-A +A
عقل العقل
قبل عامين أقدمت الإدارة الأمريكية وبأمر من الرئيس ترمب بعملية نوعية ومفاجئة وهي التخلص من أحد القيادات الإيرانية الرفيعة، الذي كان يتبجح أنه هو من يتولى السيطرة على الأمور في بعض العواصم العربية من بيروت إلى دمشق وصنعاء وبغداد، جميعنا يعرف أن هناك تغيرات مهمة مستمرة في العراق مفادها أن شعبها ضجر وكفر بهيمنة الأحزاب الطائفية وخاصة من لها مليشيات عسكرية وهي في الغالب موالية لإيران، منذ سنوات قليلة شهدت المدن العراقية بكل مكوناتها الدينية والمذهبية مظاهرات حاشدة ضد الهيمنة الإيرانية في العراق وسمعنا شعارات «إيران برا برا» يرددها أبناء الشعب العراقي الشرفاء، بل إن تلك المظاهرات السلمية حاصرت بعض القنصليات الإيرانية في العراق، في مقابل هذا الحراك السلمي العراقي ضد الفساد والهيمنة من خارج الحدود شنت المليشيات الموالية لإيران عمليات قتل ممنهج ضد بعض الناشطين الوطنيين في العراق، وقاسم سليماني ومن معه من الاتباع العراقيين لم يكونوا بعيدين عن هذه التصفيات، فأمريكا التي أحدثت التغير هناك لا يمكن تصورها تترك المشهد والبلد ليقطف ثمرته النظام الإيراني، البعض يذهب بعيداً أن الإدارات الأمريكية وخاصة إدارة أوباما الديمقراطية متواطئة مع النظام الإيراني في تقسيم العالم العربي، بل إنها داعمة له خاصة بعد توقيع الاتفاق النووي في 2015م والذي يراه البعض أنه إعادة لتأهيل دولة كانت الإدارة الأمريكية تنظر إليها بأنها دولة مارقة، هذه السياسة الأمريكية غير الواضحة على الأقل لنا أعطت إيران قوة ونفوذاً لا يستهان فيه بالعراق وبالعالم العربي مستخدمة القنطرة المذهبية في دولنا، كل هذا كان متزامناً مع مرحلة من الفوضى التي مر فيها الإقليم في ما أطلق عليه بالربيع العربي، الذي وصل لأهم العواصم العربية مهدداً النظام العربي الرسمي دون وجود خيارات حقيقية للتغير، الشعار المردد في العواصم العربية من ساحات التظاهرات هو إسقاط الأنظمة، وبعد ذلك حلّت الفوضى ودخلنا في حروب أهلية وطائفية بشعة إيران وسليماني ذراعها في المنطقة يهندسون هذه الفوضى، ولكن عندما وصلت تلك الموجة إلى حلفائهم في سوريا تغيرت نغمة دعم المظلومين وبدأنا نسمع عن المؤامرة الكونية ضد النظام السوري ومحور المقاومة كما يدعون.

البعض يرى أن تصفية سليماني واتباعه في مطار بغداد قادماً من سوريا تعد ضربة موجعة للنظام الإيراني في أحلامه التوسعية في المنطقة، وقد يكون مكان التصفية مقصوداً لبعث رسائل عدة لاتباع إيران في العراق، ويظل هناك عدد من التساؤلات مثل: هل تعتبر تلك العملية تغيراً في السياسة الأمريكية تجاه إيران؟ قد يختلف البعض مع ذلك، ولكن السياسة الأمريكية لها أهداف استراتيجية قد يتغير التكتيك، ولكن يظل الهدف الاستراتيجي ثابتاً، مثلاً الإدارات الأمريكية المتعاقبة مؤمنة بأن الدبلوماسية السياسية وسياسة الاحتواء هي الطريقة الفاعلة لإجبار إيران عن التخلي عن طموحاتها النووية ويبدو أن طهران تفهم هذه المعادلة وتستغلها للحصول على تنازلات في قضية طموحاتها التوسعية في المنطقة إذا لم تكن تتعارض مع المصالح الأمريكية، مثلاً أمريكا تقطف المليارات من صفقات الأسلحة لبعض الدول العربية التي تعمل على تقوية جيوشها للتصدي لإيران التوسعية وهي محقة بذلك.


إيران وحلفاؤها أقاموا المناحات كعادتهم لمقتل سليماني، وخرجت علينا ابنته زينب وهي تتوعد في مكان اغتيال والدها وتتبجح بقدوم اليوم الذي يتحرر فيه العراق والمنطقة، وهذا زمن رديء أن تتبجح هذه الطائفية في إحدى العواصم العربية التاريخية بمثل هذا الكلام المقزز، العجيب أن الجميع شاهدها وهي تلوح وتهدد أمريكا بالعقاب الرادع أنها تحمل سلاحاً أمريكياً في يدها الأخرى وهو جهاز جوال من صنع أمريكي وهو كفيل بتتبع وكشف كل أمورها الداخلية، وأقول إن عصر الكذب والتزييف الإيراني قد انكشف، ومتى يسمع بعض أهلنا العرب بما تقوله «زينب» وغيرها لتحرير أوطانهم.