خالد قماش
خالد قماش
-A +A
علي الرباعي (الباحة) Al_ARobai@
يستمد الشاعر خالد قماش طاقته الجسدية من روح عرفانية، ترفع مقام الحروف، وتهاب جلال الكلمات، وتخلو في محراب اللغة لتصطفي ما يليق بقارئ ومتابع ومستمع وهنا نص مسامرة رمضانية.

• هل يحجم الشعر بالصوم عن الإيحاء؟


•• لي عبارة هاربة من هذيان دفاتري أقول فيها: (كل الشياطين تتصفّد في رمضان إلا شياطين الشعر)، فالشعر حالة ليست له علاقة بموسم ديني أو سياحي أو دراسي مثلاً، حالة قد تتلبّسك بنص شعري يفيض بالغواية في نهار رمضان الذي تقطرُ من لحيته ابتهالات الصوم وتراتيل الورَع!

• كيف يوازن شاعرنا بين قراءة الشعر وتلاوة القرآن؟

•• الشعر الجيد على أقل تقدير والقرآن الكريم كلاهما يخلق الروحانية ويسمو بالنفس ويشحن الإنسان جمالاً، ولكن ربما المفارقة أن الأول يغمرك بالقلق والثاني يملأك طمأنينة!

• كيف استعددت لشهر رمضان؟

•• لا توجد عندي استعدادات معينة.. هو شهر يداهمنا بكامل أناقته الروحية وسكينته النفسية.

• ما أوّل رمضان صمته وكم كان عمرك؟

•• ربما في سن العاشرة، ولو أن أولى التجارب كانت جزئية، حيث نصوم للظهر أو العصر وكان هذا يعتبر إنجازا لأننا نستيقظ قبل الظهر ونقوم بأعمال كمساعدة الوالدة داخل البيت وخارجه.. وفي المرحلة المتوسطة والثانوية كنا (مجانين) نلعب كرة القدم كل عصرية فنعود نلهث عطشاً وجوعاً.

• ماذا فقدت من رمضان الماضي وماذا تحتاج في رمضان الحالي؟•• يبدو أن الكثير من المواسم القديمة قد فقدت حالياً الكثير والمثير من جمالياتها وعفويتها وبساطتها، ومن ضمنها موسم رمضان، مواسم الأعياد، مواسم الأفراح والإجازات، كلها تشترك في هذا الفقد وتتقاطع في مفرق الحنين.

• ملمح عالق في ذاكرتك من أولى سنوات الصيام؟

•• كان بعض أهل القرية يتشاركون في عجلٍ سمين ويسمونه (الشرْكة)، حيث تتشارك مجموعة من البيوت في اللحم بشكل متساوٍ، وكان مشهد الذبح ومقاومة (الحسيل) لعدة رجال، وسلخه وتوزيعه في باحة المنزل المكشوفة من المشاهد العالقة في ذاكرتي.

• إلى ماذا تحن في رمضان؟

إلى من فقدناهم من أجداد وجدات، من أصدقاء ورفاق حياة، إلى صوت الشيخ (علي الطنطاوي) وموسيقى رمضان الشهيرة التي هي في الأصل مقدمة لأغنية الفنان المغربي (محمود الإدريسي)، أحن إلى مدفع الإفطار الذي ابتلعته مدن الأسمنت، أحن إلى نكهة (الشربيت)، وهدوء القرية وشغب الحارة، أحن إلى خبز أمي وقهوة أمي كما يرتّلها الفنان (مارسيل خليفة)، أحن إلى أشياء كثيرة وتفاصيل غارقة في اللطف.

• في عامها الثاني، هل غيرت الجائحة نكهة رمضان؟

•• إلى حد ما.. ولكنّي متأقلم مع الوضع، وربما وضع رمضان العام الماضي هيأ أوقاتا كثيرة ووفيرة للعزلة وإنجاز بعض القراءات أو المشاريع الكتابية المؤجلة.

• عادة رمضانية تخليت عنها؟

•• النوم المتواصل إلى بعد العصر.

• طبق رمضاني لا يغيب عن مائدتك؟

•• الشوربة أساسية، مع أني لا أحب تناسخ الموائد اليومي.

• هل تصوم عن مواقع التواصل الاجتماعي في رمضان؟

•• ليست لدي طقوس معينة، أمارس حياتي وهواياتي واهتماماتي كبقية شهور السنة، ومواقع التواصل خصوصا قروبات الواتس تتحول بعضها لمهرجانات شعرية أو نقاشات فكرية أو مسابقات رمضانية.

• هل أضحت الاجتماعات الرمضانية من الماضي؟

•• ليس بالتحديد كذلك.. ما زالت الاجتماعات واردة وإن كانت شحيحة، حيث أضحت أقنية التواصل الاجتماعي بديلا افتراضيا لمثل هذه الاجتماعات التي افتقدنا حميميتها.

• لو أسقطنا العام الماضي من سجلات حياتنا.. هل هناك سنون أخرى تود أن لا تحسب من عمرك؟•• نعم.. كثير من سنوات العمر التي قضيتها مُحسناً ونقياً، وقوبلت بالطعن واللؤم والوجع.

• هل تتكيّف معها لو استمرت الجائحة؟

•• أتكيف مع أصعب الأحوال، متماسكاً ومتصالحاً مع ذاتي أولاً ومع الآخرين والظروف ثانياً.. مع أنه «لم يعد في وسع هذا القلب أن يصرخ أكثر!».

• في التلفزيون هل تتابع الأعمال الجديدة أم أنه لم يعد هناك ما يغريك؟•• ليس كثيراً، ربما يجبرنا الإفطار على متابعة ما يصادف هذه الفترة التي تعتبر الأعلى مشاهدة، ولكن في الأغلب أتابع البرامج الحوارية والدراما المصرية والسورية وبعض المسلسلات التأريخية المهمة.

• ما أثر وقع كلمة «عن بعد» على سمعك؟

•• ربما أتفهمها في ظل الظروف الاستثنائية مع جائحة كورونا التي يعيشها العالم في ما يخص المعاملات الحكومية والأنشطة اليومية، ولكن بعض الأشخاص لا أستطيع أن أتحمّل أن أسمع هذه الكلمة لتحديد لقائي به، فالقريب من القلب سيكسر حتما حاجز هذه الكلمة!

• أول شيء ستفعله بعد العودة لحياتنا الطبيعية دون كمامات؟•• ربما السفر للخارج؛ لأستعيد صفاء ذهني في الربيع، كما يقول محمود درويش؛ لعل العشب يفيض من جنبات الروح، وينقذ القلب من تصحّره وضجره.

• هل لكورونا إيجابية؟

•• نعم، أعتقد أن هذه الجائحة قرّبت الكثير من الأسر من بعضها، خلاف أنها كشفت جاهزية وكفاءة الكثير من جهاتنا الحكومية والمقدرة العالية للتصدي لها، كما أن الكثير من الجهات الحكومية اعتمدت على إنجاز معاملاتها عن بعد، ووفرت الوقت والجهد والمال، وأخيراً أتاحت لبعض الكتّاب أن ينجزوا مشاريعهم الكتابية، وكانت بعضها شعرا أو سردا من وحي الجائحة.

• ما الطبق الرمضاني الذي أعدته والدتك وتود أن تذوقه بذات الطعم؟

•• ما زالت حفظها الله شجرة الحناء رفعة بنت صالح رضي الله عنها تحمل نفَساً شهياً ونفْساً بهية في كل أطباقها الرمضانية وغيرها.. ولكني أتلذّذ كثيراً بأكلاتها الشعبية.

• كيف تتصور العالم إثر انتهاء الجائحة؟

•• سيلجأ لضبط إعداداته من جديد، وستستغني الكثير من الجهات الحكومية والخاصة عن بعض موظفيها، خصوصا بعد نجاح تجربة العمل عن بعد، والتعامل الإلكتروني، وستتغير الكثير من السلوكيات الخاطئة، والأنماط الاجتماعية الاستهلاكية والعبثية.. ربما!

• ما الذي دفعك خلال العامين ٢٠٢٠ و٢٠٢١.. لتنفّس الصعداء؟•• ما زلت مختنقاً ببشاعات اجتماعية لم أتوقع حدوثها، وحدهُ العالم من يتنفسني، ويُحيل رئتي إلى هشيم تذروه الجراح!

• تطبيق في هاتفك تعيش فيه وقتاً أكثر من جيرانه على شاشة الهاتف؟

•• الواتس (حُب)!

• خُلق رمضاني تود لو أنه يستمر طيلة الـ١١ شهراً الباقية؟

•• الصوم ليس فقط عن الأكل والشرب، بل عن التعامل السيئ بين الناس بمختلف أديانهم وأعراقهم وألوانهم. تعايشوا أيها الناس لعلكم تفلحون.

• ما علاقة رمضان بالسهر؟ •• لي علاقة تاريخية مع السهر. في أغلب مراحل حياتي كائن ليلي. فوضوي ومبعثر وربما عبثي في أوقات كثيرة. وحكاية السهر في رمضان وغير رمضان تبدو لي مرتبطة مع الإجازات التي تقلب الساعة البيولوجية رأسا على عقب، خصوصاً لدى شعب الله (المحتاس)!

• عادة رمضانية تود الإقلاع عنها؟

•• أحيانا قضاء بعض الحوائج المنزلية قبيل المغرب فترة الذروة، واحتدام المعارك في شوارع تفيضُ بسيلٍ من الحديد والعقول المتهورة.

• ماذا تردد عادة بينك وبين نفسك (بيت شعر، أغنية، مثل)؟

•• الأغاني والأماني التي تتنزّه في حقول الروح كثيرة وأثيرة، ولكنّي أتمثّل بقول شيخنا المتنبي: «أنا الغريقُ.. فما خوفي من البللِ»!