عقود من حفظ الحقوق
الأنظمة القديمة والحديثة قوبلت بالرضا من أطراف العلاقة التعاقدية
كانت الطفرة التي تعيشها البلاد بعد توحيد المملكة بحاجة إلى عناصر بناء الدولة الحديثة، حيث فُتحت البلاد على مصراعيها لدخول الأجانب الذين أصبحوا فيما بعد مقيمين ومشاركين لأبناء البلد في التعمير والازدهار، وكانت أولى هذا الدفعات في شركات البترول من الأمريكيين والأوروبيين، ولعل أول تواجد للعمالة الأجنبية في بلادنا كان مع ظهور النفط وتدفقه بشكل تجاري، إذ عرفت المنطقة الشرقية من المملكة على وجه الخصوص تأسيس العديد من الشركات التي تعمل في مجال استخراج النفط، وعمل في هذه الشركات جنباً إلى جنب مع هؤلاء العمال الأجانب العديد من المواطنين كسائقين وأدلاَّء وغيرهم، وصار بينهم الكثير من التمازج، وتأثر كل منهم بالآخر سواء في العادات أو اللغة واللهجات، وكان أول احتكاك فعلي للمواطنين بالوافدين والمقيمين عندما تم فتح الباب على مصراعيه لقدوم المعلمين الأجانب لسد النقص الهائل في المدارس المُحدثة، خاصةً في نهاية الستينيات الهجرية من القرن المنصرم، حيث بدأت تلك الدفعات تشق طريقها نحو المدن والقرى، وعرف الناس المعلمين الذين حظوا بالكثير من التقدير والاحترام بين المواطنين، خاصةً من أبناء القرى الذين عاملوهم بكل حفاوة وتكريم ويسروا لهم سُبل الحصول على السكن بطريقةٍ تبدو مجانية في كثير من الأحيان، رغبةً في استزادة أبنائهم من العلم وتقديراً لدور المعلم في نشر نور المعرفة وتبديد ظلمة الجهل، والحقيقة أن المعلم في تلك الفترة سواء من المواطنين أو المقيمين كان يحظى بمكانة كبيرة لا توازيها مكانة إلاَّ أمير البلدة أو قاضيها، فكان هو المقدم في كل شيء بعدهما، فلم تكن هناك مناسبة إلاَّ ويكون المُعلم هو أول المدعوّين وأول الحاضرين، فنمت بينهم محبة متبادلة وثقة كبيرة، وكان أول المقيمين الذين استقر بهم المقام في المدن والقرى الأطباء والممرضون الذين شهدت البلاد توافدهم بعد انتشار المستشفيات والمستوصفات في المدن والقرى.
نظام الكفيل
ومع مرور الوقت والتوسع في الأعمال التجارية والإنشائية والزراعية فقد بدأ توافد العمالة بأعداد كبيرة في جميع مناطق المملكة ومن كافة الجنسيات، فصدر نظام الكفيل في عام 1371هـ بهدف تنظيم العلاقة بين العامل الوافد وصاحب العمل، من خلال وساطة مكاتب الاستقدام، حيث قرر النظام أن العامل لحظة وصوله إلى المملكة يصبح ملتزماً بالعمل لدى كفيله وفق بنود العقد، ولا يحق له الانتقال للعمل لدى غيره إلاّ بإعارته لفترة محددة، أو من خلال نقل كفالته، ثم بعد ذلك صدر نظام العمل في المملكة في 6 رمضان 1389هـ تحت اسم نظام العمل والعمال، واستمر العمل به حتى صدور نظام جديد في 2 شعبان 1426هـ ليحل هذا النظام محل نظام العمل والعمال السابق، ويلغي كل ما يتعارض معه من أحكام، حيث شهد تحديثات وتعديلات تضمنت إضافة بعض فئات العمالة التي لم تكن مشمولة في النظام السابق، وأن يكون عقد عمل العامل الوافد مكتوبا ومحدد المدة، مع إلزام صاحب العمل صراحة بتحمل رسوم الاستقدام والإقامة ورخصة العمل وتجديدها، ورفع نسبة تشغيل ذوي الإعاقة إلى أربعة بالمئة، وغيرها من التعديلات، وأخيراً في صفر 1446هـ وافق مجلس الوزراء في جلسته المنعقدة على تعديل عدد من مواد نظام العمل، والتي تهدف إلى خلق بيئة عمل أكثر جاذبية للعاملين، وتسهم في تحقيق التنمية المستدامة وفق أهداف رؤية المملكة 2030، كما تتوافق هذه التعديلات مع استراتيجية سوق العمل، والاتفاقيات الدولية التي صادقت المملكة عليها.
رعاية واهتمام
ومنذ بدء توافد العمالة الى المملكة وهي تحظى بالرعاية والاهتمام وحفظ الحقوق، حيث عاشت تلك العمالة على مختلف جنسياتها فترة من حياتها في بلادنا، وكـأنها تعيش في بلادها بما توفر لها من طيب العيش والمعاملة الحسنة والحصول على حقوقها من كفلائها إن لم يكن أكثر، ولا أدل على ذلك من المشاعر الفياضة التي تظهر عليهم لحظة رحيلهم الى بلدانهم، حيث يحملون الكثير من مشاعر الحب والوفاء لهذا البلد الذي قضوا فيه أجمل سنوات عمرهم، فتراهم حينها يذرفون الدموع عند المغادرة ويعانقون من يودعهم مستذكرين ما وجدوه منهم من حفاوة وتكريم، وتعامل طيب يعكس مدى الأخلاق العالية والمحبة الكبيرة التي يحملها المواطنون لهم، فالأجانب كانوا يعيشون بين المواطنين وكأنهم في وطنهم الأم، بل إن الكثير منهم لا يزالون يعاودهم الحنين شوقاً للعودة إلى المملكة والعيش والاستقرار فيها، وقد شهدت العديد من المدن والقرى عودة العديد منهم للعمل مع أصدقائهم بعد انتهاء عقد عملهم في القطاع الحكومي أو الخاص، خاصةً أبناء بعض الدول العربية ممَّن وجدوا أنفسهم جزءاً من هذا البلد فتمنوا الموت على ترابه.
توازن وعدالة
وبدأ نظام الكفيل في المملكة في وقت مبكر، حيث شهد العام 1371هـ صدور نظام الكفيل بهدف تنظيم العلاقة بين العامل الوافد وصاحب العمل، من خلال وساطة مكاتب الاستقدام؛ حيث قرر النظام أن العامل لحظة وصوله إلى المملكة يصبح ملتزماً بالعمل لدى كفيله وفق بنود العقد، ولا يحق له الانتقال للعمل لدى غيره إلاّ بإعارته لفترة محددة، أو من خلال نقل كفالته، ومن ثم صدر نظام العمل في المملكة في 6 رمضان 1389هـ تحت اسم نظام العمل والعمال، واستمر العمل به حتى صدور نظام جديد في 2 شعبان 1426هـ، حيث شهد تحديثات وتعديلات تضمنت إضافة بعض فئات العمالة التي لم تكن مشمولة في النظام السابق، وأن يكون عقد عمل العامل الوافد مكتوباً ومحدد المدة، مع إلزام صاحب العمل صراحة بتحمل رسوم الاستقدام والإقامة ورخصة العمل وتجديدها، ويشتمل نظام العمل الجديد على أحكام تواكب التحديات والمستجدات التي برزت منذ صدور النظام القديم في عام 1389هـ وتهدف إلى تحقيق مصالح الأطراف المعنية في سوق العمل وبما يحفظ للعمال وأصحاب العمل حقوقهم بصورة متوازنة وعادلة، حيث تم في سياق هذا التوجه تضمين النظام تعديلات وإضافات عديدة، وأخيراً وافق مجلس الوزراء في جلسته المنعقدة اليوم الثلاثاء 2 صفر 1446هـ على تعديل عدد من مواد نظام العمل، والتي تهدف إلى خلق بيئة عمل أكثر جاذبية للعاملين، وتسهم في تحقيق التنمية المستدامة وفق أهداف رؤية المملكة 2030، كما تتوافق هذه التعديلات مع استراتيجية سوق العمل، والاتفاقيات الدولية التي صادقت المملكة عليها.
ضمان الشفافية
وفي إطار حفظ حقوق العمالة الوافدة فقد كان العامل يحظى بكافة حقوقه من الكفيل، حيث يعطى راتبه المتفق عليه في العقد شهرياً، وعند مغادرته البلاد يكون هناك مسير رواتب للعامل موقعة من قبله تفيد باستلامه جميع رواتبه وحقوقه المالية قبل السفر، ومع التطور التقني وفي إطار التسهيل على العامل وعلى كفيله في توثيق حقوق الطرفين وتبرئة ذمة الكفيل بإثبات دفعه كامل حقوق العامل في نهاية تعاقده أو عند رحيله، فقد أعلنت وزارة الموارد البشرية بدء تطبيق قرار الإلزام بتحويل رواتب العمالة المنزلية عبر المحافظ الرقمية ابتداءً من اليوم 1 يوليو لعام 2024م، وقد أوضحت الوزارة مراحل تطبيق القرار على النحو التالي: 1 يوليو 2024 تنفيذ القرار على العمالة الجديدة القادمة إلى المملكة لأول مرة، وفي 1 يناير 2025م يطبق على أصحاب العمل الذين لديهم أكثر من أربعة عمال منزليين، وفي 1 يوليو 2025م يطبق على أصحاب العمل الذين لديهم ثلاثة عمال منزليين فأكثر، وفي 1 أكتوبر 2025م يُطبق القرار على أصحاب العمل الذين لديهم اثنان من العمالة المنزلية فأكثر، وفي 1 يناير 2026م يطبق القرار على جميع العمالة المنزلية، ويهدف القرار إلى حفظ حقوق الأطراف التعاقدية، وضمان الشفافية في عملية دفع الرواتب وتسهيلها على المستفيدين.
وفاء ومحبة
وكثيرة هي القصص التي تحكي الوفاء والمحبة من قبل العمالة الوافدة تجاه الكفيل التي عاشت لديه أجمل سنوات العمر، وله عقود من الزمن، فهناك أسر جاءت الى المملكة في عز شبابها وكانت أسرة صغيرة أم وأب ومن ثم رزقوا بأبناء ولدوا في رحاب المملكة وكبروا وشبوا والتحقوا بالمدارس بالمجان، وتخرجوا من أرقى الجامعات وتعلموا حتى اللهجة العامية، حتى لا تكاد تفرق بينهم وبين المواطنين، بل إن بعضهم فضّل أن يسمي أبناءه بأسماء سعودية من البنين أو البنات، ومن ثم غادروا بعد انتهاء عملها لدى كفلائهم وأعينهم تفيض بالدموع، متذكرة أجمل أيام العمر التي قضوها في المملكة وكأنهم في وطنهم، وكثيرة هي القصص التي تحكي هذا الواقع المشرف لبلادنا وأهلها الكرام الذين ضربوا أروع الأمثلة في حسن التعامل والمعاملة الطيبة المقرونة بالتقدير والاحترام، حيث غادر هؤلاء العمالة وهم يحملون الحب والتقدير لأبناء هذا الوطن لما لقوا من تلك المعاملة الحسنة والجميلة.
منذ القدم وتربطنا مع الأجانب علاقة من الاحترام والتقدير
ساهمت العمالة الوافدة في تنمية الوطن
عقود من حفظ الحقوق