مقالات

الحج : عبادة تجمع بين الروح والجسد والمجتمع

بقلم : عيسى بن سليمان الفيفي

الحج : عبادة تجمع بين الروح والجسد والمجتمع

يُعَدّ الحج أحد أركان الإسلام الخمسة، وهو عبادة عظيمة فرضها الله تعالى على كل مسلم بالغ، عاقل، مستطيع، مرةً واحدة في العمر.

وقد شُرع الحج لتحقيق مقاصد دينية وروحية عظيمة، إضافةً إلى ما يحمله من أبعاد اجتماعية وأخلاقية تجعل منه تجربة شاملة ومتفردة في حياة المسلم.

أولًا: الحج من الناحية الدينية

الحج عبادة عظيمة يتقرب بها العبد إلى ربه، وهو تذكير دائم بمشاهد التوحيد والطاعة الكاملة لله.

فيه يترك المسلم مظاهر الدنيا، ويلبس الإحرام، ويتساوى مع بقية الحجاج، دون تمييز بين غني وفقير، أو أمير وفقير.

تُحيي مناسك الحج ذكرى نبي الله إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام، وتُجسّد معاني الاستسلام لأمر الله، كما في قصة الذبح والفداء.

كما يُعدّ الحج موسمًا للتوبة، قال النبي ﷺ: من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه، وهو ما يدل على عظمة هذه العبادة ومكانتها في تطهير النفس وتزكيتها.

ثانيًا: الحج من الناحية الاجتماعية

الحج مؤتمر إسلامي عالمي يجتمع فيه المسلمون من كل فجٍّ عميق، باختلاف ألوانهم وأعراقهم ولغاتهم، يوحدهم هدف واحد هو عبادة الله وحده.

في هذا التجمع الهائل، تنشأ علاقات أخوة وتعاون بين المسلمين، تُقوِّي أواصر المحبة، وتُذيب الفوارق المصطنعة، وتُعزز شعور الانتماء لأمة واحدة.
ويُعد الحج مناسبة للتعارف وتبادل الخبرات والتجارب بين المسلمين، كما يُمكن أن يُسهم في تعزيز العمل الجماعي والتضامن بين شعوب الأمة الإسلامية.

ثالثًا: الحج من الناحية الأخلاقية

من أبرز ما يُميز الحج هو ما يترتب عليه من تهذيب للأخلاق، فالواجب على الحاج أن يتحلى بالصبر وضبط النفس، وأن يجتنب الجدال والفسوق والرفث، كما قال الله تعالى: فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج“. البقرة: 197.

في الحج، يتعلم المسلم كيف يُعامل الآخرين بلطف واحترام، وكيف يُقدّم مصلحة الجماعة على المصلحة الفردية، ويتدرّب على التواضع والإيثار وضبط الانفعالات.

كما أن مشقة الحج تزرع في النفس الصبر وقوة الإرادة، وتُرسّخ مفاهيم الزهد والابتعاد عن الترف والأنانية، وتُقوّي صلة العبد بربه، وتجعله أقرب للناس وأكثر فهمًا لمعاناتهم.

جهود المملكة في خدمة الحج والحرمين الشريفين

لقد أولت المملكة العربية السعودية منذ تأسيسها على يد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود رحمه الله اهتمامًا بالغًا بالحرمين الشريفين وخدمة ضيوف الرحمن، وجعلت من ذلك شرفًا ومسؤولية عظيمة تؤديها بكل تفانٍ وإخلاص.

وتواصل القيادة السعودية، بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان، السير على هذا النهج المبارك، حيث تُبذل سنويًا جهود جبارة لتيسير مناسك الحج وتوفير أفضل الخدمات للحجاج والمعتمرين.

ومن أبرز تلك الجهود:

  • التوسعات الضخمة في الحرمين الشريفين التي تعد الأكبر في التاريخ، لتوفير الراحة والسعة للملايين من المصلين والطائفين.
  • تطوير البنى التحتية من قطارات ومواصلات ذكية وشبكات طرق حديثة تربط بين مكة والمدينة والمشاعر المقدسة.
  • إطلاق مبادرات تقنية متقدمة مثل “بطاقة الحاج الذكية” و”الرقابة الذكية” لتسهيل إدارة الحشود وتوفير السلامة.
  • توفير الرعاية الصحية المتكاملة مجانًا عبر مستشفيات ومراكز طبية مجهزة، تعمل على مدار الساعة.
  • تجنيد مئات الآلاف من الكوادر من الجهات الأمنية والصحية والخدمية، لتقديم أعلى مستوى من التنظيم والرعاية.
  • تيسير إجراءات الدخول والتنقل عبر مبادرة “طريق مكة” التي تُسهل إنهاء إجراءات الحجاج من بلدانهم قبل وصولهم.

وتؤكد هذه الجهود أن المملكة لا تدخر وسعًا في جعل موسم الحج تجربة آمنة وسهلة ومليئة بالسكينة، وأنها تضع خدمة الحرمين الشريفين في صدارة أولوياتها، سعيًا لنيل رضا الله أولًا، ثم رضا الحجاج والمعتمرين من كل أصقاع الأرض.

خاتمة

الحج ليس مجرد طواف وسعي، بل هو مدرسة تربوية متكاملة، تهدف إلى إعادة تشكيل شخصية المسلم روحًا وسلوكًا ومجتمعًا.

يجمع بين العبادة الخالصة والتفاعل الإنساني، وبين السمو الأخلاقي وروح الجماعة.

إنه رحلة إيمانية عظيمة تُجدد الإيمان، وتُهذب النفس، وتبني مجتمعًا أكثر تماسكًا وتعاونًا على البر والتقوى.

ولا يسعنا ونحن نتأمل في عظمة هذه الشعيرة وتنظيمها المحكم، إلا أن نرفع أكف الضراعة لله عز وجل أن يجزي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان خير الجزاء، على ما يوليانه من اهتمام بالغ وعناية فائقة بالحرمين الشريفين، وخدمة ضيوف الرحمن.

فما نشهده من تطور في البنية التحتية، وتوسعة المشاعر، وتسخير الإمكانات التقنية والبشرية، كل ذلك شاهد على إخلاص القيادة وحرصها على أن يؤدي الحجاج مناسكهم في يسر وطمأنينة وأمان.

ونسأل الله أن يديم على هذه البلاد أمنها وإيمانها، ويبارك في جهود قيادتها، ويجعل ذلك في ميزان حسناتهم، إنه سميع مجيب.

بقلم

عيسى بن سليمان الفيفي

20 / 11 / 1446هـ

الحج : عبادة تجمع بين الروح والجسد والمجتمع

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى