مقالات

رحلة الهند الحلقة الرابعة

الشيخ : عبدالله بن علي قاسم آل طارش الفيفي ـ أبو جمال

رحلة الهند الحلقة الرابعة

الاربعاء 1446/7/22هـ

بعد تناول الفطور في صباح هذا اليوم،  كان خروجنا من الفندق لنغادر إلى مكان آخر، حيث كانت الوجه إلى مدينة (تيكادي)، في نفس ولاية كيرلا، وتبعد عن هنا حوالي ثمانين كيلو متر في جهة الشرق، كانت طريقنا بنفس طريقنا بالأمس، نصعد إلى اعلى الجبل لمدينة مونار، وبعد الحديقة الوطنية للزهور، نتجه يمينا بنفس طريقنا بالامس إلى السد، ولكن بعد بدايته بقليل ناخذ بطريق يتجه منه يمينا، لنتجه في هذا الطريق بهضبة مقابلة، تمتد إلى جهة الجنوب الشرقي، أخذنا بهذا الطريق الجميل المنبسط الذي يمر بين حقول الشاهي، وسرنا في هذا الطريق في عرض الجبل، نشاهد في أعالي القمم التي نمر بها الغابات الكثيفة بالأشجار، وأثار الشلالات ما زالت تلمع فوق الصخور، فعلى ما يبدو أنها تكثر مياهها في مواسم الأمطار في غير هذا الوقت، وبعد أن سرنا لمسافة لا باس بها وجدنا الطريق يتسع، وعليه حواجز وموظفين لتحصيل رسوم المرور من السيارات العابرة، حيث قام سائق السيارة في الحال بالاشتراك عن طريق الجوال، لهذه الرسوم ولما يتلوها فيما بعد، فعند كل معبر يستقطعون منه المبلغ المستحق اكترونيا، وبعده مررنا على مكان مشرف على بحيرة سد عظيمة في الأسفل.

اسم هذا المطل (سنكنال) يوجد فيه منتجع ريفي جميل، ومن عنده يبدأ الهبوط في هضبة مليئة بمزارع الشاهي، حيث هبطنا بالطريق إلى أن وصلنا إلى مستوى السد الذي شاهدناه من الأعلى، ولذلك قصدنا إليه وخرجنا في خط فرعي ليس بالبعيد، وعند بوابته يتم دفع رسوم للدخول، فدخلنا وكان مهيأ كمتنزه يأتي اليه الناس في بعض الاحيان، فيه جلسات والعاب للأطفال وزوارق للتجوال في بحيرته، والملاحظ على مثل هذه المنتزه وما يماثله الواقعة في اطراف الغابات الكثيفة، أنهم يعملون سياج كهربائية على اطرافه، عبارة عن اسلاك معدنية مشدودة على اعمدة وموصوله بكهرباء فولت خفيف، يكون رادع لدخول قطعان الفيلة المنتشرة في معظم هذه الأماكن، لأنها إذا ما دخلت إلى الأماكن خربت، وفيها البيوت والآلات وقد تحطمها لضخامة اجسامها، وهي وسيلة شاهدناه في اكثر من موقع لأجل ذلك، وعليها ملصقات تحذيرية لعدم لمسها.

لم يكن في هذا المكان في هذا الوقت من النهار زوار كثر، فلم تكن هنا إلا سيارتين أو ثلاث، ولم نطل المكث فاستأنفنا مسيرنا، وقبل أن نصل إلى الطريق العام لاحظنا عمالنا يحملون سلالم ليجنوا ثمرة الفلفل الاسود، وهو عبارة عن شجرة حرجية تلتف حول الاشجار الكبيرة، وتغطي كامل جذعها، وهي تشبه كثيرا نبتة الدجرة في فصيلتها واوراقها، وتكون ثمرتها عناقيد صغيرة منفردة، إذا اكتمل نموها أو يبست تحول لونها إلى الأسود.

واصلنا سيرنا واستأنفنا الصعود في هضاب مماثلة لما كنا فيه، ويبدأ من هنا بدل حقول الشاهي، حقول الهيل وهي على نفس المنوال في الغابات ممتدة على مدى البصر، لكنها عبارة عن قصب يشبه قصب (الريع) أو الخيزران الصغير، يرتفع في حدود المترين وله أوراق طويلة مثل قصب الذرة ولكنها اعرض، وثمرة الهيل تكون في فروع قصبية صغير مستقلة في اسفلها، محملة بهذا الثمر.

وفي طريقنا وفي غابات أخرى توقفنا لمشاهدة اشجار البن في هضاب ممتدة، وهو منتشر بين بقايا غابات قد ازيل معظم اشجاره لتحل محلها هذه الشجرة.

وفي الطريق لاحظنا توقف السائق بطريقة مفاجأة، فإذا هو يتفادى المرور فوق حية متوسطة الحجم تقطع الشارع، واستغرب منا أننا لمناه لماذا لم يقتلها، وكانت اجابته أن لها احقية في الحياة، واصلنا سيرنا وفي اطراف المدينة توقفنا عند مكتب سياحي، لنتفق معهم على رحلة (سفاري) في الغد، تنطلق إلى الغابات حيث الافيال، والكثير من الحيوانات كالجاموس والسنجاب والقرود والخنازير البرية، كان لديهم عرضين احدهما في غابة (جافي وانجاموزي) ليوم كامل، ولمسافة مائة كم، يبدأ من الخامسة والنصف فجرا، إلى الخامسة عصرا، وفيها الفطور والغداء، واتفقنا معهم على هذه الرحلة، ودفعنا المبالغ المطلوبة، بما يعادل (164) ريالا عن الشخص الواحد، ثم واصلنا سيرنا إلى الفندق (سرين هرزون)، الذي لم يكن ببعيد من هنا، فهو في اطراف البلدة (تيكادي)، كان فندقا جميلا وراقيا، وعلى اطلالات زجاجية جميلة، تكشف لك الخارج بمناظره الساحرة، فخلدنا إلى الراحة استعدادا لبرنامج الغد الطويل.

الخميس 1446/7/23  

 في هذا اليوم وبعد صلاة الفجر مباشرة، وصل إلى فناء الفندق سائق المكتب السياحي مع سيارته (الجيب)، التي ستقلنا في هذا اليوم إلى رحلتنا المتفق عليها، وبالفعل انطلقنا مباشرة بتوفيق الله، واخترقنا البلدة من الشمال إلى الجنوب، ثم اخذنا طريقنا غربا جنوبا مع الغلس وقبل شروق الشمس، وكان يسود الجو كثيرا من الضباب الكثيف، فلم يسفر النهار إلا وقد قطعنا مسافة لا بأس بها خارج البلدة، ليقف عند أحد محطات الوقود، وبعد تزوده منها انطلق بنا بعدها في طريق مماثل لمعظم الطرق في هذه البلدة، طرق متعرجة بحكم أنها طرق جبلية، فيمر بالكثير من المعالم والبيوت والمحلات، المنتشرة على جانبي الطريق وحولها التي لا تكاد تنقطع، والمناظر الخلابة المتشحة بالخضرة والغابات، وكنا نمر بالعديد من الحواضر والتجمعات السكانية، ومن اكبرها مدينة (بيرو ميدو)، مدينة واسعة الشوارع كبيرة، ويبرز فيها العديد من الابراج من عدة ادوار مصبوغة باللون الأحمر، عرفنا أنها مباني أحد الجامعات، وبعدها يبدأ الطريق بالانحدار إلى السهول في الاسفل، وتوقف بنا عند أحد المطاعم الكبيرة، في احد منحنيات هذه الطريق، لنتناول الإفطار ثم لنواصل طريقنا، كانت الطريق بكاملها مزدحمة بالحركة المرورية، واكثر ما يزيد الزحام تعدد السيارات الكبيرة (الباصات)، وكان هذا الوقت مع بداية النهار هو موعد ذهاب الطلاب إلى مدارسهم، فتشاهدهم على جنبات الطرق بنين وبنات، صغارا وكبارا في جميع المراحل، ينتظرون الحافلات لتوصلهم إلى مدارسهم، حتى أن بعضهم يخرجون من عمق الغابات، فعلى ما يبدو أن بيوتهم تقع داخلها، ويتميزون بتوحد ازيائهم، فلكل مرحلة لون معين من البلوزات، لم يمضي طويل وقت حتى هبطنا إلى عمق هذا الجبال، والصور تتكرر والمناظر متوالية باهرة، وسرنا في هذه الطريق لمسافة لا بأس بها، ثم خرجنا إلى طريق فرعي في جهة اليسار، حيث يؤدي إلى جبال قائمة أمامنا في هذا الاتجاه، وكان دخولنا في البداية من بين مجموعة من البيوت والمزارع، وتوقف السائق عند محل لتصوير الأوراق، صور فيها جوازاتنا لكونها مطلوبة منه داخل هذه المحمية، لأن الطريق في الداخل يمر بكثير من هذه النقاط الامنية، التابعة لحرس الغابات، فيتوقف بكل نقطة منها ويسجل اسماء وارقام جوازات مرافقيه، بل في أول مركز منها كان لا بد من توقيع كل واحد منا على مستندات، بعد تعبئتها بمعلوماتنا الشخصية، وبجوار محل التصوير توقف عند بقالة صغيرة دخلها ليعود وهو يحمل كرتونا من البسكويت، اخبرنا أن في داخل الغابة من يحتاج إلى شيء منه.

والملاحظ أن هذا السائق مسيحيا متدينا، ظهر لنا ذلك من بعد انطلاقتنا الأول من مدينة تيكادي، حيث يوجد على الطريق عدد من الكنائس المسيحية، ويوجد أمام بعض منها على الشارع العام صندوقا قد ثبت في بناء صغير، وعلى ما يبدو أنه وضع لاستقبال التبرعات، فلاحظنا أنه في مكانين أو ثلاثة منها، كان ينزل ويتجه إلى هذا الصندوق، ثم يدس في داخله شيء يخرجه من جيبه، ثم وهو عائد يشير بعلامة التثليث المعتادة لديهم على صدره، أو يمسح صدره من تحت السترة، ولم نفهم في البداية ماذا كان يفعل، إلى أن تكرر منه ذلك الفعل، وركزنا على حركته ومقصده ففهمنا، واما هذا البسكوت الذي اشتراه، فقد وجدنا في اعماق الغابات مجموعات من الاطفال الصغار، في حالة مزرية، بل إن غالبهم عراة بشكل كامل، فكان يقف عندهم فيقبلوا عليه بنظرات كسيرة، فيعطي كل واحد منهم بكتا من هذا البسكوت، وكأنهما قد تعودوا منه على هذا الفعل خلال جولاته المستمرة هنا، فما إن يشاهدون سيارته حتى يقبلون يتراكضون منتظرين عطائه.

  مررنا بأول مركز كان يقفل مدخله حاجز حديدي، وكانت غرفة الحراسة فوق هذا المكان، فتوقف السائق واعطائهم ورقة يحملها، وبعدها تم فتح الحاجز لنا، وسرنا لنتوقف بعد قليلا عند نقطة مماثلة تالية، لينزل السائق وقد اخذ صور جوازاتنا، ودخل إلى احد المكاتب في ذلك المكان، ثم خرج وهو يحمل أوراقا بعددنا، قمنا بتعبئتها وتوقيعها.

ثم واصلنا طريقنا، ومررنا بغير هذا المركز المنتشرة في اكثر من موقع، وفي كل منها يريهم ورقة الاذن لنا بالدخول، وفي نهاية المحمية كانت هناك نقطة أخيرة يسلمهم هذه الورقة ايضا، فعلى ما يبدو أنها محمية كبيرة نادرة، وفي نفس الوقت خطرة لما فيها من الحيوانات المفترسة، فاخبرنا أنه يوجد بها كثير من النمور، ولكنها قد لا تخرج إلا في الليل، اضافة إلى الفيلة والخنازير البرية وغيرها من الحيوانات، الموقع عبارة عن عدة جبال متوسطة الارتفاع، تتخللها أودية وشعاب كثيفة الاشجار والنباتات، والطريق فيها معبد ولكنه ضيق ومتعرج، وعليه حركة لا بأس بها سواح امثالنا، من أهل البلد ومن الاجانب، قابلنا في أحد المواقع اسرة هندية، فجاء إلينا والدهم يرحب بنا ويخبرنا أنه عمل في المملكة في مدينة الدوادمي، وفي طريقنا مررنا بكثير من السدود الكبير والمتوسط، فالملاحظ أنهم يولون السدود أهمية كبيرة، رغم غزارة المياه والامطار فيها، وكذلك مما يلفت النظر أنه تم تجريف مساحات كبيرة وازيلت الغابات فيها، على امتداد هذه الجبال، في خط مستقيم بعرض لا يقل عن مائتي متر، خصص لتمديد الابراج والكيبلات الكهربائية الرئيسة، لإيصال الكهرباء بين المدن في هذه المناطق.

كان الهدف الاكبر لهذه الجولة مشاهدة الحيوانات في مواطنها، وفي مقدمتها الفيلة والجواميس، ولكن للأسف لم نشاهد واحد منها طوال الجولة، مع حرص الدليل السائق على تفحص الشعاب امامنا لعلنا نحظى بمشاهدة واحد منها، مع أننا وجدنا كثيرا من آثار الفيلة ممتد على طول الطرق التي نمر بها، وبالذات ارواثها وبعضها يشاهد أنه حديث لهذا اليوم.

فكنا نترجل من السيارة وندقق في كل الجوانب، ولكن لم نرى شيئا منها، شاهدنا الكثير من السناجب والقرود المختلفة عما لدينا، وبعض طيور البوم وقليل من الخنازير البرية، وبعض الطيور وبالذات على ضفاف بحيرات السدود، ولكنها على العموم كانت رحلة جميلة وممتعة، تتخللها بيئات متباينة بأشجارها وغيولها وشلالاتها وسدودها، توقفنا في حوالي الساعة الثانية ظهرا، في نزل في سفح أحد الجبال، قرب بحيرة لأحد السدود الكبيرة في هذا الموقع، فكانوا قد جهزوا الغداء لنا ولأمثالنا التابعين لهذه المكاتب السياحية، تغدينا ثم دلونا على مكان صلينا فيه الظهر والعصر، لنهبط بعدها من درج في فناء هذا النزل يصل إلى البحيرة، وركبنا في احد الزوارق ليقوم صاحبه بجولة بنا داخل البحيرة، يحركه بواسطة المجاديف، حيث كانت من ضمن برنامج الرحلة.

سرنا فيه لمسافة طويلة مع منحنيات الوادي، فيه الكثير من الطيور والبجع وغيرها، وفي النهاية عاد بنا من حيث أخذنا، لنستقل سيارتنا في مواصلة الرحلة، التي كانت في مراحلها الأخيرة، فلم يمضي طويل وقت حتى خرجنا من طرف الغابة عند أحد المراكز فيها، وواصلنا طريقنا ملتفين في اتجاه يعيدنا إلى البلدة التي انطلقنا منها هذا الصباح، فلم يلزمنا أن نعود بنفس الطريق، بل واصلنا سيرنا إلى الامام ولم ندري إلا ونحن في اطراف مدينة (تيكادي)، لينزلنا في فندقنا بعد حوالي اثنى عشرة ساعة، من الساعة الخامسة والنصف فجرا، إلى الخامسة والنصف قبيل غروب الشمس، وكانت بالفعل جولة جميلة وماتعة، فما إن تناولنا عشاءنا داخل الفندق حتى كل اتجه إلى فراشه، استعدادا ليوم قادم أكثر نشاطا.

   وإلى اللقاء في حلقة قادمة بمشيئة الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

محبكم/عبدالله بن علي قاسم آل طارش الفيفي ـ أبو جمال

 الرياض في 1446/9/5هـ

1- رحلة الهند الحلقة الأولى

2 – رحلة الهند الحلقة الثانية

3- رحلة الهند الحلقة الثالثة

رحلة الهند الحلقة الرابعة

‫3 تعليقات

  1. بارك الله فيك واسعدك كما اسعدتنا بهذا الوصف الجميل والتعريف بالكثير من الامور التى اتضحت لي لاول مره

  2. ما شاء الله لا قوة الا بالله..
    أخذتنا معك ياشيخ – عبدالله في الجولة السياحية بالفكر من خلال دقة النقل والتعبير بما تلاحظونه وتشاهدوه في مسير الرحلة لكل يوم مع التصوير الجميل المتقن كإتقانكم في كتاباتكم التي تمتعنا بها دوماً..

    فعلا كانت رحلة ماتعة ونقل أنستنا به وكأننا معكم وهذا من جودة الكتابة وجمال التدوين والتوثيق لهذه الرحلة الموفقة مع صحبكم الكريم فبارك الله الجهود ومتعكم بالصحة والعافية وجزاكم خيراً على نقل لنا ثقافات وطبيعة الدول التي تزورونها فقد أتحفتنا بالكثير سابقا ولاحقا زادكم الله توفيفا وسداداً..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى