مقالات

مذكرات ومواقف (8)

بقلم: موسى أحمد العبدلي

مذكرات ومواقف (8)

السوق

كلما مررت بكبري عيبان عند السوق القديم تنتابني لحظات عابرة ، استعيد فيه الماضي ، فحركة الرجال في السوق جيئة وذهاباً لا زالت عالقةً في ذاكرتي ، وتلك الدكاكين  الصفيرة بجانب السوق تذكرني بطفولتي التي أرى أن الوصول لسوق عيبان هو المتعة التي لا تضاهيها متعة بالنسبة لي في ذلك السن الصغير .

في صغرنا لم نكن نعرف السوق إلا من خلال سوق (عيبان ) و سوق (النفيعة ) ، لكن سوق عيبان كان الأشهر بحكم أن هذا السوق أشهر الأسواق في المنطقة حيث يرتاده الكثير من الباعة والمشترين .

دكاكين لتجارة متنوعة 

وكان سوق عيبان يضم مجموعةً كبيرةً من تجارِ الماشية ، والأوراق العطرية ، وتجارة العِدَدْ ، والملابس ، والوقود ، والألعاب ، كما توجد دكاكين صغيرة  لتجارة العطور والأعشاب ، وبسطات السمك واللحوم ، والأعلاف ، وهناك أركان متخصصة في الأكلات الشعبية مثل : المطبق والشكشوكة  والشاهي ، وعصير الليمون والبرتقال وغيرها مما لا أتذكره.

تجربتي الأولى للتسوق كان في سن الخامسة أو السادسة تقريباً. لا أذكر منها إلا عندما وصلنا وادي جورا حيث حملني أحدهم على ظهره ، ثم بعدها على الحمار – الذي كان وسيلة نقل هامة – ثم لا أذكر شيئاً سوى أنه عند  عودتنا استرحنا في منزل الشيخ يحيى سلمان الثويعي الفيفي رحمه الله في – امحبيل – .

لم يكن السوق فيما مضى للتسوق فقط بل كانت تعقد فيه المشاورات ويتم تبليغ المواطنين بالتعليمات الجديدة من الدولة ، السوق كان مركزاً اجتماعياً حيوياً يتكرر كل أسبوع ، ويتبادل الناس فيه المنافع .

الشاص ونقطة التجمع

فيما بعد تكررت زيارتي للسوق مع أبي رحمه الله ، ولكن الفرق هنا وجود طريق سيارة ضيق لكنه في وقته كان نقلة حضارية تأملها الناس بكل فخر واعتزاز ، كونهم هم من شاركوا المعدات في فتحها بالتخطيط والمال والجهد ،  وفي كل زيارة كنت أتطور شيئاً فشيئاً من حيث الثقة بالنفس ، مما جعلني أنفصل عن أبي لإنهاء بعض المقاضي التي وكلني بها لشرائها ، لنلتقي مجددا عند سيارة الشاص التي تتم تعبئتها بالكامل من أهل البقعة ، ثم تبدأ رحلة العودة المحفوفة بالمخاطر نظير الأضرار التي تلحق بالطريق  عند الأمطار .

رحلة جديدة من المشقة

لا تنتهي الرحلة بمجرد وصولنا ، بل تبدأ رحلة جديدة ، وهي حمل الأغراض على الكتوف ( جمع كتف ) مسافة تزيد عن 3 كيلومترات لكننا لم نكن نشعر بتلك المسافة رغم صغر سننا ، بل نقوم بعملنا كما يجب أن يكون ، دون كلل أو شكوى ، فنحن ندركُ تماماً أن هذا العمل يجب أن يُنجز في وقته ، وأنه لا يوجد غيرنا للقيام به ، فكل أبناء جيلي ومن كان قبلي يمارسون ما نقوم به تماماً ، فلذلك صارت من الأمور المسلم بها مطلقاً .

رحلة السوق على مر  خمسة عقود التي أذكرها لم تكن رحلة عادية بل مدرسة متكاملة ، نتعلم فيها فن التسوق وفن التعامل مع الناس بشتى مشاربهم ، نتعلم فيها كيف ومتى نشتري ، نتعلم فن التفاوض والمساومة على السلعة ، وأحياناُ البحث في مكان مجاور للأفضل جودةً وسعراً ، والهروب من الغش والسلع الرديئة .

تأملات في رحلة السوق

ولو تأملنا قليلاً في رحلة السوق نجدها مثل الحياة اليومية ، عالم كبير من البشر ، تفكير مختلف ، توجهات ، وآراء ، نختلف ونتفق ، لكن ليست المشكلة في الاختلاف بل كيف نتعامل مع هذا الاختلاف ، إن عالم السوق هو فرصة لنا لنتعلم كيفية التعامل مع هذا الاختلاف ، فكلٌ يَأْخُذُ ويَتْرُكُ ما يناسبه ، والكل راجع إلى منزله وهو في أتم الرضى ، هكذا يجب أن نكون ، التركيز على ما نريد ، ولا ننشغل بما يريده الناس .

ومتى تم تطبيق هذا المفهوم ، استطعنا أن نَنْطلِقَ سواءً بسواءٍ مع الآخر ونفهم فن التسوق في رحلة طويلة لا تنتهي إلا بالموت .

الحَياةُ سوقٌ كَبيرٌ يَكْسَبه من يفهم معنى التسوق الحقيقي .
مذكرات ومواقف (8)

‫7 تعليقات

  1. ما شاءالله أحسنت التعبير والتفصيل لقد عشت معك كأنني في السوق اتسوق …. كانت أول تسوق لي مع الوالد، رحمه الله، في هذا السوق الخميسي الجميل، ذكريات لا تنسى خاصه اول مره اشوف السيارات ،وصوت ماء جوراء لا يزال عالقا في ذهني حتى اليوم ،وايضا تذوق ماءه مع ( قستفة ) قطعة خبز لها طعم خاص
    .. شكرا ابو فيصل على هذه الذكريات والمواقف تحياتي لك
    اخوك / حسن احمد العبدلي ابو احمد

  2. جميل جدًا العودة بالذكريات لذاك الزمان الذي لم نعش فيه وإنما لنا الخيالات والتصورات عنه
    جميل ذكر وكتابة مثل هذه التفاصيل فالذكريات والتاريخ لن يموت مادمنا نوثقة بالكتابة و مشاركته مع الجيل الحالي …

    نشكر قلمك الرائع وكتاباتك المشوقة والجميله ومشاركتك لنا لذلك الزمان الجميل 🤍

  3. نعم كان سوق عيبان يعتبر كعاصمة
    المناطق الجبلية وفي عام ١٣٨٧هـ
    كان مافي الا عدد قليل من السيارات
    موجوده في السوق وايت فيه قاز
    وسيارتين مرسدس واذا سوق الاولاد
    الصغار كان ابائهم يخافون عليهم
    ان يعومون ( أي معد يعرف يعود
    للمكان الذي موجود فيه اهله)
    لان بعض الناس يحطون أشيائهم
    عند شنفه والا عند حفاش أو عند
    ال موسى او عند سالم خزقه حتى
    تكتمل المقاضي وكان يقع زحمه
    في السك الداخلية التي يكون بها
    الأقمشة والسك الخارجيه مخصصة
    للبن والهيل والسكر الشاهي المشبك
    والتمور وكان الصغار يرون سوق عيبان
    اكبر شي عندهم في ذلك الوقت .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى