
في كل رقمٍ في جوالي حكاية، وفي كل اسمٍ ذكرى، وفي كل اتصالٍ معنى من معاني الوفاء.
ولأني أؤمن أن العلاقات لا تُقاس بعدد اللقاءات ولا بطول الأحاديث، بل بصدق القلوب وصفاء النية، جعلت لنفسي من كل شهر يومًا أعتكف فيه عن صخب الدنيا، وأغلق أبواب الانشغال، لأفتح نافذة التواصل مع أحبتي.
أجلس في ذلك اليوم بقلبٍ هادئٍ، وعينٍ تفيض امتنانًا، أتنقل بين الأسماء التي حفظتها الأيام في جوالي، وأبدأ أكتب…
لا أرسل كلماتٍ عابرة، بل رسائل تخرج من القلب لتصل إلى القلب.
أكتب لكل واحد منهم باسمه، كما لو أني أجلس أمامه، أستحضر ملامحه في ذهني، وأبعث إليه جملة من نور:
“كيف حالك؟ طمّني عنك. اشتقت لحديثك الجميل. دعوت لك اليوم.”
كلماتٌ بسيطة، لكنها حين تخرج بصدقٍ، تصبح كأنها بلسمٌ للروح.
قد تصل رسالتي إلى من ضاق صدره في تلك اللحظة، فيفرح بها كمن وجد نسمة بردٍ في قيظٍ شديد.
وقد تصل إلى محزونٍ، فتواسيه وتخفّف عنه وجعًا لم يبح به لأحد.
وقد تقع بين يدي من كان ينتظر إشارة صغيرة، كلمة فيها اهتمام، فيها دفء، فيها وفاء، فتكون كأنها حياةٌ جديدة تهبه أملًا بعدما كاد ينطفئ.
تعلّمت أن جبر الخواطر لا يحتاج مالًا ولا جهدًا، بل إحساسًا صادقًا.
أن تضع في كل كلمة دفء قلبك، وفي كل سلامٍ نية طيبة، وفي كل “كيف حالك؟” حبًّا صافيًا.
فما أجمل أن تبعث في غيرك حياةً بكلمة، وتزرع في صدره سعادة بلحظة، وتشعره أنه ليس وحده في هذا العالم.
أنا لا أرى أصدقائي مجرد أسماءٍ في سجلٍّ رقمي، بل أراهم نِعَمًا من الله أُحبها وأحفظها بالدعاء.
أحترم كبيرهم كأني أحد أبنائه، وأحنّ على صغيرهم كما أحنّ على أخي الصغير، وأسأل الله أن يبارك فيهم جميعًا.
وليس التواصل عندي عادة، بل عبادة.
عبادةٌ خفية لا يعلمها إلا الله، أرجو بها رضاه، وأستمدّ منها توفيقًا في أيامي، وسكينةً في قلبي.
وكم رأيت من أثرها الجميل في حياتي…
حبٌّ صادق يحيطني من كل جانب، واحترامٌ وتقدير أينما ذهبت، وبركةٌ عجيبة في الوقت والعمل والنية.
أيقنت أن من جبر خواطر الناس، جبر الله خاطره، ومن سأل عن الآخرين، سخّر الله له من يسأل عنه في غيابه.
لذلك، أوصي نفسي وأوصيكم:
تعاهدوا أحبابكم، واسألوا عنهم، لا تنتظروا مناسبة.
ابعثوا لهم رسالة من القلب، كلمة طيبة، دعاءً صادقًا، سؤالًا دافئًا.
كونوا مفاتيح للخير، مغاليق للشر، وازرعوا في قلوب الناس أثرًا لا يُمحى.
أما أنا، فالله يشهد أني لا أنسى أحدًا أودعته في جوالي، ولا أتغافل عن أحدٍ كتب الله لي معرفته.
أتفقدهم من حين لآخر، أرسل، وأتصل، وأدعو، لأنهم جزءٌ من حياتي، ولأن في السؤال عنهم سعادةً لا تشبه شيئًا.
فما أجمل أن تُرسل رسالة قصيرة، لكنها تحمل في داخلها روحًا كاملة من الحب، والاهتمام، والإنسانية.
فيا كل من تصلك كلماتي، اعلم أنها خرجت من قلبٍ صادقٍ يحبّ لك الخير كما يحبّه لنفسه، واعلم أن في كل “السلام عليكم” نيةً جميلة، وفي كل “كيف حالك؟” دعوةً بأن تكون بخير، وأن التواصل ليس مجرد رسالة…
بل حياة تُكتب من جديد.



