد طميحي، وغيرهم الكثير من المعلمين المبدعين، سواءً كانوا وطنيين أو أجانب، رحم الله من مات منهم وحفظ بحفظه الباقين.

   ومضت به السنوات سريعة متتابعة، إلى أن تخرج من هذه المرحلة المهمة مع نهاية العام الدراسي١٤١٩/١٤٢٠هـ، ليجد اسمه ضمن خريجي هذه المرحلة على مستوى الوطن، منشورة حينها في الصحف المحلية، ولما استلم هذه الشهادة، انطلق لتبدأ معه رحلة مع الغربة والسعي في تحديد المستقبل، ساعيا للالتحاق بالمرحلة الجامعية، حاملا معه احلامه وآماله وهمته العالية وطموحاته.

الدراسة الجامعية :

كانت مجالات مواصلة الدراسة الجامعية لأبناء فيفاء خاصة، وابناء المنطقة عموما حينها، غير متاح بتنوعاتها إلا خارج المنطقة، في المدن والمناطق الكبيرة، مثل الرياض و عسير ومكة المكرمة والشرقية، وغالبية من عرفه منهم يتجهون إلى أبها أو الرياض، وكانت ابها الخيار الاقرب، والرياض الخيارات الاكثر اتساعا، فاختار التوجه إلى مدينة الرياض، ففيها جامعة الامام وجامعة الملك سعود، والمعاهد العالية والكليات العسكرية، ولكنها ايضا كانت مقصدا للكثيرين من الخريجين، الذين يأتون من جميع مناطق المملكة، مما يشكل تنافسا شديدا على مقاعد القبول المتاحة، مما يضاعف صعوبة القبول امام الكثيرين، ولأنه كذلك لم يحدد بالضبط رغبة الاكيدة، حيث تزاحمت عليه الرغبات والاحلام، (تكاثرت الظباء على خراش، فما يدري خراش ما يصيد)، ودون ما تركيز بدأ التقديم في كل مكان تستقبل فيه الملفات، ومنها الكليات العسكرية ومعهد الادارة العامة والجامعات، وفي كل مرة تعلن فيها النتائج لا يجد اسمه بين المقبولين معهم، إلى أن فاته القبول في الفصل الأول، وليعود في نهايته بخفي حنين، ويبقى منتظرا على احر من الجمر فتح القبول في الفصل الدراسي الثاني، والمخاوف تعصف به توجّسا أن يتكرر نفس المشهد، ولذلك عقد العزم على العودة إلى مدينة أبها، ليحاول القبول في احدى فرعي جامعتي الامام أو الملك سعود فيها، ولم يكن الامر يختلف كثيرا عن ما لقيه في الرياض، إلا أنه لا ينسى معونة الأستاذ الشيخ أحمد بن سليمان قاسم آل طارش، الموظف حينها في فرع جامعة الامام، الذي اعانه إلى أن تم قبوله في كلية اللغة العربية والعلوم الإنسانية، حيث بدأت معه حينها مرحلة الدراسة الجامعية، وبدأت معها الغربة عن الوالدين لأول مرة، ولكنّ مما خفف عنه وجود خاله الأستاذ موسى بن محمد حسن الداثري مقيما في ابها، الذي اصر على أن يقيم معه في منزله، حيث حل ضيفاً عليه وعلى اهله الكرام طوال مدة دراسته، وكان معه ايضا خاله الاستاذ يحيى بن محمد، الذي كان يدرس حينها في ابها، وعاش معهم لم يشعر بالغربة أبداً، اضافة إلى قُربَ المسافة إلى فيفاء، مما يتيح له فرصة التردد على والديه، في معظم الإجازات الأسبوعية، مما ساعده كثيرا على تخطّي تلك المرحلة، وفي التعايش بكل اريحية مع هذا الواقع الجديد، وبالذات وقد تزوج لاحقا خلال تلك الفترة، ومضت به الحياة على افضل ما يكون، رغم صعوبة الدراسة الجامعية واختلاف طريقتها، عن كل ما قد الفه في المراحل الدراسية السابقة، ففي الجامعة يكون اعتماد الطالب الكلي على نفسه، وعلى اهتمامه وجده واجتهاده، فهو المسؤول المباشر والوحيد عن دراسته وعن نفسه وفي قراراته، لكنه استطاع بفضل الله وتوفيقه تجاوز كل ذلك، وتمكّن من توسيع دائرة علاقاته في هذا المحيط الجديد، وأصبح لديّه عدد كبير من الزملاء والأخوة الأعزاء، ما زال يتواصل مع معظمهم إلى اليوم، وفي هذه الكلية حظي بكوكبة متميزة من المشايخ والدكاترة الاجلاء، يذكر منهم على سبيل المثال، الأستاذ الدكتور عبدالله أبو داهش، والأستاذ الدكتور عبدالكريم بكار، والدكتور مصطفى عناية، والدكتور صالح الغامدي، والدكتور يحيى عطيف، وغيرهم ممّن كانوا علماء ومرجعيات كبيرة، في علوم اللغة العربية بكافة أقسامها .

ومضت به سنواتها يحقق النجاح تلو النجاح، ويتنقل بكل سلاسة بين اقسام هذه الكلية وفصولها، بعد أن تحقق له القبول في التخصص الذي كان يحبه ويميل إليه، فكانت عشقه هي اللغة العربية وعلومها، ومن ذكرياته في هذه المرحلة، أنه بعد نجاحه من السنة الاولى، واثناء تواجده مع والديه في العطلة الصيفية، فاتحه والده في أمر زواجه، واخبره أنّ عمّه الشيخ علي بن جبران يحيى الداثري، يرغب في تزويجه من احدى بناته، فتردد في البداية عن الاقدام على هذه الخطوة، لمعرفته الاكيدة بظروف والده المادية، واما هو فلا يملك غير المكافأة الجامعية البسيطة، التي لا تُشكّل شيئا أمام متطلبات الزواج وتبعاته، وبالذات وما زال امامه مشوار طويل إلى أن يدرك النجاح، ثم الحصول على الوظيفة، ولكن هنا تدخل عمه وبدد كل هذه المخاوف، بل اصرّ على اتمام هذا الامر دون أي تبعات مادية، وأوضح له بأن لا يحمل أي هم لهذه النواحي نهائيا، وانما عليه التركيز دراسته فقط، واما الزوجة فستبقى معهم معززة مكرمة، ولن ينقصها شيء تحتاجه اليه، حتى يتخرج ويتوظف ويستقل بنفسه، وعندها له مطلق الحرية في الاستقلال كيف يشاء، وهذا ما تم بالفعل فقد تزوج من هذه الفاضلة المباركة، التي وجد معها الطمأنينة التامة، وارتاحت نفسه وزاد اقباله الايجابي على دراسته، لقد كانت بفضل الله نعم الزوجة الصالحة، وكانت له خير سند ومعين ومحفز، وسارت به الامور سواء في زواجه أو دراسته على خير ما يرام، حتى أنه رزق بأول مولود قبل أن يتخرج، وقد حدثت لزوجته ظروف مرضية صعبة، تجاوزتها بفضل الله ومنته، مما سنبسط الحديث عنها لاحقا، لقد كانت نعم الزوجة القوية الصابرة المحتسبة، لم تفت في عضده أو تشوش على دراسته، بل بثت فيه روح القوة والمثابرة والعزيمة والاصرار، إلى أن أكمل بحمد الله دراسته الجامعية، ليتخرج بفضل الله وتوفيقه من فرع جامعة الامام بابها، حاملا درجة البكالوريوس في اللغة العربية وعلومها، في نهاية العام الجامعي ١٤٢٤هـ.

ومع ذلك لم يتوقف تحصيله عند هذه الدرجة، ولم يكتفي بهذا الحد من الترقي في العلوم، بل سعى جاهدا إلى مواصلة الرفع من قدراته، وإلى تطوير ذاته وخبراته، والحرص على الالتحاق بكل ما يتاح له من فرص التعليم والتثقيف، ومن الدورات التدريبية والبرامج الانمائية، ومن ذلك باختصار :

(١- دبلوم البرمجة اللغوية العصبية ( NLP )، ٢- المفاهيم الأساسية لتقنية المعلومات في الرخصة الدولية، ٣- الرخصة الدولية لقيادة الحاسب الآلي ICDL، ٤- تحليل المشكلات واتخاذ القرارات، من فرع معهد الإدارة العامة بمنطقة عسير،٥- إدارة الفعاليات، من فرع معهد الإدارة العامة بمنطقة عسير،٦- دورة رواد النشاط المتقدمة،٧- استراتيجية خرائط المفهوم في تدريس اللغة العربية، ٨- تدريب المشرفين على المهارات الأساسية لتمكين المعلم، ٩- تخطيط التدريس (مشروع المهارات الأساسية لتمكين المشرف التربوي)، ١٠- خرائط المفاهيم(مشروع المهارات الأساسية لتمكين المشرف التربوي)،١١- التعلم النشط، المشرفون التربويون، ١٢- المستوى الثاني للنظام الفصلي، لغة عربية، ١٣- الاستيعاب المفاهيمي (ضمن مشروع تحسين العملية التعليمية داخل المدرسة)، ١٤- الحقيبة الأساسية للتعلم النشط،١٥- برنامج دوري الإملاء (مشروع تحسين مهارة الإملاء)، ١٦- منظومة قيادة الأداء الإشرافي والمدرسي (النسخة 4)، ١٧- الإشراف الفعال، ١٨- البرنامج التأهيلي للتقويم النوعي، الخاص بمؤشرات قيادة الأداء الإشرافي والمدرسي، ١٩- مهارات الاختبارات الدولية، ٢٠- مجتمعات التعلم المهنية، ٢١- استراتيجيات تحسين الطلاقة والمفردات والاستيعاب، ٢٢- التخطيط الجيد للتدريس وأثره في رفع مستوى التحصيل لدى الطلاب، ٢٣ – استخدام منصة (التيمز) في تقديم الدروس الافتراضية، ٢٤- نظام التعليم الالكتروني، ٢٥- التدريس عن بعد باستخدام مايكروسوفت (تيمز)، ٢٦- استراتيجيات التدريس عن بعد، ٢٧- إعداد الاختبارات الالكترونية باستخدام FORMS).

وبناء على ما وصل إليه، فقد شارك بنفسه في تقديم عدد من البرامج لبعض المعلمين، ومن ذلك :

(١- إدارة البيئة التعليمية، ٢- التقويم من أجل التعلم، ٣- خرائط المفاهيم، ٤- تخطيط التدريس باستخدام نموذج فورمات، ٥- الاحتفاء باليوم العالمي للغة العربية (تخطيط وتطوير)، ٦- استراتيجيات التعلم النشط لمعلمي اللغة العربية، ٧- التقويم المعتمد على الأداء، ٨- مجتمعات التعلم المهنية)، وفقه الله وزاده علما وفضلا ونجاحا.

العمل الوظيفي :

بعد تخرجه من الجامعة، تم الإعلان في عام ١٤٢٥هـ عن وظائف في التعليم، وتقدم لطلب التعيين فيها، وتم له بفضل الله التعيين في متوسطة الطلحة، الواقعة بين الحرجة(سراة عبيدة) ومحافظة ظهران الجنوب، وتتبع إدارة تعليم سراة عبيدة، ولكنه لم يعمل فيها إلا لفترة يسيرة من ذلك العام، فقد رفع بظروفه الخاصة إلى وزارة التعليم، طالبا نقله إلى إدارة تعليم صبيا، بسبب ظروف زوجته المرضية الصعبة حينها، وارفق بالطلب كل ما يثبت من التقارير الطبية اللازمة، وتمت الموافقة على نقله في نفس العام الدراسي، ليباشر في إدارة تعليم صبيا، ومنها تم توجيهه إلى مكتب تعليم الداير، ليكلف بالعمل في متوسطة الداير، واضطر للبقاء فيها لسنة دراسية كاملة، كانت أصعب سنة مرّت عليّه (كما يقول) في التعليم، حيث حاول جاهداً دون جدوى الانتقال إلى فيفاء، للظروف الصحية المتعثرة لزوجته، وضرورة بقائه قريبا منها، إضافةً إلى صغر سنّ بناته واحتياجهنّ للرعاية والاهتمام، ولكن طلبه قوبل بكثير من الجفاء وعدم التعاطف، ممّن يجزم بأنه كان في أيديهم القدرة على تسهيل أموره، والتخفيف من معاناته، سواءً من المسؤولين في مكتب تعليم الداير، أو من مدير شؤون المعلمين في إدارة تعليم صبيا، ولكنهم لم يفعلوا، وبعد مرور سنة كاملة، وقف معه مشرف اللغة العربية في مكتب الداير، الأستاذ الفاضل يحيى بن سلمان النخيفي المالكي حفظه الله، الذي اقسم له أنه لن يتركه وسيسعى معه لتحقيق رغبته في النقل، واثمرت جهوده إذ كان سبباً بعد الله عز وجلّ في نقله لمدارس نيد الضالع، وتثبيته فيها والحمد لله، وكانت تضم المراحل الثلاث (الابتدائية والمتوسطة والثانوية)، ومديرها حينها الأستاذ يحيى بن مرعي الظلمي حفظه الله، وفي عام ١٤٢٨ هـ تم فصل المرحلة الثانوية إلى مبنى مستقل، ونقل هو على ملاكها، وبقي فيها لمدة سبع سنوات، كان مديرها الأستاذ حسين بن جابر أحمد المشنوي حفظه الله.

 في هذه الاثناء فتح مكتب التعليم في فيفاء، وعين الأستاذ حسن بن أحمد قاسم الظلمي رحمه الله مديرا له، وعيين الأستاذ عيسى بن سليمان المخشمي مساعداً للشؤون التعليمية، بعد أن كان مشرفاً للغة العربية، فسعى إلى إيجاد مشرفا للغة العربية يحل مكانه، فاستدعاه في أحد الأيام إلى مكتبه، وعرض عليه هذا الترشيح، إلا أنه اعتذر ايمانا منه بأنه دون ذلك، ويرى أن هناك منه أجدر منه وافضل، إلا أن اصرار عيسى وطلبه التفكير في الامر والاستشارة، اضطره إلى الموافقة غير مقتنع، ورفعت اوراق ترشيحه إلى إدارة تعليم صبيا، وحدد له موعدا للاختبار، فلما اجتازه حدد له موعدا للمقابلة الشخصية، وحضرها وكان من جميل الصُّدف(كما يقول)، أنّ رئيس هذه اللجنة الأستاذ القدير حسن موكلي، وهو رئيس قسم اللغة العربية بالإدارة في ذلك الوقت، تذكر له موقفا كان معه قبل حوالي عشرين سنة، عندما كان طالبا في متوسطة الداثري والمخشمي، فقد حضر موجه اللغة العربية الاستاذ حسن موكلي إلى المدرسة، ودخل عليهم الصف الثاني المتوسط، والمعلم لمادة اللغة الأستاذ القدير حسن بن جابر يحيى المخشمي، فكتب على السبورة جملة وطلب إعرابها، فكان هو من تصدر للإجابة، حيث قام  بإعراب هذه الجملة إعراباً تفصيلياً، مع أنه لم يكن حينها من الطلاب المتميزين، ثم أخذته النشوة إلى درجة أنه يبادر بالاجابة على كل سؤال يطرحه، مما جعل الموجه يثني عليّه كثيرا، ويقول له بالحرف الواحد (إنك ستصبح معلما للغة العربية إن شاء الله)، فيقول لما وقفت امامه اليوم، بعد كل تلك السنين، استعدت تلك اللحظة، وذلك الموقف، الذي لم انساه.

   لقد اجتاز هذه المقابلة الشخصية، وصدر قرار سعادة مدير تعليم صبيا، بتكليفه مشرفا للغة العربية، لينتقل إلى مكتب تعليم فيفاء في عام ١٤٣٥هـ ، وقام بعمله مشرفا فيه بكل جد واجتهاد ونجاح، واستمر فيه لما يقرب سبع سنوات، إلى أن طلب برغبة منه في عام 1442هـ، إعفائه من هذا العمل وإعادته إلى التعليم، ليعود من جديد معلما في ثانوية نيد الضالع، ولكنه بعد فترة وجيزة تم ضمّ هذه الثانوية إلى مجمع الخشعة التعليمي، مما اضطره لبعدها عنه طلب النقل إلى مدرسة الداثري والمخشمي الابتدائية والمتوسطة، التي كانت هي مدرسته الأولى، والتي بدأ فيها تعليمه الاولي، وهنا ارتاح في عمله الجديد، وكان مديرها وما يزال الأستاذ القدير يوسف بن سليمان أسعد العبدلي حفظه الله، وهو يعمل فيها بكل جد واقبال ونشاط، حفظه الله ووفقه وزاده علما وفضلا ونجاحا.

انشطته خارج العمل الرسمي:

انسان عملي ومجتهد، وقد تم تكليفه من محافظة فيفاء سفيراً للثقافة والفنون، لدى جمعية الثقافة والفنون بجازان، ويعمل كذلك منشداً وعضواً في فرقة فيفا الشعبية، الفرقة التي تأسست في عام ١٤٢٧هـ، أثناء الزيارة التاريخية، لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود رحمه الله  لمنطقة جازان، فكلف حينها سعادة شيخ شمل قبائل فيفاء، الشيخ علي بن حسن آل سنحان المثيبي حفظه الله، سعادة العقيد متقاعد يحيى بن أحمد قاسم الأبياتي حفظه الله، ليكون رئيسا لهذه الفرقة، وتم لاحقا اختيار الاستاذ جابر بن محمد الداثري حفظه الله نائباً له، وتم العمل الجاد على تأسيس هذه الفرقة واختيار أعضائها، وشاركت حينها في حفل أهالي منطقة جازان امام الملك، ونجحت فيه نجاحا باهرا، ولفتت إليها الانظار من ذلك اليوم، وكانت مشاركته الشخصية الاولى فيها، عندما قام بتأدية دور الشاعر، في اللوحة الأولى من ذلك الأوبريت.

   واستمرت هذه الفرقة تمثل فيفاء بشكل رسمي في كل المحافل، وبالذات عندما تمت الموافقة الرسمية على اعتمادها مشاركة في مهرجان الجنادرية السنوي الكبير، وهنا زادت مسؤولياتها وعظمت مهمتها، لاختلاف الوضع بشكل كبير، فالمتلقي في هذا المحفل الكبير مختلف جدا، والمنافسة هنا محتدمة وكبيرة، فيجب اثبات الذات والخروج بصورة لائقة تمثل مجتمعها ومنطقتها، ولذلك سعى الجميع إلى الترقي والعمل على تطوير القدرات، والحرص الزائد على جودة الابداع بكل ما تعنيه الكلمة، من الاهتمام بما تقدمه وما تظهر به، سواء من خلال الشكل أو المضمون، وتم تدارس الكيفية المناسبة لكل ذلك، بعد أن وجدوا أن العرض المسرحي هنا يختلف كليا عن الاداء العادي، فعروضهم هنا تتطلب المواجهة المباشرة للجمهور، والوقوف أمامهم في المسرح بالشكل المرئي اللائق، لتستطيع عرض ما لديك على الوجه المطلوب، وانت ملزم بأن تنقل لهم صورة جميلة لموروثك الأصيل، فالأداء المسرحي له اصوله ومرتكزاته، سواء في الصورة أو الصوت أو الشكل، وحتى الحركة والإيماءة والابتسامة والكلمة، فلابد إذا من أن تتكامل هذه المعطيات ليتقبلها المتلقي ويتفاعل معها، فانت تسعى إلى استمرار النجاح وليس إلى الابهار المؤقت ثم يخفت، ولذلك ركزوا من البداية على وضع قواعد راسخة يسيرون عليها، في اختيار الشكل الواقعي الجميل، فاختاروا الظهور باللبس السعودي المميز، لكونهم يمثلون مجتمعا حضاريا راقيا، وتوافقوا على اختيار لون الهصعة، لون تراثي جميل ومطاوع لكل الالحان، ولما كان يؤدى في العادة على شكل صفين متقابلين، ولم يكن ذلك مناسبا في العرض المسرحي امام الجمهور، فتم تعديل الوقفة دون الإخلال بجوهر الحركة فيه، ومع الوقت وتعدد المشاركات تحسّن الاداء وكملت الصورة، مع استمر التقويم وتلافي الاخطاء، إلى أن وصولوا إلى الصورة الجميلة التي هي عليها الآن، والذي دعاهم إلى كل هذا التطوير، بعدما صدموا من أول ظهور لهم على مسرح القرية التراثية، ولاحظوا إعراض الجمهور عما يقدمونه، حتى أن الأمر وصل إلى مغادرة اكثر الجمهور مع صعود الفرقة، لذلك اجتهدوا في تقييم الوضع وفي تشخيص العلة، مع التزامهم أن لا يقدموا على أي خطوة تطويرية إلا بعد التشاور مع اهل الرأي، ووجدوا الدعم التام من سعادة شيخ شمل قبائل فيفاء، واستعانوا بتوجيهات الشيخ الأستاذ حسن بن فرح رحمه الله، صاحب التجارب الرائدة في عروض المسرح المدرسي، وتشاوروا مع الكثيرين من المهتمين بالتراث من ابناء فيفاء، وتم التدرج في كل ذلك بالشكل المناسب، فأضيف في البداية البندق العربي (المقمّع) مع الطرح، وكان عاملاً جيداً لفت انظار الجماهير، ثم بعدها ومع ضرورة عملية التسجيل المسبق للمادة الصوتية، تم إضافة بعض المؤثرات الصوتية الضرورية، وإدخال بعض الإيقاعات والمؤثرات المناسبة، مما أضفى على العمل جمالاً فوق جَماله، ولما كان في العادة تتم زيارة سموّ أمير منطقة جازان للقرية، لاطلاعه على كل ما يتم تقديمه امام الجمهور، فكانت فرصة مواتية للفرقة عند زيارة سموه للمسرح، لكسر حاجز الخوف من هذا التجديد، حيث قدمت عرضها أمام سموّه، مما جعله يشيد كثيرا بهذه المشاركة المتميزة، ويثني على المنشد عندما تقدم للسلام عليه، وقدّم شكره وتقديره لكل المشاركين، واخبرهم بإعجابه بما رآه من أداء منظم، وما سمعه من كلمات راقية، ووجه بأن تستمر عروض هذه الفرقة في القرية إلى آخر الأيام المقررة، فكانت هذه المشاركة هي الانطلاقة الحقيقية للتجديد، مع ما قابلها من ردود افعال متباينة، ما بين مادح وقادح، والتباين في وجهات النظر المختلفة، ولكنه لا يبقى إلا الصحيح، فقد تركت لها بصمة وصورة مميزة، وما تزال تنال الكثير من رضا المتلقين وإعجابهم، وأفضل دليل على نجاحها ما نراه من سير الفرق الشعبية الاخرى في القطاع الجبلي على منوالها، إضافةً إلى ما تتلقاه من دعوات للمشاركة في المهرجانات المختلفة، سواء على مستوى المنطقة أو خارجها، حتى أنهم لا يستطيعون تلبية كل هذه الدعوات، لكثرتها ولحاجة تنفيذ أي مشاركة إلى الدعم المادي الكبير، لأن معظم ميزانيتها التشغيلية محدودة، لا تقوم إلا على جهود أعضائها الذاتية، وقليل من الدعم البسيط من غيرهم.

  لقد كان له بصفته المنشد الأول في هذه الفرقة، دور كبير وبارز في كثير من هذا التغيير والتطوير، وبالأخص فيما يتعلق بالتسجيلات واخراجها بكل نجاح، وهي بالطبع محور العمل الذي تقوم عليه كامل المشاركة، وانجازها هو الاساس الذي تقوم عليه بقية العملية، بما يشكل نسبة سبعين في المائة أو اكثر، ويبدأ العمل على تنفيذ هذه الفقرة، مع بداية إبلاغهم بالمشاركة، فحينها يتم التوافق على اختيار الألحان التراثية الأصيلة المناسبة، وتسلم هذه الالحان للشاعر لكي يرسم عليها اللوحات الفنية، وبما يتوافق مع مقتضيات اللحن وعنوان المشاركة، وإذا ما اكتملت الكلمات بالصيغة المطلوبة، يتم حينها البحث عن استديو مناسب للتسجيل، وهذه هي المرحلة الاهم والاعقد، فهي لا تقل أهمية عن سابقتها، وعادة يسبق التسجيل الجلوس مع مهندس الصوت، واطلاعه على فكرة هذه الألحان، والتوافق معه على طريقة أدائها، ليضع بدوره اللمسات الاساسية المناسبة للتنفيذ، ومن ذلك اختياره الطبقة الصوتية المناسبة التي ستؤدى به، ويبدأ المهندس في اختيار الإيقاع المناسب للمقام الذي بُنِيت عليه القصيدة، ثم تليها مرحلة التسجيل الطويلة والمُضنية، و تكون البداية مع المنشد الرئيسي، ليتم إدخال صوته بالشكل المطلوب، وهذا يتطلب اعادة التسجيل مرة واثنتين وثلاث وأكثر، إلى أن ينال الرضى والقبول التام، حيث يبذل لأجل ذلك جهداً مضاعفا ووقتاً طويلاً، فقد يستغرق النموذج الواحد ما بين أربع إلى خمس ساعات أو أكثر، وجودة العمل وإتقانه تقوم على الخلفية الفنية لمهندس الصوت وخبراته، فالبارع منهم والمتمكّن هو الذي يملك أذُناً موسيقية عالية، يستطيع من خلالها مساعدة المنشد على الأداء الجيد، ويعينه كثيرا على تلافي الأخطاء، فمن خلال هذا المهندس تظهر النتائج في اللمسات الاخيرة للعمل سلبا أو ايجابا، وبعد انتهاء تسجيل المنشد، يأتي دور تسجيل المرددين (الكورال)، ولا تقل اهمية عن سابقتها، حيث لابد من اختيارهم بعناية فائقة، لتكون اصواتهم قوية ومتناسقة، ولأجل ذلك قد يضطر إلى تجربة عدة أصوات حتى يختار منها الامثل، وإذا ما انتهى من تسجيل كامل اللوحة الاولى، انتقل بنفس الطريقة إلى تسجيل اللوحة الثانية ثم الثالثة وما يليها، وقد يؤجل التسجيل بين فترة واخرى، إذا ما شعر أن صوت المنشد أو الكورال مرهقة، فيلزمهم بأخذ الراحة حفاظاً على جودة العمل، مما يلزمه عدة ايام حتى يكتمل التسجيل ويكتمل العمل، وبعد الانتهاء من ادخال الاصوات البشرية، يتبعها حسن اختيار التوزيع الموسيقي المكمل، وهي خطوة  تُبيّن الفوارق الفنية بين مهندس وآخر، ليظهر بوضوح إبداع المبدع منهم والمتمكّن، وإذا ما اكتملت كامل اللوحات يتم الربط بينها من خلال التوزيع الموسيقي، مع مراجعتها ومنتجتها وإخراجها الإخراج النهائي، بعد التدقيق والتنقيح الكامل، فعملية التسجيل عملية شاقة، خصوصاً عندما يكون مهندس الصوت على قدر كبير من الثقافة والرؤية الفنية العالية.

وكم يفخر بأدواره المؤثرة في اداء هذه الفرقة، حتى أن مشاركاته خلال هذه السنوات بلغت أكثر من خمسين أوبريتاً، موزعةً بين المشاركات التي قدمت في الجنادرية على مدى عشر سنوات، والمشاركات الداخلية، ما بين احتفاليات اليوم الوطني، ويوم التأسيس داخل المحافظة، أو الاحتفاليات التي تُدعى فيها المحافظة للمشاركة، في المهرجانات العامة بمختلف النُّسَخ، كمهرجان جازان الشتوي، ومهرجان البُن، ومهرجان العسل، وشعراء فيفاء تركوا لهم بصمةً خالدةً ومشرّفة، من خلال مشاركاتهم المتعددة طوال هذه السنوات، يذكر منهم الشاعر الكبير سلمان بن قاسم الحكمي، والشاعر أحمد بن يحيى العبدلي، والشاعر يحيى بن أحمد قاسم الأبياتي، والشاعر محمد بن علي قاسم الخسافي، الذين رسموا البدايات القوية، التي ما يزال صداها قائماً إلى هذه اللحظة، فظهرت نماذج مشرّفة نالت استحسان وثناء الكثيرين، إضافة إلى رسمهم للنهج القويّ الذي يجب أن يكون نبراساً يسير عليه من جاء بعدهم، المتمثل في جزالة المعاني، وبلاغة المفردات، وفصاحة الألفاظ، وقوة الصور الشعرية، فانتقل تأثيرهم على فئة الشباب الذين شَرُفوا بالمشاركة في العديد من هذه المناسبات، ومنهم الشاعر سلطان بن سلمان الحكمي، والشاعر سلطان بن حسين المخشمي، والشاعر يحيى بن أحمد العبدلي، وقد تربّع هؤلاء الشعراء على عرش الإبداع، فأخرجوا لنا أروع الأمثلة في النماذج الشعرية المختلفة، وكانوا بحقّ على مستوى كبير جداً من الإبداع والإمتاع ، وكم نحن نفخر ونعتز بهم وبهذه الفرقة، التي قارب عمرها العشرين سنة، وهي مع الوقت تزداد خبرة وقوة وحنكة، حتى أصبح حضورها عاملاً مهما من عوامل التميز للمهرجانات، وفقهم الله وزادهم تميزا وابداعا.

وقد تلقى شخصيا خلال مسيرته الطويلة، سواء في التعليم، أو في المشاركات الاجتماعية والابداعية، كثيرا من شهادات الشكر والتقدير، ومن الدروع التذكارية، وغالبها كانت في مجال التعليم الذي يعشقه ويخلص له، ومن خلال المشاركات المجتمعية الأخرى، مما يصعب عليه استعراضها كلها، زاده الله توفيقا ونجاحا.

الحياة الاجتماعية :

  زوجته هي الفاضلة الاستاذة عائشة بنت علي جبران الداثري حفظها الله، معلّمة وربة بيت فاضلة، ومربية عظيمة، يصفها في كلمتين اثنتين بأنها (امرأة عظيمة)، لنستمع إلى حقيقة هذا الوصف، حيث تبدأ الحكاية من أول طفل يرزقانه، وما زال هو طالب في الجامعة، فبعد ولادتها بسنة، اصيبت بورم سرطاني في الثدي، ذلك المرض المخيف المؤذن بانتهاء الحياة، وبالذات مع ضعف الإمكانيات الطبية لمعالجته حينها، ولكنها تحلت بقوة الإيمان وعظيم الصبر، والرضا والتسليم التام بقضاء الله وقدره، مما ادخل على قلبيهما الطمأنينة، وبدءا في الرحلة العلاجية المكثفة، بعد ادخالها إلى مستشفى الملك فيصل التخصصي بالرياض، وبدأت فيه بأخذ العلاج الكيماوي، والجلسات الإشعاعية، ثم أجريت لها عملية جراحية لاستئصال هذا الورم، وتلتها خطة علاجية طويلة، إلى أن تماثلت بفضل الله تعالى للشفاء التام، ولا ينسى أنها كانت في تلك الفترة، وهي في المستشفى، كثيرا ما تطوف على معظم المريضات بالأورام في غرفهن، فتزورهن وتواسيهن وترفع من معنوياتهن، بل وتوصيهن بعدم الاستسلام لهذا المرض، وأن ترضى الواحدة منهن بما قسمه الله لها وقدره عليها، وتقول أن كلّ ما قدره الله على الانسان فهو الخير ولا خير سواه، ثم استمرت الحياة بعد ذلك وقد زال عنهما ذلك الكابوس المرعب، ليكمل دراسته ويتخرج ويتم تعيينه، وعندها حملت بحملها الثاني، وتلقى اتصالاً في احد الايام وهو في عمله، يبلغونه فيه بأن زوجته نقلت للمستشفى، لينطلق خلفها في الحال ويجدها طريحة الفراش، لا تستطيع تحريك الجزء الأيمن من جسدها بكامله، وبعد اخذ الأشعة المقطعية في مستشفى الملك فهد بأبي عريش، اتضح أنها مصابة بورم في الدماغ، وضرورة إجراء عملية جراحية عاجلة، ولكنه رفض القبول بذلك، وأخرجها على مسؤوليته، ليتوجه بها في الحال إلى الرياض، واجريت لها الفحوصات المبدئية في مستشفى الملك فيصل التخصصي، وكانت النتيجة مطابقة لما تقرر في مستشفى الملك فهد بجازان، وبعد اجتماع اللجنة الطبية بالمستشفى، أفادوهما بعدم قدرتهم عمل أي شيء لها بسبب حملها، وكانت في اشهره الأخيرة، ولهذا بقيت داخل المستشفى إلى أن تمت ولادتها، ثم بدأت الخطة العلاجية بالعلاج الكيماوي والإشعاعي، إلى أن تم إقرار العملية الجراحية الخطيرة جداً، لكونها في الدماغ، ولا تحتمل أي نسبة من الخطأ، وقرر الأطباء وضعهما في الصورة الحقيقية، وأخبروهما أن نسبة نجاح العملية لا يتجاوز١٥٪ فقط، وإذا ارتفعت النسبة فمن المحتمل بقاء الجسم مشلولاً، وتركوا لهما اتخاذ القرار النهائي بنفسيهما، مما جعله شخصيا في موقف صعب وأليم جدا، واصبح اتخاذ القرار من أصعب القرارات في الحياة، ولذلك لم يحري جوابا وبقي صامتا مكتوف الأيادي، ولكنّ الزوجة المؤمنة المحتسبة، بددت كل تلك الحيرة، وقالت بكل ايمان، سأصلي صلاة الاستخارة (وما اختاره الله لنا ففيه الخير والخيرة)، وبعد ذلك طلبت من اللجنة الطبية الحضور لإبلاغهم بقرارها، وعندها اخبرتهم من دون تردد، بموافقتها التامة على قرار إجراء العملية، وعلى الفور حدد موعد هذه العملية، وعلى موعدها أُدخلت إلى غرفة العمليات، واستمرت العملية أكثر من أربعة عشر ساعة، كانت (كما يصفها) بانها أطول فترة زمنية مرّت عليه في حياته، فالدقيقة تمر عليه وكأنها ساعة كاملة، وهو مسمر امام الشاشة الخاصة بعمليات المرضى، إلى أن ظهرت الرسالة بانتهاء هذه العملية، ليهرع من فوره إلى غرفة الإفاقة، حيث وجد زوجته قد اخرجت بحمد الله بصحة جيدة، وليخرج عليهما الطبيب الجراح بعد قليل، وما زال في نفس لبس العمليات، وقام فورا بتحريك يدها اليمنى، وتجريب الإحساس في الرجل اليمنى، رافعا يديه إلى السماء حامداً لله وشاكراً له، ثم قال أحبّ إبلاغكم بأن نسبة نجاح العملية ارتفعت إلى ٨٠٪، وبقية النسبة ستتحدد مع الأيام بإذن الله تعالى، وعقب بأن الوصول إلى هذه النسبة كان شبه مستحيل، لكنّها قدرة الله تعالى فوق كل قدرة، وقد استمرت  الخطة العلاجية بعد ذلك، لتصل نسبة النجاح إلى ١٠٠ ٪، ولله الحمد والمنة، وهي صابرة محتسبة لا تفتر من الدعاء والذكر، ولهذا استحقت منه وصفها بالمرأة العظيمة، حفظها الله وكتب اجرها ورفع قدرها، وعافى كل مريض من المسلمين.

  لقد ساندته وازرته وهو طالب، ثم في عمله متنقلا، بل فرغت له وقته ليعمل ويبدع وينجح، وتكفلت ببيتها وولدها، ولم تقلقه بشيء منهما، ورزقا بثلاثة من الولد، ابنتين وولد، وهم على النحو التالي: 

١- سوسن، طالبة في جامعة جازان، كلية الحاسب.

٢- لمياء، طالبة بجامعة جازان، كلية الحاسب.

٣- حاتم، طالب في المرحلة المتوسطة.

حفظهم الله وبارك فيهم، وحفظها من اسرة مباركة، وحفظه وبارك فيه وادام له التوفيق والسداد.

                           والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

محبكم/ عبدالله بن علي قاسم آل طارش الفيفي ـ أبو جمال

الأستاذ حسن بن يحيى علي الداثري الفيفي

الرياض في 26/3/1446هـ

 

‫2 تعليقات

  1. يقول
    ابو باسل -هادي قاسم

    The Real Person!

    Author ابو باسل -هادي قاسم acts as a real person and verified as not a bot.
    Passed all tests against spam bots. Anti-Spam by CleanTalk.

    The Real Person!

    Author ابو باسل -هادي قاسم acts as a real person and verified as not a bot.
    Passed all tests against spam bots. Anti-Spam by CleanTalk.
    :

    انعم واكرم به وباسرته اباء واخوال رموز وهامات وهذا الشبل من ذاك الاسد اتفق الجميع على محبتهم وحفروا اسمائهم في قلوب وعقول كل من عرفهم اتسموا بالقوه والعظمه في كل شي وليس اقلها ما قرأناه في هذه السيره العطره دون ان تلمس اي اثر لهذه الاعلباء التى تنوء بها الجبال على محياهم
    بارك الله في ابي حاتم ونفع به والله انه ممن نفخر ونفاخر بهم ليس على مستوى فيفاء والمنطقه بل على مستوى المملكه
    شكرا لك ابا جمال على الابحار بنا في هذه السيره العطره

  2. أبوحاتم جمع من الصفات الحميده والخصال الكريمه الكثير فهو شخصية اجتماعية محبوبه من الجميع ولا يتفق الناس على شخصية جزافا ما لم يكن اهلا لذلك فعندما تقابله تحس انك تعرفه منذو زمن بعيد لأنك باختصار تألفه وتألف حديثه وهذا فضل الله يؤتيه من يشاء
    بارك الله فيه وعليه وزاده من فضله
    أما إنجازاته في خدمة مجتمعه وما قدمه ويقدمه في إبراز فرقة فيفاء الشعبيه ومشاركاتها المتميزة وهي منبر إعلامي هام لابراز المنطقة واهلها فالواقع لا يحتاج للحديث فأعمالهم تتحدث عنه وعنهم وكلنا رئينا ذلك

    ‎خُذ ما تَراهُ وَدَع شَيئاً سَمِعتَ بِهِ
    ‎في طَلعَةِ الشَمسِ ما يُغنيكَ عَن زُحَلِ

    نتمنى لهم المزيد من التقدم والازدهار 🌹🌹🌹
    كل الشكر والامتنان لابي جمال على اتحافنا بسيرة هذا الرجل المكافح والمخلص ولأسرته العظيمة فعلا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى