
رحلة الهند الحلقة الخامسة
الجمعة 1446/7/24هـ
مع صباح هذا اليوم وبعد تناول الافطار، قررنا أن نستكمل الرحلة الأخرى (السفاري)، التي يقوم عليها المكتب السياحي، وكانت قصيرة لمسافة عشرين كم ، إلى بعض مزارع الفواكه المتعددة، والمطلات الجميلة، وبالفعل كانت الرحلة تخترق بنا البلدة كالأمس، ولكنها تتجه إلى جهة الشرق إلى عقبة هناك نهبط منها إلى السهول الممتدة في هذه الجهة، لم نخرج كثيرا من البلدة حتى وجدنا لوحات تشير إلى أننا دخلنا في ولاية (مدراس)، الولاية الكبيرة المجاورة لهذه الولاية (كيرلا)، وابتدأ معنا الهبوط في عقبة جميلة بين الغابات الكثيفة، وعليها زحام لكثرة السيارات نزولا وصعودا، مما لفت نظرنا في هذه العقبة ما مررنا به من انابيب ضخمة تخترقها في بعض المواقع، تمر من تحت جسور في اماكن التقاطع مع الطريق، عبارة عن اربعة انابيب كبيرة لنقل المياه من احد السدود في الاعلى إلى المناطق السهلية، اخبرنا السائق أنها من عهد الاستعمار الانجليزي.
وصلنا إلى السهل الممتد، وخرج بنا السائق عن الطريق العام إلى طريق فرعي على اليسار، يمر بين المزارع الواسعة، لنصل في نهايته إلى شلال صناعي كبير، يبدو أنه المكان الذي تصب فيه الأنابيب السابق ذكرها، يسمى شلال (لوير كامب)، عريض المصب يتغلغل في قنوات ارضية لم نعرف إلى أين تتجه.
وعدنا من هذا الموقع الجميل وجلنا في بعض مزارعه، والمزارع كانت في الجهة المقابلة خلف الخط العام المتجه إلى مدراس، وهي مزارع كبيرة ومنظمة ومتنوعة، شاهدنا فيها كروم العنب على عرائش من الاعمدة الخرسانية والاسلاك المعدنية، منها الاحمر والابيض الملي بالعناقيد.
وقد اشترينا شيء بسيط منها، غسلناه في هذه المزرعة واكلناه في الطريق، عنب لذيذ حلو المذاق، وفي المزارع التالية الممتدة على مدى البصر، العديد من الفواكه والخضار منسقة في حقولها بشكل هندسي رائع، اشجار الموز العادي والاحمر الذي (يطبخ).
وجوز الهند ، وفاكهة لذيذة لأول مرة نشاهدها (فرانش فروت)، وجدناها تباع من قبل في مدينة مونار حول السد، ولكننا شاهدناه هنا في اشجارها الشبية باشجار التفاح.
واشجار المنقا والجوافة ، ومن الخضار الملفوف والقرع والفاصوليا والخيار، وغيرها من اشجار التمر الهندي (الحمر) واشجار القطن العملاقة المختلفة عن اشجاره لدينا، وبعد هذه الجولة الممتعة عدنا من حيث اتينا إلى مدينة تيكادي في اعلى هذه العقبة، واخترق بنا المدينة ليتجه إلى مطلات في شعف هذه الجبال، منها مطل يطل على السهول التي كنا فيها قبل قليل، التابعة لولاية مدراس، ولكن المنظر من هنا اكثر شمولا تشاهد مزارع خضراء امامك يتخللها بعض المدن والقرى العامرة.
وفي مطلات اخرى تطل على داخل المدينة تيكادي تحتنا، ولكن من عدة جهات فتكتشف كبر المدينة وتشعبها بين هذه الجبال.
مناظر جميلة ومبهرة لا تمل منها، وبعد نهاية هذه الجولة التي امتدت لما يقارب ثلاث ساعات عدنا إلى الفندق، لنرتاح فيه إلى العصر حيث خططنا للاطلاع على داخل البلدة، والاستمتاع ببعض الفعاليات التي تقام فيها.
انطلقنا في الثالثة والنصف إلى وسط البلدة، حيث كنا قد حجزنا عدة فعاليات متتالية، في مكان واحد واشترينا التذاكر الخاصة بالدخول إليها، وهي بالتوالي من الساعة الرابعة إلى الخامسة، مسرح فيه شخص يعرض بعض العاب الخفة والحيل، فيما يسمونه بالساحر، وكان حسب التعريف من الولايات المتحدة الامريكية، اسمه الدكتور ساجاو فيلو كونيل، (ساحر وعالم نفس ومنوم مغناطيسي)، ولكن هذه الالعاب في الواقع عبارة عن حيل مكشوفة، تقوم على الخداع وسرعة الحركة والخفة، والاعداد المتقن المسبق بينه وبين مساعديه، مع استخدامه ادوات خاصة ومعدة لهذا الغرض، ومنها الشمسيات المتداخلة وبعض الارقام المنسقة وغيرها، مع الابهار بالأنوار والإضاءة التي تخفي كثيرا من المعالم، واستمر في عروضه لما يقارب الساعة، وفي نهاية الوقت اضيئت الانوار، وسمح لمن يرغب في التقاط الصور معه، وخرجنا من هناك إلى موقع آخر في الجوار مماثل له، عبارة عن مسرح يعرض فيه بعض التراث الشعبي لديهم، ويقوم ايضا على البهرجة باللبس الشعبي القديم، مع الايقاعات والغناء من شخص جالس في احد الزوايا، يغني على هذا الايقاعات ببعض الالحان الفلكلورية، في قصة غنائية يحكي فيها غرام انتهى بقتل الحبيب لحبيبته(يبدو أنها قصة مشهورة في تراثهم الشعبي)، وهناك ممثلين على المسرح ينفذون الحركات الايقاعية المعبرة، ولم يكن على الدرجة المتوقعة من الابهار، بل فيها شعور كبير بالملل، ولكنها رغبة في الاطلاع على شيء جديد، وبعدها خرجنا إلى موقع آخر في نفس المكان، حيث يبدأ العرض فيها من الساعة السادسة، وكان مختلفا عن سابقية بأن المدرجات فيه مكتظة، ومعمولة على جوانب القاعة من كل الجهات، وتحيط بمسرح معد على مستوى اسفل من الجمهور، على شكل حفرة مستطيلة الشكل، لا تقل مساحتها عن ثمانية امتار إلى اربعة تقريبا، وارضيتها مفروشة بالرمال لتناسب عروضهم الاستعراضية، وتضيء في جوانبها من الداخل العديد من المشاعل والشمعات، وكانت العروض تقوم على الحركات البهلوانية بالأسلحة اليدوية القديمة، من السيوف والدرق والرماح والسلاسل والمشاعل، يقوم بها اربعة من الشباب الرياضيين المتمرسين، وعلى حركات متفق عليها مسبقا لضمان الامان، وتتدرج الحركات من المبارزة بالسيوف ثم الرماح مع استخدام التروس في صحبة الايقاعات، ثم حركات بهلوانية مع استخدام الشعل المثبتة بإحكام في بعض السلاسل والاعمدة وغيرها، والقفز هنا وهناك ويشركون في بعضها من يرغب من الجمهور، كان استعراض حيوي اشعل حماس الجمهور الكبير، واستجلب تفاعلهم وتصفيقهم الطويل.
وخرجنا من هذا المكان المخصص لمثل هذه الانشطة الجماهيرية، وكان في ساحات امامه العديد من الفيلة المدربة يركب عليها الناس بمقابل، وقد دربت على القيام ببعض الحركات لمن يرغب التصور معها بمقابل ايضا، مثل أن يرفع احدى يدية يحمل عليها الشخص بإشارة من سايسه، أو يلوح بخرطومه أو يرش عليهم الماء من حوض معد في الجوار، وبعد ثلاث ساعات قضيناها في هذا المكان المتنوع، المزدحم بالرواد من كل الاجناس عدنا إلى فندقنا استعدادا لمغادرة هذه المدينة في الغد.
السبت 1446/7/25هـ
بعد تناول الفطور في الفندق كالعادة، سلمنا غرفنا وحملنا حقائبنا مغادرين إلى وجهة أخرى مختلفة، كانت الطريق التي سلكناها هي نفس طريقنا الذي مررنا بها في جولتنا السياحية إلى الغابات قبل أمس، حيث اتجهنا جنوب غرب، ومررنا بالقرى والمدن نفسها ومنها مدينة بيروميد، ثم من العقبة بعدها إلى السهول المتغلغلة بين الجبال، وتجاوزنا الطريق الذي دخلنا به إلى الغابات، لنواصل طرقنا بالطريق الرئيسي العام، ومررنا بالكثير من التجمعات السكانية التي لا تكاد تنقطع، وببعض المدن الكبيرة والصغيرة العامرة بالأسواق الكبيرة، ومنها مدن (كاتيك تام، ومندكيم، وكانجار بلي)، واستمرت الطريق حتى خرجنا من المضايق الجبلية إلى الفسيح الممتد من الارض، المليئة جوانبها بالمزارع تجد فيها البن والهيل والانناس ، ثم وقد دخلنا في مناطق يكثر فيها المياه وهي عبارة عن بحيرات ضخمة ممتدة، يكثر على جوانبها مزارع الارز الواسعة، التي تمتد على مدى النظر، لأن الارز يقوم في زراعته على المياه الغزيرة، حتى ذكروا أن لا يزرع إلا مغمورا بين المياه، ويشاهد ذلك بوضوح في جولتنا في الغد التي كانت داخل بحيرات عظيمة، كنا نظنها بحرا لطولها واتساعها وعمق المياه فيها، فيوجد في ممراتها العظيمة من جهة الى أخرى اراض شاسعة مزروعة بالأرز، ويوجد بين كل مسافة واخرى انابيب ضخمة تنقل الماء منها إلى داخل مياه البحيرة، وكأنها تسقي هذا الحقول وتخرج الفائض منه.
واما هذه البحيرات العريضة القائمة فهي مليئة بالمراكب الكبير والصغير تجوبها في كل اتجاه، وصلنا بعد ما يقرب من اربع ساعات مع أن المسافة لا تتجاوز ثمانين كم، إلى مقصدنا مدينة (إلبي)، مدينة واسعة كبيرة تتوسط هذه البحيرات، وكنا نظنها في البدأ بحرا ولكن أتضح أنها بحيرات عظيمة لا تكاد تحيط بأطرافها، كان مقصدنا في هذا المدينة منتجع جميل يقع على هذه البحيرة، قد تم حجز سكننا فيه من قبل، وكان الوصول إليه من الجهة الخلفية له، من شوارع ضيقة جدا ومتعرجة تمر من خلال بيوت صغيرة، ودخلنا إلى هذا المنتجع الرائع، وكلنا اتجه إلى غرفته الخاصة، واخبرونا أن هناك بعد العصر يقدم الشاهي في باحة المنتجع في جلسات أمام منظر البحيرة، حيث هبطنا إلى هناك مع الموعد، وكل واحد منا اخذ كوبا من الشاهي أو الحليب، وجمع له في صحن صغير بعض المقليات من البطاط والبصل، والباحة مليئة بالرواد من ساكنين هذا المنتجع، ويوجد على حوافه حدائق واسعة ومنسقة، وفيها العديد من الطيور من الوز والبط والديك الرومي، والمنظر المطل على البحيرة التي تعج بالزوارق روحة وجيه، منظر جميل مع غروب الشمس، عدنا بعدها إلى الغرف، ووجدنا في بعض ممرات الفندق بعض الالعاب، تسلينا منها بلعبة البلياردو والكيرم ، وفي حوالي الساعة الثامنة تعشينا في مطعم هذا الفندق لنخلد بعده مباشرة للنوم، استعدادا ليوم الغد المرتقب.
وإلى اللقاء في حلقة قادمة بمشيئة الله تعالى.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
محبكم /عبدالله بن علي قاسم آل طارش الفيفي ـ أبو جمال
الرياض في 1446/9/12هـ
رحلة الهند الحلقة الخامسة
من الجميل أن يكون الإنسان شمعةٌ تنير درب الأخرين، وأن يأخذ بأيديهم ليقودهم إلى معرفة ثقافة وطبيعة السياحة فيما يقوم به من رحلات سياحية متنوعة، في بلدان العالم ، وها أنت شيخنا الفاضل أبا – جمال .. تسعدنا وتمتعنا بنقلك الجميل لتلك الأماكن السياحية التي تقصدونها بعناية وتخطيط وتستفيدونا منها وتفيدون معلومات دقيقة وجميلة بارك الله فيكم وفي رحلاتكم..
نكرر الشكر والتقدير لك يا شيخ – عبدالله وللصحبة معك من الأخوان الكرام متعكم الله بالصحة والعافية..
حلقات متتابعة منتظمة تشكر وتذكر..
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته بارك الله في خطاكم و الله يحفظكم ما شاء الله تبارك الله