خديجة العمري
خديجة العمري




نجاة علي
نجاة علي




شوقي بزيع
شوقي بزيع




كريمة عيساوي
كريمة عيساوي
-A +A
علي الرباعي (الباحة) Al_ARobai@
يتساءل مثقفون ومتخصصون في العلاقات الاجتماعية عن أسباب فشل العلاقة الزوجية بين المثقفين علماً بأنهم صفوة مجتمع، ومؤمنون بالقيم والمبادئ الإنسانية، وربما أربكت بعض النُخب عش الزوجية بالتوتر والأزمات، ما يشي بالتناقض بين (ادعاء الحضارية) والفشل في التطبيق، والعجز عن احتواء الشريك، ولعل بعض المثقفين والمثقفات أدركوا مبكراً خطورة الاقتران بشريك في الفن والاهتمام فآثروا العزوبية المزمنة، أو خاضوا غمار التجربة لمرة واحدة، ووقع الانفصال الحتمي، ليكتفوا بالذكريات، فيما لا يزال البعض يحاول جاهداً الاحتفاظ بالعلاقة والمحافظة عليها رغم كل التبعات غير المتناهية والمآسي المتجددة، وهنا نطرح سؤالاً: لماذا غالب زيجات المثقفين تفشل ولا تكتب لها حظوظ النجاح؟ وهل يعد المثقفون قدوة صالحة لطبقات اجتماعية أدنى منهم ثقافة؟

الشاعرة السعودية خديجة العمري (زوجة الشاعر محمد جبر الحربي) تؤكد أنها لا تستطيع الإحاطة بواقع الأدباء، كون الذين تعرفهم لا تعرف زوجاتهم ولا نمط حياتهم، موضحة أن ‏تجربة اقترانها بالشاعر محمد جبر مختلفة، ولا تشبه تجارب الآخرين، ‏ مشيرةً إلى أن ارتباطها لم يكن تقليدياً بعرس وما شابه، فتزوجته بملابسها العادية، وبتغيير الدبلة لليسار، وبلا مهر ولا شروط، لافتةً إلى أن والدها (رحمه الله) تقبل قناعتها بصدر رحب، وقالت: ربما محمد رومانسي، لكن أنا لست كذلك، فلدي شعور بالمسؤولية منذ طفولتي وما زلت. ‏وأضافت العمري: «للأمانة أنا مجنونة وحضوري ملفت»، وكشفت تنبيه والدها لمحمد جبر ثلاث مرات، وقال حرفياً: «بنتي عظيمة وروحها جميلة، لكن هل أنت على استعداد لتحمل جنونها؟»، ولا تنسى العمري تلك اللحظة واندهاشه من صراحة أبيها، وعزت مصارحة الأب إلى كونه رآه شخصاً هادئاً ولذا نبّهه، ‏وعدّت التحمل والمداراة والتجاوز وإن كان الحدس يفضح بعض الهفوات مما تراه خذلاناً، ‏خصوصاً عندما يحاول الذكر حينما يتقدم به العمر إقناع نفسه بأنه مرغوب، ولم تستبعد أن يعرف الشريك متأخراً قيمة شريكة حياة حفظته ووقفت معه بكل ما تملك.


فيما ذهبت الناقدة المصرية الدكتورة نجاة علي إلى أن المثقفين أشبه بالفنانين في عدم الاستقرار، وعزت ربكة الحياة الزوجية لتركيبة الأشخاص، موضحةً أن أغلب زيجات المثقفين في مصر تنتهي بالطلاق لأسباب عدة، وترى أن كل زواج مرهون نجاحه بالأشخاص أنفسهم ومفاهيمهم عن الحياة الزوجية والقدرة على التفاهم وتجاوز فكرة الأنانية والنرجسية التي تتلبس البعض. مشيرةً إلى أن العشق لوحده لا يضمن النجاح، والحب ليس كافياً لاستمرار الحياة بينهما، فالحب شيء والزواج شيء آخر، ومسؤوليات متوالية وقيود، وعلّقت الديمومة الزوجية على التفاهم بينهما، وتوظيف الوعي لتفادي تفكيك المنظومة الأسرية، والعمل بإرادة حاسمة لاستمرار الحياة، وعدت التكافؤ عاملاً من عوامل التقارب الوجداني والشعوري، وأكدت أن الحب يحد من فكرة التنافس التي ربما تنشأ إثر الزواج خصوصاً إذا كان الزوجان يعملان في الحقل نفسه والمجال ذاته. ولفتت إلى أنه مثل ما هناك زيجات فشلت، فهناك زيجات كثيرة نجحت واستمرت عقوداً، واستعادت نماذج الدكتور نصر حامد أبو زيد وزوجته، والشاعر أحمد عبدالمعطي حجازي وزوجته، وأدونيس وخالدة سعيد. فيما تصف أستاذة تاريخ الأديان وحوار الحضارات الدكتورة كريمة نور عيساوي الزواج بالرباط المقدس، مشيرةً إلى أنه إذا توفرت فيه المقاصد وراعى فيه الزوجان الحقوق والواجبات فلن يختلفا في تدبير حياتهما وعلاقتهما سواء كانا من المثقفين أو من الأدباء أو من الناس العاديين. وترى أن الإشكال ليس في مستوى ثقافة الفرد ومستواه الأدبي أو العلمي بل في رؤيته للزواج والمقصدية منه، إذ كثيراً ما نرى بعض المثقفين تنتهي علاقاتهم الزوجية بالفشل نتيجة عدم التفاهم أو الغيرة المفرطة أو نجاح أحدهما وفشل الآخر. فتنهار العلاقة ويحمّل كل منها سبب ذلك على الطرف الآخر. وقالت: لو بحثنا عن السبب الحقيقي وراء فشل هذا الزواج فربما لا يرتبط بنجاح وتألق أحد الطرفين أو الغيرة من تألقه، إلا أن كون أحد الطرفين متكبراً أو متعالياً وخالياً من كل معاني المودة والرحمة فلا يمكن للشريك أن يستمر في حياة تنعدم فيها كل معاني السكينة المادية والروحية، مضيفةً أن المثقفين والأدباء هم قبل كل شيء أناس لهم مشاعر وأحاسيس مثل كل الناس فما يجري عليهم يجري على كل مكونات المجتمع الإنساني. وعدّت احترام الرباط الزوجي محدداً ومعياراً لمدى رُقي المجتمعات إذ يُقاس رُقيها بحسب تقدير أفرادها لهذا الرباط المقدس.

شوقي بزيع: ثراء المتخيّل وفقر الواقع

انشغل الشاعر اللبناني بهاجس الزواج بين المثقفين، فاشتغل على كتابه الأحدث (زواج المبدعين ثراء المتخيّل وفقر الواقع)، ويؤكد شوقي بزيع لـ«عكاظ» أن الزواج نقيض الإبداع، وأنها مؤسسة لا تشبه الإبداع في شيء، كونها تقوم على شروط مُرهقة وقاسية، ويتداخل فيها العقل مع المصالح الشخصية، ويرى أن العلاقة الزوجية لا تتوافق إطلاقاً مع التوجه للعمل الإبداعي، الذي يقوم على قدر عالٍ من الحرية والجنون الشخصي والاندفاع القصوي نحو اللغة والحياة، مشيراً إلى أنه تأخّر في الزواج إلى سن الخمسين، نتيجة الإحساس العميق بأن الزواج سيجهض تجربته الشعرية، أو يحد منها ويخفضها لحدود دنيا، وعدّ الحُبّ هو الشعر والزواج هو النثر، وذهب إلى أن المبدع بحاجة إلى كامل المسرح وكل الهواء والماء والحرية والنزق والمزاج الشخصي والأهواء في حين أن الزواج يفسد مسرح الإبداع بالشروط والشروط المضادة، مضيفاً أن المشكلة لا تكمن في طرفي العلاقة الزوجية بل في المسرح نفسه، لافتاً إلى أنه لو أتيح لقيس بن الملوح وليلى العامرية أن يتزوجا فلن يكون مصيرهما بعيداً عن مصير بيكاسو، وتولستوي، ومورافيا، ويوسف الخال، ومحمود درويش، ومحمد الماغوط، الذين كانت زيجاتهم أشبه بكابوس يومي من الحياة القاسية القائمة على العنف وسوء التفاهم، وعد الناجحين في الزيجات قلة قليلة ممن يتمتعون بصبر استثنائي وتفهّم واسع ما أسهم في نجاح زواج خالدة سعيد وأدونيس، ونزار قباني وبلقيس. وعزا نجاح زواج (سارتر) بسيمون دي بوفوار إلى صفقة تم إبرامها تقوم على مقايضة شيطانية بين وفاء الروح وخيانة الجسد. وجدد بزيع التأكيد على أنه لم يقصد بكتابه الاعتذار لزوجته الشاعرة رنيم ضاهر كونه وضعها مبكراً أمام قناعاته وآرائه في الزواج فتعهدت باحترام خصوصيته وعدم انتهاك فضائه الإبداعي بالتعدي على حريته، ويعترف بأن قصيدته تأثرت بالزواج لكنها لم تتضرر كثيراً وأخذت تنحو باتجاه الحكمة والتأمل بعيداً عن أجواء الحُبّ.