مقالات

مفهوم الأمن الفكري (7)

بقلم الاستاذ: عيسى بن سليمان الفيفي

مفهوم الأمن الفكري (7)

صيانة الأمن الفكري من الإرهاب

أولا ً: من الوسائل الوقائية لحماية الأمن الفكري:

  • إظهار وسطية الإسلام واعتداله وتوازنه:

ترسيخ الانتماء لدى الشباب لهذا الدين الوسط وإشعارهم بالاعتزاز بهذه الوسطية ﴿وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًاۗ﴾ ([1]) وهذا يعني الثبات على المنهج الحق وعدم التحول عنه يمنة أو يسرة وعدم نصرة طرف الغلو والإفراط أو طرف الجفاء والتفريط في صراعهما المستمر.

  • معرفة الأفكار المنحرفة وتحصين الشباب ضدها:

لا بد من تعريفهم بهذه الأفكار وأخطائها قبل وصولها إليهم منمقة مزخرفة فيتأثرون بها ؛ لأن الفكر الهدام ينتقل بسرعة كبيرة جداًّ ولا مجال لحجبه عن الناس ولقد كان الناس يسألون رسول الله ^ عن الخير لكن حذيفة بن اليمان كان يسأله عن الشر مخافة أن يدركه، وهو منهج قرآني دل عليه قوله تعالى: ﴿ وَكَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ﴾([2])

فاستبانة سبيل المجرمين لاجتنابها كان سبباً لتفصيل الآيات حولهم، كما أن فضح المنافقين في القرآن العظيم وخصوصاً في سورة التوبة وكشف طريقة تفكيرهم، وكان من أهدافه تحذير المسلمين عن سلوك مسالكهم والغالب أن القلب والفكر محل لمن سبق إليه، ومن هنا فأهمية السبق بالبيان كبيرة في الوقاية من الفكر المنحرف بإذن الله ومثال ذلك أفكار أهل التكفير التي قادت إلى التفجير لو تم مناقشتها بوضوح في بداياتها لما راجت على كثير من الشباب.

  • إتاحة الفرصة الكاملة للحوار الحر الرشيد داخل المجتمع الواحد:

تقويم الاعوجاج الفكري بالحجة والإقناع ؛ لأن البديل هو تداول هذه الأفكار بطريقة سرية غير موجهة ولا رشيدة مما يؤدي في النهاية إلى الإخلال بأمن المجتمع كما حدث، ومن تطبيقات هذه القاعدة في السنة النبوية قول بعض حدثاء العهد بالإسلام لرسول الله^: «اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط» والمقصود طلب تخصيص شجرة يتبرك بها المسلمون ويعتقدون فيها مالا يحل اعتقاده في مخلوق، وعلى الرغم من مصادمة هذا الطلب لثوابت المعتقد فإن البيئة الصحية التي كان المسلمون يعيشون فيها جعلت هذا الانحراف الفكري يظهر للسطح فوراً وتتم مناقشته في العلن مع القيادة البصيرة للأمة المتمثلة في النبي .

  • الاهتمام بالتربية:

في المدارس والمساجد والبيوت، وكم يؤلم أن نرى ونسمع هذا الانفصال الشعوري بين الآباء والأبناء، وبين المعلمين والطلاب، وبين الخطباء والمصلين في كثير من الأحيان؛ بل إن معظم المشاركين في أحداث التفجيرات الأخيرة انفصلوا عن أهلهم وخرجوا من بيوتهم منذ مدة طويلة، والمربي الناجح لا يترك مثل هذه الأحداث تمر دون تعليق ولفتات تربوية تناسب المقام.

  • الدعاء:

هو سلاح عظيم له أثر كبير في حلول الأمن الفكري وقد أهمله كثير من الناس فلا تكاد الأيدي ترتفع سائلة الله الهداية إلى الصواب مع أن نبي الله وهو المؤيد المسدد بالوحي كان يقول في دعائه: «اللهم فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك» بل إن المسلم لا يكاد يكرر دعاء ولا كلاماً في حياته كتكراره لكلمة ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾([3])  التي هي جزء من الفاتحة وقراءتها ركن في كل صلاة بل في كل ركعة بما يزيد عن ستة آلاف مرّة في العام الواحد فالقلوب كما في الحديث الصحيح: «بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء»([4]).

ثانياً: من الوسائل العلاجية لحماية الأمن الفكري:

الواقع العملي أن البعض قد وقعوا في هذا المرض (الانحراف الفكري) ولم تجد محاولة الوقاية شيئاً في دفعه عنهم، ومن هنا وجب على المجتمع السعي في علاجهم قبل فوات الأوان، ومن وسائل العلاج:

  • دعوة المخطئ إلى الرجوع عن خطئه:

بيان الحق بالمناقشة العلمية الهادئة دون اتهام للنيات فقد تكون صادقة، ولكن هذا لا يغني عن صاحبها شيئاً كما قال تعالي: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ (2) عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ (3) تَصْلَىٰ نَارًا حَامِيَةً (4)﴾ ([5]).

  • تجنب الأساليب غير المجدية:

المصاب بهذا المرض لا يعالج بالتركيز على الوعظ والتخويف من عقاب الله فهذا الأسلوب في الغالب لا يجدي معهم لأن أمثال هؤلاء يرون أنهم على صواب ودين فكيف تعظ إنساناً يظن أنه على الدين الحق قبل أن تبين له خطأه الفكري فيما يراه حقاًّ، ولا يعالج المصاب بهذا المرض بالتركيز على التهديد والوعيد؛ لأن أمثال هؤلاء يرون أنهم يتقربون إلى الله بما يصيبهم من الأذى والنكال؛ بل رأينا من يُقدم على ما يضره عالماً بذلك بزعم طلب الأجر من الله فهذا التهديد والوعيد لا يزيده إلا إقداماً فمثل هذه الأساليب تستنزف الكثير من الجهد والوقت وقد تكون ثمرتها محدودة في العلاج.

  • وجوب الأخذ على أيديهم:

منعهم من الإخلال بالأمن الفكري للمجتمع ولو أدى ذلك إلى إجبارهم على عدم مخالطة الآخرين لاتقاء شرهم، وقد ضرب النبي ^ مثلاً بليغاً لمثل هذه الحالة فقال: «مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذ من فوقنا فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونحوا جميعاً».

  • النهي عن مجالسة أهل الانحراف الفكري:

الذين يريدون خرق سفينة المجتمع وإغراق أهلها بخوضهم في آيات الله وتجرؤهم على الفُتيا بغير علم وقد قال تعالى: ﴿وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ۚ﴾ ([6]).

  • ضرورة التفريق بين الانحراف الفكري الذي لم يترتب عليه فعل وبين من أخلّ بفعله بالأمن في مجتمعه:

فمن ظهر منه عمل تخريبي وثبت عليه شرعاً فيجب محاسبته على ما بدر منه كائناً من كان وعقابه بما يستحقه شرعاً حتى ولو كان ظاهره الصلاح والاستقامة فيما يرى الناس شأنه في ذلك شأن من كان ظاهره الصلاح لكنه وقع في السرقة والزنا أو القذف على سبيل المثال، فإن ما ظهر للناس من صلاحه واستقامته لا يشفع له ويسقط المحاسبة عنه لكن العبرة هنا بالثبوت الشرعي المعتبر لجرمه التخريبي ﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ ([7]).

[1]) ـ سورة البقرة الآية 143.

[2]) ـ سورة الأنعام الآية 55.

[3]) ـ سورة الفاتحة الآية 6.

[4]) ـ     أخرجه مسلم (770).

[5]) ـ سورة الغاشية الآيات 2-4.

[6]) ـ سورة الأنعام الآية 68.

[7]) ـ سورة يوسف الآية 21.

مفهوم الأمن الفكري (7)

مفهوم الأمن الفكري (7)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى