
أخاف من الفشل جملةٌ قصيرة لكنها تختصر حياةً كاملة من التردّد وتكشف سرًّا يسكن في صدور كثيرين ولا يُقال فليس الخوف من الفشل خوفًا من السقوط وحده
بل خوفٌ من نظرات الناس بعد السقوط ومن الخيبة في أعين من انتظروا النجاح ومن الانكسار حين لا تشبه النهاية ما رسمه الخيال.
الخوف من المستقبل لا يأتي ضيفًا فجأة بل يتسلّل بهدوء يبدأ فكرةً عابرة ثم يتحوّل إلى سؤال ثم إلى قلق ثم إلى يقين داخلي وهمي يهمس «ربما لن تنجح ربما لن تصل ربما ستخيب»
وهنا تبدأ المعركة الصامتة في مجتمعاتنا لا يُربّى الإنسان على حقّ الخطأ بل على ضرورة الإصابة من المحاولة الأولى. نُكبّر الفشل في عيون أبنائنا ونربطه بالعار لا بالتجربة فنصنع أجيالًا تخاف أن تبدأ لا لأنها عاجزة بل لأنها تخشى أن تُخطئ أمام الجميع يتحوّل المستقبل من وعدٍ إلى تهديد ومن مساحة أمل إلى ساحة محاكمة.
نرى أثر هذا الخوف في تفاصيل الحياة اليومية:
شابّ يملك القدرة لكنه يؤجّل موهبة تختنق لأن صاحبها خاف من النقد
امرأة تؤجّل حلمها خوفًا من نظرة المجتمع.
موظف يقتل طموحه كل صباح باسم «الاستقرار»
الخوف من المستقبل لا يصرخ بل يضغط ببطء حتى يُقنع الإنسان أن النجاة في الجمود وأن السلامة في الوقوف وأن الأمان في ألا يبتعد خطوة واحدة عن المكان الذي يعرفه ولو كان هذا المكان يسرق عمره قطرةً قطرة.
أقسى ما في هذا الخوف أنه لا يمنع الفشل فقط بل يمنع النجاح أيضًا يمنع المغامرة ويمنع الاكتشاف ويمنع الإنسان من أن يرى صورته الحقيقية خارج حدود القلق فيعيش على هامش ذاته يراقب أحلامه
من بعيد ويصفّق للآخرين ويتساءل في داخله:
«لو أني تجرأت هل كنت سأكون واحدًا منهم؟
لكن الحقيقة التي لا يواجهها كثيرون أن الفشل ليس عدوًّا كما نتصوّره بل هو معلّم قاسٍ صادق لا يكذب ولا يجمّل كل تجربة لم تكتمل كما أردنا تركت فينا فهمًا أعمق وبصيرة أوضح وقلبًا أصلب الفشل لا يكسر الإنسان بقدر ما يكسره الخوف منه فالخوف هو السجن الحقيقي أما الفشل فهو باب قد يُغلق مرة لكنه يفتح وعيًا جديدًا.
الخوف من المستقبل وهمٌ نُطعمه من خيالنا نرسم له أسوأ النهايات ثم نخاف من الرسمة لا من الواقع ننسى أن أكثر ما حصل في حياتنا لم يكن كما توقّعناه وأن كثيرًا مما خشيناه مرّ بنا دون أن يتحقّق وأن قدرتنا على التكيّف كانت دائمًا أكبر من أسوأ تصوّراتنا.
الشجاعة لا تعني أن تطمئن بل أن تمشي وأنت خائف أن تخطو رغم ارتجاف القلب أن تقول:
نعم أخاف لكنني سأحاول وفي هذه المحاولة وحدها يبدأ المستقبل في تغيير شكله من عدوّ إلى فرصة.
الخوف من المستقبل لن يختفي من حياتنا لكنه لن يملكنا إلا إذا سلّمناه القيادة نحن لا نحتاج أن نضمن النجاح بقدر ما نحتاج أن نضمن النزاهة مع أنفسنا أن نحاول بصدق أن نسعى بوعي أن نقع إن لزم وأن ننهض دونأن نجلد ذواتنا.
وفي النهاية ليس السؤال هل ستنجح؟
بل السؤال الأعدل هل ستسمح للخوف أن يمنعك من أن تعرف من تكون حقًا؟
مقالات حامد الطلحي الهذلي



