منوعات

الشيخ محمد بن يحيى علي الخسافي الفيفي .

إعداد الشيخ : عبدالله بن علي قاسم آل طارش الفيفي ـ أبو جمال

الشيخ محمد بن يحيى علي الخسافي الفيفي .

 علم التوحيد اشرف العلوم على الاطلاق واجلّها، وهو رسالة الانبياء والمرسلين، به بعثوا وكلفوا لإبلاغه للبشر، وقد بقي الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو إلى التوحيد لوحده ثلاث عشرة سنة، فهو الاساس والهدف والغاية للخلق والايجاد، قال تعالى( وما خلقت الجن والانس إلا ليعبدون)، والعبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الاقوال والاعمال الباطنة والظاهرة، واصطلح على تسميته لدى المسلمين بالتوحيد، فالتوحيد في اللغة جعل الشيء واحدا غير متعدد، وفي الاصطلاح هو الايمان بأن الله واحد في ذاته وصفاته وافعاله لا شريك له في ملكه وتدبيره، وأنه وحده المستحق للعبادة فلا يصرف شيء منها لغيره، فالتوحيد محور العقيدة الاسلامية، بل هو محور الدين كله، الذي ارسلت به كل الرسل من نوح وإلى محمد خاتمهم، عليهم افضل الصلاة واتم التسليم، قال الله تعالى( وما ارسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون)، فالتوحيد ليس كلمة عابرة، بل هو محور الحياة والاخرة، ومن اجلّ العلوم واعظمها، بل هو الأساس المتين، والركن العظيم لدين الاسلام، فصلاح الامم مرهون بسلامة عقيدتها، واخلاص العبادة لله وحده لا شريك له.

يقول الشيخ حافظ بن احمد الحكمي في منظومته (سلم الوصول)، عن كلمة التوحيد لا اله إلا الله محمد رسول الله :

وبشروط سبعة قد قيدت 

وفي نصوص الشرع حقاً وردت

إذ أنه  لم ينتـفع  قائـلها  

بالنطق  إلا حيث  يسـتكمـلـهـا

العـلـم  واليقـين  والقبــول  

  والانـقيـاد  فـادر  ما أقـول

والصدق  والاخلاص  والمحبة  

  وفـقـك الله لمـا احـبه

 فمدار التوحيد يدور على هذه الشروط السبعة، وهي مقومات علم التوحيد وقواعده، والتخصص في معرفته من اجلّ العلوم واهمها.

 تخصص في هذه المادة العظيمة، وتعلمها على اصولها الثابتة، طالبا في كلية اصول الدين، ثم تخصص في تعليمها، كمعلم وخطيب وواعظ، فكل العلوم تأتي من بعدها، نفع الله به وحفظه وثبته، وزاده علما ويقينا. 

أنه فضيلة الشيخ محمد بن يحيى علي آل حالية الخسافي الفيفي حفظه الله ووفقه.

والده الشيخ يحيى بن علي سالم آل حالية الخسافي الفيفي حفظه الله، متعلما تعليما لا بأس به، على حسب التعليم المتوفر في زمانه (المعلامة)، فأتقن قراءة القرآن الكريم، ولذلك هو يقدر العلم وأهله، فأسرتهم أسرة علم ودين، فوالده الشاعر الكبير علي بن سالم (رحمه الله)، معروف بالتدين والحكمة، ورجاحة العقل والرأي السديد، وكان شاعر مجيدا، له قصائد كثيرة بديعة، ولكنه مات رحمه الله ومازال ولده (يحيى) هذا صغيرا، مما حرمه كثيرا من أن يتفرغ للعلم، ولكنه اولاه أخوه الاكبر الشيخ احمد رحمه الله الكثير من العناية، حيث كان على قدر كبير من العلم، مما أهله لأن يعلم الصبيان، حيث كانت له مدرسة (معلامة)، في جامع الوشر بجبل آل المشنية، عندما اقاما هناك في تلك الفترة من حياتهما بعد موت والدهما، عند صديقه الشيخ جابر بن سالم المشنوي شيخ قبيلة آل المشنية رحمه الله، وعملا معه في الزراعة وفي رعي بعض الاغنام، ولذلك فقد تلقى شيئا لا باس به من التعليم على يدي أخيه، ولما كبر وبلغ مبلغ الرجال، عاد للاستقرار في بيت والده، واهتم بمزرعته في شرقي الجبل الاعلى من فيفاء، وتزوج وانجب كثيرا من الاولاد المباركين، الذين سعى إلى أن ينالوا ما لم يتح له من التعليم، وقد توفرت لهم اسبابه ومدارسه، فكانوا جميعهم بتوفيق الله على قدر كبير مما أمل منهم، وكلهم نال ذلك التميز (ذكرهم وأنثاهم)، وحصّلوا أعلى الشهادات وارفع الدرجات، فمنهم اليوم القاضي والضابط والمعلم، بارك الله فيهم جميعا، وجزاه خير الجزاء واعظمه، وكثر من أمثاله من الآباء الواعين، المدركين لمعنى الأبوة، كدح وتغرب وسعى في طلب الرزق، ليوفر لهم حياة هانئة، ويتفرغوا لطلب العلم والنجاح فيه، حفظه الله واطال عمره، وكتب له اجر ما قدم، وختم لنا وله بالصالحات.

واما الام فهي الفاضلة حاليه بنت شريف حسن الخسافي الفيفي رحمها الله، كانت نعم الزوجة المساندة والمعاضدة لزوجها، والأم المربية الصابرة المحتسبة لأبنائها، كانت هي من ترعاهم لانشغال والدهم الكثير عنهم، ولبعده لسنوات طويلة متغربا لطلب الرزق لهم، فكانت لها ادوارها المهمة والعظيمة، ثم تحملت الصبر لبعدهم عنها اثناء دراستهم في خارج فيفاء، فكانت لهم المشجع والداعم والمحفز، رحمها الله وغفر لها وتجاوز عنها، ورزقها برهم وصلتهم بعد موتها.

ولد لهذين الفاضلين الكريمين، في بيتهما الهطل، الواقع في شرقي الجبل الأعلى من فيفاء، في تاريخ 11/9/1391هـ، ولم يكن والده حينها موجودا في فيفاء، فقد كان متغربا للعمل في مدينة تبوك، وكانت الوالدة وحدها هي من تقوم برعاية البيت، وتحمل المشاق بكل صبر رحمها الله، وكان هو الابن المدلل بالنسبة لوالديه وللأسرة، لكونه آخر الأولاد، ولم يأتي بعده من يزحزحه عن هذه المكانة، لذلك كان يلقى منهم الكثير من الاهتمام والعطف والتدليل اكثر من غيره، حتى أنه لا ينسى وقد كبر قليلا، كيف كان والده يصحبه معه في كثير من تحركاته، فكان رفيقه إلى سوق النفيعة الاسبوعي كل يوم اثنين، ويصحبه إلى صلاة الجمعة، في جامع نيد اللمة، أو جامع النفيعة، ولا يفارقه اثناء عمله في مزرعته، فكان دوما أكثر ملازمة له, ويحرص على تربيته وتوجيهه، والاهتمام بتحقيق متطلباته، فعاش في طفولته حياة متوازنة سعيدة، حفظه الله ووفقه.

تعليمه :

 اهتم والده بتعليمه كبقية اخوانه، الذين قد شق معظمهم طريقهم في التعليم بقوة، وبلغوا فيه درجات عالية متقدمة، فكان التعليم بالنسبة لكل افراد الاسرة امرا مفروغا منه، لذلك ما إن بلغ السن المناسبة للدراسة، واكمل السنة السابعة من عمره، حتى ادخله والده مع بداية العام الدراسي 1398هـ، في المدرسة الابتدائية بالنفيعة، وقد تحولت حينها إلى مدرسة تحفيظ القرآن الكريم، فاقبل على مدرسته بكل شغف واهتمام، ورغم بعد المسافة وصعوبة الوصول إليها، حيث كان الوصول للمدرسة حينها سيرا على الاقدام، فلم تفتح بعد طرق السيارات في جبال فيفاء، ولكنه كان يجد من اخوانه واخواته الكثير من الاهتمام والتشجيع، وكانوا يولونه جل اهتمامهم، ويحرصون على المذاكرة له، وفي تسهيل كل الصعوبات التي تعترضه، لكونه كما اشرنا آخرهم في الترتيب، فاجتمعت له الرغبة الجامحة في التعليم، مع الاهتمام المتزايد من المحيطين به، مما جعله متميزا متفوقا في دراسته.

  كانت تلك السنوات الاولى مع خروجه من محيط البيت، إلى جو المدرسة الصاخب، وإلى العالم المختلف جدا عن ما قد ألفه، حيث كانت بيئة المدرسة ومحيطها في منطقة النفيعة، تعج بالحركة والنشاط، فقد كانت حينها قلب فيفاء النابض، وتشكل المركز الرئيسي لفيفاء بكاملها، حيث يوجد بها السوق الاسبوعي الوحيد، وتتركز في محيطها معظم الدوائر الحكومية، من مركز الامارة والمحكمة والمستوصف، والمدارس من بنين وبنات بجميع مراحلها، فكانت بالنسبة له نقلة كبيرة ما اسرع ما تأقلم معها، طورت من فكره وساعدت في نضجه، وفي كل نواحي حياته، وبقي في ذاكرته من تلك الفترة المهمة، كثير من الذكريات الجميلة، والمتغيرات الكبيرة، ومن اعظمها سوق النفيعة الاسبوعي الكبير، الذي بلغ في تلك السنوات أوج قوته وازدهاره، الذي سبق اضمحلاله ثم زواله بعد وصول طرق السيارات إليه، واستغناء الناس عن الاعتماد الوحيد عليه، ومما يذكره ايضا في تلك السنوات فتح طرق السيارات، عندما وصلت معدات شقها إلى اطراف سوق النفيعة، في بداية العام 1400هـ، واقتحمت السوق من الشمال متجاوزة من تحت المدرسة، حتى أن المدرسة صرفت الطلاب في ذلك اليوم قبل نهاية الدوام الرسمي، والزمتهم بالعودة إلى بيوتهم حرصا على سلامتهم، وكانت تلك الاحداث هي البداية الحقيقية لتغيرات متعاقبة تلتها، عمت كل نواحي الحياة في فيفاء، وكل الجوانب فيها بشكل فاق كل التصورات والتوقعات.

  ويذكر من المعلمين الافاضل في تلك الفترة، ممن درّسوه في تلك المرحلة المهمة من حياته، كل من الأستاذ فرح بن سلمان الداثري حفظه الله، والأستاذ أسعد بن فرحان أسعد الظلمي حفظه الله، الذي كان يدرسهم مادة الحساب، ولا ينسى اسلوب هذين المعلمين، وعطفهما وحرصهما على الطلاب، وأيضاً لا ينسى كل من الاستاذ فتحي، والاستاذ سلامة، وهما معلمين متعاقدين، وغيرهم ممن لا يذكر اسمائهم، رحم الله من مات منهم، وحفظ منهم من كان حيا، لقد تدرج في سنواتها الدراسية جادا متفوقا، يترقى في فصولها عاما بعد عام، إلى أن اتم نجاحه من الصف الرابع الابتدائي.

  بعد نجاحه من الصف الرابع الابتدائي في عام 1402هـ، قرر الانتقال لإكمال دراسته في المعهد العلمي في فيفاء، ولم يكن ببعيد عن مدرسته، حيث يقع في الطرف المقابل من بقعة العذر، وتم قبوله في الصف الاول تمهيدي، وكان التمهيدي مرحلة سابقة في المعهد، تعادل الصفين الخامس والسادس، وهنا اقبل على دراسته كعادته جادا متفوقا، ومما يذكره في تلك المرحلة الأولى له في المعهد، زيارة معالي مدير جامعة الأمام محمد بن سعود الاسلامية، فضيلة الشيخ الدكتور عبدالله بن عبد المحسن التركي حفظه الله، واقام المعهد حفلا خطابيا كبيرا له، ومما سمعه أن معاليه اعجب بمنظر طلاب المعهد، عندما شاهدهم متمسكين بالزي السعودي، الثوب والشماغ رغم صغر اعمارهم.

    لقد واصل دراسته في هذا الصرح، سعيدا يحقق النجاح والتقدم، إلى أن اكمل دراسة كل المراحل فيه، من التمهيدي ثم المتوسطة والثانوية، ويذكر من المعلمين الأفاضل الذين درّسوه في تلك المراحل، فكان منهم في المرحلتين التمهيدي والمتوسطة، كل من الشيخ محمد بن عبده، الذي كان متميزا في شرحه في مادة التوحيد، وكان خطه جميلا ورائعا على السبورة، وكان صاحب تقسيمات رائعة للدرس، فلا تكاد الحصة تنتهي إلا وقد حفظ الطلاب كامل الدرس، وكان تصحيحه للواجبات متميزا جداً، حيث كان يأخذ دفاتر الطلاب معه إلى البيت، ويدقق في الاملاء وفي صحة  الاجابة، وبعدها يكتب جميع ملاحظاته بخط جميل لافت للنظر، ويذكر أيضًا من المعلمين الشيخ يحيى بن عكام في مادة الفقه، الذي أصبح تاليا مديرًا للمعهد، والشيخ حسين معافا، والشيخ علي زقيل، والشيخ احمد أبو طالب، وكذلك الشيخ احمد بن حسين النجمي، الذي أصبح  فيما بعدا مديرًا للمعهد بعد الشيخ موسى بن حسين ضيف الله، والشيخ عبدالله بن سليمان الظلمي، الذي كان ذو اطلاع واسع بالجغرافيا وعلومها، وشديد الحفظ للأرقام والتواريخ، وشخصيته قوية يهاب منها الطلاب، ولا ينسى أنهم كانوا في غالب الايام يرجعون في رفقته إلى بيوتهم، فيحثهم على الاهتمام بدراستهم ومستقبلهم، رحم الله من مات من هؤلاء المشايخ الفضلاء، وحفظ بحفظه الباقين وجزاهم خيرا.

  وأما في المرحلة الثانوية فقد شرف بالدراسة على نخبة من العلماء المشايخ، منهم الشيخ حسين بن يحيى العمري، والشيخ عبدالله بن حسن العمري، الذي أصبح فيما بعد مديرا للمعهد لفترة طويلة، والشيخ الفاضل المبدع عبده بن ابراهيم عقيلي، الذي درسهم مادة التوحيد في كتاب الحموية (فتح رب البرية بتلخيص الحموية) في السنة الثانية الثانوية، وكذلك الشيخ مقبول حكمي درّسهم المصطلح في الثانية الثانوية، والأصول في الثالثة الثانوية، وكان ذا حفظ قوي، ويذكر أنه في كل حصة قبل شرح الدرس الجديد، يراجع للطلاب في ما سبق اخذه في الحصص السابقة، حتى أنه بفضل هذا الاسلوب حفظ معظم الطلاب كتاب المصطلح والأصول، ويأتي وقت الاختبار النهائي ومادته من اسهل المواد، لأنه قد راجعها لهم من قبل عدة مرات، فلهؤلاء الأساتذة الأجلاء ولغيرهم ممن درسوه جزيل الشكر والامتنان، رحم الله من مات منهم وحفظ بحفظه الباقين، وواصل نجاحاته وتفوقه عاما بعد عام، إلى أن تخرج من الثانوية بتقدير ممتاز، وكان من الأوائل في هذه المرحلة بفضل الله وتوفيقه.

الدراسة الجامعية :

  ثم انتقل عازما وبكل قوة لإكمال دراسته الجامعية، حيث توجه الى مدينة ابها لقربها الجغرافي من فيفاء حيث هما والداه، ولوجود بعض اخوانه المقيمين فيها، لذلك لن يشعر بالغربة مع وجودهم، حيث توفر له السكن مع ابن عمه الشيخ عبدالرحمن بن أحمد، زوج شقيقته أم فهد حفظهما الله، بل كانا له أفضل موجهين ومعينين على الجد والمثابرة، بل كانت اخته الكبرى هذه هي الأم الثانية له، وعندما اكمل اوراق قبوله كان مترددا في اختيار التخصص، ولكن اخويه الشيخ القاضي فرحان، واللواء متقاعد هادي حفظهما الله، أشارا عليه بكلية الشريعة وأصول الدين، وبالفعل فقد دخل إلى قسم أصول الدين، وتم قبوله في هذا القسم مع بداية العام الجامعي1410هـ، وما اسرع ما انسجم مع دراسته التي كانت امتدادا لما درسوه في المعهد العلمي، واستوعب نظام الكلية وتفاعل معه، وكانت دراستهم في السنتين الأولى والثانية مشتركة، مزيج ما بين شعبة السنة النبوية وشعبة القرآن الكريم، ويبدأ التخصص معهم في السنتين الثالثة والرابعة، حيث اختار تخصص القرآن الكريم وعلومه، وكان لاستقراره النفسي والفكري والجسدي، بما يجده من راحة وتهيئة في بيت اخته، اكبر العوامل والحوافز لكي يتفرغ لدراسته، وفي زيادة الجد والمثابرة، وفي تحقيق التفوق والنجاح، ولذلك تميز بأنه كان من ضمن الخمسة الأوائل في سنتي التخصص في الجامعة، بما أهله تاليا لأن يكون مرشحا للدراسات العليا، ولكن شاء الله له أن لا يكمل في هذا المجال، نزولًا عند رغبة والديه، ولكي يتمكن من الرجوع اليهما وبرهما، ولم يكن ليتحقق له ذلك لو واصل دراساته العليا في الجامعة.

    وفي فترة هذه الدراسة الجامعية، تشرف بالتلقي على كوكبة من الدكاترة والمشايخ الاجلاء، أخذ عنهم العلم والمعرفة والقدوة الطيبة، يذكر منهم وبكل فخر واعتزاز، كل من الدكتور عايض القرني في الحديث، والدكتور جبريل بن محمد بن حسن البصيلي في اصول الفقه، الذي أصبح فيما بعد عضوًا  في هيئة كبار العلماء، والدكتور علوش في المصطلح، والدكتور محمد الشهري، والدكتور مهدي حكمي في السيرة النبوية (كتاب الرحيق المختوم لفضيلة الشيخ صفي الرحمن المباركفوري)، والدكتور علي بن حسن  الأحمري في التدمرية، وغيرهم من المشايخ والدكاترة الأفاضل، الذين كان لهم الفضل الكبير بعد الله تعالى في تعليمه، رحم الله من مات منهم وحفظ بحفظه الباقين وسددهم، وقد واصل ترقيه في مستويات هذه الكلية المباركة، إلى أن تخرج منها في نهاية العام الجامعي 1413/1414هـ، وهو يحمل شهاد البكالوريوس في الدراسات الاسلامية وعلومها.

ولم يكتفي بهذا الحد من الاستزادة من التعلم، فقد تم له تاليا اثناء انهماكه في العمل الوظيفي، بأن التحق بالعديد من الدورات والبرامج الانمائية، ليطور من قدراته وفي تنمية معلوماته وخبراته، ومن هذه الدورات والبرامج المتخصصة ما يلي :

1- الايجابية في بيئة المعاهد العلمية .

2- نظام التعليم الالكتروني.

3- تقنيات التعليم.

4- أثر المعلم والمعلمة في تحقيق الأمن الفكري.

5ـ استخدام الحاسب الآلي.

6- الاختبار والتقويم.

7- التخطيط الاستراتيجي.

8- دورة في انماط الشخصية.

9- تفعيل العمل الخيري.

10- ادارة الذات.

11- العروض التقديمية.

12- ورشة عمل بعنوان خطة تدريب.

13- مشرفي المواقع الالكترونية للمعاهد العلمية.

14- دورات في البرمجة اللغوية العصبية.

15- لائحة تقويم الطالب ومذكراتها التفسيرية.

16- مهارات اعداد جدول المواصفات.

17- الهوية الوطنية.

18- التأمل الذاتي.

19- البحوث الاجرائية تأملات واستراتيجيات.

20 – لقاء المجتمعات المهنية.

                 زاده الله علما وتوفيقا.

العمل الوظيفي :

  تخرج كما اشرنا في نهاية العام الجامعي1413/1414هـ، لينطلق حاملا شهادته وبقية اوراقه إلى مدينة الرياض، ليتقدم مباشرة على المركز الرئيسي (ديوان الخدمة المدنية)، وفي نفس الوقت راجع الادارة العامة للمعاهد العلمية، في جامعة الإمام محمد بن سعود الاسلامية، ليبحث عن تعيينه معلما في المعاهد العلمية، واجريت له فيها المقابلة الشخصية، وكانت مقابلة روتينية بسيطة، وفي نهايتها عرض عليه المعاهد العلمية التي فيها احتياج لتخصصه، ولم يكن من ضمنها معهد فيفاء العلمي الذي يتمناه، وكان أقرب معهد منها لفيفاء، هو معهد محايل عسير العلمي، وقد نصحوه بالقبول للعمل فيه، وبالفعل تم قبوله التعيين في هذا المعهد، واستكملت جميع اجراءات التعيين، ليتوجه للمباشرة في هذا المعهد، الذي باشر فيه من تاريخ 23/3/1414هـ، وبعد مباشرته بأسبوع واحد، صدر قرار تعيينه من ديوان الخدمة المدنية، معلما في وزارة المعارف، في إدارة تعليم صبيا، لكنه فضل الاستمرار في التدريس في المعهد العلمي، وبقي في معهد محايل عسير العلمي لعام دراسي كامل، كان من اجمل تجاربه في ممارسة التدريس، حيث بنى فيها شخصيته، وتعرف على كامل امكانياته، واكتسب الكثير من الجرأة والخبرة، ومن المبادئ الاساسية لمهنة التدريس، وكان سر استمتاعه بالعمل في هذا المعهد، تعرفه على كثير من الزملاء الأفاضل، وعلى مجتمع جميل راق في تعامله، ومع طلاب يتمتعون بأخلاق عالية، وكان معظم هؤلاء الطلاب يأتون للمعهد من القرى المجاورة لمحايل، ومما لفت نظره ما هم عليه من الأجسام والبنى البدنية الكبيرة، فيعتقد الناظر الى احدهم أنه قد تجاوز المرحلة التي يدرس فيها، ولذلك أول ما رآهم استصعب الامر، وكيف سيقف امامهم، فغالبهم يفوقونه في ضخامة اجسامهم، ولكنه بعد ما عرفهم وخالطهم وألفهم، وتعرف على حسن تعاملهم، وجمال اخلاقهم وادبهم، وحرصهم على طلب العلم، انسجم معهم كثيرا، واحبهم وعرف ما يتمتعون به من حسن الخلق والأدب الجم، فارتاح في تدريسهم، واحب التعامل معهم، ووجد غالبهم لديهم الاهتمام والجد في طلب العلم، والحرص الشديد على فهم الدروس واستيعابها، بل كان بعضهم لأجل ذلك يأتي إليه في المساء، يطلبون منه شرح بعض الدروس لهم، ويجلسون معه طويلا ويسامرونه، بل بعضهم قد يمكث ضيفا عنده إلى اليوم الثاني، لبعد المسافة من المدينة إلى بيوتهم، فكانوا له اصدقاء اوفياء، وطلاب في نفس الوقت، بل كان بعضهم يطلب منه ان يعطيهم دروسا في التوحيد، المادة التي يدرسها، وكان مقررها (كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد، للشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله )، بل كان في بعض الاوقات يلقي منها درسوا في الجامع، ولذلك يبذل جهدا مضاعفا في تحضير هذه الدروس، لان الطالب كلما كان حريصًا ومجتهداً في الطلب، لزم المعلم أن يكون تحضيره واستعداده أفضل، فلابد أن تستعد تمام الاستعداد للإجابة على اي سؤال طارئ قد يصدر من هذا طالب أو ذاك.

   سعد كثيرا بالتدريس في معهد محافظة محايل عسير، وبقي فيها كما اشرنا عاما دراسيا كاملا، كانت من اسعد الاوقات واللحظات، استفاد منها شخصيا قبل أن يفيد طلابه، فقد كانت تجربة قوية وناجحة بالنسبة له في بداية مسيرته في التعليم، لكونها السنة الأولى له في التدريس، سبر فيها امكانياته، واسس ووضع من خلالها اسلوبه وطريقة تدريسه، وكان من حسن حظه أن وجد فيها زملاء كرام، صحبهم بكل ود واحترام وتقدير، واستفاد منهم الشيء الكثير، فلم يبخلوا عليه بالتوجيهات النافعة، ونفحوه بالعديد من التجارب والخبرات، وكان من أكثرهم قربا منه والتصاقا به، الاستاذ الكريم محمد بن يحيى كشاف، من اهالي مركز قنا البحر، المدينة القريبة من مدينة محايل، وهذا المعلم كانت بداية حياته موظفا في الخطوط الجوية السعودية، واستقال منها وقدم للعمل في جامعة الامام، ليتم تعيينه معلما للغة الانجليزية في هذا المعهد، وكان اكبر منه في العمر، حسن الخلق واسع الاطلاع والثقافة، ويملك العديد من الخبرات والمعارف، والنضج والخبرة في الحياة، فاستفاد من صداقته ومن صحبته ومرافقته الشيء الكثير، وتعرف معه على كثير من العادات والتقاليد والمعالم في محافظة محايل، ومن الاسواق والاماكن المهمة والقرى المحيطة، وكان من اجمل ما يميز محايل السوق الاسبوعي، الذي يقام في يوم الثلاثاء من كل اسبوع، ويقع في مكان قريب من المعهد العلمي، ويحضر إليه الناس من كل مكان، وكانت من امتع الاشياء فيه، ذلك الشيخ الكبير في السن، الذي اشتهر بما يجلبه من اللحم المندي والحنيذ، يبيعه داخل السوق( في مكتل كبير)، وتعج رائحته الزكية في انحاء السوق، ويتميز بالطعم الحلو اللذيذ، وكان يبيعه بالنفر دون أي اضافات عليه، فيتهافت الناس سراعا على الشراء منه، رغم وجود آخرين امثاله، ولكنه يتميز عنهم بجودة ما يحضّره، فاذا ما تأخرت عنه قليلاً، فلن تلحق معه شيئا، فهو ينفق سلعته سريعا لجودتها، وتسابق الناس عليها.

    وخلال هذا العام الجميل، كان المعهد ينظم رحلات طلابية، يخرجون فيها إلى المنتزهات البرية، وخلال هذه الرحلات يتم إعداد الوجبة الرئيسية بطريقتهم المتوارثة، حيث يقومون بعمل حفرة عميقة في الارض (محنذ)، يشعلون فيها الحطب إلى أن يتحول إلى جمر، ثم يضعون فوقه اللحم مع بعض اغصان نباتات معينة، ويحكمون عليه الغطاء، وبعد ساعة ونصف تقريبا يتم فتحه، وقد استوى وتم نضجه، مع ما يكون عليه من طعم لذيذ لا تشبع منه، لقد عاش في محايل عاماً دراسياً جميلاً، كان من امتع واجمل التجارب والممارسات، وتم له فيه صقل كثير من التجارب النافعة، والخبرات التي ما زال يستفيد منها إلى اليوم.

 انتقل في العام الدراسي التالي1415هـ، الى المعهد العلمي في فيفاء، وكم كانت فرحة والديه بنقله واقامته معهم من جديد، فقد كانا في اشد الحاجة إليه، بعد أن امحل البيت وتفرق عنه كل الابناء، وأما هو فقد كان في غاية السعادة بذلك، ثم بالعمل في هذا المعهد الذي غادره طالبا قبل خمس سنوات، فاقبل على عمله بكل سعادة واستبشار، وكان المعهد حينها في اوج نشاطه وتوهجه، بوجود نخبة من اعضاء هيئة التدريس الفضلاء، وطلاب علم على قدر كبير من التنافس والجد والاجتهاد، حيث تشرف (كما يقول) بتدريس نخبة من هؤلاء الطلاب الأفاضل، ممن أصبح لمعظمهم دور كبير وبارز في المجتمع، وسارت به السنين سريعة متعاقبة، لا يحس بمرورها وانقضائها، ويزداد في كل يوم سعادة وفخرا وهو يشارك في اداء واجباته في هذا الصرح العملاق، مواصلا ومفتخرا بعمله في هذا المعهد الناجح، إلى ان صدر قرار دمج المعاهد العلمية مع التعليم العام، ثم تقلصت اعداد قبول الطلاب فيه، وتناقصت إلى أن تم نقله اخيرا ليضم إلى المجمع التعليمي في ذبوب، ولم يكن متبقيا فيه حينها إلا طلاب الصف الثالث الثانوي، ولما تخرج هؤلاء الطلاب ألغي المعهد العلمي من فيفاء نهائيا، واما هو فقد استقر عمله في مجمع ذبوب التعليمي، وهو مكان عمله الحالي، وفقه الله وبارك فيه وفيما قدم ونفع به.

له ادواره التنويرية والتعليمية خارج نطاق العمل الرسمي، فهو عضو ناجح ومتفاعل في مجتمعه، وكانت من اهم الادوار التي يفخر بها، قيامه بالخطابة، التي احبها واعانته على مشاركاته الايجابية، ولم يتخذها وظيفية وانما هي هواية، يقوم متبرعا محتسبا في ادائها، وقد كانت البدايات في هذا المجال، عندما كان جارهم الشيخ مفرح بن قاسم آل طارش رحمه الله، امام جامع نيد اللمة حينها (جامع الشيخ بن باز حالياً)، يؤكل إليها القيام بالخطبة بدلًا عنه اثناء غيابه، فتعلم الخطابة وتمرس بها واحبها، ومع الوقت والمعاودة طور اسلوبه، وترقى في تحسين ادائه، فكان له القبول الحسن لدى الجماعة، ويجد منهم الثناء الجميل، ومن الأمور التي لا ينساها، والمواقف التي يعتز بها في هذا المجال، عندما كان يخطب في احدى الجمع، وكانت الخطبة تدور حول الحث على التعاون بين الناس، وفي لين الجانب فيما بينهم، وحق الجار على جاره، وكان من ضمن الحضور حينها فضيلة الشيخ على بن قاسم آل طارش رحمه الله، ولم يتنبه لوجوده من أول الخطبة، وإلا فلن يخطب مع وجوده (كما يقول)، فهو أولى منه في ذلك، ولما انتهت الصلاة قام الشيخ رحمه الله، فأثنى عليه كثيرا، وشكره على هذه الخطبة الجميلة، وعلى عنوانها وجمال طرحه فيها، ثم تكلم هو عن أمر حضر من أجله، حيث كان يريد حث الناس على التعاون فيما بينهم، والمشاركة في فتح طريق السيارة المار من جوار هذا الجامع، المتجه إلى جهة ذراع منفة، وإلى جهة الشرقي وما بعده، و(الذي تم تنفيذه تاليا بحمد الله وفضله، ثم بتعاون الناس مع الشيخ كما حثهم، ومع جهوده الخاصة وبذله)، ومما يذكره ويفخر به في ذلك الموقف، أن الشيخ كلما تكلم في جانب من الجوانب، استدل بقوله مرددا (وكما قال خطيبنا)، فرفع كثيرا بحسن أخلاقه، وجميل تعليمه وحكمته من شأنه، ورفع من معنوياته(كما يقول)، رفع الله قدره واعلى منزلته في عليين، ورحمه رحمة واسعة واسكنه فسيح جناته، وقد واصل اداء واجبه في هذا المجال النافع، وقام بها في اكثر من جامع في فيفاء، بل اصبح فيما بعد وإلى اليوم، كلما طرئ ظرف لخطيب جامع، تواصلوا معه لينوب عنه في القيام بالخطبة، وفقه الله وبارك فيه ونفع به، ثم هو يبذل جهده ومشاركته في كل مجال خيري يتاح له، حسب ظروفه الحياتية، فقد كان عضوًا في المكتب التعاوني بفيفاء، وعضوا في جمعية البر الخيرية بفيفاء، ويشارك في بعض من الدروس والمحاضرات في اكثر من جامع.

الحالة الاجتماعية :

تزوج وهو طالب في السنة الأولى من الجامعة، من ابنة عمه المعلمة الفاضلة فوزية بنت أحمد علي حفظها الله وبارك فيها، فكانت له نعم الزوجة الصالحة، اعانته وساندته وصبرت معه، وتميزت برجاحة عقلها وحسن تعاملها، وفي تربية ابنائهما التربية الصالحة، وفي إدارة شؤون الاسرة بكل متطلباتها، فكانت تبذل جهدا مضاعفا، لتوازن بين متطلبات الحياة المهنية كمعلمة، وبين التزاماتها العائلية كزوجة وأم وربة بيت، فاستطاعت بكل نجاح المؤامة بينهم، فكرست وقتا لأسرتها وفي تربية ابنائها، دون أن تهمل أو تفرط في اداء رسالتها الشاقة في التعليم، فجزاها الله كل خير، وحفظها بحفظه وبارك في جهودها، وقد رزقا بأربعة عشر ولدا، أربعة ابناء وعشر بنات حفظهم الله، وهم على النحو التالي :

1- عبدالباري خريج كلية الشريعة، جامعة الإمام، ومعلم في مدرسة تحفيظ القرآن الكريم.

2- زينب خريجة الجامعة، من قسم الترجمة.

3- سارة خريجة الجامعة، من قسم الرياضيات، ومعيدة في كلية الداير للبنات.

4- يسرى خريجة الجامعة ، ومعلمة  انجليزي.

5- اماني خريجة الجامعة، من قسم الترجمة. 

6- ميمونة خريجة الجامعة، من قسم الترجمة .

7- بشائر طالبة في جامعة جازان ، قسم فنون داخلية.

8- آلاء طالبة في جامعة جازان ، قسم نظم معلومات.

9- الحسنى طالبة في جامعة جازان، قسم نظم معلومات.

10- حسان طالب في المرحلة الثانوية.

11- حسناء طالبة في المرحلة الثانوية.

12- سراء طالبة في المرحلة المتوسطة.

13- عبدالإله طالب في المرحلة الابتدائية.

14- مؤيد طالب في المرحلة الابتدائية .

حفظهم الله جميعًا وبارك فيهم وأصلحهم ووفقهم، وحفظها من اسرة طيبة صالحة مباركة، وحفظه وبارك فيه واعلى من شأنه وزاده توفيقا وسداد وعلما وفضلا ونفع به.

                     والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

                                          محبكم/ عبدالله بن علي قاسم آل طارش الفيفي ـ أبو جمال

 الشيخ محمد بن يحيى علي الخسافي الفيفي .   

   الرياض في 14/4/1446هـ

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى