-A +A
صدقة يحيى فاضل
إن أهمية تواجد وحدة وطنية قوية للدولة – أي دولة – لا تخفى على المتأمل لأبعاد ودور هذه الوحدة. ولعل أبرز معالم هذه الأهمية، كونها:

- تحمي الجبهة الداخلية من اختراقات الأعداء، ومما قد يعكر صفو الوطن وأهله.


- تدعم عمليات تنمية وتطوير الدولة المعنية، والمساعدة على النهوض بها.

- تدعم مكانة - وسمعة - الدولة على الساحة الدولية، وتساعدها في تحقيق أهداف سياساتها، الداخلية، والخارجية.

ولنسلط في ما يلي بعض الضوء على دور الوحدة الوطنية، وأهميتها، على الساحة الدولية بخاصة، أن «قوة» (Power) أي دولة هي: ما تملكه من عناصر القوة والنفوذ والتفوق، مقارنة بغيرها من الدول الأخرى. فمدى قوة أي دولة يتحدد بـ«مدى» ما تملكه من عناصر القوة الست الرئيسة، وهي: النظام السياسي الإداري للدولة، الموقع الجغرافي، كم ونوع السكان، الموارد الطبيعية، الإمكانات التقنية والصناعية، القدرات العسكرية. ويتضمن عنصر السكان: مدى انصهار وتماسك وتضامن هؤلاء السكان فيما بينهم، وفيما بينهم وبين حكومتهم.. أو: مدى وحدتهم الوطنية.

وتتفاوت دول العالم – بالطبع – في مدى القوة.. تبعاً لتفاوت توفر «عناصر» القوة من دولة لأخرى، ومن وقت لآخر. وهذا التفاوت أدى إلى تقسيم دول العالم نظرياً – بناء على مدى قوتها – إلى سبعة أنواع.. بدءاً بالدولة العظمى، ثم الكبرى، فالكبيرة، فالمتوسطة، فالصغيرة، فالصغرى، وانتهاء بـ«الدويلة». ومدى قوة أي دولة - خاصة بعنصر نظامها السياسي ووحدتها الوطنية - هو الذي يحدد: مدى قدرتها وصلابة موقفها، ويوضح مدى نفوذها في العالم. كما يحدد - في النهاية - مدى ما تحصل عليه (من الدول الأخرى) من الفوائد التي تريدها. أو بمعنى آخر، مدى قدرتها على تحقيق أهداف سياستها الخارجية بخاصة.

وبما أن العلاقات الدولية تسود فيها «الفوضى».. أي عدم وجود سلطة عليا (حكومة عالمية) يحتكم إليها، وتكون قراراتها ملزمة، وتمتلك وسائل الإكراه المناسبة، فإن كل دولة – تقريباً – تحاول أن تأخذ من الدول الأخرى أقصى ما يمكن أخذه من فوائد (تسميها مصالح)، وبقدر ما تسمح به قوتها، وتمكنها من حيازته.. رغم وجود روادع قانونية شكلية.. أي قوانين وأعراف لا تقف وراءها قوى تلزم الدول بإنفاذها بالفعل. ولهذا، تظهر دول استعمارية، لها أطماع خارج حدودها، وتعمل على تحقيق هذه «المصالح» (Interests). وكثيراً ما تكون هذه المصالح عبارة عن: استغلال لموارد بلدان أخرى، ومصادرة لإرادتها، وتسيير الأمور فيها بما يخدم مصالح المستغل أو (المستعمر)، حتى وإن أضر بالمصلحة العامة للبلدان الضحية.

وإذا كانت «غابية» العلاقات الدولية، ومنطقها الوحشي، تتيح استغلال القوي للضعيف، فإن القوانين والأعراف الدينية والإنسانية، بل والدولية، تحرم مثل هذا التصرف، وتقف ضد استغلال واستعباد الآخرين. ورغم ذلك، فإن الدول القوية المتنفذة – ذات الأطماع الاستعمارية – تمارس هذا التسلط، وتحاول تغليف هذه الممارسة بالكثير من الحجب والتبريرات. والدول القوية، خاصة بعنصري النظام السياسي والوحدة الوطنية، تظل دائماً أقدر من غيرها على حماية نفسها ومقدراتها ضد الطامعين. وذلك يوضح أهمية الوحدة الوطنية على المستوى الدولي، وخارج حدود الوطن الواحد.

****

ويمكن القول، إن دعم الوحدة الوطنية لأي بلد، هو أمر منوط بعملية الانصهار الوطني، بإجراءاتها المعروفة. فرفع درجة «الوحدة الوطنية»، غالباً ما يتم عبر التنمية السياسية الإيجابية، وخاصة بعنصرها المعروف والأساسي، ألا وهو عملية الانصهار الوطني. ولكن، وبما أن أي شعب مسؤول عن تنمية بلده، ونفسه، نجد أن هذه التنمية تبدأ من المنزل (العائلة) والمدرسة.. ابتداء من السنوات الدراسية الأولى. وهناك طرفان رئيسان لهذه الوحدة الوطنية، هما: النظام السياسي للبلد المعني، وشعب ذلك البلد، خاصة بمؤسسات مجتمعه المدني.

إن أهم سبل دعم وتفعيل الوحدة الوطنية، المنوطة بـ«النظام السياسي» (الحكومة)، تتجسد في: التبني الفعلي لمبادئ المساواة والحرية والعدالة والشورى والتكافل الاجتماعي. وبحيث يكون كل المواطنين متساوين في الحقوق والواجبات، وتحت ظل هذه المبادئ.. في الإطار القيمي والعقائدي الذي ترتضيه غالبية الشعب المعني. إضافة إلى تبني تنمية سياسية إيجابية مستدامة، تكون جزءاً دائماً من السياسة العامة للدولة المعنية. وكلما فعل النظام، أي نظام، مضامين المبادئ المذكورة، وطبقها، وواصل التنمية السياسية الإيجابية (وعملية الانصهار الوطني بخاصة)، وحارب العنصرية، تم دعم اللحمة الوطنية، وتعزيز الوحدة الوطنية، والعكس صحيح.

****

أما مسؤولية الشعب، فتتضمن: عمل كل ما من شأنه دعم الوحدة الوطنية لبلاده، وفى مقدمة ذلك قيام كل فرد وجماعة وفئة فيه، وباستمرار وجدية وقناعة وإخلاص (تجاه بعضهم البعض، وتجاه بلدهم) بما يلي:

أ – الحوار والتفاهم: ويعني الحرص على الحوار مع المواطنين الآخرين في كل ما قد يختلفون فيه وحوله من مبادئ وأفكار، حواراً ودياً حضارياً، يستهدف دعم التفاهم فيما بين المواطنين، وتقريب وجهات النظر فيما بينهم، مع الالتزام التام بمبدأ الاحترام المتبادل في كل الأحوال.

ب – التواد والتراحم، وإظهار التعاطف والدعم لبعضهم البعض في المنشط والمكره.

ج - التعاون في مجالي البر والتقوى: ويعني المسارعة بالتعاون مع المواطنين الآخرين في كل ما يعود بالخير على وطنهم وأهله.

د – نبذ التعصب الطائفي والقبلي (العنصرية)، واعتبار هذا التعصب تطرفاً مذموماً، يجب أن يعاقب القانون عليه عقاباً رادعاً.

هـ - الاعتزاز بالوطن، وتبجيل قيمه السامية ومنجزاته الحضارية الهامة.

و – الحفاظ على الممتلكات العامة، ومنع العبث بها، باعتبارها ممتلكات جميع المواطنين.

ز – التعاون التام مع السلطة في كل ما يخدم أمن وسلام واستقرار الوطن.

****

وكما نوهنا، فإن أهم وسائل غرس هذه القيم الحميدة في نفوس المواطنين، والحض على دعم وحدتهم الوطنية، هي عملية: التربية والتعليم، والثقافة بأنواعها، وخاصة ما يعرف بـ«التنشئة السياسية». لذا، يرى المختصون ضرورة تضمين مقررات تعليمية منتقاة في التعليم العام توضيحاً لمعنى الوحدة الوطنية، وأهمية دعمها وتحققها، وخطورة إهمالها وضعفها. إضافة إلى السبل العملية لتحقيقها.. ومسؤولية كل مواطن وواجبه لاتباع هذه السبل، والالتزام بها، تجاه إخوانه المواطنين، وتجاه حكومة بلاده، حتى يتعود النشء على الحرص التلقائي على الوحدة الوطنية، ويتجسد ذلك الحرص في سلوكياتهم طيلة حياتهم.