الدعم السعودي لسوريا الشقيقة !
لقد تعرض الشعب السوري الشقيق لمأساة شديدة ، وكارثة إنسانية كبيرة منذ أن تسلط عليه حزب البعث المجرم ، والذي زاد على إجرامه في حق الشعب بعقيدته الباطنية الخبيثة ، القائمة على طائفية مقيتة..
ولقد كان حافظ الأسد لا يتعامل مع مطالب شعبه إلا بالحديد والنار! ، والبطش والتنكيل! دون أن يفكر – ولو لمرة واحدة – في معالجة أزمات شعبه وبلده بطريقة معقولة ومقبولة! ، فقد ارتكبت قواته بقيادة أخيه اللواء رفعت الأسد مجزرة حماة عام 1982م وبأوامر مباشرة من حافظ الأسد باعتباره رئيس الدولة ، فقد ضربت القوات المسلحة ، وسرايا الدفاع حصاراً خانقاً على المدينة لمدة 27يوماً ، وقد قُدِّر عدد قتلى تلك المجزرة من أبناء حماة بما يزيد على أربعين ألف سوري!.. فهل يتصور عاقل أن قائداً وزعيماً يقتل من شعبه مثل هذا العدد الكبير في أقل من شهر؟! ، ويستخدم الدبابات والمجنزرات ، والأسلحة الثقيلة ضد نساء وأطفال شعبه!.
وقد سبقت مجزرة حماة عام 1982 مجازر ، وأتت بعدها مجازر سواءً في حماة أو في غيرها من المدن السورية ، بل وفي السجون والمعتقلات!.
ولم يحاول حافظ الأسد أن يغير نهج البطش والظلم والاستبداد مع شعبه حتى هلك!.
ثم جاء بعده ابنه بشار فسار على نهج والده في الظلم والاستبداد! ، والبطش والتنكيل بشعبه دون مراجعة للنفس! ، ودون وقفة تأمل في الأحداث والآثار المترتبة على السياسات الخاطئة على مرّ السنين!.
ولقد قضت سنة الخالق جلَّ في علاه أن الحال لا يدوم ، وأن الأيام دول ، وأن للظالم يوماً يُذلُّ فيه وينكسر ، وللمظلوم يوماً يُعزُّ فيه وينتصر ، ومهما تجبَّر الظالمون فإن الجبَّار يقصمهم! ، ومهما ضَعُفَ المظلوم فإن له رباًّ يقول جلَّ في علاه: ( وعزتي وجلالي لأَنصرنَّك ولو بعد حين ) .
نعم لقد انتصر الشعب السوري الشقيق بعد طول معاناة! .. لقد انتصر على كل أعدائه الذين أذاقوه أصنافاً من العذاب والتشريد والتهجير والقمع ، بل والإبادة الجماعية! ، لقد نصره الله عز وجل عليهم جميعاً بدءاً بقيادات حزب البعث النصيري المجرم! ، ووصولاً إلى إيران الصفوية ومليشياتها الطائفية التي تجمَّعت في سوريا بدافع الحقد الأعمى على أهل السنة والجماعة!.
والنصر الذي تحقق بفضل الله ومنّه وكرمه هو نصر للشعب السوري الشقيق ولمن وقفه معه وقفة الحب الصادق ، والوفاء الأصيل ، والشعور المشترك في أفراحه وأحزانه!.
ونحن في المملكة العربية السعودية نحمد الله – جلت قدرته وتقدست أسماؤه – على هذا النصر المبين ، فقد كنا قيادة وشعباً مع الشعب السوري الشقيق في كل المحن والمصائب التي مرت به طيلة تلك السنوات.
لقد كان موقف قيادة المملكة ناصعاً نقياًّ ، صادقاً مخلصاً منذ أن تفجرت أحداث سوريا في شهر ربيع الآخر 1432ه ، منتصف شهر مارس 2011م ، بسبب استياء شعبي من الحكومة التي قامت بسجن مجموعة من الأطفال في مدينة درعا ، ورفضت طلب الأهالي إطلاق سراح أبنائهم ! ، مما أدى إلى خروج الأهالي بمظاهرة احتجاجية قوبلت بإطلاق نار بشكل مباشر على المتظاهرين! ، فنتج عن ذلك سقوط قتلى وجرحى بأعداد أخذت تتزايد يوماً بعد يوم ! ، مما جعل الاستياء الشعبي يزداد ويتوسع! ، فعمت المظاهرات جميع المدن السورية! ، وأصبحت تطالب برحيل النظام!.
وقد كانت قيادة المملكة حينها تراقب الأوضاع في جميع أقطار العالم العربي بكل اهتمام ، بل كانت تُوجِّهُ النصائح ، وتُقدِّم الدعم المادي والمعنوي سياسياً واقتصادياً ، وبكل أشكال الدعم لكل الدول التي حصلت فيها اضطرابات ، أو اختلَّ الأمن فيها ، أو تَوَجَّهَ عليها ضغط خارجي لفرض أجندات وسياسات ضد المصالح الوطنية والعربية.
وقد كانت قضية الشعب السوري الشقيق من أهم القضايا التي اهتمت بها المملكة قيادة وشعباً ، فقد سعى خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله – رحمه الله تعالى – لاحتواء الأزمة!، وطلب من الحكومة السورية في بداية الأحداث معالجة المشكلة بما يحفظ أمن الوطن وسلامة أبنائه، واحترام كرامتهم وإنسانيتهم… ولما لم تستجب القيادة السورية! ، ورأى الظلم والاستبداد وإهانة كرامة الغالبية الكبرى من أبناء الشعب السوري كان هو أول زعيم عربي يصارح بشار الأسد وحكومته بالأخطاء التي ارتكبوها بسبب طريقة التعامل مع المظاهرات!.
فبعد مضي خمسة أشهر من المظاهرات والاحتجاجات والاقتتال الداخلي الذي كانت القيادة السورية هي السبب الرئيس فيما وصل إليه الحال! ، بسبب إصرارها على استخدام آلة القتل ، وأساليب البطش والقمع وإهانة كرامة الشعب السوري الشقيق ، عند ذلك وجه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله – رحمه الله تعالى – كلمة للقيادة والشعب السوري الشقيق في شهر رمضان المبارك 1432ه الموافق 8/8/2011م جاء فيها :
” بسم الله الرحمن الرحيم ، والصلاة والسلام على رسوله الكريم وعلى آله وصحبه أجمعين.. إلى أشقائنا في سوريا ، سوريا العروبة والإسلام ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، إن تداعيات الأحداث التي تمر بها الشقيقة سوريا ، والتي نتج عنها تساقط أعداد كبيرة من الشهداء الذين أريقت دماؤهم ، وأعداد أخرى من الجرحى والمصابين ، ويعلم الجميع أن كل عاقل عربي ومسلم أو غيرهم ، يدرك أن ذلك ليس من الدين ولا من القيم والأخلاق ، فإراقة دماء الأبرياء لأي أسباب ومبررات كانت لن تجد لها مدخلاً مطمئناً يستطيع فيه العرب والمسلمون والعالم أجمع أن يروا من خلالها بارقة أمل ، إلا بتفعيل الحكمة لدى القيادة السورية ، وتصديها لدورها التاريخي في مفترق طرق الله أعلم أين تؤدي إليه!.
إن ما يحدث في سوريا لا تقبل به المملكة العربية السعودية ، فالحدث أكبر من أن تبرره الأسباب! ، بل يمكن للقيادة السورية تفعيل إصلاحات شاملة سريعة ، فمستقبل سوريا بين خيارين لا ثالث لهما ، إما أن تختار بإرادتها الحكمة ، أو أن تنجرف إلى أعماق الفوضى والضياع لا سمح الله.. وتعلم سوريا الشقيقة شعباً وحكومة مواقف المملكة العربية السعودية معها في الماضي ، واليوم تقف المملكة العربية السعودية تجاه مسؤوليتها التاريخية نحو أشقائها ، مطالبة بإيقاف آلة القتل وإراقة الدماء ، وتحكيم العقل قبل فوات الأوان ، وطرح وتفعيل إصلاحات لا تغلفها الوعود ، بل يحققها الواقع ؛ ليستشعرها إخوتنا المواطنون في سوريا في حياتهم كرامةً وعزةً وكبرياء “.
ثم وجه – رحمه الله تعالى – باستدعاء السفير في دمشق للتشاور.
وقد كانت مواقف وكلمات سمو الأمير سعود الفيصل – رحمه الله تعالى – في نصرة القضية السورية من أقوى المواقف وأصدقها رغم ظروفه الصحية حينها.. وكذلك معالي الوزير عادل الجبير كان يجوب الدول الغربية ، والمؤتمرات الدولية شارحاً ومبيناً موقف المملكة الحازم في نصرة الأشقاء في سوريا ، بل لقد أعلنها صريحة مدوية بعد ما يقارب خمس سنوات من اندلاع الأزمة السورية بأنه لا مستقبل لبشار في سوريا بعد الذي فعل بشعبه من الإبادة والقصف والتشريد! ، فقال:
” فيما يتعلق برحيل الأسد إما عن طريق عملية سياسية ، أو عن طريق عملية عسكرية ، هذا لا يزال هو الموقف ؛ لأن هذا هو المنطق ، رجل مسؤول عن قتل أربعمائة ألف من شعبه! ، وتشريد 12 مليون من شعبه ، وتدمير بلاده ، لا مستقبل له في سوريا ، مهما تطلعنا على هذا الموضوع ما في مستقبل .. الشعب السوري رافض ، وسيرفض ، وسيقاوم إلى أن يحصل تغيير.. فالخيار أمام بشار الأسد إما أن يترك عن طريق عملية سياسية ، وهذا سيكون أسهل ، وأسرع ، ويجنِّب سوريا مزيداً من القتل والدمار ، أو الشعب السوري سيستمر في القتال إلى أن يبعده عسكرياً ، وهذا حيصير ، إبعاد الأسد حيصير ، ما في أي شك في ذلك.
هذا الرجل لن يستمر في سوريا كحاكم سوريا ، مسألة وقت .. الشعب السوري عبَّر عن إرادته ، عبَّر عن موقفه ، عبَّر عن إصراره ، ولن يتراجع..”
ولماَّ سئل عن كيف ستدعم السعودية الشعب السوري ؟ . قال: “ في أساليب ، وفي طرق، وفي وسائل ، والمملكة العربية السعودية لن تتخلى عن الشعب السوري الشقيق… النظام استعان بإيران وفشلت إيران ، إيران استعانت بمليشيات شيعية ، سواءً حزب الله ، أو من العراق ، أو باكستان ، أو أفغانستان وفشلت! ، ثم دخلت روسيا ولن ينتصر بشار الأسد. فالصورة واضحة ، الأمر النهائي واضح ، مسألة وقت.
فهذا لما نقول إن بشار الأسد رايح رايح ، إما يرحل عن طريق عملية سياسية ، أو سيُبعد عن طريق عملية عسكرية..” .
وقد حصل الأمر، وتحقق المراد ، كما قال معالي الوزير عادل الجبير! – وفقه الله تعالى -.
فالحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
وبعد أن تحققت للشعب السوري حريته وكرامته وسيادته على أرضه ، كانت المملكة مع الشعب السوري الشقيق بيدها الحانية ، ودعمها الصادق ، وموقفها الداعم والمؤثر ، فقد أصدرت وزارة الخارجية بياناً بتاريخ السابع من جمادى الآخرة 1446ه ، الموافق الثامن من ديسمبر 2024م ، قالت فيه:
” تابعت المملكة العربية السعودية التطورات المتسارعة في سوريا الشقيقة ، وتعرب المملكة عن ارتياحها للخطوات الإيجابية التي تم اتخاذها لتأمين سلامة الشعب السوري الشقيق وحقن الدماء والحفاظ على مؤسسات الدولة السورية ومقدراتها.
وإذ تؤكد المملكة وقوفها إلى جانب الشعب السوري الشقيق وخياراته في هذه المرحلة المفصلية من تاريخ سوريا لتدعو إلى تضافر الجهود للحفاظ على وحدة سوريا وتلاحم شعبها ، بما يحميها – بحول الله – من الانزلاق نحو الفوضى والانقسام ، وتؤكد المملكة دعمها لكل ما من شأنه تحقيق أمن سوريا الشقيقة واستقرارها بما يصون سيادتها واستقلالها ووحدة أراضيها.
كما تدعو المملكة المجتمع الدولي للوقوف إلى جانب الشعب السوري الشقيق والتعاون معه في كل ما يخدم سوريا ويحقق تطلعات شعبها وعدم التدخل في شؤونها الداخلية ، ومساندة سوريا في هذه المرحلة بالغة الأهمية لمساعدتها في تجاوز ويلات ما عانى منه الشعب السوري الشقيق خلال سنين طويلة راح ضحيتها مئات الألوف من الأبرياء والملايين من النازحين والمهجرين وعاثت خلالها في سوريا الميليشيات الأجنبية الدخيلة لفرض أجندات خارجية على الشعب السوري.
وقد آن الأوان لينعم الشعب السوري الشقيق بالحياة الكريمة التي يستحقها ، وأن يساهم بجميع مكوناته في رسم مستقبل زاهر يسوده الأمن والاستقرار والرخاء ، وأن تعود لمكانتها وموقعها الطبيعي في العالمين العربي والإسلامي ” .
نعم لقد آن للشعب السوري الشقيق أن ينعم بالحياة الكريمة ، والأمن والرخاء والاستقرار بعون الله ومنّه وفضله ، وقد آن لسوريا الشقيقة أن تكون مصدر إشعاع حضاري ، وتنوع ثقافي ، وتجانس اجتماعي .. لقد آن لها أن تخلع عنها ثوب الرجس الباطني النصيري المتآمر على الأمة في عقيدتها وتسامحها الديني ، بل وفي أمنها الوطني والإقليمي.
إن ما تحقق من النصر والتمكين الذي نسأل الله – جلَّ جلاله وتقدست أسماؤه – أن يتمَّه ويديمه وينفع به الإسلام والمسلمين في كل مكان ، هذا النصر العظيم أحقُّ من يُهدى له بعد الشعب السوري الشقيق هو خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبدالعزيز – طيَّب الله ثراه – فقد كان حاملاً لواء نصرة الشعب السوري الشقيق بكل معاني النصرة ، وبكل مشاعر الحب والانتماء العربي الأصيل ، والأخوة الإسلامية الصادقة.
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
د. علي بن يحيي بن جابر الفيفي
الثلاثاء 23 جمادى الآخرة 1446ه.