مقالات

رحلة الهند الحلقة السادسة والأخيرة

الشيخ : عبدالله بن علي قاسم آل طارش الفيفي ـ أبو جمال

رحلة الهند الحلقة السادسة والأخيرة

الاحد 1446/7/26هـ

مع الصباح الباكر من هذا اليوم في مدينة (إلبي)، لم نصحوا إلا على اصوات ومارشات موسيقية تصدر من باحة الفندق، فأطللنا من روشن الغرف، فإذا احتفالات عسكرية تقام في هذا المكان، فبادرنا بالنزول للفرجة والاطلاع على الوضع، فكان وصولنا مع قرب نهاية هذه الاحتفالية، مع رفع العلم واداء التحية من ثلة من العسكر، وعرفنا أنه احتفال بمناسبة اليوم الوطني (عيد الاستقلال)، ولهم في العام يومين يحتفلون فيهما، هذا كان احدهما كما اخبرونا، بقينا هذا النهار ننتظر الموعد المخصص لرحلة نهرية، كان موعدها الساعة الحادية عشرة، ولكننا اجلناها إلى الثانية عشرة لظروف خاصة، وما إن حان الموعد إلا واقبلت سفينتنا المخصصة، تتهادى مقتربة من المرسى في فناء المنتجع.

كانت هذه الرحلة على قارب من القوارب المتوسطة الحجم، مصنوعة من الخشب الخالص، وطولها ما يقارب عشرين مترا، مغطاة بسجوف من قصب الخيزران الصغير، ومفصله على شكل مجالس وجلسات مريحة، يكون القائد (النوخذة) في مقدمة القارب، وبعدها جلسة لها كنبات ثابته، وبعد ذلك غرفة فيها سلم يصعد إلى الدور العلوي، وخلفها غرفة تستخدم مطبخ صغير، وفي نهايتها مستودع صغير، واما الدور العلوي فهو غرفة مفتوحة من جميع الجهات، معدة بكراسي ثابتة وكراسي متحركة، وطاولة مثبتة في منتصف الغرفة، وكان معظم جلوسنا طوال الرحلة في هذه المقصورة، التي تعطي منظرا شاملا لكل ما حولك من جميع الجهات، انطلقنا مع تمام الساعة الثانية عشرة، وتعمقنا داخل البحيرة بمحاذات الشاطئ قريب من المنتجعات الكثيرة على طول هذه الشواطئ، يتخلل هذه البحيرة ممرات عريضة وطويلة تتفرع منها لتتصل ببحيرات في كامل المحيط، دخلنا في واحدة منها وهي تعج بالسفن المماثلة والكبيرة والصغيرة، تجوب هذه الممرات جيئت وذهابا، في حركة دائبة، ومنظمة على شكل سير السيارات في الشوارع، الهابطة إلى جهة اليسار والصاعدة في اليمين، حسب نظام السير الانجليزي المعمول به في الهند.

وتمر من جوارنا هذه القوارب والسفن مليئة بالناس سواحا ومواطنين، وبعض منها رحلات مدرسية، وبعضها كبيرة جدا تحمل العشرات من الناس، وكأنها حافلة بل قد تفوقها كثيرا، وقد اعدت كما شاهدناها بالجلسات المريحة، وغالبها مجهزة بمكيفات متعددة، لاستخدامها في الاجواء الحارة، وإلا فالجو في هذا الوقت جميل ومنعش، وقد استخدمنا في بعض الاوقات مروحة صغيرة ارضية، وأما المناظر فلا تمل من مشاهدتها طوال الرحلة، سواء في الشواطئ الجانبية، أو السفن والقوارب العابرة، سار بنا في اكثر من ممر يسارا ويمينا، نشاهد ايضا بعض احياء المدينة وابراجها.

ثم هناك حقول تتخللها هذه الممرات مزروعة بالرز، الذي يمثل صفحة خضراء جميلة على مد البصر يمينا وشمالا، وكانت رحلة ممتعة والمناظر والطيور تتوالى من حولك، وفي حوالي الثانية وفي منتصف الرحلة توقفنا ، ورست السفينة في جانب أحد الممرات وثبتت بالحبال، فقد حان موعد الغداء بعد تم تجهيزه داخل السفينة، وجرى تحضيره لنا على الطاولة في مقصورتنا، مكون من السمك والدجاج والارز والادام، واستمتعنا بتناول هذا الغداء في هذه الجو المحيط الماتع، وبعد الانتهاء منه فُكت المراسي لتواصل السفينة مسيرتها، واخذت التفافة طويلة لتدخل من ممر وتخرج من آخر، ثم تبرز بنا في البحيرة الكبيرة التي بدئنا رحلتنا منها، لتتهادى نحو المرسى بجوار المنتجع الذي اخذتنا منها، لنهبط في حوالي الساعة الخامسة والنصف قبيل المغرب، في رحلة جميلة لا تنسى استمرت لأكثر من خمس ساعات، انقضت وكأنها احلام، نزلنا إلى باحة الفندق ووجدناهم في جلسات الشاهي المعتادة قبيل المغرب، وواصلنا الجلوس معهم، وفي هذه الاثناء اقترب منا رجل كبير السن من اهل هذه البلاد، ورحب بنا وهو يتكلم العربية قليلا، مسلم ويعمل طبيبا في إحدى مستشفيات الامارات العربية، وكان من ضمن حديثه عندما سألنا عن الاسلام في هذه المناطق، اخبرنا أن أول مسجد بني في الهند، كان في ولاية كيرلا، في بداية القرن الثاني من الهجرة، واسم المسجد (شيرمان جمعة)، يقع في مدينة ميثالا كودنغالور تالوك، ولكن للأسف لم تتح لنا الفرصة لزيارة هذه المدينة، بتنا ليلتنا الأخيرة في هذه المنتجع مبكرين، استعدادا للانتقال غدا إلى مدينة أخرى حسب البرنامج.

الأثنين 1446/7/27هـ

بعد تناول الافطار في الفندق وتسليم غرفنا، ركبنا سيارتنا مغادرين في رحلة جديدة، وكان الوجهة إلى مدينة (أتربلي)، مدينة الشلالات الأكبر في الهند، كانت المسافة تقدر بمائة وعشرين كم، تتجه شمالا غربا، لتخترق مدينة كوتشي من الجنوب إلى الشمال، وتواصل المسير لما يقارب ثلاثين كم، لتدخل في عمق بعض الجبال في هذه المنطقة، ومع قصر المسافة إلا إنها استغرقت ما يقارب من اربع ساعات، وهو ما تعودنا عليه في هذه الرحلة، لتعرج الطرق وضيقها وكثرة ازدحامها بالسيارات، والطريق مع طول الوقت الذي قضيناه في قطعه، إلا أنه جميل وغير ممل، يعج بالحركة والمناظر للناس والبيوت والغابات، فهي مناظر لا تنقطع ولا تشعر معها أنك خرجت من مدينة وانتقلت إلى اخرى، فالبنيان والمتاجر والحركة متواصلة لا تنقطع طوال الطريق، بعد تجاوزنا لمدينة كوتشي دخلنا في الارياف بمزارعها المتعددة، ثم هبطنا إلى احد الاودية، لنواصل الصعود فيه بين الغابات المليئة بأشجار المطاط، والعديد من انواع الاشجار الكثيفة، ويوجد هنا وهناك بعض التجمعات السكانية، وملاهي والعاب كهربائية، دخلنا إلى محيط الشلالات المقصودة، وتجاوزنا الفندق الذي كان في مدخل الموقع، لتنتهي رحلتنا عند آخر شلال في اعلى الوادي، وهما في الحقيقة شلالان كبيران (شلال اتربلي)، توقفنا عند بوابة كبيرة في مدخل هذا الشلال في مواقف معدة هناك، واتجهنا إلى نافذة في احد اركان البوابة لشراء تذاكر الدخول، وكانت مقدمة الشلال عبارة عن حديقة حسنة التنسيق مكتملة، فيها خدمات من جلسات ومحلات ومطاعم ودورات مياه، وتتوزع على مساحة كبيرة، يزينها صوت هدير الماء في نزوله، سرنا من خلال هذه الممرات، لنطل على هبوط الماء بكثافة على صخرة صلدة عريضة، يصل إليها الماء من واد عريض فوقها، ووجدنا طرق وممرات تصل إلى اطراف هذا الوادي، حيث تكون فيها خلف الشلال، صعدنا مستمتعين على حافة الشلال، ثم على جانب الوادي المتدفق بالمياه الغزيرة، كان منظرا آسرا وممتعا صورة وصوتا.

مكثنا فيه لأكثر من نصف ساعة، لنعود إلى سيارتنا متجهين إلى الشلال الثاني، الذي تجاوزناه أثناء الصعود، ولا يبعد كثيرا عن هذه الموقع، توقفنا أمام بوابته، ودخلنا بنفس التذاكر الأولى، فهي تخول لك دخول الموقعين، وقيمتها زهيدة فيما يعادل احد عشر ريالا للشخص الواحد، كان هذا الشلال هو الأكبر لكونه يصب من صخور مرتفعة جدا، وبعد المدخل المكتظ حوله بالمحلات التي تبيع كل المتطلبات للزوار، كان هناك ممر طويل يمر بين الاشجار الضخمة المنسقة، ويوجد بعض القرود المختلفة عن القرود لدينا، تلتقط ما يلقى إليها من الناس، سرنا لمسافة تقارب النصف كيلو متر، لنصل إلى موقع يعج بالناس حول بعض الجلسات، ووجود محلات لبيع المشروبات والمكسرات والآيسكريم، ويكشف لك من هنا عن الجزء العلوي من الشلال، الذي يهبط منه إلى عمق الوادي في الاسفل، وهو ينقسم إلى فرعين كبيرين، تحددهما تضاريس هذه الصخور، نزلنا إلى هذا المكان لنسير فيه على صخور متواصلة، ووصلنا إلى قرب بداية تشكل الشلال، وصعدنا في الوادي قليلا، نراقب الناس هنا وهناك، ومما لفت نظرنا كثرة الزوار الذين يمتلئ بهم المكان، وهناك كثير من النساء يغسلن اقمشة أحضرنها معهن، وجميعها يغلب عليها اللون الاحمر، ويشرقنها على هذه الصخور، وكأنه معتقد في ديانة معينة، وهم يتبركون بغسلها في هذه المياه، ولكن لم نجد اجابة على هذا السؤال، فالكثير ممن سألناهم يتهربون من الاجابة الواضحة، ومعظمهم يجيب بأنه لا يدري.

عدنا من هذه المواقع في الوادي إلى حيث التجمع في الاعلى، ووجدنا فيها سهما يشير إلى الطريق الذي ينزل إلى عمق الوادي، الذي تصب فيه الشلالات، وسرنا معه في طريق يهبط بدرجات طويلة متعاقبة، تلتف بك يمينا وشمال، ومحاطة بسور من الخشب على اطرافها، وفي منحنياته يوجد جلسات لمن يرغب الراحة، كان الطريق يعج بالناس صغارا وكبارا صعودا ونزولا، تشجعنا لمواصلة السير واخذ بنا ما يقارب الربع ساعة، لنصل إلى قعر الوادي، ولنقف امام منظر مهيب، وصوت هادر لهذين الشلالين، وهما يهبطان من علو شاهق، اقتربنا كثيرا إلى آخر نقطة ممكنة، مع بقية الناس الكثر في هذا الموقع، حتى اغرقنا الرذاذ المتطاير من هذه الشلالات، وكان منظرا وجوا ممتعا لا تشبع فيه.

 وبعد فترة لا بأس بها، انصرفنا من نفس الطريق الذي هبطنا منه، ومن هناك عدنا إلى خارج المنتزه لنركب السيارة، متجهين إلى الفندق (فندق سموره) الجميل في القرب، وارتحنا فيه بعد يوم طويل، وما إن تعشينا حتى خلدنا إلى الراحة، استعدادا ليوم جديد في الغد.

الثلاثاء 1446/7/28هـ

في صباح هذا اليوم كان المنظر من شرفة الفندق، المطل على الوادي الهادر في الاسفل جميل جدا، مما دعا بعض الاخوة للنزول إلى الوادي، والبعض منا واصل النوم إلى ان حان وقت الفطور، لنفطر وبعدها نتهيأ للخروج والعودة إلى مدينة كوتشي، وفعلا انطلقنا عائدين من نفس طريقنا بالأمس، وكانت رغبتي المرور بغابات اشجار المطاط التي مررنا بها في طريقنا بالأمس، وبالفعل توقفت السيارة في طرف إحدى هذه الغابات، ونزلت لأدخل بين هذه الاشجار الكبيرة، ويظهر أنها املاك خاصة لأنها محاطة باسلاك شائكة، وتقع كل مجموعة منها بجوار بيت فيه سكان، فوجدت هذه الاشجار اشجار عادية، ضخمة وطويلة من خمسة عشر متر وما فوق، وجزعها عريض يصل محيطه لما يقارب المتر، ويتم قشط قشرة هذه الاشجار، من فوق الارض بحوالي مترين، ووضعها في اخاديد يربط بعضها ببعض، لتجتمع في الأسفل في اخدود به حديدة مثبتة في اصل العود (مسرب)، تتجمع فيها المادة السائلة المستخرجة من عصارة هذه الشجرة، ولتبعده عن الالتصاق بجذع الشجرة فيتسرب إلى الأرض، ومربوط تحته اناء من المعدن، لتنتهي وتتجمع داخله هذه العصارة.

رحلة الهند الحلقة السادسة والأخيرة

وعلى ما يبدو أن كلما تجمع منه شيء، حضر من يجمعه من هذه الآنية الموجودة في كل شجرة، وينقله إلى اناء اكبر، ليتم حفظه وتسويقه، فهذه العصارة هي مادة المطاط المعروفة، التي اهم ما يصنع منها كفرات السيارات وامثاله، وانتهت هذه الجولة بمعلومات وفوائد خرجت بها شخصيا، وواصلنا طريقنا إلى أن دخلنا مدينة كوتشي، محطتنا الاخيرة في هذه الرحلة.

 قررنا هذا اليوم أن نزور احد المتاحف في هذه المدينة، لنطلع على شيء من تاريخها وعراقتها، وتم اختيار متحف قصر التل، ويعتبر في منطقة خارج المدينة أو هو في اطرافها، وقيل أنه كان المقر الرسمي لحكام كوتشي السابقين، وشهرته اليوم بكونه متحفا أثريا متكاملا، يتكون من مباني متعددة وكبيرة، مبنية على الطراز المعماري التقليدي للولاية، ويحيط به العديد من الاراضي المدرجة الجميلة، وتصعد إلى فناء القصر بدرج طويل سهل الارتقاء.

رحلة الهند الحلقة السادسة والأخيرة

وهناك طرق للسيارات في جنبات هذه المدرجات، توصلك للأعلى وإلى بعض المستويات دونها، فيها مواقف للسيارات، مع أنه بعد المدخل الرئيسي للمتحف، يوجد مساحات كبيرة كمواقف، أوقفنا فيها سيارتنا، واشترينا تذاكر الدخول المطلوبة، وكان وصولنا مع فترة الغداء لديهم، ولا يستأنف العمل إلا عند الساعة الواحدة ظهرا، جلنا في الحدائق في فناء المكان، وجلسنا في بعض الجلسات هناك، وكان الوقت قريبا من الواحدة، فلم نستمر طويلا إلى أن تم فتح الموقع، وتوافد الناس لنفس مقصدنا.

  كانت طريقتهم تمنع دخول الزائر بالأحذية، حيث يوجد غرفة في الجوار مخصصة لخلعها، ثم تسير في احد خطين لتصل إلى المدخل الرئيسي للقصر، واحتياطا لحرارة الشمس على هذا البلاط الساخن، كانت هذه الممرات معدة بأنابيب على جانبيها، ترش ماء بارد لتكسر حدة الحرارة، وما إن دخلنا إلى الداخل، حتى وجدنا هناك ممر يلزمك السير داخله، وله حواجز لا تخرج عنها، وموظفون ينبهونك على الاتجاه الصحيح، وهناك اسهم تشير في كل زاوية على الاتجاه المطلوب، وحقيقة وضعت هذه الممرات بطريقة مدروسة، تجعلك تمر على كامل محتويات القاعات، ولا تتصادم مع الاخرين، فالكل يسير في اتجاه واحد، وكان المتحف في ثلاثة مباني ضخمة متجاورة، في كل منها عدة غرف وقاعات وجلسات، فتكمل السير في كل دور ثم تتجه إلى المبنى الأخر أو الدور العلوي، فإذا ما خرجت من مبنى في احد الأدوار عدت إليه من الدور الذي يليه، مما يجعلك تصل إلى كل قاعة وكل غرفة وموقع فيها، ففي المبنى الرئيسي فيما بعد المدخل، يوجد هناك مجلس الحاكم، يحتوي صدره على كرسي جلوسه، ومن حوله كراسي الجالسين من الوزراء والحاشية، ثم تتسلسل على الجدران صور ولوحات، لمن تعاقبوا من الامراء والحكام، ولوحات توضح تواريخ حكم كل منهم، على مدى القرنين الماضيين، وحتى من تولى الحكم من قبل الحكومة البريطانية، اثناء استعمارها للهند، وكثير من المعلومات والمشجرات لأنساب بعض هذه الاسر، التي حكمت كوتشي، وصور شخصية ورسومات لبعض هؤلاء، وقاعات تحوي بعض التحف من قناديل وصولجانات، وكثير من التحف والموروثات، وصور بعض الوثائق والمعاهدات، وفي احد الأقبية عدد من وسائل النقل لهؤلاء الحكام أو لزوجاتهم، بعضها معد يحمله اشخاص على اكتافهم، أو تجره الخيول، في اشكال بديعة مزبرقة ومريحة.

رحلة الهند الحلقة السادسة والأخيرة

 ويوجد العديد من التحف والتماثيل، وصخور عليها حفريات وكتابات، ومعادن نقدية ومكاييل ومسكوكات، وبعض الاسلحة والدروع ومدافع قديمة، وبعض النماذج المعمارية التي كانت سائدة، والكثير من الاشياء التي تتعب في حصرها، جلنا لأكثر من ساعة كاملة إن لم يزيد، حتى تعبنا وقد طوفنا بكل الموجودات، لننصرف هابطين إلى موقف السيارة في الأسفل، وفي نزولنا شاهدنا في احد اطراف هذا الفناء بركة كبيرة، تشبه السد، لها مداخل للماء من الشعاب المحيطة، وهي مبنية من الجص ولها مدرجات في جوانبها، وهناك في كل زاوية منها درج يهبط إلى الأسفل، ويوجد به الآن بعض الماء الراكد، مغطى من أوراق الشجر المتساقط من الاشجار حوله.

رحلة الهند الحلقة السادسة والأخيرة

غادرنا المتحف متوجهين لفندقنا الجديد والأخير في هذه البلدة، (فندق مونسون)، كان فندقا جميلا وكانت غرفنا في الدور الثامن الذي يطل بسواتر زجاجية على الشوارع والاحياء المحيطة، بشكلها البديع والحضاري، ولكن انعكاسات الزجاج لا يسمح لنا بالتقاط الصور بشكل واضح، ارتحنا إلى ما بعد المغرب، وكنا قد قررنا الخروج للعشاء في مطعم في الجوار، راينا عليه لوحة باللغة العربية، مطعم (مندي ومدفون)، وجدناه لبعض الأخوة العمانيين، وكان مطعم على مستوى راق ونظيف، استمتعنا فيه بتناول عشاء رائع، كنا قد اشتقنا إليه، وبعدها عدنا مباشرة إلى الفندق، لنخلد للراحة استعدادا ليوم الغد.

الاربعاء 1446/7/29هـ   

خصصنا هذا اليوم في البرنامج للتسوق، وللفرجة وللتزود ببعض الهدايا التذكارية، وبعد تناول طعام الافطار، طلبنا من السائق إيصالنا إلى السوق الشعبي، ظنا منا أنه سيكون الافضل لتحقيق هدفنا، وبالفعل أوصلنا إلى سوق ممتد على عدة شوارع، الدكاكين والباعة على جوانبها، وجلنا فيه لفترة ندور هنا وهناك، ونستعرض البضائع في داخل هذه الدكاكين، فلم نجد فيه ما يلفت النظر لمبتغانا، فمعظم السلع فيه مغرقة في الشعبية، تخضع لمتطلبات اهل البلد، من الاواني والخصف والخزف، ومواد البناء والاغذية وغيرها، ولا ترتقي لأن تكون مقتنيات وهدايا، لكن اكثر ما لفت نظرنا في هذا السوق انتشار اليانصيب، وهي عبارة عن كروت تباع بأسعار مكتوبة عليها، وعليها اقبال كبير من المتسوقين، ولذلك تجد محلاتها وعروضها في كل زاوية من هذه الشوارع، وبعضها توجد في معارض كبيرة ومتعددة، عرفنا أنه بعد كل فترة يعلن عن فوز واحد من هذه الارقام بمبلغ كبير، ويحق لمن تملكه أن يحضر لاستلام هذا المبلغ، فلذلك كل واحد منهم يحلم بأن يكون هو الفائز بهذه المبالغ، مقابل مبلغ تافه يشتري به هذه البطاقة، وبالطبع الدين الاسلامي يحرم هذه الطريقة (الميسر)، ويعتبر من اعمال القمار المحرمة شرعا، قال الله تعالى (يا أيها الذين امنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والازلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون).

اتصلنا بالسائق ليأخذنا إلى سوق آخر، فكان من الصعب عليه ايجاد موقف للازدحام الشديد في هذه الاسواق، ولضيق شوارعها، فلما حضر انطلقنا إلى مكان آخر مناسب للتسوق، كان عبارة عن سوق مركزي راق، عبارة عن مبنى واسع به عدة أدوار، كل منها يختص بنوع معين من البضائع، فهذا للإكسسوارات والذهب، ودور للملابس النسائية، وأخر للأطفال، واخر للبنات،  جلنا فيه وتسوقنا، ثم انتقلنا إلى مكان مماثل له، لنعود بعدها للفندق لينظم كل واحد اغراضه للمغادرة، فرحلتنا للعودة للمملكة في الغد، ولذلك لم نمارس أي نشاط أو جولات في بقية هذا اليوم، حتى إنا صرفنا السائق وتعشينا داخل الفندق، وهذه مرحلة التشبع، فإذا طال وقت الرحلة تشعر فيها بالملل، ولم تعد ترغب في القيام بأي نشاط آخر.

الخميس 1446/7/30هـ

كان هذا اليوم هو اليوم المحدد للمغادرة، ورحلة العودة على الخطوط السعودية في الساعة السادسة والنصف مساء، لذلك زدنا في هذا اليوم في معيار النوم والراحة، وكأننا في حلم لا نريد الصحو منه لجماله، ولذلك افطرنا ثم عندنا إلى غرفنا لاستكمال التجهز للمغادرة، وكان لزاما علينا المغادرة عند الساعة الثانية عشرة ظهرا، ولما اقترب الوقت هبطنا لصالة الاستقبال لتسليم الغرف واكمال المتطلبات، وفي هذه الاثناء كان قد حضر مهندس من أهل هذه المدينة، للسلام على زميله، رفيقنا المهندس يحيى بن سليمان، جاء عندما علم بوجوده هنا، فقد تزاملا في جامعة الامام محمد بن سعود الاسلامية، لأكثر من خمس وعشرين سنة، فاستعادا كثيرا من الذكريات، وتبادلا الاخبار الخاصة ومستجدات حياتهما، وقد مضى له على مغادرة المملكة ست سنوات، وله العديد من الذكريات والتساؤلات، واستمتعنا بالجلوس والحديث معه، وكان معه ولد شاب حافظ للقرآن الكريم، ويتكلم العربية بطلاقة، وهو هناك امام مسجد في مدينة كوتشي، كان من مواليد المملكة.

خرجنا من الفندق في الموعد المحدد، وكان امامنا وقت طويل يتجاوز الست ساعات، فأخذنا جولة تعريفية على بعض مناطق المدينة، ومنها الوصول إلى جهة البحر واطراف الميناء، وشاهدنا خلالها اشياء ومبتكرات جديدة مختلفة، ومنها أن بعض الصيادين يكون لهم في اطراف البحر منصات ثابتة، يوجد بكل واحدة منها غرفة خشبية، وتحمل شبكة ضخمة معلقة بأعمدة من اطرافها، فالظاهر أنه في أوقات معينة تنزل هذه الشبكة إلى الماء، فإذا ما رفعها يكون قد علق بها كثير من السمك، وهذا استنتاج منا، وإلا فإننا لم نجد من يفيدنا في هذه المكان.

رحلة الهند الحلقة السادسة والأخيرة

ومررنا بجوار اسواق السمك الضخمة، وقوارب الصيد الكثيرة المتشابهة في الوانها، وكأنها تتبع شركة صيد موحدة، توقفنا في حوالي الساعة الثالثة عند احد مطاعم السمك المشهورة لديهم اسمه (زعتر)، وتناولنا الغذاء مما لذ وطاب من انواع طبخات السمك لديهم، لننطلق بعدها إلى المطار لاستكمال اجراءات السفر، وكانت الامور بحمد الله سهلة وميسرة، اكملنا شحن الحقائب، واستلمنا بطاقات الركوب، ومررنا على الجوازات والتفتيش، لندخل إلى صالات المغادرة، وفيها بحثنا عن مسجد حيث صلينا الظهر والعصر، وبعد غروب الشمس صلينا المغرب والعشاء، ولم نلبث طويلا حيث اعلن عن الصعود إلى الطائرة، واقلعت بنا الطائرة في حوالي الساعة الثامنة والنصف حسب التوقيت المحلي هناك، يوافق الساعة السادسة في المملكة، واقلعت الطائرة بكل سلاسة محلقة في الجو، وبعد تناول وجبة العشاء، أطفأت الانوار الداخلية، واسترخى الركاب وخلد معظمهم إلى النوم، والتحف معظمهم بالحفة كانت متوفرة على كل مقاعد الطائرة، وقد اصابتنا العدوى مع هذا الهدوء، ومع طول الوقت فدخلنا في نوم متقطع، ولم نشعر إلا عند إضاءة الانوار من جديد، عند اقتراب الطائرة من الهبوط في مطار الملك خالد الدولي بالرياض، لنصل بحمد الله وتوفيقه بعد رحلة ماتعة في تمام الساعة الحادية عشرة وخمس واربعين دقيقة بالتوقيت المملكة، بعد قضائنا اثني عشر يوما، تجولنا بكل متعة في ولاية كيرلا في جمهورية الهند.

نسال الله أننا استطعنا امتاعكم وافادتكم بهذا السرد لهذه الرحلة، فمهما وصف الشخص فلن يكون مماثل للواقع، ولكنها محاولة، شكرا لمن تابع ولمن تفاعل ولمن علق، ودعمنا بالكلمة المشجعة والمحبة الصادقة، لكم جميع كل الاحترام والتقدير، وإلى اللقاء في رحلات مماثلة قادمة بمشيئة الله وتوفيقه.

 والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 محبكم/ عبدالله بن علي قاسم آل طارش الفيفي ـ أبو جمال

 الرياض في 1446/9/19هـ

رحلة الهند الحلقة السادسة والأخيرة

1- رحلة الهند الحلقة الأولى

2 – رحلة الهند الحلقة الثانية

3- رحلة الهند الحلقة الثالثة

4 – رحلة الهند الحلقة الرابعة

5 – رحلة الهند الحلقة الخامسة

‫2 تعليقات

  1. ما شاء الله وبارك فيك شيخنا الفاضل أجدت وأفدت وأعطيت صورة كاملة لرحلاتكم المختارة بعناية كما يبدو من حسن الشرح والنقل الماتع الغير مستغرب منكم فأنتم دوما توثقون وتسطرون رحلاتكم السياحية بدقة وعناية وبتفصيل راقي وسلس ومحبب للقارئ .. أستمتعنا حقا وعشنا الجو معكم ومع سردكم الكريم..

    نشكركم وندعو لكم بطول العمر والصحة والعافية وجزيتم خيراً على ما تقدموه..

  2. بارك الله فيك يا ابا جمال وشكرا لك على مشا ركتنا هذه التجربه والاجواء التى اشعرتنا بجمال هذه الوجهات وروعتها

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى