أخبارنادين ودنيا

الملك عبدالعزيز وتوحيد إمامة المصلين في الحرمين للأمير الدكتور فيصل بن مشعل بن سعود

صحيفة الرياض

الملك عبدالعزيز وتوحيد إمامة المصلين في الحرمين

للأمير الدكتور فيصل بن مشعل بن سعود

يستذكر أبناء المملكة ومن يقيمون على أرضها يومًا مجيدًا أضحى فيه الإنسان السعودي شامخًا يعتز بدينه ووطنيته تحت

ظل حكومة راشدة جعلته أول أهدافها نحو تطويره وتمكينه، ليرتقي بين شعوب العالم بكل فخر وعزة، حاملًا لقب “المواطن

السعودي”، مستشعرين قيمة هذه المناسبة وهم يعيشون واقعًا جديداً حافلاً بالمشروعات التنموية الضخمة التي تقف

شاهدًا على تقدم ورقي المملكة.

يعيش أبناء المملكة صور وملاحم ذلك التاريخ وأكفهم مرفوعة اليوم بالدعاء إلى لله -عز وجل- أن يجزي الملك عبدالعزيز

-طيب الله ثراه- خير الجزاء، فله الفضل بعد الله فيما نحن فيه من نعم كثيرة، يرفعون أكفهم بالدعاء لكل ملوكنا الذين تعاقبوا

خدمة للإسلام والمسلمين -رحمهم الله جميعًا- ولقائد مسيرتنا وحامي بلادنا ومصدر فخرنا خادم الحرمين الشريفين الملك

سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله-.

ومن يتأمل سيرة مؤسس المملكة العربية السعودية الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل يجد شواهد عدة تأخذ بناصيتهِ

إلى أنه -رحمه الله- لم يكن ينظر إلى تأسيس المملكة العربية السعودية بوصفه معركة أو مجموعة معارك جهادية بقدر، ما

كان ينظر إليها نظرة الإمام الذي يؤم المصلين.

لقد كانت فكرة وحدة النسيج الاجتماعي والإنساني هاجسًا رئيسًا عند المؤسس، حيث أدرك مبكرًا أن فكرة التوحيد لن

تتم بحد السيف وحسب، وأنه لن يكتمل هذا الكيان ويصبح بنيانًا قويًا إلا بتوحد قلوب المجتمع الذي يظله هذا الكيان.

إن النظر إلى تاريخ المؤسس الملك عبدالعزيز بوصفه تاريخًا من المعارك أسفر عن إخضاع أصقاع ما يعرفه العالم اليوم

بالمملكة العربية السعودية، نظرةٌ قاصرةٌ مجحفةٌ، في ظل ما يزخر به تاريخ المؤسس من مواقف تجسد حاله من الذكاء

السياسي النادر.

ولقد ذكر الأمير الدكتور فيصل بن مشعل بن سعود بن عبدالعزيز أمير منطقة القصيم “مؤلف هذا الكتاب” الذي نحن بصدد

الحديث عنه في هذا البحث، حيث ذكر الشيخ محمد بن جبير (بأن الملك عبدالعزيز يتميز بصفة قلّما توجد بالحكام وهي

ميزة استصلاح الرجال).

وأبرز المؤلف الأمير الدكتور فيصل بن مشعل شخصية بطل ملحمة التوحيد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود

وسيرته وتاريخه العظيم كمؤسس للوطن الكبير المملكة العربية السعودية وكقائد ملهم.

حيث أمر المؤسس بتوحيد جماعة المصلين في الحرم المكي خلف إمام واحد وإلغاء المقامات الأربعة وهذا يدل على رغبته

وحرصه على توحيد الأمة الإسلامية لأن الصلاة في الحرمين الشريفين تجتمع لها الأمة من جميع أقطارها.

وهنا نحن بصدد شهادة الدكتور صالح بن حميد عضو هيئة كبار العلماء في ثنائه على هذا البحث حيث قال (وقد أحسن

الباحث سمو الأمير دكتور فيصل آل سعود بعرض ذلك في فصول تبرز تلك المرحلة وتضمن جوانب تأصيلية وتحليلية، وبأسلوب

سلس في الصياغة والعرض.

نفع الله بهذا السفر المبارك، وجعله في ميزان حسناته.

الملك عبد العزيز -رحمه الله- موحد صفوف الأمة في الحرمين الشريفين

لقد حذرت السنة النبوية المشرفة من الفرقة، ودعت للوحدة والمحبة والأخوة، ونبذ الفرقة والبغضاء والمشاحنات، فقد قال

النبي صلى الله عليه وسلم “يد الله مع الجماعة ” وقال من فارق الجماعة شبرًا فمات فميتةُ جاهليةُ” ولقد أنقذ المؤسس

الملك عبدالعزيز الأمة الإسلامية من مشهد فرقةِ يتنافى مع وحدة صف الأمة، بعدما نالت الخلافة المذهبية الكثير من

تماسكها ووحدتها وتآلفها فلم تعد صفًا واحدًا، ولا جماعة واحدة، تقف في صلاتها في الحرمين الشريفين مشرذمة، كل

مذهب يصلي في جماعة منفصلة، وكأنهم من أديان متعددة ، وليسوا من دين واحد ويعبدون إلهًا واحدًا، ولهم نبي واحد

ولقد آذى هذا المشهد الأمام عبدالعزيز آل سعود، فاستنكره بفطرته النقية، وبعقيدته الصافية، فأخذ على عاتقه توحيد صف

الأمة -طيب الله ثراه- إلى أحسن حال لوحده دينية في جماعة واحدة وخلف إمام واحد.

حيث أمر المؤسس الملك عبدالعزيز آل سعود بتوحيد جماعة المصلين في الحرم المكي خلف إمام واحد وإلغاء المقامات

الأربعة وهذا يدل على رغبته وحرصه على توحيد الأمة الإسلامية لأن الصلاة في الحرمين الشريفين تجتمع لها الأمة من

جميع أقطارها وقد قال الدكتور حسن سفر (إن من أوائل ما فطن له الملك المؤسس بعد مبايعته ملكًا على الحجاز توحيد

المذهب الفقهي للبلاد(.

والجدير بالذكر أن من أعظم نعم الله على الأمة أن تتوحد في الصلوات كلها في جماعة واحدة وعلى إمام واحد أيًا كان

مذهبه من المذاهب الأربعة التي لم تخرج عن كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم .

وحسم الأمر عندما اجتمع فريقان من العلماء عام 1345هـ، يمثل أحدهما علماء الحجاز والآخر علماء نجد، واتفق الجميع بعد

التباحث على أن تكون صلاة الجماعة التي تقام في المسجد جماعة واحدة أيًا كان مذهب الإمام ورفع الأمر على الملك

فأصدر موافقته وأصبحت الجماعة واحدة في المسجد الحرام خلف إمام واحد في صفوف مستوية البنيان يشد بعضه بعضًا

حتى انتقل الأمر إلى باقي مساجد العالم الإسلامي فاختفت ظاهرة انقسام جماعة المسجد من العالم الإسلامي .

وقد تميزت تعيينات الملك عبدالعزيز -رحمه الله- في المرحلة الأولى بمعرفته الشخصية للمشايخ الذين تعينوا فيها، حيث

عرفهم عن قرب بالعلم والصلاح والتقوى والورع والقوة على أداء الأمانة وتحمل المسؤولية، وقد شاركوا مع المؤسس حين

توحيد أرجاء البلاد بالنصح والتوجيه ونشر العقيدة السلفية.

ولقد أثارت المقامات والمحاريب في المسجد الحرام في القرن السادس الهجري ضجة كبيرة بين الفقهاء، وكان كثير من

الفقهاء منكرين لذلك لأن ذلك يخالف الأصول العامة للشريعة، وقد كان في أول الأمر الأئمة الأربعة يصلون في وقت واحد ثم

لما أنكر هذا الأمر صاروا يصلون الواحد تلو الآخر.

وتتركز الخلفية الفقهية لهذا الأمر في مسألة حكم اقتداء المأموم بمخالفِ له في المذهب وذلك في حالتين: –

الأولى: أن يعلم المأموم أن إمامه أتى بما يبطل الصلاة.

الثانية: ألا يعلم المأموم أن إمامه أتى بما يبطل الصلاة.

ولقد قال ابن تيميه أن هذه المسألة لها صورتان: –

إحداهما ألا يعرف المأموم أن إمامه فعل ما يبطل الصلاة، فهنا يصلي المأموم خلفه باتفاق السلف، والأئمة الأربعة.

والصورة الثانية أن يتيقن المأموم أن الإمام فعل ما لا يصوغ عنده: مثل أن يمس المصلي ذكره، أو النساء لشهوة.

فأحد القولين لا تصح صلاة المأموم، لأنه يعتقد بطلان صلاة إمامه.

والقول الثاني: تصح صلاة المأموم، وهو قول جمهور السلف.

فلا خلاف بين الفقهاء في صحة الاقتداء بإمام يخالف المقتدى في الفروع، إذا كان الإمام يتحامى مواضع الخلاف مثل ألا

ينحرف عن القبلة انحرافًا فاحشًا ويراعي مثلًا الطمأنينة في الصلاة.

وكذلك يصح الاقتداء بإمام مخالف في المذهب إذا كان لا يعلم منه الاتيان بما يفسد الصلاة عند المقتدي يقينا، لأن الصحابة

والتابعين ومن بعدهم من المسلمين لم يزل بعضهم يقتدي ببعض مع اختلافهم في الفروع، ولما فيه من وحدة الصف وقوة

المسلمين.

ولقد صرح المالكية والحنابلة بصحة الاقتداء، لأن المعتبر في شروط الصلاة مذهب الإمام لا المأموم، ما لم يكن المتروك ركنًا

داخلًا في الصلاة كترك الرفع من الركوع عند المالكية.

وفي الأصح عند الشافعية لا يصح الاقتداء اعتبارًا بنية المقتدي، لأنه يعتقد فساد صلاة إمامه فلا يمكن البناء عليه

وعند الحنفية: إن تيقن المقتدي ترك الإمام مراعاة الفروض عند المقتدي لم يصح الاقتداء، وإن علم تركه للواجبات فقط يكره،

أما إن علم منه ترك السنن فينبغي أن يقتدى به، لأن الجماعة واجبة.

وقد ذكر ابن الحباب السعدي المالكي: في الرد على المجيزين بأن قولهم في هذه الصلاة جائزة فيها خلاف الإجماع لأن

الأمة مجمعة على أن هذه الصلاة لا تجوز.

وهنا موضع الخلاف حيث حضور جماعتين أو أكثر في مسجد واحد ثم تقام الصلاة فيتقدم الإمام فيصلي وأولئك عكوف، من

غير ضرورة تدعوهم إلى ذلك، تاركون لإقامة الصلاة مع الإمام الراتب، متشاغلون بالنوافل والحديث حتى تنقضي صلاة الأول

ثم يقوم الذي يليه وتبقى الجماعة الأخرى على نحو ما ذكرنا ثم يصلون أو تحضر الصلاة الواحدة كالمغرب فيقيم كل إمام

الصلاة جهرًا يسمعها الكافة ووجوههم مترائية والمقتدون بهم مختلطون في الصفوف ويسمع كل واحد من الأئمة قراءة

الآخرين ويركعون ويسجدون فيكون أحدهم في الركوع والآخر في الرفع منه والآخر في السجود فالأمة مجمعة على أن هذه

الصلاة لا تجوز.

وعلى جملة أقوال العلماء في هذه الفتنة فذلك من البدع التي يجب إنكارها والسعي لله تعالى في خفض منارها وإزالة

شعارها واجتماع الناس على إمام واحد وهو الأمام الراتب حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم من رأى منكم منكرًا

فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الأيمان ومن امتنع من طاعة ولي الأمر في ذلك

فهو عاصِ لله ولرسوله وذلك جرح في شهادته وقدح في إمامته.

وهنا جاء دور المؤسس الأمام عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود حيث رد إلى الحرمين روحانيتهما مكتملة، بهذا العمل

الجليل الذي جمع قلوب الأمة قبل صفوفها من جديد في جماعة واحدة وخلف إمام واحد، ومحراب واحد يعبدون ربًا واحدًا،

وهو جوهر دين الإسلام، وأصل عقيدته.

وعندما يقدم القادمون في العصر الحديث للمملكة العربية السعودية لا يرون مذهبًا خامسًا، ولا دين غير الدين الذي يعرفونه،

ولا تفسيرًا خاصًا للإسلام حيث تنقل الشعائر وخطب الجمعة بالتلفاز إلى جميع أرجاء الكرة الأرضية كلها فلا يرى أحد أن

في المملكة العربية السعودية طرق للدين مختلفة، ولا يسمعون قولًا أو يرون فعلًا يختلف في الدين عما كان عليه أهل

السنة طوال العصور.

فكل ما تختلف به المملكة العربية السعودية عن غيرها عدم وجود مقامات يلجأ إلها العامة لطلب الحاجات أو التبرك بها أو

العبادة عندها ولكن لا أحد ينكر أن الوضع كان هكذا في العصور الأولى للإسلام ليس في أرض الحجاز بل في غيرها من

أقطار العالم الإسلامي.

ولا يوجد في مقبرة البقيع بناء مشيد على القبور ولكن هل ينكر أحد أن مقبرة البقيع في خلوها من ذلك أقرب إلى الهيئة

التي كانت عليها في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة وقرونِ طويلة.

وحينما رأى الملك المؤسس هذا المشهد الذي تجلت فيه ملامح الافتراق والاختلاف بما يتنافى مع وحدة الأمة، في صلاتها

التي هي أعظم شعائر الدين، وفي الحرمين الشريفين الذين هما مهوى أفئدة المسلمين، وأطهر بقاع الأرض إلى يوم

الدين، ولا سيما ان ما يظهر فيهما من ألفة ومحبة، أو شقاق وفرقة سينعكس أثره -بلا شك- على الأمة الإسلامية إيجابًا أو

سلبًا، حينها أدرك المؤسس هذه الآثار السلبية المترتبة عن تلك المقامات المحدثة في الحرمين الشريفين، وما تؤول إليه

من تفريق وحدة الأمة، وحدوث الشقاق بين أفرادها، وتأجيج التعصب المذهبي، فاستنكر -رحمه الله- هذا الوضع، وقرر أنه

لن يصد تيار هاتيك التشتت وأتياه، ولن يقوم معوجه وعصيه، إلا اجتماع المصلين في الحرمين الشريفين على إمامٍ واحد،

وإزالة هذه المقامات المحدثة، فوجه الملك المؤسس العلماء لعقد اجتماع لبحث أصل مقامات المسجد الحرام، وطويت

بذلك صفحة سلبية ظلت قرونًا علامة بارزة على الفرقة والشتات في تلك الحقبة من الزمن، فالوحدة وجمع الكلمة هي

منهج الإسلام حيث قال الله في محكم التنزيل واعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداءً

فألف بين قلوبكـــم فأصبحتم بنعمته إخوانا

الأمة الإسلامية تشيد بموحد جماعتها

قال مؤلف كتاب (تاريخ عمارة المسجد الحرام) وكتاب (تاريخ الكعبة المعظمة) الشيخ حسين باسلامة مؤرخ الحرمين -رحمه

الله- عندما كان يهدي هذين الكتابين إلى الإمام عبدالعزيز آل سعود -طيب الله ثراه- حيث قال للإمام “إن الذي دعاني إلى

تقديم هذين الكتابين لجلالتكم هديةً هو؛ لأن الله تعالى قد خصكم بخدمة الحرمين الشريفين، وجعلكم حامي حمى بلده

الأمين ومدينة نبيه سيد المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم، فقد حميتموهما من تعدي المعتدين وقطعتم دار

المفسدين، ونظمتم الدوائر، وأمنتم السبل، وأصلحتم الطرق، حتى أصبحت وفود بيت الله الحرام يؤدون مناسكهم في أمان

واطمئنان تحت رعاية الله تعالى، ثم رعايتكم، وكنت أول من أسس دار معمل الكسوة بأم القرى وكسوتم الكعبة المعظمة

بكسوةٍ محاكة على أحسن منوال وأبدع تطريز، ولأنكم قمتم بعمارة كل ما وهى وتداعى إلى الخراب بالمسجد الحرام مرات

عديدة، وعملتم المظلات بالمسجد الحرام وقاية لوفود بيت الله الحرام، الآوين إليه من كل فج عميق من حر الظهيرة،

وأنشأتم السبيلين اللذين هما خارج زمزم، وجعلتموهما سقاية الحاج، وكنتم أول من رصف شارع المسعى بالحجر الصوان،

بعد أن كان يتلوث من وحله وغباره كل من يتطوف بين الصفا والمروة من حاج ومعتمر وقد قام جلالتكم بطبع ونشر كثير من

كتب السنة، من تفسير وحديث وتوحيد وفقه ومناسك حج وتاريخ، وشجعتم المصنفين وأعنتموهم ببذل المال على طبع

ونشر مؤلفاتهم، بما جعلتموهم مدينين لإحسانكم مدى الزمان”.

لكن دائرة محب الوحدة اتسعت لأبعد من حدود مملكته بكثير فضمت قلوب العالم الإسلامي الذي وجد في هذا الحرص

الكبير على وحدة صفوف المسلمين خلف إمام واحد في صلواتهم، وكانت أحد أبرز الأحداث التاريخية التي أقدم عليها

المؤسس الملك عبدالعزيز ومن أقواها أثرًا في الأمة الإسلامية التي قابلت مواقفه بترحاب وحفاوة.

نورد هنا قصيدة لأمير أحمد شوقي شاهدةٍ على أن أمن الحجيج كان مفقودًا قبل مجيء الملك عبدالعزيز رحمه الله وأن

الحجاج كانوا يعانون الأمرين عند قدومهم لمكة المكرمة، فلا أقل من فقدهم مؤنتهم إن لم يفقدوا حياتهم وكرامتهم

وأعراضهم! وهذه الشهادة من شاعر محايد ليس محسوبًا على الملك عبدالعزيز يقول قائلٌ بأنه يجامله، بل هو شاعر شعر

بما شعر به كل مسلم.

فالحمد الله الذي قيد لهذا الأمة من يقف خادمًا لحجاج بيته الحرام وزوار مسجد خير الأنام.

ضَجَّ الحِجازُ وَضَجَّ البَيتُ وَالحَرَمُ

وَاِستَصرَخَت رَبَّها في مَكَّةَ الأُمَمُ

قَد مَسَّها في حِماكَ الضُرُّ فَاِقضِ لَها

خَليفَةَ اللَهِ أَنتَ السَيِّدُ الحَكَمُ

لَكَ الرُبوعُ الَّتي ريعَ الحَجيجُ بِها

َلِلشَريفِ عَلَيها أَم لَكَ العَلَمُ

أُهينَ فيها ضُيوفُ اللَهِ وَاِضطُهِدوا

إِن أَنتَ لَم تَنتَقِم فَاللَهُ مُنتَقِمُ

أَفي الضُحى وَعُيونُ الجُندِ ناظِرَةٌ

تُسبى النِساءُ وَيُؤذى الأَهلُ وَالحَشَمُ

وَيُسفِكُ الدَمُ في أَرضٍ مُقَدَّسَةٍ

وَتُستَباحُ بِها الأَعراضُ وَالحُرَمُ

يَدُ الشَريفِ عَلى أَيدي الوُلاةِ عَلَت

وَنَعلُهُ دونَ رُكنِ البَيتِ تُستَلَمُ

نَيرونُ إِن قيسَ في بابِ الطُغاةِ بِهِ

مُبالَغٌ فيهِ وَالحَجّاجُ مُتَّهَمُ

أَدِّبهُ أَدِّب أَميرَ المُؤمِنينَ فَما

في العَفوِ عَن فاسِقٍ فَضلٌ وَلا كَرَمُ

لا تَرجُ فيهِ وَقاراً لِلرَسولِ فَما

بَينَ البُغاةِ وَبَينَ المُصطَفى رَحِمُ

اِبنُ الرَسولِ فَتىً فيهِ شَمائِلُهُ

وَفيهِ نَخوَتُهُ وَالعَهدُ وَالشَمَمُ

فَجَرِّدِ السَيفَ في وَقتٍ يُفيدُ بِهِ

فَإِنَّ لِلسَيفِ يَوماً ثُمَّ يَنصَرِمُ

وهذا عباس محمود العقاد أحد الرواد الكبار من أعلام عصر النهضة في مصر صاحب العبقريات الشهير، في كتابه “ذكرياتي مع

عاهل الجزيرة العربية” وكان الملك عبدالعزيز قد زار مصر أيام الملك فاروق وأرسلت إليه باخرة “المحروسة” لنقله مع بعثة

الشرف من جدة إلى مصر، وكان من المشاركين في معية الملك عبدالعزيز الأديب الكبير عباس محمود العقاد، الذي رافق

الملك ونظم قصيدةً في مدح المؤسس الملك عبد العزيز آل سعود رحمه الله،حيث قال مادحا:

أسد العرين يخوض غيل الماءِ

يا بحر راضك قاهر الصحراءِ

حياة باديها وحاضرها معا

فاغنم تحية يومه الوضاءِ

عش يا طويل العمر عيش معمرٍ

تحيا به أمم من الأحياءِ

إن الذي غمر المليك بفضلهِ

ساق البحار إليه في البشراء

وإذا به عبدالعزيز بطلعةٍ

كالبدر بين كواكب الأمراءِ

ملك أناف على العقول بعزمةٍ

وأتم ذاك بما يراه الرائي

في ظلِ فاروق وظل صديقهِ

عبدالعزيز يتم كل رخاءِ

وهذا الشاعر الفذ محمد بن عبدالله بن عثيمين الذي سجل كثيرًا من أوصاف الملك عبد العزيز وأيامه حيث أشاد ببعض

صفات الملك عبد العزيز فقال:

رعى الدين والدنيا رعاية محسنٍ

وقام بأعباءِ الخلافة كاهله

وأرضى بني الإسلام قولًا وسيرةً

فذو الظلم أرداه وذو اليتم كافلهُ

وجدد منهاج الهدى بعدما عفا

وعز به الشرع الشريف وحاملهُ

قليل التشكي والتمني وإنما

إذا هم لم تسدد عليه مداخلهُ

وما نال هذا الملك حتى تقصدت

صدورُ عواليهِ وفلت مناصلهُ

وما زاده تيهُ الخلافةً قسوة

نعم زاد عفوًا حين زاد تطاوله

فقال أطيع الله ثم رسوله

وذا الأمر يدريهِ الذي هو عاقلهُ

وقال رسول الله سمعًا وطاعة

لذا أمركم لو شط في الحكم عاملهُ

إليكم بني الإسلام شرقًا ومغربًا

نصيحةً من تهدي إليكم رسائلهُ

هلموا إلى داعي الهدى وتعاونوا

على البر والتقوى فأنتم أماثلهُ

وفي الختام قد وصلنا إلى نهايةِ بحثٍ مختصرٍ عن موضوعٍ في غاية الأهمية وهنا لا بد أن نشير إلى آثار ذلك الأمر على

المستويين الداخلي والخارجي.

الأول: أن ما قام به الملك عبدالعزيز رحمه الله من توحيد للإمامة للحرمين ظهر أثره في أنحاء العالم الإسلامي وخاصةً في

جوامعها الكبرى كالأزهر في القاهرة والأموي في دمشق.

الثاني: أن توحيد الإمامة في الحرمين الشريفين له دلالة واضحة وكبيرة على وحدة هذا الوطن تحت مسمى المملكة

العربية السعودية وأن الأمر لم يكن عابرًا وإنما له من الدلالاتِ الشيء الكثير، فهو توحيد للهدف وللمعتقد وتوحيد للأمر.

الأمير الدكتور فيصل بن مشعل مؤلف الكتاب

نسأل الله أن يديم على بلادنا أمنها وإيمانها وعزتها وصلّ الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبهِ وسلم.

حمود الرميح

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى