القلب مَصدرُ القوة ومُستودَعُ الإيمان
قال إمام وخطيب المسجد الحرام الدكتور بندر بن عبدالعزيز بليلة – في خطبة الجمعة -: القلب مَصدرُ القوة، ومُستقَرُّ الروح، ومُستودَعُ الإيمان، وهو موضعُ نظرِ الربِّ ومَحَلُّ رِضاه، وهو عُدةٌ لصاحبه إن سَلِم يومَ الوُفودِ على مولاه، قال النبيُّ: «إن الله لا ينظرُ إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم».
وأضاف: تعاهُدُ القلبِ ورعايتُه، وإصلاحُه وتطهيرُهُ ووِقايتُه: واجب مُحَتَّم، وأمرٌ عند الله معظَّم، وبه فوزُ العبدِ ونَجاؤُه، وسَعْدُهُ وهناؤه، وهل النعيمُ إلاّ نعيمُ القلب وهل العذابُ إلاّ عذابُ القلب ألا وإن لذلك وسائلَ وأسباباً، وطُرقًا وأبواباً، فأولها وأولاها: الإخلاصُ لله تعالى، وأن يُعلِّقَ العبدُ قلبَه بربه سبحانه، ويكونَ له قولُهُ وعملُهُ وتركُه، ويَبْرأَ مما سواه من المخلوقات.
وذكر أن مما يُصلحُ القلبَ فعلُ الطاعات، مِن فرائضَ وواجباتٍ ومُستحبات؛ فإنها تُنوِّر القلبَ وتجلُوُه، وتُثَبِّتُه وتُقوِّيه، وبضدِّها المعاصي والذنوب؛ فإنها تُظلِمُ القلبَ وتُغويه، وتُمرِضُهُ وتُردِيه، مبيناً أن ذِكرُ الله جِلاءٌ للقلب، وروحٌ يَحيا به، ونورٌ يستضيء بقَبَسِه، وهو له كالغِذاء للجسد، والماءِ للزرع.
وقال: إذا أقبل العبدُ على القرآن تلاوةً وعملاً وتدبُّرًا رقَّ قلبُهُ وراق، وحَفَّه الخيرُ والضياءُ والإشراق، كيف لا، وكتابُ الله هو الهُدى من الضَّلالة، والمُبدِّدُ لظُلَمِ الجَهالة، وهو الشفاءُ من الأسقامِ البدنيةِ والقلبية، والعِصمةُ في الأمورِ الدينيةِ والدنيوية.
وأبان أن لله في أكوانه آيات ظاهرات، ومُعجزات باهرات، تشهدُ بعظمة الخالقِ وجمالِ الخلق، وتدعو إلى التدبُّر والتبصُّر واليقين، ألم تَروا إلى هذه الأرض التي منها تُخلَقون، وعليها تعيشون، وعلى ظَهرها تدرُجون، وفي بطنها تُدفنون جعلها اللهُ بِساطًا ومِهادًا وقرارًا، وقدَّر فيها الأرزاقَ والأقواتَ إنعامًا منه وإفضالاً واقتدارا، ثم شاء سبحانه فزلزلها إعذارًا وإنذارا، وإن تَزلزُلَ الأرضَ مَدعاةٌ لتَزَلْزُلِ القلبِ ويَقَظَتِه، ولينِه بعد قَسوتِه، تعظيمًا لله ووَقارا، وإخباتًا له وانكسارًا، وبُعدًا عن مَناهيه، وتلمُّسًا لمَراضيه.
وأضاف: فُجع الناسُ بما جرى في بعض ديار المسلمين من الزلازل المدمِّرة، والرَّجَفَات المُروِّعة، ولله سبحانه الحمدُ على ما قدَّر وقضى، يبتلي بالسراء والضراء، ويختبِرُ في المنع والعطاء، ويَعِد الصابرين بالرحمة والهُدى والصلوات، وله الحكمةُ البالغةُ والرحمةُ السابغةُ في البَلايا والمصيبات، وإنا لنرجو منه سبحانه أن يجعل أولئك المنكوبين في حِرزه وضَمانه، وكَنَفِه وإحسانه، وأن يشفيَ مرضاهم، ويُداويَ جرحاهم؛ ويرحمَ موتاهم.
وتابع: لقد كانت هذه البلادُ المباركةُ المملكةُ العربيةُ السعوديةُ خيَر مِعوانٍ في هذا المصاب الجَلَل، فمَدَّت أياديَ العون والعَطاء، وغَدَت للمضرورين منه روضَ خيرٍ وسَحابَ نَدى، فشكر اللهُ لخادمِ الحرمينِ الشريفينِ وسموِّ وليِّ عهدِهِ ما أَمرا به ووجَّها، وأحسن إليهما، وأجزل لهما الأجرَ والثواب، ولا يَفَتْكم أيها الموفَّقون أن تُصيبوا من هذا الخير، برفِدِ المصابين في ذاك الحدث ومساعدتهم من خِلال الجهاتِ الرسمية، واللهُ في عونِ العبدِ ما كان العبدُ ما في عون أخيه.