أمير الكويت الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح
أمير الكويت الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح
-A +A
«عكاظ» (الكويت)

مع تولي الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، مقاليد الحكم في دولة الكويت، يكون الحاكم الـ17 لبلاده وفق الدستور وقانون توارث الإمارة، خلفاً للراحل الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح طيب الله ثراه، الذي انتقل إلى جوار ربه أمس (السبت) عن عمر ناهز 86 عاماً.

ووفقا لوكالة أنباء الكويت، فبعد مسيرة حافلة بالإنجازات ومحطات مميزة في المناصب الرسمية استمرت ستة عقود، نودي بالشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح أميرا للكويت من مجلس الوزراء أمس، في ظل إجراءات سلسة لعملية انتقال مسند الإمارة كما عهدتها البلاد عند تولي حكامها الإمارة خلفا لأسلافهم الكرام.

والشيخ مشعل الأحمد أحد الرجال الأفذاذ الذين أنجبتهم الكويت، ونشؤوا في ظل عائلة آل صباح الكريمة، وتربوا على يد حكمائها ونهلوا من معين قادتها وتعلموا الحكمة والإدارة من رجالاتها وخبروا شؤون الحكم وأساليب القيادة من سياسييها المحنكين.

وطوال الأعوام الثلاثة الماضية كان الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، السند الأمين لأمير الكويت الراحل ومشاركا في صنع القرار وناب عنه في الأوقات التي استدعت ذلك، وحمل إلى جانبه أعباء تلك المسؤولية الكبيرة والأمانة العظيمة، وقاد معه بلاده لتكون في ركاب الدول المتطورة ولتعزيز الأمن والأمان والازدهار فيها.

ولم يكن أمير الكويت الشيخ مشعل خلال العقود الستة الماضية بعيدا عن المناصب الرسمية أو المواقف الوطنية، إذ تولى عددا من المناصب الأمنية والعسكرية في وزارة الداخلية والحرس الوطني فضلا عن مرافقة حكام الكويت الكرام أو تمثيلهم في العديد من الزيارات والمهمات الرسمية.

مولده وتعليمه

ولد الشيخ مشعل في الكويت عام 1940، وهو الابن السابع لحاكم الكويت العاشر الشيخ أحمد الجابر المبارك الصباح الذي حكم البلاد في الفترة ما بين عامي 1921 و1950.

وبدأ مرحلة التعليم الأسري في بيت الحكم في مرحلة مبكرة على يد أبويه وأفراد عائلته، الذين تعلم على أيديهم مبادئ القراءة والكتابة ثم انطلق في مرحلة التعليم المدرسي الأساسي، فانتسب إلى المدرسة المباركية التي كانت أول مدرسة نظامية أهلية في الكويت.

واستمر الشيخ مشعل في تلك المدرسة مدة طويلة درس فيها جميع المراحل التعليمية النظامية، إلى أن تخرج من المرحلة الثانوية فيها، متلقيا خلال تلك المدة تعليمه على يد أساتذتها الذين خرجوا أجيالا كثيرة من أبناء الكويت، وزودوهم بذخيرة علمية وعملية ومعرفية؛ ليكونوا بناة الوطن وعماد نهضته وتطوره. واستكمل دراسته في المملكة المتحدة حيث تخرج في كلية (هندن) للشرطة عام 1960 المعروفة بسمعتها العريقة في الدراسات الأمنية والشرطية، وبتخريجها عددا كبيرا من المسؤولين وصناع القرار في دول العالم.

وبعد عودة أمير الكويت من الدراسة في المملكة المتحدة، التحق بوزارة الداخلية التي كانت حديثة النشأة آنذاك، فتدرج في العديد من المناصب الإدارية، واستمر فيها نحو 20 عاما، عمل خلالها في قطاعات وادارات مختلفة. وواصل الشيخ مشعل الأحمد تدرجه في مناصب وزارة الداخلية حتى أصبح في عام 1967 رئيسا للمباحث العامة برتبة عقيد، واستمر في ذلك المنصب حتى عام 1980 حيث عمل على تطوير أداء أجهزتها، وتحولت في عهده إلى إدارة أمن الدولة.

وفي 13 أبريل 2004 عين الشيخ مشعل الأحمد بموجب مرسوم أميري نائبا لرئيس الحرس الوطني بدرجة وزير، حيث ساهم في تطوير ذلك الجهاز العسكري الأمني الحساس وعزز دوره في حفظ أمن الكويت وأمانها.

وأكد الشيخ مشعل الأحمد في مناسبات عديدة، حرص الحرس الوطني على مساندة الجيش والشرطة وقوة الإطفاء العام في الدفاع عن الكويت والحفاظ على الأمن والاستقرار وحماية الجبهة الداخلية ضد كل الأخطار التي تهدد البلاد، وتأمين المنشآت الحيوية في البلاد، والاستعداد الدائم لتلبية أي مهمة أخرى يكلف بها من قبل مجلس الدفاع الأعلى.

وفي الثامن من أكتوبر عام 2020 جرت مبايعة الشيخ مشعل الأحمد وليا للعهد في جلسة خاصة عقدها مجلس الأمة، حيث أدى اليمين الدستورية أمام الأعضاء بعد أدائها أمام أمير البلاد الراحل وفقا لقانون توارث الإمارة ودستور الكويت.

وفي تلك الجلسة قال الشيخ مشعل في كلمته إنه سيرفع شعار المشاركة الشعبية في الكويت، وسيعمل على إشاعة روح المحبة والتسامح ونبذ الفرقة ويسعى إلى رسم صورة مشرقة لمستقبل الكويت، صورة تحمل ديموقراطية الاستقرار وتغليب المصلحة الوطنية العليا في إطار الدستور منهجها العدالة ورائدها العيش الكريم.

ودائما حرص الشيخ مشعل الأحمد على تعزيز التعاون بين السلطتين التنفيذية والتشريعية؛ لتحقيق الأهداف المنشودة من كل منهما والسير بخطوات متسارعة نحو تحقيق تطلعات القيادة الحكيمة والشعب الكويتي بنهضة وطنية تشمل جميع المجالات وترتقي بمكانة البلاد في جميع المؤشرات التنموية وتستفيد من أفضل التجارب الحاصلة في دول العالم وتطبقها على أرض الوطن.

وعقب تزكيته وليا للعهد أولى أمير الكويت جل اهتمامه بالشؤون المحلية التي تهم المجتمع والمواطنين، لاسيما مع الإغلاقات التي شهدتها دول العالم بسبب انتشار فايروس كورونا، وضرورة متابعة الإجراءات الكفيلة بالحد من تأثير هذه الجائحة على صحة المواطنين والمقيمين، والتخفيف من تداعياتها على جميع القطاعات في البلاد.

كما كان يتابع بقية القضايا المحلية مع مسؤولي الجهات المعنية عنها في القطاعين العام والخاص وجمعيات النفع العام، ويوجههم إلى بذل كل الجهود الممكنة من أجل النهوض بالمهمات المنوطة بتلك الجهات، وتطوير العمل في مرافقها، وتذليل العقبات التي تحول دون تحقيق أهدافها.

ودأب الشيخ مشعل على لقاء المواطنين بصورة دورية؛ للاستماع إلى تطلعاتهم وهمومهم وحاجاتهم وآمالهم، والاطلاع على مساهماتهم القيمة في خدمة الكويت، والتعرف إلى آرائهم وأفكارهم الهادفة إلى إعلاء مكانتها، وحثهم على بذل الغالي والنفيس من أجل العمل على تعزيز وحدتها الوطنية، والوقوف صفا واحدا لضمان أمنها وأمانها، والسعي من أجل تطورها وازدهارها.

وعلى الصعيد الخليجي، استمر الشيخ مشعل الأحمد في النهج الذي سار عليه أسلافه أمراء الكويت السابقون، فحرص على توطيد علاقات الكويت مع أشقائها، وتعزيز التعاون المشترك والتنسيق مع قادتها في ما يتعلق بالشؤون التي تهم المنطقة والقضايا العربية والعالمية؛ لضمان الأمن والأمان والاستقرار في المنطقة، وتحقيق الحياة الكريمة للشعوب الخليجية.

وانتهج الشيخ مشعل الأحمد في علاقات الكويت بشقيقاتها العربية النهج الذي سارت عليه الكويت طوال العقود الماضية، والتي أثمرت نتائج طيبة كان لها الأثر الكبير في تعزيز وحدة الصف العربي، وتنسيق المواقف المشتركة، ورأب الصدع، وحل النزاعات.

وفي علاقات الكويت مع دول العالم، حرص على تعزيز الصلات والتعاون في القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، إضافة إلى التعاون والتنسيق مع المنظمات الأممية لتحقيق الأهداف المنوطة بها.

وإضافة إلى المناصب الرسمية التي شغلها طوال العقود الستة الماضية، تولى الشيخ مشعل الأحمد عددًا من المناصب الفخرية منها تزكيته رئيسًا فخريًا لجمعية الطيارين ومهندسي الطيران الكويتية خلال الفترة (1973 – 2017) كما كان أحد مؤسسي الجمعية الكويتية لهواة اللاسلكي والرئيس الفخري لها.

وفي عام 1977 عين أمير البلاد الراحل الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح، الشيخ مشعل الأحمد رئيسا لديوانية شعراء النبط، التي أنشئت بهدف المحافظة على تراث الأجداد من الشعر النبطي، وتعليمه للأجيال الحالية، وغرس ما يتضمن من عادات وموروثات في نفوس الأبناء.

وفي الرابع من ديسمبر 2018 قلدت وزير الجيوش الفرنسية فلورنس بارلي، الشيخ مشعل الأحمد «وسام قائد جوقة الشرف» من الجمهورية الفرنسية، باعتباره أحد الرجال المميزين الذين بنوا الكويت، وساعدوا على مد روابط الصداقة المتينة بين الكويت وفرنسا.

وهكذا تمضي مسيرة الخير والإعمار والتنمية والتطوير في الكويت، التي سيواصل أمير البلاد قيادتها كما قادها أسلافه الكرام، وليكمل إسهاماتهم الجليلة في صنع تاريخها وبناء مجدها وإعلاء رايتها وتعزيز مكانتها إقليميا وعربيا ودوليا.