-A +A
بدر بن سعود
في مثل هذه الأيام قبل عشر سنوات بدأ ما يعرف بالربيع العربي في المنطقة، وهناك من يعتقد بوجود موجة ربيعية ثانية بدأت في السودان والجزائر ولبنان والعراق في 2019، وصحيفة الغارديان البريطانية نشرت استطلاعاً أجـرته مؤخراً على مواطني دول الربيع، ووجدت فيه أنهم يعتقدون بأن الأوضاع أصبحت أسوأ مما كانت عليه قبل الربيع، وبنسبة 75% لسوريا، و73% لليمن، و59% لليبيا، و51% للسودان، و50% لتونس، و47% للعراق، و42% للجزائر، واليمنيون يعتقدون وبنسبة 87% أن مستقبل أبنائهم سيكون أسوأ.

في الواقع الأرقام ليست مفاجئة، فقد تحولت غالبية الثورات إلى حروب أهلية، وإلى مشروعات إرهابية لتيارات سياسية تتحكم في الدولة، وساهمت في تفكك المجتمعات العربية وضرب وحدتها الوطنية، وتسببت في قتل أكثر من مليون إنسان عربي، وتركت خسائر مالية تقارب التريليون دولار، بالإضافة لتشريدها 16 مليوناً من مواطني الدول العربية، وقد كان الربيع مهدداً لمصالح أمريكا والدول الأوروبية في المنطقة، وأقنعها بأن الاستثمار في الاستقرار العربي والأمن الإقليمي هو الأفضل.


بعض العرب يقارن الربيع العربي بالثورة الفرنسية في سنة 1789، ويصنفـونها باعتبارها نموذجاً ملهماً لربيع العرب، والحقيقة أنها أوصلت نابليون إلى حكم فرنسا بالحديد والنار، وبذريعة حماية مكتسبات الثورة، وفي زمنه تراجعت الحريات، ومن ثم دخلت فرنسا في العهد الإمبراطوري، وفي حروب خارجية على أكثر من جبهة، ولولا الربيع العربي ما حضر داعش بكل ما ينطوي عليه من استبداد وديكتاتورية.

الربيع العربي ترك شتاءً قاسياً في كل الدول التي زارها، وتسبب في ارتفاع معدلات الهجرة العربية بحثاً عن الأمان الشخصي والوظيفي في الدول الغربية، وأوروبا ومعها الولايات المتحدة، دعموا وحرضوا على ثورات الربيع، ولكنهم رفضوا شبيهاتها في حالات الشغب البريطاني مع كاميرون، وفي تمرد القمصان الصفراء الفرنسية مع ماكرون، وفي مظاهرات جورج فلويد والهجوم على الكونغرس الأمريكي مع ترمب.

منذ زمن طويل والربيع العربي يطرح بعناوين مختلفة، وقد أشارت إليه كوندليزا رايس في حوار مع صحيفة الواشنطن بوست سنة 2005، ضمن ما يعرف بمشروع الشرق الأوسط الجديد والفوضى الخلاقة، ولكنه لم يدخل حيز التنفيذ إلا في زمن الرئيس الأسبق أوباما، وكان ذلك لإحكام سيطرة جماعات الإسلام السياسي، بوصفها البديل الأنسب للديموقراطبات الغربية وتوجهاتها المستقبلية في المنطقة، إلا أنه أسس لمنظومة من الدول الفاشلة، والاشتراكية التي طالب بها الربيع العربي وإن اعتبرت مجرد شعارات، لا تختلف في شكلها عن فكر القوميين العرب في خمسينات القرن العشرين، وما أحدثه في مصر واليمن والعراق وليبيا، وفشله الكبير الذي جاء بعد 61 سنة، ويبقى الربيع متهماً حتى تثبت براءته.

BaderbinSaud@