-A +A
نجيب يماني
آمن قادة هذا الوطن بأن من أعظم القربات إلى الله تعالى من يقوم بمد يد العون والمساعدة للغير وإغاثة الملهوف والقيام بأعمال الخير والإحسان والعطاء والتفريج عن المكروب وغيرها من الأعمال الخيرية والإنسانية،

فمنذ عهد المؤسس -طيّب الله ثراه- وأبناؤه الكرام من بعده وهم يتسابقون على فعل الخيرات والبذل والعطاء حتى أصبحت المملكة من الدول الرائدة في الأعمال الإنسانية والإغاثية والتنموية فارتفع شأنها وعلا صيتها في مختلف دول العالم، بقارته الخمس.


منذ العام 1990م أخذت المملكة العربية السعودية على عاتقها بادرة إنسانية تفردت بها وتميزت وهي القيام بعملية فصل التوائم السيامية فتم حتى الآن إجراء ما يقارب من (٥٤) عملية ناجحة من هذا النوع لسعوديين وعرب وأجانب شملت (٣) قارات حول العالم تمت كلها على نفقة الدولة ورعايتها.

لا علاقة لها بالعرق أو الجنس أو الجغرافيا أو الدين، إنما تستند إلى العلم والإنسانية والزاد الفكري الذي تنبع منه ألوان المعرفة لتروي غرس الإنسانية الحضاري.

أول عملية فصل تمت كانت في مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث في الرياض بمبضع الجراح المحترف الدكتور عبدالله الربيعة الذي وهبه الله المهارة والإتقان في أشد العمليات الجراحية حرجاً وتعقيداً وصعوبة، وهي عمليات فصل التوائم الملتحمة وهو ما يسمى بالتوائم السيامية، يرافقه توفيق الله عز وجل ودعم ولي الأمر -حفظه الله- وفريق طبي وفني مميز تفانى في عمله وأخلص لله.

في إنجاز طبي مميز ممهور باسم الوطن ترافق مع الكثير من الإنجازات الطبية الأخرى التي وصلنا إليها بمتابعة واهتمام من خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين -حفظهما الله- وتسخير كافة الإمكانات البشرية المؤهلة والأجهزة المتطورة والدعم المادي والمالي والإداري وكافة المتطلبات الأخرى لجعل هذا البلد رائداً في مجال جودة الحياة وسعادتها ومسح دمعة الأحزان ممن أوجعته الأيام، حتى أصبحت المملكة الأشهر في عمليات فصل التوائم السيامية تحت برنامج أطلق عليه البرنامج السعودي لفصل التوائم السيامية يقابله عالمياً من ناحية القدرة والشهرة مركز زراعة الأعضاء، في مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث أكثر المراكز شمولاً وتطوراً لزراعة الأعضاء المتعددة بمعايير دولية عالية لزراعة الكبد والكلى والبنكرياس والنخاع العظمي وزراعة الأعضاء للأطفال والقلوب للكبار والصغار، وغيرها من الزراعات التي برعت فيها المستشفى فخراً بما تنجز.

ولعل آخرها زراعة قلبين لطفلتين؛ إحداهما لم تتجاوز شهرها الثامن، خلال وقت قياسي لم يتجاوز 24 ساعة، كل هذه العمليات المكلفة وغيرها تتم على نفقة الدولة من غير منّ أو أذى وبأيادٍ وطنية محترفة.

التوائم السيامية حالة نادرة الوقوع وعمليات فصلها من أخطر العمليات. فالتوأم السيامي الأصل توأم ذاتي (identical twin) نتج عنه بالتلقيح بويضة واحدة بحويمن منوي واحد وبدء الخلية الملقحة (zygote) المحتوية على صفات الأم والأب في الانشطار وتكوين الخلايا الجذعية (stem cells) ثم بعد عدد من انشطارات النمو وتكوين المضغة تنفصل هذه إلى مضغتين منفصلتين. وتبدأ كل مضغة بمواصلة النمو، وكل منهما تحمل ذات الصفات الوراثية والتكوين للأحماض الأمينية (DNA) وترتيبها وصفاتها حتى تمام الحمل وينزل الشقيقين توأم ذاتي بكل الاعتبارات.

في هذا التوأم السيامي يقع التحام خارجي للجسدين بعد تمام تكوين كامل الأجهزة العضوية الداخلية مثل القلب والكبد والجهاز التنفسي والهيكل العظمي يقول الحق (هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء)، فهذه التوائم تم تخليقها بهذه الهيئة بإرادة الله سبحانه وتعالى.

استطاع البرنامج السعودي لفصل التوائم السيامية أن يدخل الفرحة على قلوب الكثيرين ممن ولدوا بهذه الصورة المأسوية آخرها عملية فصل الطفلين عمر وعلي من العراق الشقيق.

سلسلة من الإنجازات الطبية نسمع عنها كل يوم في أغلب المراكز الصحية المتخصصة في المملكة التي تزهو بإنجازاتها مع الأيام.

هذه الإنجازات المتراكمة في عهد الملك سلمان وولي عهده الأمين محمد الخير؛ عهد تتطابق فيه الشعارات مع الأفعال والنظريات مع التطبيق والهمة المتوثبة مع القمة الشاهقة تعجز الكلمات عن وصفها وتقف شاهدة على ما توليه هذه القيادة الرشيدة من اهتمام متعاظم بصحة الإنسان وتوفير كافة السبل لتأكيد قدرة المملكة وكوادرها الطبية على صنع المعجزات والوقوف نداً للعالم في هذا المجال الإنساني الذي يتعلق بصحة الإنسان وسعادته وبقائه ليس على أرض الوطن فقط، وإنما يد خير ممدودة بالخير والعطاء إلى كل محتاج حول العالم وما مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية إلا خير دليل على واقع مشرق هدفه إغاثة الفئات المنكوبة في كافة أنحاء العالم. يقول الحق سبحانه وتعالى (كذلك يضرب الله الحق والباطل فأما الزبد فيذهب جفاءً وأمّا ما ينفع الناس فيمكث في الأرض)، وهذا ما تسعى إليه هذه الأرض الطيبة.