-A +A
حمود أبو طالب
المنصب غواية، والسلطة شهوة شرسة، فكيف إذا كانت بمستوى حكم بلد. احترقت كثير من البلدان وتخلّفت وضاعت بسبب الصراع على السلطة، وحتى في البلدان ذات الأنظمة الديموقراطية والانتخابات وتداول السلطة قلما، أو ربما يندر، أن يزهد حاكم في ترشيح نفسه مرة أخرى، بل يقاتل من أجل ذلك، وتنشأ مواجهات شرسة بين مرشحي الأحزاب المتنافسة تنحدر إلى مستويات هابطة سياسياً وأخلاقياً، ولديكم ما يحدث الآن في أمريكا التي يحكمها رئيس عجوز بلغ من العمر عتياً، ومع ذلك يطمح إلى ترشيح نفسه لدورة رئاسية ثانية، ولا يقل عنه منافسه الرئيس السابق في شبق التطلع إلى رئاسة ثانية. لا أحد يعترف بأنه تعب، أو أنه أدى دوره وكفى.

لكن تطل علينا سيدة من أقاصي الأرض لتفجر مفاجأة غير معهودة في هذا الوقت، سيدة بسيطة المظهر لكنها عظيمة المخبر، أدارت وطنها ببراعة رغم بعض الأحداث الجسام التي عصفت به. حققت نجاحات باهرة على مستوى التنمية والتعايش والسلم المجتمعي. تذهب صباحاً إلى مكتبها الذي تدير منه بلادها، وتغادره مساءً كأي سيدة عادية أخرى، تهتم بمنزلها وتعد وجبة العشاء وتشاهد التلفزيون ثم تنام. كانت خالية من أوبئة السلطة وعاهات المنصب الكبير، شعورها لا يزيد على شعور المسؤولية بالحمل الثقيل وعبء الأمانة تجاه وطنها ومواطنيها. عملت باجتهاد ومثابرة وإخلاص، قدمت كل ما تستطيع تقديمه، ورغم أنه ما زالت لديها فرصة أخرى لا سيما مع شعبيتها الكبيرة إلا أنها فاجأت العالم كله وليس شعبها عندما أعلنت أنها قررت التنحي عن منصبها، والسبب ببساطة شديدة ووضوح أشد أنها «لم تعد تملك ما يمكن أن تعطيه». هكذا قالت دون مواربة وتعليلات زائفة وأسباب كاذبة.


كانت في منتهى الرقي الأخلاقي والأمانة الوطنية وهي تقول ذلك. لم تسقط في براثن غواية الكرسي الذهبي، ولم تكذب على نفسها وعلى شعبها، تركت المجال لغيرها وذهبت تستمتع بحياتها وهي ما زالت في مقتبلها. فهل تتكرر حالة جاسيندا أرديرن رئيسة وزراء نيوزيلندا السابقة، وهل يتعلم السياسيون المتقاتلون على السلطة منها؟.

احتراماتنا يا سيدة جاسيندا..