مقالات

“كيف تبني أسرة قوية في عصر المتغيرات؟”

‏بقلم- أنور بن عبده بقال | ⁧‫جازان

‏في أحد الأيام، كنت جالسًا مع أب في الستين من عمره، رجل وقور، ناجح في عمله، له احترامه في مجتمعه، قال لي بصوت خافت:

‏“يا أبني ، أنا ربيت أولادي على قد ما قدرت، لكن أحس ما عاد لي تأثير… جوالاتهم أقرب لهم مني.”

‏سكت قليلًا ثم أردف:

‏“مو قصور مني، بس الزمن تغيّر… وأنا ما كنت جاهز.”

‏كلامه ظل يتردد في أذني أيامًا. وتساءلت بعدها:
‏هل المتغيرات هي السبب، أم غياب الوعي هو السبب الحقيقي؟

‏نحن نعيش عصرًا تتسارع فيه التقنية، وتكثر فيه المفاهيم المتضاربة، وتضعف فيه الروابط الأسرية إن لم ننتبه.
‏لكن رغم كل ذلك، الأسرة القوية لا تزال ممكنة، بل ضرورية.
‏والسؤال هو: كيف؟
‏إليك ما أراه خلاصة لتجارب كثيرة، ووعي تراكم عبر المواقف:

‏1️⃣ ابدأ بعلاقتك مع شريكك، فالاتحاد أساس البيت

قبل أن تسأل: “ليش أولادي ما يسمعون الكلام؟”
‏اسأل: “هل هناك انسجام بيني وبين شريك حياتي؟”
‏البيت الذي فيه شد دائم، وصوت مرتفع، وخصام خفي، يُربّي أبناءً قلقين.

الحوار، التفاهم، وإظهار المودة – حتى في الخلاف – يربّي بيتًا صحيًا.

‏2️⃣ خفف من سلطتك.. وزِد من حضورك

جيل اليوم لا يتربّى بالخوف، بل بالقدوة.
‏ليس المطلوب أن تراقب أبناءك في كل لحظة، بل أن يشعروا أنك قريب منهم، تفهمهم، تتكلم بلغتهم، وتفتح لهم باب العودة إذا أخطأوا.

‏ قوة الأب ليست في الصراخ، بل في حضوره الحكيم، وهدوئه في العاصفة.

‏3️⃣ ضع قيمًا ثابتة.. لا تُفرض بل تُعاش

‏لا يكفي أن تقول: “نحن أسرة محترمة”.
‏بل ليكن ذلك في طريقتك في الحديث، وفي تعاملك مع والدتهم، وفي التزامك بصلاتك.
‏الأبناء لا يسمعون بآذانهم فقط، بل بأعينهم أكثر.

ربّ أسرتك بأفعالك قبل كلماتك.

‏4️⃣ تكيّف مع المتغيرات… ولا تذمّها دائمًا

لا تكن ضد التقنية، لكن علّم أبناءك كيف يستخدمونها بوعي.
‏لا ترفض الجديد، بل قارن ووجّه.
كن حاضرًا في عالمهم، لا متفرجًا من بعيد، ولا خصمًا غاضبًا.

العصر الجديد لا يُواجه بالإنكار، بل بالفهم والتوازن.

‏5️⃣ اغرس داخل بيتك “الأمان العاطفي”

ليكن البيت مكانًا يجد فيه كل فرد الطمأنينة والقبول، حتى في ضعفه وخطئه.
‏فالأسرة الناجحة ليست التي تخلو من المشاكل، بل التي تعرف كيف تتجاوزها بحب وصبر ووعي.

اجعل بيتك أول حضن، لا آخر ملجأ.

‏✨ الخلاصة:

‏في عصر المتغيرات، لا نحتاج إلى مزيد من الصرامة… بل نحتاج إلى مزيد من الوعي.
‏الأسرة لا تُبنى بالكلام، بل بالحضور، بالاحترام، وبأن نكون مرآة للخير، في زمن يحتاج لمن يثبت.

‏💬 أسرتك مسؤوليتك… فهل بدأت حقًا في بنائها

‏🔸 دبلوم عالي في المحاماة من جامعة جازان ؛ باحث ماجستير في المرافعات بجامعة المنصورة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى