
رحلة الهند
الحلقة الأولى :
الهند وما ادراك ما الهند، جمهورية تقع في جنوب قارة اسيا، ومن اكبر دول العالم من حيث عدد السكان، وتتميز بتنوعها الثقافي والعرقي، إضافة إلى تنوع السنتها ومعتقداتها الدينية، وتعدد الحضارات وتباينها، ارض خصبة مطيرة، مليئة بالغابات والانهار وتعدد الحيوانات، وتتكون من ثماني عشرة ولاية، تتحد في دولة قوية، بحيث تعتبر اكبر ديموقراطية في العالم، وتمتلك ارثا ثقافيا وحضاريا عريقا على امتداد العصور، ارث تليد وحضارات يتشوق الانسان إلى التعرف عليها، حتى أن اسمها معروف منذ القدم، وهي ارض التوابل والبهارات، حتى أن اسمها قديما (بهارات)، وكم تشوقت شخصيا لزيارتها لكل هذه الاسباب وغيرها، ولما اسمعه عنها وما اطلعت عليه عنها، عبر وسائل الاعلام، وما يقوله الناس عنها ممن زاروها، إلى أن تيسرت الامور وحان الوقت المناسب بفضل الله إلى تحقيق ذلك، وحينها ابتدأ التخطيط الجاد لتنفيذه على أرض الواقع، وكان التوافق بين مجموعتنا المؤتلفة، المكونة من بعض الأخوة وأبنا العم، وتيقنا أنه من المستحيل زيارة كامل الهند، لذلك سعينا إلى اختيار جزء منها، نموذجا يعطينا صورة كاملة عنها، (فما لا يدرك كله لا يترك جله) ، (ويكفي من القلادة ما احاط بالعنق)، فكان التوافق والاختيار على ولاية (كيرلا)، لأنه يجتمع فيها كل النماذج الممثلة للهند، فهي ولاية متميزة عن بقية الولايات، وفيها الكثير من الايجابيات عن غيرها، سواء بأرضها أو بأهلها ومعالمها، لذلك تم الاجماع بيننا على أن نتجه إليها، وتكون هي الأولى في الاختيار عن ما سواها، هو ما تم تفعيله والعمل على القيام به، فتم اعداد البرنامج المتناسق المناسب، ليشمل معظم أجزاء هذه الولاية، وتم استخراج (فيزات الدخول) من السفارة الهندية، وتجهيز كل حجوزات الطيران المطلوبة، وحجوزات الفنادق في كل نقطة من مراحل الرحلة، وتوفير سيارة وسائقها الخبير المتقن للغة العربية، وحددنا الوقت والمدة والاستعدادات اللازمة، ثم التوكل على الله وطلب العون والتوفيق منه.
ولاية (كيرلا)، التي قيل إن معناها (خير الله)، ثم تحور هذا اللفظ بلغة اهل الهند، ليصبح بهذا الشكل (كيرلا)، وسبب التسمية (خير الله) لكثرة الخيرات المتوفرة فيها، مع أن لها تسميات اخرى، مثل (حديقة التوابل، وأرض جوز الهند، وأرض الاشجار، وجوهرة جنوب الهند)، وموقعها جنوب غرب جمهورية الهند، تقع بين بحر العرب وجبال غاتس الغربية، وتعتبر اجمل ولايات الهند، لكونها محاطة بجمال لا مثيل له، من الغابات الكثيفة، والانهار الجارية، والسدود العظيمة، والشلالات المتدفقة، والحيوانات المتنوعة، مع طيب اهلها واعتدال جوها، والنهضة القائمة فيها، المشاهدة في كل جزء منها، وتم اختيار الوقت المناسب للبدء في هذه الرحلة، وحددناه يوم السبت تاريخ 1446/7/18هـ الموافق 2025/1/18م، ليكون الانطلاق من مدينة الرياض، عاصمة مملكتنا الحبيبة، عبر الخطوط السعودية، في الرحلة التي الاتجاه مباشرة إلى مدينة (كوتشي)، اكبر مدن هذه الولاية، فكان موعد الحضور إلى مطار الملكي الدولي بالرياض، في تمام الساعة التاسعة والنصف صباحا، وموعد اقلاع الطائرة عند الساعة الثانية عشرة والنصف ظهرا، وكانت بالفعل بحمد الله وفضله رحلة موفقة وناجحة.
في صباح هذا اليوم السبت خرجت من بيتي في حي السويدي بالرياض، بعد صلاة الفجر مباشرة، وكانت هذه الرحلة متميزة حتى بالوصول إلى المطار، حيث اخترت وسيلة المواصلات الحديثة، فكانت تجربة اختيار القطار (المترو)، وكانت الانطلاقة فيه من محطة النقل الجماعي في العزيزية، الواقعة جنوب الرياض على الدائري الجنوبي، ويمر في طريقه بعدة محطات، يتجاوز عددها عشرين محطة، تخترق الرياض من الجنوب إلى الشمال الغربي، بحيث ينتهي بالمركز المالي، وهو ما يعرف بالخط الازرق، لتنتقل في هذه المحطة إلى الخط الاصفر، الذي يمر بحوالي سبع محطات، حتى يصل في الثلاث المحطات الاخيرة إلى صالات المطار، وهي الصالة الخامسة المخصصة للرحلات الداخلية، ثم الصالة الثالثة والرابعة لرحلات الخطوط السعودية الدولية، ثم الصالة الاولى والثانية لرحلات الخطوط الاجنبية، وكانت تجربة رائعة ومدهشة ومريحة، فكان القطار يتوقف في كل محطة من هذه المحطات، ويفتح ابوابه لمدة دقيقة واحدة يخرج اناس ويركب آخرون، حيث وصلت بمنتهى الراحة والسلاسة الى صالة المطار الثالثة والرابعة، والتم فيها شمل الرفقة قبل الموعد المحدد، ومنهم القادمين من احياء مدينة الرياض المختلفة، ومنهم القادم من مدينة ابها، والقادم من مدينة مكة المكرمة عن طريق جدة، وعندها اكملنا شحن حقائبنا، واستلام بطاقات صعود الطائرة، وكانت الأمور جدا سهلة وميسرة، ثم اتجهنا إلى موظفي الجوازات لختم الجوازات، وكانت اكترونيا وبشكل سريع، فالموظف يمرر جوازك على جهاز سحب اكتروني، الذي يقرأ الجواز بكل دقة، ثم يتم ختمه من احد الموظفين، كل ذلك في وقت وجيز جدا، وبعدها تدخل على الفحص الشخصي، لتدلف منه مباشرة إلى صالات المغادرة، وبعدما دخلنا الصالة استعدادا للركوب، قمنا بالصرف من بعض مكاتب البنوك المتوفرة، والحصول على مبالغ بالعملة الهندية احتياطا، وإلا فأنت تستطيع هناك الصرف أو الشراء بواسطة بطاقة البنك الخاصة بك، ولم نلبث طويلا بأن اتجهنا إلى بوابات المغادرة، لنركب في الطائرة الخاصة برحلتنا، وكانت كل الاجراءات سهلة وميسرة، وفي الطائرة جلس كل منا على مقعده، لتقلع الطائرة في موعدها المحدد، في الساعة الحادية عشرة والنصف، متجهة في طريقها شرقا جنوبا، وما إن استوت الطائرة في الجو حتى اتجهنا إلى مصلى في مؤخرة الطائرة، صلينا فيه الظهر والعصر، واستمر تحليق الطائرة لما يقارب خمس ساعات ونصف، حتى هبطت بنا قبيل المغرب في مطار كوتشي، وكان فارق التوقيت مع الرياض حوالي الساعتين والنصف، كان المطار كبير ومنظم، جرى التنقل بين صالاته المتعددة الطويلة، لنهبط بالسلالم الكهربائية إلى الدور الاول، وتم تسجيل الجوازات وختمها بكل يسر، لنتجه مباشرة إلى الدور الارضي، لتناول حقائبنا من على السير المتحرك، وفي خارج المبنى كان في استقبالنا منسق البرنامج الهندي، (مبارك) الظاهر معنا في الصورة.
وكانت معه السيارة المتفق عليها مع سائقها، والسيارة عبارة عن باص صغير(ميكروباص)، يتسع لحوالي ثمانية ركاب، صناعة هندية جميل الديكور ومريح، والاختلاف الذي يلاحظه الزائر لأول مرة على كل السيارات هنا، اختلاف موقع المقود بعكس ما تعودنا عليه في سياراتنا، ولذلك نظام مرور السير لديهم على عكس ما هو لدينا، فهم يسيرون على النظام الانجليزي اليمين يسارا، كانت مدينة كوتشي كبيرة وواسعة، ولكن شوارعها ضيقة ومزدحمة بالسيارات، لذلك استغرق وصولنا للفندق لأكثر من ساعتين، وفي الطريق توقفنا لنتعشى في احد مطاعم البيتزا، ثم وصلنا الفندق الجميل (ميريدين)، وموقعه جميل يشرف من الخلف على ضفة أحد الانهار العريضة،
وصلينا المغرب والعشاء، لنأوي مباشرة إلى فرشنا بعد يوم طويل وشاق، استعدادا ليوم حافل في الغد بمشيئة الله، في بداية التعرف على معالم هذه الولاية وهذه البلدة (الهند).
الاحد الموافق 1446/7/19هـ :
كان هذا اليوم هو بداية تنفيذ البرنامج الفعلي للجولة، وبعد تناول الافطار في الفندق، تم تركيب شرائح محلية جديدة للجوالات، بعدما حضر مندوب إحدى شركات الاتصالات، الذي نسق معه سائقنا، واستكمل الاجراءات المطلوبة، من التوثيق الرسمي ودفع الرسوم المحددة، إلى أن شغل الجوالات عليها بكل نجاح، وبعدها انطلقنا في طريقنا، حوالي الساعة العاشرة صباحا، في خوض بداية رحلتنا الموفقة، متوكلين على الله ومستعينين به سبحانه.
كان الاتجاه شرقا إلى الجبال الشرقية، فيما يعرف بجبال (مانير)، وهي سلسلة جبال متواصلة، تنتهي في صعودك فيها من جبل، لتنتقل إلى جبل آخر، في سلسلة من الجبال تمتد امامك لا تكاد تنتهي، تكون قمتها النهائية (مانير)، وقمته المتميزة بأنها صخرة ضخمة عريضة، تغطي كامل هامته من كل الجهات، وطول الطريق الذي كان علينا قطعة في هذه الرحلة، مع أنه لا يتجاوز (120)كم تقريبا، ولكن كانت الطريق كثيرة التعرجات وضيقة، وعليها حركة دائبة من السيارات والدبابات الصغيرة، وفي البداية كانت تمر بنا بين البيوت في اطراف المدينة، ثم بعدها بالمزارع المنتشرة في كل الاتجاهات، مع أن العمران في الحقيقة لا يكاد ينقطع عنا نهائيا، فأنت تمر بالعديد من القرى والمدن الصغيرة والمتوسطة، واذكر من هذه المدن (مواقبرا، وكودا منقل) وغيرها الكثير، واكثر ما يلفت النظر في هذه المناطق كثرة الكنائس المسيحية، ومعظمها لها صوامع شبيهة بمآذن المساجد، حتى أنك تظنها مسجدا لو لم تشاهد الصلبان عليها، ولما كان هذا اليوم هو الأحد، فهي تشاهد مزدحمة بروادها، فيوم الاحد لدى المسيحيين هو المخصص للصلاة دون غيره من الايام، وشاهدنا كذلك عدة مساجد على الطريق هنا وهناك، بل بعضها مكون من عدة ادوار، ويوجد عليها كتابات باللغة العربية، تعريفا بأسمائها التي تعلو مداخلها من كل الجهات، ومنها كمثال مسجد التقوى ومسجد الايمان، أخذت الطريق تأخذ بنا في الصعود تدريجيا إلى اعالي الجبال، وكانت اولها جبل (أودكي) الكثيف الغابات.
ويتخلله في بعض اماكن منه بيوت ومنتجعات، ووجدنا في منتصف الطريق متسع، ومواقف جانبية مزدحمة بالسيارات الواقفة، وحولها مجموعة من المحلات والدكاكين الصغيرة (كشكات)، تباع فيها بعض الأكلات الخفيفة، والعصير وبعض الفواكه، ومن أهمها جوز الهند والاناناس، وبعض الهدايا والعاب الاطفال الخفيفة، وهذا الموقع يوجد حول أحدى الشلالات (تيبارا)، وإن لم يكن في هذا الوقت من السنة غزير المياه، لأنه موسم تقل فيه الامطار المعتادة، اوقفنا سيارتنا جانبا ونزلنا للاطلاع والفرجة، جلنا في كامل المكان، والتقطنا بعض الصور للشلال ومحيطه.
وتذوقنا بعض شراب ثمار جوز الهند، وطريقة اعدادها وهي مغلفة بقشرة قوية جدا، فيفلقها البائع بساطور منحن خاص بذلك، وبعد عدة ضربات يصل إلى لبها الابيض، الذي يحدث فيه ثقبا يدخل منه مصاصا من البلاستيك، لتشرب منه الماء الموجود داخلها، وله ذوق مستساغ وحلاوة لا بأس بها، وإذا رغبت بعد فراغك من شرب مائها، اكمل لك تفليقها لاستخراج بقية لحائها الابيض اللذيذ.
لم نمكث طويلا في هذا المكان، لنستأنف طريقنا صعودا، وفي مكان قريب توقفنا لمشاهدة شلال يرى في الأسفل، وما إن مضينا في طريقنا قليلا حتى وجدنا مجمع سكاني في مكان مستوى بين الجبال، يعج بالناس والسيارات والحركة، وفيه العديد من المحلات والمطاعم والخدمات، وهناك العديد من المزارع والحيازات المسورة في جوانبه.
أوقفنا سيارتنا في أحد الموقف امام أحد هذه المحلات، وترجلنا متجهين إلى داخل المحل، وكان عبارة عن واجهة محلات يقع خلفها مشتل زراعي، ممتد في سفح هذا الجبل من الخلف، ويلزمك دفع رسوم مقابل دخول المشتل، الذي يحتوي على زروع نادرة متنوعه، وقد اعد بممرات تسير بك إلى كامل زواياه.
وتم تجولنا فيه بصحبة مرشد متخصص، كان يشرح لنا ويعرفنا بكامل الموجودات، فيقف عند كل نبتة وشجرة، ليشرح لنا اسمها ونوعها واستخداماتها وكل التفاصيل عنها، كان مرشدنا هذا مسلما يتقن اللغة العربية، ومتخصصا كما اخبرنا في الصيدلة، وسبق أن عمل في إحدى صيدليات النهدي بالمملكة، فكانت جولة نافعة ومفيدة واطلعنا على اشياء جديدة، فهناك اشجار أو معظمها لم نره على الطبيعة من قبل، وسمعنا الكثير من الخصائص والاستخدامات والفوائد لكل شجرة ونبتت في هذه المشتل، فمعظم ما كان فيه له خصائص طبية فضلا عن فوائدها الغذائية، فعلى العموم فقد كان هذا المشتل مشتل طبي في الدرجة الأولى، يوجد فيه العديد من المزروعات والنباتات النافعة في هذا المجال، ومن ذلك نباتات (القرفة، والهيل، والفلفل الأسود، والبن، (اشجار البن كانت هنا كبيرة وضخمة بخلاف ما هو لدينا)، وهناك اشجار الفكس، والقرنفل، وجوز الطيب، والكاكاو، والفانيلا، والاناناس الجبلي، وغيرها من الاشجار المتعددة، التي لأول مرة نراها على الطبيعة)، وبعد هذه الجولة التعريفية، مر بنا عند مخرج المشتل على معرض ومتجر خاص لبعض منتجات هذا المشتل وامثاله، قد حضرت واستخلصت ووضعت في عبوات مركزة ومناسبة، ومصنعة على شكل حبوب وشراب وزيوت للإدهان، واسهب في الشرح عن خصائص وفوائد كل منها، وهي نوع من الدعاية وعروض لمن يرغب في الشراء، وانصرفنا من هنا إلى موقع آخر في الجوار، بعد أن اشترينا تذاكر لركوب الفيل فيه، احببنا أن نجربها ونستكشف هذا الجانب لأول مرة، وكانت والحمد لله تجربة جميلة وممتعة، مع إن المسافة التي يتحرك فيها هذا الفيل قصيرة ومحدودة، لا تتجاوز الخمسين مترا تقريبا، ولكن العجب في كيفية ترويضه واستسلامه لما يوجهونه إليه، فهو يقف في البداية بجوار منصة مرتفعة لحوالي ثلاثة امتار، مساوية تماما لقامة هذا الفيل، والفيل مجهز فوق ظهره ببردعة وفوقها وسرج عريض معد من الحديد، ثبت بإحكام بالحبال والشرائط فوق كامل ظهره، من رقبته إلى أن يصل مؤخرة الظهر، فيركب الشخص من فوق هذه المنصة، ليجلس مباشرة في المكان المخصص له، فهو يتسع لثلاثة اشخاص خلف بعضهم، وامام كل واحد منهم عروة ملحمة بالسرج يتمسك بها، وعند القدمين رف جانبي يضع عليه الراكب قدمية، وإذا ما اكتمل ركوبهم، اوعز السائس (الشايب) للفيل بالحركة والانطلاق، ليسير مطيعا متهاديا في سيره الوئيد، والسائس يسير عند قدميه وامامه وجانبه، يوجهه ويسوقه ويناغيه ببعض الكلمات، وينهره احيانا بأصوات متعددة يتجاوب معه فيها، فيسير متحركا ببطئ في ممر قد خصص له بين هذه الاشجار.
يكون مع السائس فتى شاب مساعدا له يصاحبه ويكون قريبا منه وحوله، ويعرض خدماته للركاب لمن رغب في التقاط بعض الصور، حيث ناولته جوالي ليقوم بالتقاط بعض الصور، وكان احيانا السائس أو مساعده يتحدث إلى الفيل بكلمات معينة، ليحرك على صداها خرطومه إلى الاعلى أو الأسفل، كانت تجربة مختلفة وفريدة بالنسبة لنا، وكانت لها هيبتها ونشوة التميز بهذا المركوب الفخم.
وخلال هذه الفترة التي امتدت لحوالي عشر دقائق، عاد بنا الفيل إلى نفس المكان، في محاذاة المنصة التي ركبنا منها، لننزل بكل سهولة وليحل مكاننا آخرون يأخذهم إلى نفس الجولة، وبعد الانتهاء من جولاته ولم يعد هناك أحد غيرنا يرغب الركوب، شاهدنا السائس ومساعده يفكون حبال تثبيت السرج مع على ظهره، ويرفعونه ويزيلون البردعة الطويلة من على كامل ظهره، وبعدها يحضرون خرطوما يتدفق منه الماء، ليرشونه بالماء على خرطومه، وعلى وجهه ليشرب، ثم يعممون الماء على ارجله وظهره وكامل جسده.
خرجنا من هذا المكان لنبحث لنا عن مكان مناسب للصلاة، فدلونا على غرفة صغيرة قد خصصوها كمسجد لهم، وكانت مفروشة بالسجاد، فصلينا فيها الظهر والعصر جمعا وقصرا، ثم استأنفنا مسيرنا صعودا إلى مقصدنا النهائي حيث يقع الفندق، وقبل الوصول إليه وجدنا تجمعا كبيرا، فيه عدد من البيوت وفي محيطه الكثير منها، وعلى جوانبها اسواق ومحلات تجارية عامرة، يوجد فيها جميع السلع والمتطلبات بوفرة، وفيها عدد كبير من المطاعم، حيث قصدنا أحد هذه المطاعم المتميزة بموقعها وشكلها، وكان مناسبا يوجد له اطلالة على الجبال الخضراء من تحته، وجلساته المريحة الواسعة، وفيه يقدمون ما لذ وطاب من الاكل النظيف، فتناولنا فيه غدائنا وعشاءنا فالوقت متأخرا بعد العصر، ولطيب اكله فقد عاودنا الحضور في اليوم التالي لتناول العشاء، وبعدها اتجهنا مباشرة إلى الفندق، ويقع بعد هذه القرية بمسافة كيلو تقريبا، وموقعه جميل ومطل على الهضاب الخضراء من حوله ومن فوقه، الممتدة على مدى النظر والمزروعة بنباتات الشاهي، وبجواره من الاسفل بيوت متناثرة وآهلة بالسكان، وبجواره حيازة كبيرة منبسطة، تستخدم ملعبا لكرة القدم ولعبة الكركت.
واستمتعنا في هذه الفترة قبيل المغرب بالفرجة على مجموعة من الشباب يمارسون هذه اللعبة هناك، وهم يمارسونها بكل شغف، مع أنك لا تجد فيها تلك الجاذبية كمشاهد، فهي تشبه لعبة المزاقرة التي كانت تلعب قديما في فيفاء، فيستخدم فيها كرة ملئ الكف، ترمى على لاعب يحمل في يده مضربا عريضا، يحاول هذا الرامي أن يصيب ثلاثة الواح صغيرة خلف المستقبل، وهو يصد هذه الكرة قبل أن تصل إليها، بضربها بهذا المضرب إلى أي أتجاه كان، ويوجد في اطراف الملعب لاعبين كل منهم يحاول تلقف الكرة إذا جاءت لجهته، قبل أن تقع على الأرض، وفي هذه الحالة اظن لها دور في الفوز لفريقه، وإذا لم يستطيعوا امساكها إلى أن وقعت في الأرض، تعاد للرامي ليعيد رميها من جديد، والملاحظ أنها لعبة سائدة هنا في الهنود وفي باكستان، وانتشرت بينهم من خلال الاستعمار الانجليزي، ونشاهدها احيانا لدينا في المملكة، في عطل نهاية الاسبوع، تمارس في بعض الاراضي المفتوحة من قبل هذه الجاليات.
لقد كان الفندق (مانير بالآس) جميلا ومريحا بموقعه وخدماته ، يتكون من حوالي سبعة ادوار، تهبط إليه من الشارع الرئيسي لحوالي عشرين مترا، والمدخل فيه والاستقبال في الدور الرابع، والغرف في بقية الادوار من الأسفل والأعلى، وكانت غرفنا في الدور السادس، لها شرف مطلة رائعة، والجو حينها كان مقبولا، تطغى عليه بعض البرودة في الليل، وقد تم الحجز فيه من قبل لمدة ثلاث ليال، وما إن استكملنا اجراءات التسجيل، كلنا اتجه إلى غرفته لنخلد إلى الراحة والنوم، استعدادا ليوم قادم جميل بمشيئة الله.
وإلى اللقاء في حلقة قادمة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
محبكم/ عبدالله بن علي قاسم آل طارش الفيفي ـ أبو جمال
الرياض في 1446/8/14هـ
بارك الله فيك و فيما قدمت يا ابوجمال.شكراعلى مشاركتنا هذه التفاصيل.التي.عشان معك بها جمال هذه الرحله
ولك كل التقدير على هذا السرد الممتع
دائما ماتشوقنا بكتابتك الفذه وسلاسة التشويق في السرد يابو جمال اسأل ان يمتعك بالصحه والعافيه. ونلتقي في حلقات قادمه باذن الله. تحياتي لك.
احسنتم ياشيخ عبدالله، ماشاء الله تبارك الله، وصف شيق ومفيد، ننتظر الحلقات القادمة بشغف.
بارك الله فيك ياشيخ – عبدالله
كعادتك مبدع وجميل في سردك وقصصك دوما تفيدنا بمعلومات ثقافية على مستوى الرحلات التي تقوم بها أنت والرفاق الكرام معك وغيرها من كتاباتك المتميزة، لقد أستمتع القارئ بهذه الحلقة الرائعة من رحلتكم السياحية الموفقة – فلك منا الشكر ووافر الإحترام..
ننتظر الحلقه القادمة بإذن الله تعالى
مبدع كعادتك استاذ ابوجمال
مبدع كعادتك استاذ ابوجمال الله يحفظك ويسعدك يارب
ما شاء الله تبارك الله ، رحلة رائعة ورفقاء أروع .
وسردك الرائع لهذه الرحلة ينطبق مع المثل القائل :
( أبلغ الوصف ما قَلبَ السمع بصراً )
شعرت وأنا أقرأ هذه الحلقة كأني رافقتكم .
شكراً جزيلاً ( أبو جمال ) ومتعك الله بالصحة والعافية .