-A +A
عبداللطيف الضويحي
لا يمكن تشخيص الفقر في مجتمع من المجتمعات ومعالجته من غير تشخيص الفساد ومعالجته في ذات المجتمع. وأي علاج للفقر بمعزل عن علاج الفساد هو علاج لمرض لم يتم تشخيصه بطريقة صحيحة. فالفساد هو الحاضنة المباشرة وغير المباشرة للفقر.

فإذا تآكل قاع المجتمع وتفسخ بنيانه من أسفله وعن يمينه وشماله، واستفحلت أمراضه الاجتماعية، فإن العلة ليست الفقر فحسب، والفقر نتيجة وليس سبباً. ولأن الفقر مرض يسهل تشخيص أعراضه، فيتم تحميل المسؤولية له بدلا من تحميلها للفساد، لصعوبة معرفة شبكاته وأدواته وأباطرته. فالفساد ببساطة يتخفى خلف عشرات اللفافات وعشرات الوجوه والعناوين.


فإذا تدهورت العدالة في المجتمع، فاضرب حصون الفساد وقلاعه، قبل تصحيح الأنظمة وسن التشريعات وقبل تصحيح الاقتصاد والأوضاع الاجتماعية. وإذا تفشى الجهل والأمية في المجتمع، فدمر أوكار الفساد وجهابذته، قبل إصلاح التعليم والمؤسسات التربوية في المجتمع.

من هنا يمكننا فهم الضربات الاستباقية للفساد التي وجهتها قيادة هذه البلاد مبكرا وبالتزامن مع إطلاق رؤية المملكة 2030.. في الحقيقة لا يمكن أن نتخيل إمكانية إطلاق وتطبيق رؤية عملاقة بحجم وبأهمية وبعمق رؤية المملكة 2030، خلال مدة محددة، من دون أن تترافق وتتزامن وتتواكب هذه الرؤية مع هدم وتفكيك بُنى الفساد وتقويض أدواته وتنظيف المجتمع ومؤسساته من آفته.

ولولا النظرة الثاقبة والبعيدة ولولا الإرادة والإدارة الحازمة، لتعثرت كل الإصلاحات والجهود الرامية لتحقيق رؤية المملكة 2030 ولتكسرت على صخرة الفساد.

لكن جهود المملكة في مكافحة الفساد لم تبق في الداخل فحسب، بل قدمت المملكة مبلغ 10 ملايين دولار في سبيل إنشاء «الشبكة العالمية لمكافحة الفساد» لإدراك المملكة أهمية التغلب على تحديات الفساد العابرة للحدود، الأمر الذي يستدعي التعاون بين الدول في هذا الشأن.

من هنا، يمكننا فهم تتويج جهود المملكة من خلال تبني مشروع قرار أممي واعتماد شبكة مبادرة الرياض العالمية لسلطات إنفاذ القانون المعنية بمكافحة الفساد، والمستندة إلى رؤية المملكة واتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد. والذي يعد تتويجاً ومباركة لجهود المملكة المستمرة والدؤوبة في مكافحة الفساد. حيث نجح وفد المملكة في مفاوضات مع كافة الدول المشاركة باجتماعات الدورة التاسعة لمؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد باعتماد مبادرة شبكة الرياض العالمية لمكافحة الفساد. وقد أكد القرار الأممي على قيادة المملكة الحيوية والفاعلة للعالم في مجال مكافحة الفساد. وهو ما يرفع رصيد المملكة في الإسهامات العالمية من خلال الكثير من المبادرات في كافة المجالات.