
مذكرات ومواقف (15)
الحديد الساخن
التهور وسرعة ردة الفعل يجعلنا ندفع الثمن غاليا ، (وَكَانَ الإنْسَانُ عَجُولا)، في كثير من الأحيان نعتقد أننا في الجانب الصحيح وتكون تصرفاتنا بناءً على هذا الاعتقاد ، في حين نكتشف لا حقاً أننا في الجانب الخطأ ، هذا سيء بالنسبة لنا ، لكن الأسوأ أن نستمر في الخطأ ولا ندرك أننا كذلك مهما حدث ، وهذه هي المشكلة ، فدائماً ما نبرر أخطائنا في كل تصرفاتنا ، ونرمي الآخرين بالسببية ، وما أراه سبباً لكل ذلك هو التهور وسرعة رد الفعل ، دون أن نهدأ ونتروى ونحلل الموقف ونتوقع النتائج ، ولا اشك أبداً أن التهور وسرعة رد الفعل لا تترك لنا مجالاً لكل ما ذكرته ، فتكون العواقب وخيمة لدرجة الموت.
مشروع البركة الثانية
كانت هناك صخرةً كبيرة خلف منزلنا ب فيفاء ، وكانت هناك هدف لعمل بركة ماء ثانية ، كان أبي رحمه الله يعمل طوال اليوم في سبيل تكسير هذه الصخرة إلى قطع صغيرة ، وكان رحمه الله بارعاً في ذلك بالصبر وما لديه من معرفة وخبرة اكتسبها من خلال عمله مع البنائين والعمال في زمن كانوا فيه يبنون منازلنا من الحجر بطريقة هندسية رائعة لازالت شواهدها قائمة في فيفاء ، وكنت أنا وأخي حسن دائماً نراقب الموقف بتعجب ، وكعادته في استخدام النار كان يقوم بإشعال النار تحت الصخرة عبر الأخشاب المتوفرة ، وبعد فترة من تعرض أجزاء الصخرة للنار تتكسر ، لم تكن لدى أبي -رحمه الله – قدرة لشراء ماطور لغم – كما كان شائعا ذلك الزمن – فلا يملك هذا الماطور الا ميسوري الحال ، كما أنه لا يستطيع استئجاره أيضاً لتكلفته العالية ، فكان الحل الوحيد الاعتماد على قدراته الخاصة ، وبالفعل فقد نجح إلى حد كبير في تفتيت الصخرة.
كانت معداته بسيطة جداً فكانت تتكون من أدوات مثل: الزبرة (كتلة من الحديد وزنها خمسة كيلو مع عصى خشبية) لتكسير الصخرة، كما كان يستخدم قطعة حديد قطرها تقريبا 6سم وطولها تقريبا 150 سم، مدببة من حافتها وحادة من حافتها الأخرى، كان أبي رحمه الله يستخدم هذه الأدوات – الزبرة – في التكسير الصخرة والحديدة لتحريكها، وفي أحد المحاولات انكسر جزء كبير من الصخرة بسبب النيران ووقعت على الحديدة مما تسبب ذلك في اعوجاجها من المنتصف فصارت عديمة الفائدة.
إصلاح الإعوجاج
كانت لأبي محاولات لإصلاح الاعوجاج بتعريض الجزء المعوج على النار ثم طرقها بالزبرة ، وقد نجح إلى حد ما ، وفي أحد الأيام وبعد عودتي من المدرسة لبست ملابس الرياضة وقبل ذهابي للملعب اتجهت إلى حيث أبي ، وهو قد وضع الحديدة تحت النيران وبدء الجزء المعوج في الاحمرار ، حاول طرقها ثم أعادها للنار ، وكنت أشاهد الموقف ، وبحركة سريعة دون تفكير أمسكت حافة الحديدة بيدي لأقوم بعملية ثنيها واثناء ذلك كنت أقول لأبي : كذا أسرع، في هذه اللحظات السريعة لم يتمكن أبي من إيقافي كون الحركة كانت سريعة ولم أكن مستعدا لسماع أي رأي آخر سوى رأيي الذي قمت بتنفيذه على الحال ، النتيجة كانت حروق ربما من الدرجة الثانية ، حيث أنني وبسرعة لمست الحديدة وبنفس ذات السرعة نزعتها .
عند اتخاذنا للقرار فعادة لا نسمع غير صوت واحد هو الصوت الداخلي، رغم الأصوات الخارجية الكثيرة التي نسمعها دون إنصات، ما نسمعه بداخلنا نقوم بتسويقه أولا للذات ثم للآخر حتى نثنيه عن رأيه ونكسبه في صفنا، لمجرد الإقتناع أن الصوت الداخلي هو الصحيح وقد يكون؛ لكن؛ كيف لي أن أتأكد؟
الصوت الداخلي قد يكون مؤثراً وقوياً لدرجة أننا نتخذ القرار دون طرح السؤال: وماذا بعد اتخاذ القرار؟ وهذا ما حدث لي تماما عندما اتخذت قرار بإصلاح الحديد الساخن المعوج بيدي، فكان هناك خطأ جسيم ارتكبته حيث أني قمت بتنفيذ الصوت الداخلي بسرعة كبيرة دون أن أتمهل لأسمع الصوت الخارجي، وهنا تكون الإجابة.
الصوت الداخلي مخادع في كثير من الأحيان، فقاوم ذلك بالإنصات للأصوات الخارجية، حتى تكتمل المعادلة
هههههههه اتوقع انك بعدها حتى الخبزه التي تقدم ماتلمسها حتى تسائل حاره اولا…
الله يعطيك العافيه يا ابو فيصل طرح جدا ممتاز …فعلا السرعه في بعض الامور غير مناسبه…وهناك كثير من الامور يتوجب التاني والتثبت قبل اتخاذ القرار…
شكرا لك على طرحك ..جميع مقالاتك شيقه بارك الله فيك
يعطيك العافية اعدتناة الى الزمن الجميل اتحفنا يا ابا فيصل واستمر بارك الله فيك
ما شاء الله عليك يا ابافيصل اعدتنا الى الزمن القديم استمر وامتعنا بارك الله فيك
بارك الله فيك يا ابو فيصل تحف هذه الذكريات التي بها عظه وعبر نحتاجها جميعا .
استمر الله يعطيك العافية.