ماذا لو قبلت القيادة السورية نصيحة الملك عبدالله عام 2011 ؟
ما يحدث اليوم في سوريا الشقيقة من تسلط الأعداء! ، واختلال الأمن! ، وسيطرت المليشيات! ، وتمزّق النسيج الاجتماعي! ، وانتهاك ، بل ضياع السيادة على كامل الأرض السورية بشكل مؤلم ومؤسف ومحزن لكل عربي ومسلم.. كل ذلك هو نتيجة حتمية لمعالجة كانت خاطئة جداً للأحداث التي وقعت عام 1432ه الموافق 2011م ، ورغم أن السبب الذي تفاقمت بعده الأحداث كان أمراً هيِّناً يمكن حلّه بتوجيه من القيادة لنزع فتيل اشتعال الغضب وتوسع المظاهرات ؛ إلا أن القيادة السورية وبدعم من نظام الملالي وقيادات الحرس الثوري في إيران اختارت جانب العنف والتصعيد بشكل أدى إلى تأجيج نار الغضب في كل أرجاء سوريا!.
فقد بدأت الاحتجاجات في شهر ربيع الآخر 1432ه ، منتصف شهر مارس 2011م ، بسبب استياء شعبي من الحكومة التي قامت بسجن مجموعة من الأطفال في مدينة درعا ، ورفضت طلب الأهالي إطلاق سراح أبنائهم ! ، مما أدى إلى خروج الأهالي بمظاهرة احتجاجية قوبلت بإطلاق نار بشكل مباشر على المتظاهرين! ، فنتج عن ذلك سقوط قتلى وجرحى بأعداد أخذت تتزايد يوماً بعد يوم ! ، مما جعل الاستياء الشعبي يزداد ويتوسع! ، فعمت المظاهرات جميع المدن السورية! ، وأصبحت تطالب برحيل النظام!.
والسر الأكبر في استمرار المظاهرات وتصاعدها هو علاقة القيادة السورية بطهران ، فقد كانت مرتبطة معها بعلاقة التابع للمتبوع!! ، وقد علم القاصي والداني بأن إيران الصفوية هي دولة القمع والإرهاب والاستبداد الذي لا نظير له! ، ولهذا تعاملت الحكومة السورية بسبب الدعم والتوجيه الإيراني مع مشكلة الاحتجاجات بقمع لا نظير له! رغم أن سبب الاحتجاجات كان أمراً يمكن علاجه ، وهو إطلاق سراح الأطفال الذين اعتقلتهم السلطات!، وحلحلت المشكلة قبل أن تتفاقم وتخرج عن إمكانية الحل الداخلي ! ، فقد كان مطلب الأهالي في بداية الأمر هو الإفراج عن أطفالهم فقط !.
وقد كانت قيادة المملكة حينها تراقب الأوضاع في جميع أقطار العالم العربي بكل اهتمام ، بل كانت تُوجِّهُ النصائح ، وتُقدِّم الدعم المادي والمعنوي سياسياً واقتصادياً ، وبكل أشكال الدعم لكل الدول التي حصلت فيها اضطرابات ، أو اختلَّ الأمن فيها ، أو تَوَجَّهَ عليها ضغط خارجي لفرض أجندات وسياسات ضد المصالح الوطنية والعربية .
ولم يكن دعم المملكة لتلك الدول دعماً للبطش والظلم والاستبداد! ، كلا .. بل كان دعماً للأمن والاستقرار ، والإصلاحات الملموسة على أرض الواقع بما يحقق مصلحة استقرار تلك البلدان ، وحفظ سيادتها ، وتحقيق تطلعات مواطنيها المشروعة بقدر الوسع والطاقة.
ففي القضية السورية سعى خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله رحمه الله تعالى لاحتواء الأزمة! ، وطلب من الحكومة السورية في بداية الأحداث معالجة المشكلة بما يحفظ أمن الوطن وسلامة أبنائه ، واحترام كرامتهم وإنسانيتهم… ولما لم تستجب القيادة السورية! ، ورأى الظلم والاستبداد وإهانة كرامة الغالبية الكبرى من أبناء الشعب السوري كان هو أول زعيم عربي يصارح بشار الأسد وحكومته بالأخطاء التي ارتكبوها بسبب طريقة التعامل مع المظاهرات!.
فبعد مضي خمسة أشهر من المظاهرات والاحتجاجات والاقتتال الداخلي الذي كانت القيادة السورية هي السبب الرئيس فيما وصل إليه الحال! ، بسبب إصرارها على استخدام آلة القتل ، وأساليب البطش والقمع وإهانة كرامة الشعب السوري الشقيق ، عند ذلك وجه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله رحمه الله تعالى كلمة للقيادة والشعب السوري الشقيق في شهر رمضان المبارك 1432ه الموافق 8/8/2011م جاء فيها :
” بسم الله الرحمن الرحيم ، والصلاة والسلام على رسوله الكريم وعلى آله وصحبه أجمعين.. إلى أشقائنا في سوريا ، سوريا العروبة والإسلام ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، إن تداعيات الأحداث التي تمر بها الشقيقة سوريا ، والتي نتج عنها تساقط أعداد كبيرة من الشهداء الذين أريقت دماؤهم ، وأعداد أخرى من الجرحى والمصابين ، ويعلم الجميع أن كل عاقل عربي ومسلم أو غيرهم ، يدرك أن ذلك ليس من الدين ولا من القيم والأخلاق ، فإراقة دماء الأبرياء لأي أسباب ومبررات كانت لن تجد لها مدخلاً مطمئناً يستطيع فيه العرب والمسلمون والعالم أجمع أن يروا من خلالها بارقة أمل ، إلا بتفعيل الحكمة لدى القيادة السورية ، وتصديها لدورها التاريخي في مفترق طرق الله أعلم أين تؤدي إليه!.
إن ما يحدث في سوريا لا تقبل به المملكة العربية السعودية ، فالحدث أكبر من أن تبرره الأسباب! ، بل يمكن للقيادة السورية تفعيل إصلاحات شاملة سريعة ، فمستقبل سوريا بين خيارين لا ثالث لهما ، إما أن تختار بإرادتها الحكمة ، أو أن تنجرف إلى أعماق الفوضى والضياع لا سمح الله.. وتعلم سوريا الشقيقة شعباً وحكومة مواقف المملكة العربية السعودية معها في الماضي ، واليوم تقف المملكة العربية السعودية تجاه مسؤوليتها التاريخية نحو أشقائها ، مطالبة بإيقاف آلة القتل وإراقة الدماء ، وتحكيم العقل قبل فوات الأوان ، وطرح وتفعيل إصلاحات لا تغلفها الوعود ، بل يحققها الواقع ؛ ليستشعرها إخوتنا المواطنون في سوريا في حياتهم كرامةً وعزةً وكبرياء “.
ثم وجه رحمه الله تعالى باستدعاء السفير في دمشق للتشاور.
ولم يكن موقف الملك عبدالله رحمه الله تعالى موقفاً انتهازياً أو عدائياً ضد الحكومة السورية ، بل كان موقف القائد المسلم الذي لا يريد أن يرى إراقة الدماء ! ، وانتهاك الأعراض! ، وتدمير الممتلكات في أي بلد عربي أو مسلم ؛ بل في أي بلد في العالم ، فالظلم وسفك الدماء لا يقره المسلم في أي مكان ، وعلى أي إنسان من البشر كائناً من كان.
ولقد كان رحمه الله تعالى صريحاً واضحاً في قوله : ” إن الحدث أكبر من أن تبرره الأسباب…” ، ومطالبته بإيقاف آلة القتل! ، ” وتفعيل إصلاحات لا تغلفها الوعود! ، بل يحققها الواقع ، ليستشعرها المواطن في حياته : كرامة وعزة وكبرياء “.
ورغم النداء الصادق الذي توجه به خادم الشريفين وما وعد به الشعب والقيادة السورية من الدعم الذي يحقق للدولة السورية الأمن والاستقرار مع إصلاحات تبني الوطن ، وتحفظ كرامة أبنائه ، وتحافظ على سيادته واستقلاله عن التبعية لأي جهة كانت! ؛ إلا أن النظام السوري غامر بسيادة بلده! واستقلال قراره الوطني ! ، وقَبِلَ أن يكون تابعاً لملالي طهران ومليشياتها! ، مستسلماً لأوامر بوتين! وتوجيهات الكرملن الروسي! ، متنازلاً عن مرتفعات الجولان السوري! ، خانعاً أمام الاستفزازات الإسرائيلية وضربات قواتها الجوية على كامل الأرض السورية!! ، مع أنه كان ممن يفاخر بمحور المقاومة الكاذب الذي تقوده إيران ! ، ويصف القيادات العربية التي لا تتفق مع هذا المحور بالجبن وعدم الشجاعة في مواجهة العدو الصهيوني!..
وها هي سوريا الشقيقة منذ أكثر من عقدين من الزمن تعيش الضياع الذي حذر منه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله! وأخبر بوقوعه لا محالة ما لم تتحمل القيادة السورية مسؤوليتها التاريخية تجاه الأحداث في حينها!!.
واليوم نرى أن سوريا الشقيقة قد أصبحت كسيرة مقعدة لا حراك فيها! ، والأعداء يتكالبون عليها نهباً لثرواتها! ، وتمزيقاً للحمتها! ، وتشطيراً لكيانها الموحد!.
رحم الله خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز فقد كان ناصحاً أميناً ، حريصاً على أمته العربية والإٍسلامية ، مدركاً لمآلات الأحداث وخطورتها!.. ولكن القيادة السورية لم تكن بمستوى حل المشكلة رغم إمكانية الحل في ذلك الحين! ، ورغم أن الملك وعدها حينها بالدعم الكامل لتحقيق مصالح المواطن ، وحفظ أمن الوطن.. أما اليوم فقد أصبح الوضع أصعب وأعقد! ، وأصبحت القيادة السورية في وضع لا تحسد عليه بسبب تضارب مصالح الأعداء المتشاكسون على القصعة السورية!.
فنسأل الله أن يحفظ أشقاءنا في سوريا ، وأن يرد لهم أمنهم ورخاءهم واستقرارهم ، وجميع بلاد المسلمين.
ماذا لو قبلت القيادة السورية نصيحة الملك عبدالله عام 2011 ؟
كتبه
د. علي بن يحي بن جابر الفيفي
الأحد 8 جمادى الأولى 1446ه.
الله يرحم الملك عبد الله بن عبد العزيز ويغفر له ويسكنه فسيح جناته..
كان يحب الخير للقاصي والداني .وكان صادق وصريح في كلامه ورسائله رحمة الله عليه
بارك الله في ياشيخ علي الحموي وشكرا لك يالغالي…