أخبارنامقالات

المملكة تمسح دموع السياميين

سبق: ياسمين المحمد

المملكة تمسح دموع السياميين

لم يجد الوالد المحب وسيلة أفضل من السجود لله تعالى في خشوع ورهبة للتعبير عن المشاعر التي انتابته في لحظة استثنائية من حياته؛ فسجد ودموعه تنساب غزيرة، تغسل ما علق بذاكرته من معاناة، وما أرهق عينيه وجلب له السهر، لكن رحمة الله تعالى سخّرت له من أخذ بيده، وزرع الفرح في قلبه من جديد.

كان ذلك هو حال محمد عبدالله جاسم، والد التوأم السيامي العراقي عمر وعلي، اللذين أُجريت لهما عملية جراحية معقدة خلال الأسبوع الماضي بمستشفى الملك عبدالله التخصصي للأطفال على نفقة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله-، تكونت من 6 مراحل، واستغرقت 11 ساعة، بذل فيها الفريق الطبي بقيادة الجراح العالمي الدكتور عبدالله الربيعة جهودًا كبيرة، حتى تكللت بالنجاح الباهر.

واشتُهرت المملكة خلال السنوات الماضية بإجراء العشرات من عمليات فصل التوائم السيامية، وهي عمليات شديدة التعقيد، ومكلفة ماديًّا؛ إذ تتجاوز تكلفة العملية الواحدة في كثير من الأحيان مليون ريال، وتتطلب قدرات نوعية، ويقوم بها فريق طبي خاص على أعلى المستويات، يضم عددًا من المستشارين ذوي القدرات الاستثنائية، وتتم في بيئة طبية معينة، لم تكن حتى الأمس القريب متوافرة في دول المنطقة؛ لذلك كان إجراء هذه العمليات محصورًا على الولايات المتحدة والدول الأوروبية المتقدمة.

وتكمن صعوبة تلك العمليات في أن معظمها يهدف إلى فصل توائم يلتصقون في مناطق حساسة من الجسد، مثل الرأس أو الصدر أو الحوض؛ ما يعيق حركة كلا الطفلين، ويكون مصيرهما في غالب الأحيان هو الموت.. لكن لأن الإرادة السعودية لا تعرف الاستسلام، ولا توجد في قاموسها مفردة المستحيل، فقد اهتمت السعودية بتأهيل عدد من كوادرها الطبية المتميزة في هذا المجال؛ فنالوا أعلى الشهادات من أرفع الجامعات العلمية المتخصصة في هذا المجال العلمي الدقيق؛ لذلك فإن النجاح الفائق الذي تحقق منذ إجراء أول عملية في الحادي والثلاثين من أغسطس 1990 كان نتيجة طبيعية لهذا التخطيط الدقيق المحكم؛ إذ قام الفريق الطبي السعودي، بتشجيع ودعم مباشر من القيادة السياسية، بإجراء 54 عملية ناجحة حتى الآن. ولا يتم الاكتفاء بفصل الأطفال، بل تبدأ عملية تأهيلهم للاندماج من جديد في الحياة بصورة طبيعية.

ونظرة سريعة لقائمة الذين أُجريت لهم العمليات خلال الفترة الماضية تكشف بوضوح أن البُعد الإنساني هو المعيار الأساسي والمحرك الرئيسي لهذا الجهد اللافت، بغض النظر عن الدين والجنس والعرق وأي اعتبارات أخرى.. فلم يكن الاهتمام مقصورًا على دولة محددة أو منطقة بعينها، بل شمل أطفالًا من قارات العالم كافة، كثير منهم لا يدينون هم ولا عائلاتهم بدين الإسلام.

هذه المبادرات الإنسانية الراقية والمتقدمة استحقت تقدير الجميع، ووجدت إشادة واسعة؛ إذ تُخاطب الوجدان الشعبي مباشرة بدون الحاجة إلى وسيط؛ وهو ما أسهم في تشكيل رأي عام إيجابي عن السعودية.

كذلك تسابقت وسائل الإعلام العالمية على التنويه بها، وأفردت مساحات واسعة لتغطية أخبارها بسبب نسبة النجاح المرتفعة في تلك العمليات، بما يضاهي أكبر المراكز الطبية العالمية؛ وهو ما حقق سمعة طيبة لمؤسساتنا الطبية.

أما ردود الفعل الشعبية فهي أبلغ من أي تعبير، وفوق الوصف.. ويكفي لتأكيد ذلك أن والد التوأم السيامي الكاميروني “فنبوم وشفوبو”، اللذين أُجريت لهما العملية في يوليو 2007، نقل لأهالي قريته ما رآه من إنسانية، وما لمسه من عطف ونبل وصدق في التعامل، ووصف لهم كيف أن الأطباء السعوديين يمزجون بين المهنية والرحمة في عملهم؛ فأعلن كل سكان القرية إسلامهم. فهل يوجد تجسيد أوضح من ذلك لتعاليم الإسلام السمحة والقيم الإنسانية الأصيلة؟

المملكة تمسح دموع السياميين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى