مذكرات ومواقف (13)
العجلة
نقف حائرين في كثيرٍ من المواقف كيف نبدأ العمل ، وبمجرد البدء ننطلق ، ومن خلال هذا الانطلاق تتناثر الأفكار فيتم تجميعها وترتيبها ليكون الناتج مقبولاً ، وهذ ما يحدث معي الآن ، فقد وضعت عنوناً لهذه الذكرى التي أسميتها ( العجلة ) لكني كنت في حيرة من أمري كيف أبدأ بفك رموزها ، فخطرت ببالي أن أشرح المعاناة التي وجدتها في كتابة مقدمة الموضوع وها أنا الآن استرسل في الكتابة .
ما يحدث في حياتنا قريبٌ من هذا فعند التفكير في شيءٍ ما ليكون واقعاً ، لا نستطيع البدء أو لانعرف كيف نبدأ ، فحين نستعرض الفكرة في مخيلتنا ونحسنها ونقوم بتدعيمها بكل عوامل النجاح التي وضعناها لنحقق الهدف منها ، فما علينا إلا العزم والبدء بأي طريقة مناسبة في متناول اليد ، وبعد البدء لابد أن نقف قليلاً لنسأل أنفسنا هل ما شرعنا القيام به كان صحيحا أم لا ؟
لا توجد إجابة واضحة في بداية العمل ، ولكن عندما ينجح نبدأ بتحليله معتقدين أن ما قمنا به كان صحيحاً ، وعند الفشل نعيد التحليل ولكن برؤية أوسع لندرك الخطأ في مسار التنفيذ ، المشكلة حين نكرر ذات الخطأ لنفس العمل أو عملٌ مشابه له، المشكلة هي أنه تمر علينا سنين طويلة وتفكيرنا هو لم يتغير ، كيف لنا أن نخرج أنفسنا من هذه الدائرة المعقدة ؟
لا زلت وأنا في نهاية العقد الخامس أرى أنني لم أتحرر كثيراً من طريقة التفكير التي كنت أمارسها وأنا طفل ، الاختلاف الذي حدث معي ربما ليست في طريقة التفكير بل في التنفيذ ، فعند التنفيذ أكون مضطراً لتغيير طريقتي في التفكير بناء على ما لدي من مخزون كبير من التجارب ، المعرفة والاطلاع وتقييم النتائج عوامل مهمة في تغيير طريقة التنفيذ بما يحقق الهدف المنشود .
إذاً ماذا نحتاج لكي نعرف أننا قريبين من التفكير الصحيح ؟ ببساطة هو واقعك الآن مقارنة بالأمس ، فتفكيرنا يحدد سلوكنا وعلاقاتنا مع الآخرين سلباً وإيجاباً ، وطريقة تفكيرنا تحدد اتجاهاتنا وتصرفاتنا ، من هنا نكون قد وضعنا طريقة سهلة لمعرفة واقعنا اليوم مقارنة بالأمس .
لم تكن تلك العجلة المصنوعة من البلاستيك المقوي التي وجدتها في وادي البير – اسم وادٍ يقع تحت منزلنا بفيفاء لوجود بئر عميق فيه – شيء عادي بالنسبة لي وأنا في المرحلة الابتدائية ، فقد كنت شغوفاً بشكل مقود السيارة (الدريكسون) ، وكنت وأنا أقود دراجتي – اشتريتها بعد تجميع النقود من مكافئة المدرسة (موقف الدراجة)– أتخيل نفسي وأنا أقود سيارة ، لكن العائق الذي يمنع هذه المخيلة في الانطلاق هو الفرق الشاسع بين مقود السيارة والدراجة ، فكنت دائما أتخيل كيف يمكن تحويل هذا المقود البغيض إلى شكل دائري .
كانت العجلة التي وجدتها هي الحل في ظني لتحقيق الحلم ، وبطريقة سريعة تم تنفيذ الفكرة وتم تثبيت العجلة مكان مقود الدراجة بطريقة لم أعد أتذكرها سوى أنني استخدمت في ذلك الحبال التي تستخدمها أمي – حفظها الله – في تجميع الأعشاب – عقوة – ، لم أستمع أبدا للصوت الخارجي ، بل كان الصوت الداخلي هو المسيطر ، الصوت الخارجي كان يصدر من أبي وأمي بشكل متكرر ، وفي كل مرة أقول لهما لا تقلقوا واضعاً في بالي أنهم لا يعرفون بقدر ما أعرفه من إتقان ما قمت به .
ولم أفق إلا وأنا أقع من أعلى الطريق حافة الشط – مدرج كبير في الوادي يسمى شط وجمعه أشاطي – وأنا أقود الدراجة بسقوط لمسافة خمسة مترات تقريباً لأقع بين أحجار في الشط الأسفل ما أتذكره هو أني ناديت أمي ، وبعدها لم أفق إلا وأنا على الفراش لا أتحرك بعد مرور ساعات على الغيبوبة ، واذكر أن ذلك اليوم كان في عيد الأضحى ، فأصابتني حمى شديدة ما جعل عمتي ريعة حفظها الله تقوم بدهن رأسي بــ الدهانة ( الزبدة قبل تحويلها للسمن البلدي) ، بعد أن شفيت ذهبت إلى دراجتي لكي أتفقدها ، ولكن هذه المرة أرجعت المقود الأساسي أما العجلة فقد رميتها فلم أعرف لها مكان بعد ذلك .
قصة العجلة لم تذهب عن مخيلتي ابداً ، وفي كل مرة أقدم على عمل أخاف أن يتكرر معي ما حدث ، فكنت أخاف من ما يسمى الفلسفة الزائدة في التفكير والتصرفات التي ليس لها هدف معين سوى نزعة نفسية أو اشباع شهوة داخلية فقط دون هدف أو مغزى ذو فائدة.
ما حصل معي في طريقة تفكيري السريع ، ومن ثم التنفيذ السريع أيضاً ، استمر معي كثيراً ، وربما إلى اليوم وهو أيضاً يحدث لكثيرٌ منا وخاصة في مرحلة الشباب الأولى لعدم وجود خبرة كافية ، وحماسة الشباب ، هو ليس خطئاً بذاته ، لكنه يفتقر إلى رؤية واضحة للنتائج .
مذكرات ومواقف (13)
بكل بساطة لتنفيذ أمر ما ، نتيجة تفكير ما ، نحتاج إلى أن تكون لدينا رؤية واضحة للنتائج ، وما هي نسبة النجاح المتوقعة مع نسبة الفشل وأن نكون مستعدين لأسوء النتائج ، ولكي نتحرر من الصوت الداخلي علينا تنمية مهارة الاستماع للصوت الخارجي الذي يكون غالباً من جهات لديها خبرة في هذا المجال .
رائع يابو فيصل في وصفك وحتى الصور في المقال ممتازه… نسيت الحادثه حاولت اتذكر ولكن لم اتذكر شي .. الحمدلله على سلامتك والله مخاطره خطره وخاصه المكان ليس في مكان مستوي …
الخاتمه ممتازه ولما فيها من فوائد
تحياتي لك