مقالات

رحلة الجزائر (الحلقة الخامسة)

إعداد الشيخ :عبدالله بن علي قاسم آل طارش الفيفي ـ ابو جمال

رحلة الجزائر (الحلقة الخامسة)

الجمعة 1444/8/25هـ 17/3/2023م

 حاولنا أن نبكر في صباح هذا اليوم، فأمامنا اعمال كثيرة، ومسافات بعيدة علينا أن نقطعها، افطرنا في الفندق وانطلقنا مباشرة، كان اتجاهنا إلى جنوب شرق المدينة، بمسافة حوالي عشرين كم، وخرجنا من الاحياء في هذا الاتجاه، صعودا في المرتفعات المجاورة، كان طريقنا إلى منطقة مغارات مشهورة هنا، وبعد حوالي سبع كيلومتر وجدنا شلالات جميلة، (شلال الأوريت). 

مياهها تنحدر من جبال مرتفعة في هذه الجهة، والطريق يمر بجسر فوقها مباشرة، وبعد الجسر تلقى مدخل لهذه الشلالات وفيه مواقف للسيارات، اوقفنا سيارتنا ضمن السيارات الواقفة في هذا المكان، ومنه اطلاله على المنظر الجميل بالأسفل، حيث اخذنا بدرج في جانب المواقف يهبط بك إلى مستوى الشلال، وهناك ممرات مبلطة في اطراف الوادي من هذه الجهة والجهة المقابلة له، ويمتد بينهم من تحت جسر السيارات، ومن خلاله فتحتات يخترقها الماء، والشلال امامنا ليس بذلك الضخامة، ولكنه متوسط، ويتدفق بكل هدوء في فرعين متلاصقين، ليصبا خلف صخرة هناك متوسطة الحجم، ليكوّن بعد هذه الصخرة بحيرة صغيرة، تمتد في فسحة من الوادي، تبلغ حوالي سبعة امتار عرضا في حوالي عشرة امتار، ثم يواصل سيره إلى داخل الوادي، جلنا في المكان واستمتعنا بالفرجة على الماء في تدفقه وفي قراره، والمنظر العام باشجاره وتكويناته البديعة، ثم غادرنا مواصلينا إلى غايتنا الاساسية، وارتفعنا فوق الهضاب المقابلة في انحنائات ذات اليمين وذات الشمال ومررنا بقرية صغيرة (عين فزة)، اخترقناها لنتجه بعدها يمينا في ارتفاع بسيط، إلى اعالي جبال عين فزة (500م)، لنصل بعد مسافة بسيطة إلى الموقع المقصود، وندخل من البوابة المفتوحة وفوقها قوس مكتوب عليه (مغارة بني عاد ترحب بكم).

دخلنا وهالنا الاعداد الكبيرة من الموجودين هناك، ومعظمها مجاميع من طلاب المدارس، يبدو أن مدارسهم تعد لهم هذا الرحلات الجماعية، في مثل هذا اليوم الجمعة العطلة الاسبوعية، ويقدمون في حافلات كبيرة مع معلميهم، وهناك العديد من العائلات ، والمكان مهيئ بالمواقف الواسعة، وكشكات على جوانب الطريق للتسوق ولبيع المأكولات، وغيرها من الاشياء التذكارية والتحف، وفي المحيط حدائق واسعة للجلوس، ودورات مياه وغيرها، المكان واسع ومستوى لا ترى فيه ما يلفت نظرك، من وجود تكوينات أو شيء من هذا القبيل، ويوجد في احد الزوايا كشك لبيع تذاكر الدخول، اخذنا تذاكرنا ثم اتجهنا مع الناس إلى مقدمة المكان في ممر خاص، فاذا بنا بباب كبير على اليمين لندخل منه، فاذا انت امام درج تدخل منه إلى داخل المغارة تحت الارض، وفي بدايته فسحة لامتار قليلة، ثم تجد درجا واسعا يهبط بك إلى العمق، لتنتقل إلى عالم من الجمال الرهيب.

كهف لانهاية له، تتشكل داخله صخور كلسية، تصعد من الاسفل الى الاعلى وتتدلى من الاعلى الى الاسفل، تكونت على مدى الاف من السنين، متعددة الاشكال والالوان والتعرجات، يهبط بك السلم لما يقارب اربعين درجة او يزيد، ثم يمر بك ويتعرج بين هذا التكوينات المخيفة، ما لو لم تكن الاضاءة تكشف اسرارها، ويوجد امامك ممر عرضه من مترين إلى ثلاثة امتار، تلتزم بالسير في داخله وتحوطك دربزينات من الحديد على الجانبين، بارتفاع متر وحوالي نصف المتر، تتعرج في طريقها لتمر بكل زوايا المكان، وتعود بك من اقصى المكان في تعرجاتها حتى تعود إلى المخرج الاول، وهناك اعداد كبيرة معك من الزوار، تسير معك في هذا الممر في اتجاه واحد لا تحيد عنه، تتبع الاسهم واللوحات الارشادية.رحلة الجزائر (الحلقة الخامسة)

يوجد في بعض الاماكن لوحات تعريفية باسم المكان الذي هي فيه، مثلا قاعة الملك، وتحتها مكتوب (سميت كذلك لأنها تحتوي على كرسي يشبه عرش الملك)، أو قاعة الملكة، وتحتها (هي اجمل قاعة بالمغارة تحتوي على نوازل تشبه السيوف وهي على عمق 57م تحت الأرض)، وقاعة الينابيع، مكتوب فيها (تحتوي على العديد من الينابيع والاشكال والنوازل المجوفة)، القاعة الكبرى، وفيها (هي اكبر قاعة تحتوي على اطول عمود يفوق طوله 18 متر)، مكان جميل ومبهر ويحتوي على العديد من الالوان الابيض والاخضر والازرق والاصفر والاحمر، تعيش في عالم من الخيال والجمال والرهبة، ولولا الناس من حولك والاضاءة في كل زاوية سيكون الدخول إليه مرعبا، طفنا داخل المغارة بمسافة تقارب النصف كيلو ذهابا إلى اقصاها ثم العودة إلى مبتداها، واستمتعنا كثيرا لأكثر من ساعة، ثم خرجنا منها لنعاود طريقنا متجهين إلى مدينة وهران.

وهران الملقبة (بالباهية) تعتبر ثاني اكبر المدن بعد الجزائر العاصمة، وهي مركز اقتصادي وميناء بحري هام، عدنا من جهة المغارة إلى (قرية فزة) حيث لا يوجد طريق غيرها، وقبل أن ندخل القرية من جهة الغرب، استوقفنا مشهد مزارع يحرث ارضه ، والآفت للنظر أنه يستخدم حمارين (ضمد) لجر المحراث.

واصلنا طريقنا حتى اخترقنا كامل القرية، ثم اتجهنا يمينا إلى الجهة الشرقية مباشرة، وواصلنا في طرق داخلية بين التلال والوديان في هذه المنطقة، ونتدرج معها إلى الشمال الشرقي قليلا، حتى نصل إلى الخط الرئيسي (السيار)، مررنا بعدة قرى ومدن صغيرة، ومن اسمائها، الأخضر، أولاد ميمون، ميس، تاحموين، محجره، سليت العلويه، سيدي سنوسي، سيدي عبدلي، بن سكران، وبعدها صادفنا الطريق السريع، لننطلق في طريقنا إلى مدينة وهران، وصادفنا كذلك العديد من التسميات ومنها، حاسي زهانه، سيدي يعقوب، عين تيموشنت، عين البرد، وادي تليلات، الكرمه، أزريو، المهدية، الحمول، تمزوغه، طافراوي، بلقايد، ودخلنا وهران من الجهة الجنوبية الغربية.

 وهران مدينة كبيرة ، وبها مطار دولي (احمد بن بلة)، وفيها ميناء تجاري ضخم ، سلكنا من جواره في طريقنا إلى الجبل المشرف على المدينة (مرجاجو).

هدفنا الاطلاع من هناك بشكل اوسع على المدينة، تتبعنا الطريق المؤدي إليه بعد الميناء في الاحياء القديمة، بشوارعها الضيقة وبيوتها الاثرية، الى أن اخذنا بالطريق النافذ إلى الجبل، يتغلغل بين الغابات والاشجار الضخمة، صعدنا مع تعريجاته واطلالاته الرائعة، ترى البلد من تحتك والميناء والبحر والسفن تمخر داخله، تأخذ بك الطريق يسارا، ثم تتجه يمينا، إلى حافة الجبل المشرفة على البحر، ثم يسارا فاذا نحن بكنيسة ضخمة تحت الطريق مباشرة (سانتا كروز) بنيت عام 1850م، توقفنا عندها لنلقي نظرة، هناك درج ينزل من الطريق العام ليصل إلى ارضية الكنيسة، في حدود عشرين مترا، لم ننزل بقينا في اعلى الدرج نستطلع من هناك، وكأنها انما بنيت للزينة والتفاخر فهي في مكان معزول، وبنيت على شكل المساجد الاسلامية، بناء مستطيلا فوقه قبة كبيرة، ولها ملاحق وافنية واسعة، تحوطها اقواس شبيه بأقواس المساجد، ولولا الصلبان فوقها وفي زواياه لحسبتها مسجدا من خلال الشكل العام، وفي نهاية هذا البناء من الجهة الخارجية منارة (صومعة) عالية تطل على المدينة، طولها في حدود اربعين مترا، يعلوها تمثال ابيض، لامرأة واقفة تتجه إلى المدينة.

فوق هذه الكنيسة في اعلى الجبل الذي هي فيه، يوجد قلعة ضخمة (قلعة سانتا كروز)، بناها الاسبان بين عامي 1577 و1604م، هناك بعد الكنيسة بحوالي ثلاثمائة متر يوجد موقف للسيارات، فالسيارة لا تصل إلى موقع القلعة بل عليك السير لحوالي مائة متر، توقفنا قليلا ونحن ننظر فوقنا في اعلى قمة الجبل مسجد مطل من هناك، ونشاهد الحدائق حوله والحركة، والتلفريك صاعدا ونازلا من المدينة، إلى محطة بجوار هذا المسجد، ولذا الغينا فكرة الدخول إلى هذه القلعة، وقررنا مواصلة السير إلى الاعلى، لمكان المسجد،  ومن هناك نستطيع الاطلالة بشكل افضل على هذا المكان وعلى البلدة، وفعلا وصلنا الاعلى، فاذا هو ساحات منبسطة فوق القمة، يحتوي اضافة إلى المسجد، على حدائق واسعة وخدمات تسويقية، وهناك عالم ضخم من الزوار، حيث وصلنا اثناء خروج الناس من صلاة الجمعة، في هذا المسجد (مسجد رباط الطلبة).رحلة الجزائر (الحلقة الخامسة)

ويتوافد الناس إلى هذا المكان من المدينة (وهران)، ومن المدن الاخرى القريبة للسياحة، وبالذات وهذا اليوم الجمعة عطلة اسبوعية، فهناك العديد من الاسر والرحلات الطلابية وغيرها، سارعنا إلى المسجد وهم على وشك اغلاقه بعد انصراف الناس، فاستأذنا لنتوضأ، ودخلنا إلى المسجد، وصلينا الظهر والعصر جمعا وقصرا، وبعد الصلاة لاحظنا امام المسجد جالسا في احد اطراف المسجد، فاتجهنا إليه وسلمنا عليه (الشيخ عاشور)، ورحب بنا واحتفى بنا كثيرا، والتقطنا معه بعض الصور، وحرص على أن يلبسني البرنس الابيض الخاص به.رحلة الجزائر (الحلقة الخامسة)

وخرجنا من المسجد لنستطلع المحيط والمطلات من حوله، كان في الأمام من جهة القبلة بناء صغير، لا يتجاوز مساحته عشرة امتار في عشرة، وارتفاعه حوالي ثمانية امتار، وفوقه يرتفع بناء زواياه بشكل لافت، لما يقارب المترين لكل منها، واسفل جدرانه مكسوة بالبلاط السراميك، في شكل وزرة في حدود المتر والنصف، وفوقها مصبوغ بالبوية الزرقاء، لحوالي ثلاث امتار، والباقي من الاعلى بالرخام الابيض، وفوقه في وسط البناء منارة اصطوانية،  كثيرة الفتحات الدائرية، مما يشبه برج الحمام، وفوقها قبة خضراء، وللمبنى باب واحد صغير في الجهة الجنوبية، وفوقه لوحة صغيرة مثبتة، مكتوب عليها ( مقام سيدي عبدالقادر الجيلاني ـ قدس الله سره)، وترى الناس يتزاحمون للدخول إليه، وبالأخص النساء وبعض كبار السن، وفي إطلالة استطلاعية لداخله من خلف الناس، لم ارى داخل شيء إلا فرشة بسيطة.رحلة الجزائر (الحلقة الخامسة)

 تجاوزناه إلى الخارج على المطل، فاذا هناك درج يهبط في حوالي عشرين درجة، ليصل في نهايته إلى كهف، يرى في داخله جدار لا ندري ما خلفه، وما هو وماهيته، ولم نصل إليه ولم نسأل، اخذنا جولة عامة على المكان وفكرة شاملة، واستمتعنا بمشاهد المدينة بكامل محيطها من هنا.

ثم اتجهنا للجهة المقابلة من الساحة لنطل في الجهة الشمالية، ولا يرى من هناك إلا البحر بامتداده وجماله، وبعدها اخذنا بالهبوط من حيث قدمنا لنعود إلى داخل البلد، وجلنا فيها سريعا في طريقنا للمغادرة والعودة إلى العاصمة الجزائر، فقد اكتمل الغرض من الاطلاع والتعرف وتحقق بحمد الله الكثير من ذلك.

   توقفنا في اطراف المدينة عند بعض الاسواق الحديثة، واخذنا جولة داخل احد هذه الاسواق، المزدحمة بالمتسوقين، ولاحظنا فيها حركة دائبة، وبه من جميع المنتجات الحديثة، من الملابس والعطور والاكسسورات، وكل متطلبات الانسان العصري في هذا الزمن، جلنا فيه واخذنا فكرة عابرة، ثم تابعنا سيرنا نحو العاصمة الجزائر، فامامنا اربعمائة كيلو متر، وهي نفس الطريق الذي عبرناه بالأمس في طريقنا إلى تلمسان، والتسميات التي سجلناها على الطريق وقد يكون معظمها سجلناه من قبل، ومن هذه التسميات، سيدي شحمي، البرية، عقاز، بني شقران، ولاية غليزان، مستغانم، بلل، حمادية، مازونة، وادي رهبو، وادي الفضة، الكريمية، تيبركانيين، وادي الزواتية، العطاف، عين الدفلي، خميس مليانه، الحجاج، المعايف، وادي تيكيزال، أولاد سعادة، أولاد رحمه، الدوي، بوراشد، مليانه، اولاد زيرتي، أولاد صلاح، عين الحاج، سيدي بو بغله، الحجل، قمة عين تصيف، أولاد مهدي، بلحاج الطاهر، الحسينه، بن زغيمي، التسييه، عين الرمانة، الشفة، البليدة ، بوفاريك، إلى أن دخلنا العاصمة الجزائر بعد صلاة العشاء تقريبا.

 والى فندقنا السابق حيث عدنا إليه، وبعد تناول العشاء في الجوار، عدنا لنهنئ براحة بعد يوم طويل، واستعدادا لليوم التالي بمشيئة الله.

رحلة الجزائر (الحلقة الخامسة)

والى الحلقة التالية بمشيئة الله.

 محبكم / عبدالله بن علي قاسم آل طارش الفيفي ـ ابو جمال

   الرياضتوقيع الشيخ

 

تعليق واحد

  1. ما شاء الله رحله جميله موفقه يا شيخ – عبدالله – وإعداد أجمل عشنا معك جو الرحله بتفصيلاته وعرفنا ما تحويه الجزائر من أثار وأسماء غريبه كذلك أتحفتنا بالتصوير المتقن للمعالم التي زرتموها في هذه الرحله فمن لي بك ايها الرحاله والكاتب المتمكن أمتعتنا بهذا النقل الرائع لهذه الرحلة فبارك الله وحفظك وادام عليك الصحة والعافية كم أتحفتنا برحلات متنوعة وشرح وقصص موثق من رحلاتك لبلدان العالم..
    فشكرا لك أيها الحبيب الغالي..
    ⚘️⚘️⚘️

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى