هنا سُطِرت قصة جحود !
قصة تحكي في تفاصيلها أقسى وأبشع معاني الجحود والنكران ، حينما كانوا صغاراً قامت بتربيتهم والسهر على راحتهم تقمصت دور الأم لتعوضهم عن حنان أمهم ، لم يكتب الله لها أن تكون أم ،فكانت لهم الأم ، الله عوضها بحرمانها من الأمومة لكنه لم يحرمها من أن تعيش هذا الدور معهم ،كانت لهم الأم التي لم تلدهم ، فالأم هي من ربت وليس من أنجبت ،
هي من تسهر وتتعب لأجل أبنائها ،تعلمهم ،تُربيهم ، تكون قريبة لهم ،وطبيعي أن يتعلقون بها ويحملون لها مشاعر حب الأبناء لأمهم ،فتكون لهم الأم التي لم تلدهم ، مرت السنين وكبر الأبناء وتوفي والدهم ، من هنا بدأت تفاصيل الجحود والنكران ، من كانت لهم الأم كبرت وبدأت قِواها تضعف ،تخلى عنها من أفنت حياتها لأجل راحتهم ، لم يكن لها قريب يهتم بها ، كانوا الأمل الوحيد لها ،لكنهم مع الأسف خذلوها وتخلوا عنها،
سكنت لوحدها ،كانت لا تقدر على القيام بشؤونها الخاصة من أكل وشرب وقضاء إحتياجاتها، لكن رحمة الله كانت أوسع من جحود هولآء الأبناء ،سخر الله لها إحدى الجارات كانت لها الإبنة التي لم تلدها ،مثلما كانت لهم الأم التي لم تلدهم ،كانت هذه الجارة تعتني بشؤونها من طبخ وغسيل ،
وإيصالها لمواعيدها بالمستشفى ، أصبحت قريبة منها ، تحكي لها كل تفاصيل حياتها ،ماأن ينقص عليها شيء تتواصل معها والجارة لم تكن تتأخر لحظة عن مساعدتها،أصبحت هي إبنتها البارة بها ، وأطفالها إعتبروها جدةً لهم ، من حسن حظها أن بيتها قريب منها ،فكانت يومياً تزورها وتطمئن عليها وتوفر لها إحتياجاتها، كان حلمها أن تسكن بيت مُلك لها ،فكانت تُحرم نفسها لأجل تحقيق هذا الحلم ،جمعت ما أستطاعت من المال ، وفي يوم من الأيام تذكرها أحدهم ليس وفاء لها بل لأجل حاجة في نفسه ، هو على علم بالمبلغ الذي كانت تجمعه ، هو يعرف طيبة قلبها وأنها ستتعاطف معه وتعطيه ماتريد، أخبرها أنه عزم على الزواج ولكن لايملك تكاليفه ،وطلب منها إعطائه المبلغ لكي يتمم مراسم زواجه ،
وبالفعل كان له ماأراد فاأعطته المبلغ وتمم زواجه ، كان لايزورها إلا من فترات لأخرى ، كانت بحاجة لخادمة ترعاها ففضل أن تكون الخادمة لزوجته ، التي من المُفترض أن تكون لها ، مُسنة قد نهش جسدها المرض ولا حول لها ولاقوة ، توارى حلمها لشراء المنزل ، لكن لها رباً كريم لن ينساه وإن خذلها ممن كانوا لها الأمل ، لقد تواصلت معها الجمعية الخيرية وأخبروها بنزول إسمها من ضمن المستفيدين من الإسكان الخيري ، فرحت هذه المُسنة ،وحمدت الله كثيراً أن رفع عن كاهلها إيجار السكن الذي لم يكن دخلها كافي لتسديده ، رحلت إلى منزلها الجديد وحتى الأثاث كان من فائض أثاث الجمعية لكنها كانت راضية ،لكن بقدر فرحتها بالمنزل بقدر حزنها عن بعدها عن إبنتها البارة ، لكن بعد المسافات لم يكن عائقاً لزيارتها بل كانت على تواصل معها ، وكما سخر الله لهذه العجوز تلك الإبنة البارة سخر الله لها الجارات التي سكنت بجوارهن فكانن يجتمعن عندها ويؤنسن وحدتها ، ولكن لم يكن بإهتمام الإبنة التي تسكن بجوارها ،فلم تنقطع عنها فمجرد ماتتصل بها تأتي لها برغم ظروف الإبنة فعندها مايكفي من الضغوطات لكنها لم تنساها ،بل كانت تتسلف المال لكي تآخذ قيمة توصيلها لأي مكان تريده ،وكانت أكثر ماتتردد عليه هو المستشفى لأنه حالتها بدأت تسوء يوماً بعد يوم ، آخر طلب طلبته منها أن تحجز لها موعد في عيادة القلب لأنها كانت تشتكي من تسارع دقات قلبها ،حجزت لها موعد لكن أقدار الله لما تمهلها الذهاب إليه ،تدهورت حالتها الصحية حتى تم نقلها إلى المستشفى فتم إدخالها العناية المركزة ، وبعد بإسبوع تتوفى رحمها الله تعالى متأثرة بكورونا ، أكثر من حزن على فراقها هي الجارة.
والإبنة البارة بها ، لم تستوعب خبر وفاتها ، فمازالت تدعي لها ولأبنائها حتى توفاها الله ، وكانت راضية عنها وهي متعلقة بها كأنها إبنتها ، هذه قصة من قصص الجحود والنكران سطرها هولآء الأبناء الذين قابلوا عطاء وتضحية تلك المرأة بخذلانها والتنكر لها والتخلي عنها ، لقد قُبِل إحسانها بالإساة والنكران ،
كنا نتألم حينما نقرأ في الروايات والقصص ونرى في المشاهد التلفزيونية مثل هذه القصص ، لكن الوجع الحقيقي عندما نرى مثل هذه القصص الدامية ونتعايش معها في واقعنا .
هنا سُطِرت قصة جحود !
الكاتبة الاستاذة / سلمى يوسف البلوي