الشيخ: موسى بن محمد علي المخشمي الفيفي
إعداد الشيخ :عبدالله بن علي قاسم آل طارش الفيفي ـ أبو جمال
الشيخ: موسى بن محمد علي المخشمي الفيفي
القدوة الحسنة من افضل وسائل التربية، وتكون القدوة بالعمل المشاهد أمامك، ويكون تأثيرها اكبر واثبت في قلبك من أي وسيلة أخرى، فما تشاهده بعينك اكثر اقناعا لك مما تسمعه بأذنك، فتأثير الفعل المشاهد أقوى وأوضح، ففعل الشخص اصدق من قوله، وكل ما داوم على فعله زادت قناعتك به، لأن فعله المتكرر له وثباته عليه، دليل صدقه وقناعته وايمانه بما يفعل، بخلاف القول المجرد مهما نمقه وحسنه، فإن تأثيره ينتهي بتخليه عن العمل به، بل ويزيدك ذلك ترددا ويجعلك في حيرة، فهل عليك أن تتبع قوله الذي لا يلتزم به، أو بفعله الذي يداوم على القيام به، فمهما كان تأثير القول فإن الفعل أقوى تأثيرا، قال تعالى (يأيها الذين أمنوا لم تقولون ما لا تفعلون، كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون)، فما هو ممقوت عند الله جدير بأن يمقته الإنسان، لأن مجرد القول قد يحتمل الصدق ويحتمل الكذب، والفعل والالتزام به يصدقه أو يكذبه.
لا تنهى عن خلق وتأتي مثله
عار عليك إذا فعلت عظيم
إن الفعل المشاهد اكثر تأثيرا وثباتا لدى المتلقي، ومعظم فرائض الاسلام وتعاليمه العظام، اخذها الصحابة من فعله صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا)، والرسول صلى الله عليه وسلم كان يأمر في كثير من الأمور المهمة بتقليده فيها صراحة، قال صلى الله عليه وسلم (صلوا كما رأيتموني أصلي)، وقال صلى الله عليه وسلم (خذوا عني مناسككم)، وغيرها كثير، حتى وإن سكت وفعل الامر، كان فعله دليل على وجوب الأخذ بهذا الفعل، بل كان الصحابة يتحرون ويسألون عن افعاله صلى الله عليه وسلم في الخلوات، لكي يقلدوه في القيام بها.
إن القدوة الحسنة طريق سهل وبسيط لتوصيل المعلومة، ويفهم الناس الحكم بمشاهدتهم له اكثر من أي وسيلة اخرى، وتربية الابناء التربية الصحيحة تعتمد بالمقام الأول على القدوة، فتربية الابناء ليست سهلة وتحتاج إلى كثير من الجهد والصبر، والأب لا شك هو محور التربية الاساسي، فهو المعلم والمربي والموجه الأول لأبنائه، فلن تفيد نصائحه المجردة، ولن تجدي توجيهاته المتكررة، مالم يكن هو القدوة المشاهدة امامهم في فعل الشيء أو تركه، لأن الاطفال انما يقلدون الوالدين، فيلزمهما أن يكونا ناجحين في هذه الوظيفة المهمة والاساسية.
وينشأ ناشئ الفتيان منا
على ما كان عوده أبوه
إن القدوة صورة عملية مستمرة، ونموذج حي لمواقف مختلفة، وخير من يقوم بذلك هو الاب، فدوره حيوي ومؤثر جدا في حياة أبنائه، وفي اكتسابهم للصفات الحسنة، فماذا يقوله لنا (موسى) هنا عن أبيه، يقول : جلست اتأمل في حياة الوالد رحمه الله، فأرتبط عندي مباشرة مع أمرين، الأول (الوالد والقرآن) والثاني (الوالد والمسجد)، فما إن وعيت على الحياة إلا وأبي (مع كتاب الله او في بيت الله)، فانعم بها من قدوة حسنة، نجد تأثيرها بكل وضوح في كل جوانب سيرته وحياته، حفظه الله ووفقه وبارك فيه، ورحم الله والده وغفر له وتجاوز عنه.
أنه الشيخ: موسى بن محمد علي أحمد طالع الأخشمي الفيفي حفظه الله ووفقه.
والده هو الشيخ: محمد بن علي أحمد طالع الأخشمي الفيفي رحمه الله، كان يجيد القراءة والكتابة، فكان من طلاب الكتاتيب (المعلامة)، المدارس المتوفرة حينها في فيفاء، فختم القرآن اكثر من مرة، مما جعله يتعلق به ولا يفارقه طوال حياته رحمه الله، يقول عنه ولده (اذا جلست اتأمل في حياة الوالد رحمه الله، فهو يرتبط مباشرة بأمرين مهمين، الاول القرآن، والثاني المسجد، فمنذ ان وعيت على هذه الحياة، لا ارى والدي الا مع هذين فقط (كتاب الله او في بيت الله)، ويقول إن أردت معرفة آية من كتاب الله، اسأله فيخبرني مباشرة، أنها في السورة كذا، وفي الصفحة يميناً او شمالاً، وفي أعلى الصفحة او وسطها او أسفلها، عرفه الجميع رحمه الله بحرصه على تلاوة كتاب الله، في كل وقت وفي كل مكان، وكان يحرص على إيجاد من يدارسه فيه وبالذات في شهر رمضان المبارك، حتى أنه اخبر ولده أنه في احدى ليالي رمضان، تدارس القرآن مع جارهم الشيخ يحيى بن أحمد سليمان الداثري رحمه الله، من اول سورة البقرة إلى سورة الكهف، في الفترة ما بين العشاء الى قبيل السحور، وأما علاقته بالمسجد، فيقول أحسبه والله حسيبه، ممن ينطبق عليهم ما ورد في نص الحديث ( ورجل قلبه معلق بالمساجد)، فلا اذكر أنه تأخر عن صلاة الجماعة، إلا في حالة مرضه الشديد فقط، ومن تعلقه بالمساجد أنه يذهب أحيانا الى مساجد بعيدة، ليصلي فيها، ويعتني بها إن كانت تحتاج إلى شيء من ذلك، ولا يكاد يوجد مسجد يستطيع الوصول اليه الا ووصل إليه، وصلى فيه ولو ركعتين، وقرأ فيه ما تيسر من القرآن الكريم، ثم هناك خصلة مهمة جديرة بالتنويه عنها، وهي حرصه الشديد رحمه الله على صلة الارحام، فكان يزور ذوي القربى، حتى من كانت صلته بهم من الرضاعة، فلا يترك تعاهدهم ما بين حين وآخر، ولا يقاطعهم مهما بعدت مساكنهم، وكذلك يتواصل مع اصدقائه وجيرانه ومعارفه، زيارة اطمئنان وتجديد عهد، فلا يطيل المكث عندهم اكثر من اللازم، بل ومن مأثوره قوله (أقل الزيارة السلام)، رحمه الله وغفر له وتجاوز عنه، فلا شك أنه كان قدوة حسنة لولده ولكل أبنائه ومعارفه وجيرانه، قدوة ترك فيهم مثالا حيا واضحا، بأفعاله
اكثر منه بأقواله، فكان كثير العمل قليل الكلام، كلامه مقصور على تلاوة القرآن وترديد التسبيح والدعاء، رحمه الله رحمةً واسعة، وغفر له وتجاوز عنه.
أما أمه فهي الفاضلة خيرة بنت جابر حسن العمري الفيفي حفظها الله، ومنّ عليها بالصحة والعافية، ربة بيت فاضلة، وأم حنون باذلة، تعبت وبذلت ووجهت وأرشدت، رغم أميتها فهي لا تقرأ ولا تكتب، لكنها بالفطرة تملك أعظم من الشهادات في التربية وحسن التعامل، ولديها من الخبرة المقرونةً بالحرص الواعي، مع لزومها الدعاء والتعلق بالله.
ومما كانت تشجع به أبنها وكل أبنائها، على سلوك طرق الخير والفلاح والصلاح، وحرصها علي ذلك منذ صغرهم، وعلى اهتمامهم بدراستهم وانتظامهم في مدارسهم، ويقول عنها في هذا الجانب (كانت توقِظني لصلاة الفجر، ولازلت إلى اليوم أتذكر حرصها الشديد على أن لا تفوتني هذه الصلاة جماعة مع الوالد واخواني، بل وتحفزني لأجتهد في دراستي، وكانت تعطيني الكثير من الحوافز المعنوية والمادية، ولو كانت شيئا بسيطا، فما زلت اتذكر فرحتي بها، وبالزمان والمكان الذي تعطيني فيه هذا الشيء، وسعادتي بتلك الحوافز الرائعة، خاصةً عندما كنت ارجع من المدرسة الابتدائية، حاملا شهادة النجاح والتفوق) حفظها الله ووفقها، ويستطرد كيف كان يطلب منها إيقاظه قبل الفجر في ايام الاختبارات، ليتمكن من المذاكرة، فكانت توقظه وقد أشعلت له السراج وأحيانا (الإتريك)، لتسهل عليه المذاكرة على ضوؤه، حيث لم تكن حينها قد وصلت الكهرباء العامة، وعندما كبر وانتقل للدراسة في المعهد العلمي، وكان بعيد جدا عن سكنهم، مما يتطلب السير على الاقدام لأكثر من ساعة، في صعود متواصل في عرض الجبل، وتزداد معاناتهم مع الدراسة في شهر رمضان، وكان يدرس حينها في المرحلة المتوسطة، فيضطر هو وزملائه من جهتهم للانطلاق إلى المعهد من قبل صلاة الفجر، وقد استأجروا لهم غرفة صغيرة قريبة من المعهد، يستريحون فيها من بعد صلاة الفجر إلى بداية الدوام الرسمي، فكانت والدته تعد له وجبة السحور مبكرا، وينطلق بعدها صعودا في طريقه إلى المعهد، والطريق تمر بالجنيب من جهة المعرف إلى الخطم، و(الجنيب اسم جانب الجبل القفر، الخالي من البيوت والمدرجات)، ومن الخطم يواصلون مسيرهم الى وسط بقعة العذر، فيصلّون الفجر ويرتاحون فيها بضع ساعات، فلا ينسى حرص أمه وخوفها عليه، وهو يغادر ليقطع هذه الطريق الشاق في الليل، فكانت تراقبه من بعد خروجه من البيت، إلى أن يتوارى عن انظارها خلف القمة، ويتصور كيف كانت مشاعرها تتحرق عليه، ويتذكر كل ذلك ولا ينساه إلى اليوم وإلى الغد، حفظها الله وكتب لها الأجر والمثوبة وأطال في عمرها.
ولد لهذين الفاضلين في بيتهما الحدب، في وسط بقعة آل مخشم، في غربي الجبل الأعلى من فيفاء، في عام1396هـ حسب ما ورد في البطاقة، وكان أصغر إخوانه الأربعة، حسن ويحيى رحمهما الله، وعبدالله وهادي حفظهما الله، وأختهم الوحيدة مريم حفظها الله، حياة هادئة مستقرة، يسودها الحب والألفة والتراحم، بيت يكتنفه الايمان ويتردد في جنباته اصداء القرآن الكريم، نشأ وترعرع في هذه البيئة الصالحة المرتبطة بالتقوى والإيمان والطاعة، حياة هانئة سعيدة، خالية من كل ما يعكر صفوها.
تعليمه :
ما إن بلغ السن المناسبة للدراسة، إلا وكان قد حفظ بعضا من قصار السور، وأحسن شيئا من القراءة والكتابة، تعلمها في البيت، وتم الحاقه بأقرب مدرسة من بيتهم، مدرسة الداثري والمخشمي الابتدائية (قرعميس)، وإن لم تكن قريبة ولكنها الأقرب، حيث يلزمه للوصول إليها السير لما يقارب نصف ساعة، يخترق خلالها اكثر من ثلاث بقع، حاملا شنطة كتبه فوق ظهره، كان التحاقه بها في عام 1402هـ، وما اسرع ما ألف المدرسة وارتاح لها، و تعتبر المدرسة لجميع الطلاب في ذلك الوقت، هي المكان الذي يقضون فيه أجمل أوقاتهم، اضافة بالطبع إلى أنها هي مصدر العلم، ومصدر المعرفة، ومصدر الصداقة والزمالة، بل كانت المصدر الوحيد لهم في مجال الترفيه، في مثل كرة القدم والرحلات المدرسية، التي لم يكونوا يعرفونها إلا من خلال هذه المدرسة، وتعرف من خلالها على كل الزملاء، وعلى العديد من المعلمين الفضلاء، وكان غالبهم حينها من المتعاقدين من خارج المملكة، من مصر وبلاد الشام، وكانوا نخبة راقية في تعاملهم وأخلاقهم، ومنهم كل من الأستاذ عبدالوهاب، الذي علمهم الإنشاد والتلحين الجميل فيه، والأستاذ مبارك، والأستاذ عبدالسلام معلم مادة القرآن الكريم، والاستاذ عبدالله ابو السمح معلم الرياضيات، وفي تلك الفترة ابتدأ تواجد المعلمين السعوديين، ومن أوائلهم معلم من منطقة جازان، ثم تلاه اخرون، إلى أن جاء الأستاذ محمد بن يحيى سالم المخشمي رحمه الله، والأستاذ يحيى محمد أحمد المخشمي حفظه الله، وكانا النموذج في حرصهما على الطلاب، واشتهر الأستاذ يحيى بأناقته وعنايته بمظهره الجذاب، ولكنه لم يلبث أن انتقل إلى مدرسة نيد الضالع، وأما الأستاذ محمد رحمه الله فكان له التأثير الكبير على كامل المدرسة ومحيطها، بعد أن اصبح قائدها ومديرها، حيث جعل منها مكانا جاذبا، يحبه الطلاب و يعشقون البقاء فيه، فلا يكاد احدهم يجد فرصة للذهاب إليها في أي وقت إلا وفعل، كان رحمه الله يشجعهم ويحفزهم، ويربيهم بكلماته وتعامله الطيب الحسن، ثم بالأنشطة التي فعّلها داخل المدرسة، مما لم يكن معروفا فيها من قبل، كالرحلات مع أولياء الأمور، والمبيت خلالها ليوم أو يومين، ويذكر منها رحلتهم إلى وأدي الرزان في محافظة هروب، حيث مكثوا فيها فترة الإجازة الأسبوعية (الخميس والجمعة)، وغير ذلك من الأنشطة والحفلات التي كان يقيمها في نهاية كل عام، وكان رحمه الله واسع الأفق، قام على تفعيل الشراكة المجتمعية، التي لم تكن موجودة أو معروفة من قبل، فعقد شراكات مجتمعية مع بعض التجار وأصحاب المحلات، وأشركهم في تقديم الهدايا والجوائز التحفيزية للطلاب، ومن هؤلاء الشيخ عبده بن علي المخشمي حفظه الله، وبقالة الشيخ حسين بن يزيد الداثري حفظه الله، ولا ينسى جائزة الطالب المثالي التي منحت له وهو في الصف السادس، وكانت عبارة عن قارورة عطر، وكم كانت اساليب الاستاذ محمد الراقية والمحفزة، التي تركت في خلدهم اثر لا يمحى، ومن ذلك بالنسبة له، عندما تشجع في احدى المرات، والقى كلمة في الاذاعة المدرسية، مع أنه لم يكن يحب الإلقاء كثيراً فيها ولا في غيرها، ولكنه تفاجأ أنه كان من ضمن المكرمين في الحفل الختامي ذلك العام، وحصوله على أفضل مشاركة فيها، ولا تسأل عن كيف كان وقعها واثرها في نفسه، وعن تشجيعه لاحقا في موضوع الإلقاء، وهناك انواع متعددة ابتكرها رحمه الله لتشجيع وتحفيز الطلاب بالعديد من الجوائز، ومنها جوائز (الطالب المثالي والطالب المتفوق) وغيرها.
ويتعاضد هذا التحفيز مع دور الاسرة في هذا الجانب، حيث لا ينسى دور امه حفظها الله واسلوبها الرائع في هذا المجال، وإن ينسى لا ينسى ذلك المواقف الجميل، عندما عاد من المدرسة الابتدائية يحمل شهادة تفوقه، ويركض إلى امه وهي بجوار المنزل تعلف أبقارها، وهو رافع شهادته بيده، فما إن رأته حتى تهلل وجهها بشرا، وانتزعت في الحال ربطة مال صغيرة كانت في طرف منديلها، وناولته إياها وهي تقبله وتردد كلمات التبريك، هذا المبلغ رغم أنه لا يتجاوز ستة وثلاثين ريالا، وقد يكون كل ما كانت تملكه في ذلك الوقت، ولكن فرحته حينها بهذه الجائزة لا حدود لها، حتى أنه إلى اليوم لا ينسى هذا الموقف، ولم ينسى حتى المكان الذي حدث فيه، فالتحفيز لا شك له دور كبير جداً في حياة الأطفال، إذا ما طبّق بأساليبه البسيطة والتربوية، فكم له مردود وتأثير لا يمحى، ولو كان قاصر على الكلمة البسيطة المعبرة، لقد كانت المرحلة الابتدائية في تلك الفترة، أرض خصبة لزراعة الأبناء تربيةً وتعليماً وسلوكاً، وسارت به الايام والاسابيع والأشهر والأعوام، يترقى في فصولها، وينافس على النجاح والتفوق فيها، إلى أن تخرج من الصف السادس في نهاية عام 1407هـ، بعد أن أبقت في نفسه هذه المدرسة ذكريات جميلة، وأعطته رفقة يفخر ويعتز بها، ومنحته طموحا وتطلعا دفعه دوما إلى الأمام.
ما إن تخرج من الصف السادس الابتدائي، إلا ونفسه تواقة إلى الالتحاق بركب المعهد العلمي، فاتجه إليه دون غيره، فقد وجد معظم من حوله يشجعه على هذا التوجه، ولم يجد إلا بعض العتاب من معلم مادة الرياضيات عبدالله الفلسطيني، الذي كان يحثه على التوجه للعلمي لتنمية مداركه في هذا التخصص المتفوق فيه، ولكن كانت رغبته وتحفيز والديه، وكل من حوله ترجح المعهد، وكان في محيطه كثير من طلاب هذا المعهد، مع طموحه في التزود من العلوم الشرعية واللغة العربية، وفعلا وبتوفيق الله وعونه تحقق له كل ذلك، فكان من ضمن طلاب المعهد العلمي بفيفاء، مع بداية العام الدراسي 1408هـ، وكان مقرّ المعهد بعيد جدا عن بيتهم، فكان المعهد في ذلك الوقت، في منطقة نيد الدارة، وسط بقعة العذر، ويلزمه للوصول اليها ما يقارب الساعة سيرا على الأقدام، حيث لم تكن طرق السيارات قد شقت حينها في جهتهم، فكان لا بد له من المسير إليه والعودة منه مشياً على الاقدام، سواء في هجير الشمس، أو مع برودة الطقس، وتحت نزول الامطار، وكل العوامل الجوية المتغيرة طوال العام، وكان يسير في طريق شاق وصعب، حيث يلزمه صعود الجبل المعترض امامه، مرورا بالمعرف صاعدا منه إلى الخطم، ومنه يخترق وسط بقعة العذر، إلى أن يصل طرفها الآخر حيث مقر المعهد، وتزداد الصعوبة عندما تكون الدراسة في شهر رمضان، فيجتمع عليه مشقة الصعود مع ارهاق الصيام، ولذلك سعى وبعض زملائه في استئجار غرفة صغيرة قرب المعهد، كانوا يتخذونها استراحة لهم إلى بدأ الدوام، فيخرجون من بيوتهم من بعد السحور مباشرة، ولا يصلّون الفجر الا حول المعهد، فيصلّون ويرتاحون في هذه الغرفة إلى قرب الدوام، ويعودون إليها بعد الدوام، ليرتاحوا فيها إلى العصر ليغادروا إلى بيوتهم، وهكذا استطاع تجاوز كل الصعاب والمعوقات، بالإصرار وقوة العزيمة، بل كانت دافعا قويا له إلى الامام، وزاده تصميما وإصرارا على النجاح والتفوق، واستمر معه الوضع على مدى خمس سنوات، وفي السنة الاخيرة أنتقل المعهد إلى مبنى في نيد الضالع، ورغم أن المسافة متساوية بالنسبة لبيتهم، إلا أنه إلى نيد الضالع أقل مشقة، فيخترق بهم الطريق المعرف، إلى بقعة كرعان، ثم بقعة ذا أمشفا، إلى اعلى بقعة المنهم، ليصلوا إلى نيد الضالع، ورغم كل هذه الصعوبات والمشقة والتعب، إلا أنها سارت معه هذه السنوات جميلة وممتعة، كان المعهد العلمي حينها، يحتوي طلابا من معظم مناطق فيفاء والمناطق المجاورة لها، فزادت معارفه ووسعة مداركه، مع شدة التنافس للحصول على التفوق، كان للمعهد طابع علمي خاص، بما تحويه مناهجه من العلوم كمّاً وكيفاً، والتركيز فيها على اللغة العربية والفقه والعقيدة والعلوم الشرعية، وما فيه من الحرص الشديد والعناية الفائقة من المعلمين، فاستفادوا منهم علماً وتربية وخلقا، ويذكر من هؤلاء الافاضل الكرام، الشيخ عبدالله بن حسن، مدير المعهد حينها، والشيخ ابراهيم بن أحمد المدير بعده، والشيخ محمد بن أحمد، والأستاذ جابر بن سلمان معلم اللغة العربية، والأستاذ أحمد بن محمد معلم الاجتماعيات، والأستاذ أحمد مسيري تعلم منه الكثير في اللغة العربية، والأستاذ سلمان بن سالم في اللغة الانجليزية، والشيخ يحيى بن سالم، والأستاذ عبدالله بن يحيى الظلمي، والشيخ حسين بن يحيى، والأستاذ يحيى محمد علي الداثري (رحمه الله) توفي غريقاً في اول سنة لهم في المعهد، ورغم قصر هذه الفترة إلا أنه عرفه، بحسن خلقه وكمال أدبه، ونصحه وتوجيهاته الصادقة، رحمه الله رحمة واسعة، كل هؤلاء الأفاضل بتعاملهم وقدرتهم العلمية، كانوا للطلاب قدوات يحتذى بها، وكان لهم تأثير كبير بقي راسخ في عقولهم، وكان المعهد حينها في أوج قوته ونشاطه، ويقيم العديد من البرامج والأنشطة المتعددة، مما يبني ويطور قدرات الطلاب ومهاراتهم، انسجم كثيرا مع مواده الدراسية، ومع زملائه من معظم مناطق فيفاء وخارجها، ومع معلميه ومشايخه الفضلاء، مما انساه وعوضه عن كل تعب وكل مشقات الطريق، وعاش فيه سنوات تركت في نفسه ذكريات لا تنسى، مما جعل السنوات تمضي به عجلى، إلى أن تخرج منه بتفوق في نهاية العام الدراسي 1413/1414هـ.
الدراسة الجامعية:
زادت تطلعاته وقد تخرج من الثانوية، ولكن كانت تقف امامه معوقات مادية ومعنوية، اهمها كيف سيتحمل الابتعاد عن والديه واهله، وماديا كانت الأمور المادية مع والده ليست كما ينبغي، حتى يستطيع أن يسنده، حيث كان يحتاج إلى المواصلات، وإلى بعض المصروفات المعيشية والدراسية، وهنا برز دور إخوانه الكرام، حسن وعبدالله وهادي، حيث شجعوه وحفزوه، ولم يبخلوا عليه بالدعم المادي، ولذلك انطلق مستبشرا لتحقيق رغبته، متوكلا على الله في نيل مقصده، متجه بكل همة إلى مدينة أبها، لكونها المدينة الأقرب التي بها كلية، فلا يوجد حينها جامعات إلا في المدن الكبيرة، أبها والرياض ومكة وجدة، واختار أبها لكونها الأقرب من فيفاء، وأمله في أن يواصل دراسته في كلية الشريعة، في فرع جامعة الامام محمد بن سعود الاسلامية، وفي ابها تقدم ضمن الراغبين في القبول، حسب الموعد المحدد، واستكمل جميع المتطلبات والإجراءات، وتم بحمد الله قبوله في رغبته الأولى، ضمن طلبة كلية الشريعة وأصول الدين في قسم الشريعة، وكم كانت سعادته وفرحته بما تحقق له.
من تلك اللحظة تغيرت عليه كل الأمور، حيث ابتدأ في خوض تجربة جديدة، وجب عليه فيها أثبات ذاته بالشكل الصحيح، كانت صراعا بين العقل والمنطق والعاطفة، ووصفها بأنها الأصعب في مراحل حياته، لأنها كانت أول مرة يبتعد فيها عن اسرته، حيث لم يكن متعوداً على ذلك من قبل، ووجد أن الجامعة وهذه المرحلة شيء مختلف جدا، ولها نمط خاص بها من جميع النواحي، يختلف بالكامل عن كل ما سبق له وألفه، ففي هذه المرحلة المهمة، اصبح هو المسؤول الوحيد عن كل اموره، عليه الاعتماد التام على نفسه في كل حاجياته ودراسته وملبسه ومعيشته، فلا احد ينوب عنه أو يراعيه أو يهتم بشؤونه فيها، وكان قد انظم ساعته إلى احدى عزب الطلاب، المنتشرة في محيط الجامعة، وكانت عزبته خليط من ابناء فيفاء وبني مالك، وهي أول تجربة يخوضها في هذا المجال، ويعيش فيها مع اناس غرباء من غير اسرته، كانوا لا شك يختلفون في طبائعهم واخلاقهم، وفي طرق معيشتهم وتعاملاتهم وعاداتهم، مما يوجب عليه أن يجاريهم ويتأقلم معهم، وان يحسن العشرة معهم بكل أدب واحترام، ويترك لدى الآخر انطباعا جميلا عن نفسه، وعليه أن يقوم بواجباته وادواره كما ينبغي، سواء في الطبخ أو في كل ما يلزمه من الواجبات، ثم عليه الاهتمام التام بخاصية نفسه، بدأ من تهيئة فراشه، وتجهيز أدواته وكل حاجياته، وكانت اول مرة يمارس كثيرا من هذه المهام، فلم يسبق له في حياته الطبخ وغيره، ولكنه ما اسرع ما تعلم مضطرا واتقن، فقد كان لزاما على الجميع التناوب في القيام بمتطلبات معيشتهم، ولديهم جدول بتوزيع هذه المهام فيما بينهم، وكانت تجربة متعبة وبالذات في البدايات، وكان حرصه الأكبر على أن لا يفرط في مهمته الأولى (الدراسة)، ولديه طموح وآمال ورغبة في الاستزادة من الطلب، ولكن كانت من سلبيات هذه العزب، أنها لا تتيح للطالب الجاد الاستفادة من وقته كما ينبغي، وفي التفرغ التام لطلب العلم خارج المنهج، فلا يبقى له وقت كاف لحضور بعض الدروس والمحاضرات خارج الجامعة، في فترات العصر ومن بعد المغرب، أو الاستفادة من حضور بعض حلقات القرآن التعليمية، ولكنها في المقابل لها ايجابيات اجتماعية، من التعرف على نوعيات من الناس بشكل مباشر، من خلال معايشتهم والاحتكاك بهم على الواقع، والتعرف على انواعهم وامزجتهم وعاداتهم، فانت من خلال العزب ومن خلال الجامعة تتعرف على جميع الفئات، وقد يقع ضعيف التحصين التربوي والديني، أو ضعيف الشخصية في بعض المزالق، مما قد يضيّع به مستقبله لا سمح الله، فكانت هذه الفترة والمرحلة مرحلة مؤثرة في حياته، مارس فيها الحياة بشكل مباشر، وتعرف واكتسب كثيرا من الخبرات والتجارب الحياتية، مما اكسبه قوة وحصانه وثقة بنفسه، وصقلت شخصيته واظهرت معدنه.
لقد كانت البيئة الجامعية مختلفة عليه تماماً، اضافة إلى ما ذكرنا من الحياة المعيشية والاجتماعية، فالنواحي الدراسية وكانت هي الغاية، وهي الهدف الاساسي والاهم له، فكانت جدا مختلفة عما الفه في التعليم العام، سواء في قضية المناهج أو في المتابعة، وحتى في المحاضرات الجامعية، والبحوث العلمية، فاحتاج إلى بعض الدربة والتجارب لكي يكتسب المهارات، وما لبث أن تعلمها واتقنها وتعرف على اساليبها، ففي الجامعة تجد دكتورا متمكنا، يعتمد على عدة مناهج ومراجع، ولا يعتمد على مرجع واحد معين، بل يلتقط لطلابه الخلاصات الوافية لهذه المادة، وهذا يتطلب من الطالب متابعته بكل دقة وتركيز، ويرصد غالب ما يورده ويقوم بتدوينه، ثم إذا ما اراد لاحقا سعى إلى الاستزادة والبحث بنفسه، وهذه من الأمور الجديدة على غالب الطلاب، فمعظمهم متعود على مناهج محددة ومقررات محصورة، ومما زاد عليهم الصعوبات في تلك الفترة، كثرة أعداد الطلاب بشكل كبير، فكانوا في أول فصل لهم بالجامعة، أو ما كان يسمى بـ(أول أول)، كان عدد الطلاب المقبولين ما يقارب ثلاث مائة طالب، ولم تستوعبهم قاعات الجامعة دفعة واحدة، مما اضطرها إلى أن تجعل الدراسة مسائية، مما ادخلهم في اجواء جديدة وصعبة نفسية وبدنية، وقلبت ولخبطت عليهم كل امورهم الاعتيادية، فكان بقية الطلاب يخرجون من الجامعة ظهرا، وهم يتلونهم في الدخول إلى الجامعة، ويزداد الاحساس بالغبن في نهاية كل اسبوع، عندما يشاهدون زملائهم من ابناء فيفاء، يغادرون في هذه الفترة إلى اهاليهم، وهم ما زال يلزمهم البقاء لحضور دروسهم، اضافة إلى أن هناك مناهج متعددة جديدة، كان لا بد للطالب المستجد الحريص من حضورها وعدم التخلف عنها، لكي يسهل عليه فهمها واستيعابها بشكل تام، ولكن كانت جديته ورغبته وطموحه تفوق كل هذه التحديات، حيث تغلب على كثير من احاسيسه وعواطفه، وتأقلم مع كل ظروفه المستجدة، وتغلب على كل المعوقات والصعوبات، وانغمس بكل ما تعنيه الكلمة الى تحقيق هدفه الاسمى، واتجه بكل وجدانه وفكره وجهده إلى دراسته، ولم يلتفت إلى غيرها ولم يهتم بسواها، حيث بذل قصارى جهده في تطويع محيطه، وطوع رغباته فيما يعينه على كل ذلك، ونجح بحمد الله في هذه الغاية، حتى حقق أهدفه وتفوق فيها، وما اسرع ما انساقت له الأمور وتيسرت امامه، واكتسب الخبرات، والف الوضع، وتأقلم مع كل الظروف، بعدما تعرف على كامل محيطه، وتعرف على نظام الدراسة وطرقها، واستوعب طرق البحث والتحصيل، إلى أن اضمحلت وتبددت كل تلك المعوقات، وسلست الامور بين يديه، واتضحت له الرؤيا في كل الاتجاهات، واعطته الجامعة آفاق أكثر وأكبر، وتعرف فيها على زملاء من شتّى أنحاء المملكة، ومن مختلف البيئات، ووجد فيها العلم والمعلومة النافعة، وقابل كثيرا من المحاضرين الاجلاء، الأقوياء في علمهم وفضلهم، بما يبلغون به مراتب كبار العلماء، ويذكر منهم على سبيل التدليل والمثال، فضيلة الشيخ الدكتور جبريل بصيلي، مفتي عسير اليوم، فهو من العلماء الذين تشرف بأن تعلم ودرس على يديه، في علم الفقه في بعض مستويات الكلية، وأيضاً الشيخ الدكتور علي الغامدي، والشيخ الدكتور يحيى السعدي الذي كان هو معلم مادة (علم المنطق)، ومما يذكره عنه بالذات، أنهم كان يضطرون إلى الكتابة اثناء درسه، لدرجة أنه احيانا تتوقف وتكل أيديهم من الكتابة، بسبب طول الكتابة مع كثرة المعلومات، ولأن الطالب يستشعر ضرورة أن لا يفوته شيء منها، فكلها مليئة بكل جديد ونافع ومهم من بدايتها إلى نهايتها، وكان استاذ متكن غزير العلم والمعرفة، وعلى جانب كبير من الأخلق والأدب والاحترام، ممن يحرص على أن يكون طلابه متميزون، فيبذل جهدا مضاعفا في تحضير مادته، وفي القاء محاضرته، واداء درسه ومناقشاته، حتى أنه لما سأله بعض الطلبة ذات مرة، عن أي مرجع يستطيعون العودة إليه في تعريف أورده لهم، فذكر لهم اكثر من ثمانية مراجع، ثم خيّرهم بين متابعة شرحه والاكتفاء بكتابة ما يقوله، أو العودة بأنفسهم إلى تلك المراجع، وبالطبع اختار كل الطلاب الكتابة معه رغم مشقتها، وكذلك لما سأله بعض الطلاب وهم في نهاية الفصل الدراسي، عن ما هو المنهج المقرر عليهم بالضبط، فقال لهم الست أدخل عليكم وأقول السلام عليكم، وأخرج من عندكم وأقول السلام عليكم، فقالوا بلى، قال إذا ما بين السلامين فهو المقرر عليكم، وكانت المادة جديدة وصعبة، مع أن شرحه وادائه لها كان مميزا وجاذبا، ولذلك من حبه لهذه المادة وحرصه على استيعابها، كان لا يتغيب أبدا عن أي محاضرة فيها، فاحب المادة من حب استاذها، أو العكس احب الاستاذ من حبه للمادة، وكان ذلك شأنه وديدنه مع معظم المواد، حيث واصل مسيرته في هذه الجامعة المباركة، يترقى بين فصول الكلية واقسامها عاما بعد عام، إلى أن حقق بفضل الله النجاح والتفوق، وتخرج من كلية الشريعة واصول الدين، وهو يحمل شهادة البكالوريوس في الشريعة، في نهاية العام الجامعي1418/1419هـ.
ولم يتوقف عند هذا الحد في طلب العلم، بل واصل بذل الجهد في تحصيله، وإلى تطوير قدراته وزيادة معلوماته، بعد أن عرف وتبين له أنما الشهادات، وسيلة وليست غاية، تعينك وتعطيك مفاتيح العلم وادواته، وتمنحك الثقة بقدراتك، وقد تعرف من خلالها على القواعد التي توصله إلى مظان العلم، ولذلك لم يكتفي بما حققه من الشهادات، وما حصل عليه من البدايات في قواعد العلم المعرفية، بل سعى جادا إلى التعمق في التحصيل والاستزادة، بالقراءات المكثفة والاطلاع الجاد، وحرص على الالتحاق بكل ما يتاح له من الدورات العلمية والاكاديمية، والبرامج التطويرية (شخصية ومهنية أو في مجال العمل)، وتثقف في مجالات الاعمال التطوعية، سواء منها ما كان اثناء دراسته الجامعية، أو فيما تلى ذلك اثناء عمله الوظيفي، ما كان منها في مدينة نجران، حيث كانت الفرص فيها حينها متاحة اكثر من غيرها، لتمتعه في ذلك الوقت بالنشاط والاقبال، وفي وجود الوقت والرغبة، وفي توفر المجالات والفرص، وكذلك تواصل منه ذلك اثناء عمله في محافظة فيفاء، وأتيح له العديد منها داخل منطقة جازان، وبعض منها في خارج المنطقة، فتلقى دورات في معهد الإدارة في جدة، وفي عسير، وفي جامعة جازان، وشارك في مؤتمر التقويم والقياس في مدينة الرياض، حتى بلغ بحمد الله الغاية في الاستيعاب والتمكن، إلى درجة أنه استطاع تقديم عديد من الدورات، لبعض زملائه من المعلمين، ولبعض الطلاب الراغبين، والتحق بدورة الإدارة المدرسية، في عام 1429هـ، لمدة فصل دراسي كامل، في كلية التربية، جامعة ام القرى بمكة المكرمة.
العمل الوظيفي :
صدر قرار تعيينه معلما في 21/6/1419هـ، حيث باشر عمله في مدرسة المعتصم، في مدينة نجران، وكانت اول ممارساته الحقيقية في مهنة التعليم، وكانت بداية وتجربة جادة وناجحة بكل المقاييس، كوّن فيها شخصيته المهنية، واكتسب من خلالها الثقة التامة في قدراته، واختط له اسلوبا مميزا في هذه المهنة، وتدرب على ادائها بكل تفوق، فكانت هي اللبنة الاولى في مسيرته المباركة، في اداء رسالته العظيمة في مجال التعليم، التي خاضها بكل ثقة وبصيرة واقتدار، وقد امضى في نجران ثلاث سنوات، كانت من افضل واجمل الاوقات، ولم يكن ليتركها وينتقل منها، لولا رغبته في أن يكون قريبا من أهله ووالديه، مما جعله يسعى للانتقال إلى تعليم صبيا، وصدر أسمه ضمن حركة النقل في عام1422هـ، وتم توجيهه من صبيا إلى مدرسة العمامي الابتدائية بفيفاء، وعمل فيها لمدة عام دراسي واحد، ثم تم نقله الى مدرسة ذراع آل يحيى علي بفيفاء، وكانت اقرب من الأول إلى بيته، وبقي فيها لمدة اربع سنوات، اكتسب خلال هذه السنوات العديد من الخبرات، وصقل فيها مواهبه وقدراته، واستوعب كثيرا من منعطفات العمل واسراره، وقد تم ترشيحه بعد هذه السنوات مديراً لمدرسة آل ظلمه الابتدائية، حيث باشر عمله فيها مع بداية العام الدراسي 1427هـ، وزادت فيها خبراته ونجاحاته القيادية والمهارية، مما جعله من ضمن المرشحين في مكتب التعليم بمحافظة فيفاء، عند بداية افتتاحه عام 1431هـ، واختير مشرفاً تربوياً لمادة التربية الاسلامية، وهو العمل الذي ما زال يمارسه إلى وقتنا الحاضر، وفي اثناء هذه السنوات التي تجاوزت اربع عشرة سنة، تنقل في أكثر من مهمة داخل المكتب، كلف اضافة إلى عمله الاساسي في الاشراف على مادة التربية الاسلامية، بالعمل مشرفا على الاختبارات، ومشرفا على التوعية الاسلامية، ومشرف قضايا، ومديراً للوحدة الإشرافية في المكتب، وفقه الله وبارك فيه وفي جهوده ونفع به.
وكان يحرص على تأدية عمله على اكمل وجه، وقد نال بتوفيق الله كثيرا من النجاح والتوفيق، وتلقى العديد من الثناء والتقدير على كل ما يقوم به، ولذلك فهو يشعر بكثير من الإعتزاز والفخر، والاحسلس قبل كل شيء بالراحة والطمأنينة النفسية، والرضا التام عن الادوار التي يقدمها، وذلك فضل وتوفيق من الله سبحانه وتعالى، وقد حصل طوال مسيرته العملية، على العديد من الشهادات التقديرية، ما كان منها على مستوى المدارس التي عمل فيها، وكذلك من المكاتب التعليمية، أو من الادارات التعليمية، ومن خارج العمل، من الجهات التي تهيء له العمل متطوعا فيها، او من خلال مشاركاته في تنفيذ بعض برامجها، ويعتز بما منح من شهادات تقديرية، ومنها ما كان من محافظة فيفاء، أو ما كان في اليوم الوطني، أو عند المشاركات الرسمية، في استقبال بعض الوفود لفيفاء، زاده الله رفعة وتقديرا.
مشاركاته الاجتماعية:
له العديد من المشاركات الاجتماعية، والاعمال التطوعية، وهو عضو في كثير منها، ومن ذلك :
- عضو مؤسس في لجنة التنمية الأهلية بفيفاء.
- عضو مؤسس في جمعية تحفيظ القرآن الكريم بفيفاء.
- عضو في مجلس ادارة جمعية الدعوة بفيفاء.
- عضو لجنة اصلاح ذات البين بمحافظة فيفاء.
- عضو الجمعية العمومية لجمعية البر الخيرية بفيفاء.
وله العديد من الادوار الدعوية والارشادية، ومن اهمها قيامه بالخطابة المنبرية، فهو يقوم بالخطابة في كثير من الجوامع، وابتدأ في هذا المجال من حوالي عام 1423هـ، ولذلك حكاية يحسن بنا جميعا الاستفادة منها، فكثير من الناس لا يعرف امكانياته الحقيقية، ولا يثق بقدراته الذاتية، لا لشيء وانما الفه لوضعه الذي هو عليه، وتهيبه من كثير من الادوار الاخرى، فاذا ما وجد من يعكس له الصورة الحقيقة لشخصيته، وفي تشجيعه ووضعه على عتبات بداية الطريق، تجده يكتشف ما لديه ويبدع في هذا المجال، ويتشجع وتظهر مواهبه المختزنة، وينفع الله به في مجال لم يكن ليخطر على باله، وخلاصة هذه المقدمة ما حصل معه في بدايات الخطابة، فيقول كانت حينها في صلاة الاستسقاء، ونحن في مدرسة آل يحيى بن علي الابتدائية، في حوالي عام 1423هـ، حيث اتجهت الانظار إلى في القيام بهذا الدور، وبعد تردد وتملص واعتذارات، اصر مدير المدرسة الاستاذ الفاضل احمد بن حسين اسعد السلماني، على أنه لن يصلي ويخطب بهم غيري، لكوني معلم التربية الاسلامية، وخريج الشريعة، ولما يلتمسونه في من الافضلية في هذا الجانب.
اضطر مكرها أن يخوض هذه التجربة، واداها كما ينبغي وعلى افضل وجه، فأحس من ساعتها بالثقة تدب في كيانه، وتجرأ مرة واخرى على تكرارها، وكلما واصل زادت قناعاته بهذا المسلك، فانطلق بعدها يكتسب الخبرة والجراءة، ونجح امام نفسه أيما نجاح، ومع الوقت اصبح الأمر سهلا ميسورا، وتطورت قدراته في الاعداد والالقاء، وقد تشرف على مدى هذه السنوات، في القيام بالخطابة في معظم جوامع فيفاء وخارجها، ويذكر من هذه الجوامع على سبيل المثال ( الجوة ونيد العادي ونيد عقب ونيد مجبا وذراع آل يحيى والدرب ورافع والسربة ونيد الدارة ونيد الضالع والتوحيد وابو بكر والدفرة ومروح … وغيرها)، وله اسلوب اختطه في خطبة، متوازن بين الرجاء والخوف، قال تعالى(نبئ عبداي أني الغفور الرحيم، وأن عذابي هو العذاب الأليم)، فالتركيز على جانب واحد يضعف الجانب الآخر، فالرجاء فقط يجعل الانسان يستمري المعاصي وعدم التحرز منها، والخوف فقط يسبب للمتلقي النفرة والقنوط من رحمة الله، فالتوازن في الطرح والجمع بينهما، فلكل منهما دور في تعديل سلوك المتلقي ، تبقيه بين الخوف والرجاء، فالخوف يمنع من المعاصي ويزيد في الطاعة، والرجاء يشجع على الطاعة ولكنه وحده لا يجعلنا نبتعد عن المعاصي، وهو الاسلوب الامثل للداعية والخطيب، والموازنة كذلك في علاقة المسلم في صلته بالله وفي علاقته بالمخلوقين، وعدم ترجيح جانب واهمال الجانب الاخر، فإذا لم تؤثر علاقتك بالله على تعاملك مع الناس فانت على خطر، فالدين المعاملة، والمعاملة الحسنة والخلق الطيب هو الدين، والمسلم من سلم الناس من لسانه ويده، ويصل المؤمن بحسن تعامله درجة الصائم القائم ، واقرب الناس منزلة من النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة أحاسنهم اخلاقا، وله في الخطابة ادوار كبيرة في محاربة الفكر الضال والانحرافات العقدية، نفع الله به وجزاه كل خير.
وهو كذلك مأذون شرعي رسمي، ومثلها مثل الخطابة، انما اقحم فيها في البداية خلاف قناعاته، عندما طلبا منه بإلحاح في عام 1425هـ، كل من عمه الشيخ سليمان بن اسعد المخشمي شيخ قبيلة آل مخشم السابق رحمه الله، والوجيه الشيخ علي بن احمد المخشمي رحمه الله، لحاجة جهتهم إلى وجود مأذون شرعي، ونزولا عند اصرارهم وافق مكرها، وصدر اعتماده من الجهات الرسمية، وقد نجح وتميز وادى عمله على افضل ما يكون، ليس في جهته وحدها، وانما شمل بخدماته عموم محافظة فيفاء، فلا يستطيع الاعتذار عمن يتصل به، وبالذات في الفترات الاخيرة وقد تقلصت اعداد المآذونين، بعدما ألغيت بعض رخص مجموعة منهم، ممن لم تنطبق عليهم الشروط الجديدة، وبقي هو وعدد محدود لكونه من اوائل المتخصصين الجامعيين، الذين تنطبق عليهم شروط وزارة العدل، بل يعتبر اليوم هو اقدم مأذون في محافظة فيفاء، فقدم خدماته دون كلل لكثير من الناس في كامل فيفاء، محتسبا الاجر والمثوبة من الله سبحانه وتعالى، ومن خلال ممارساته الطويلة التي تقارب العشرين سنة، رصد كثيرا من الملاحظات الايجابية في المجتمع، ويثني بكثير على الوعي الكبير لدى غالب هذا المجتمع، وبالذات في تسهيل امور الزواج ومؤونته، وبالذات في تقليل المهور بشكل كبير، مما يتراوح ما بين العشرة الف إلى الخمسين في الغالب، وقليل جدا من يتجاوز هذا المبلغ، قال صلى الله عليه وسلم (اعظم النساء بركة أيسرهن مؤنة)، والسلبية الوحيدة الملاحظة، هي المبالغة لدى البعض في الولائم والمناسبات، ولاحظ أن الناس يقلدون بعضهم بعضا سلبا وايجابا، فتجد تفشي امرا من الامور في جهة ولا تجده في جهة أخرى، وبالتمعن تجد أن في هذه المجتمع اناس فعلوا هذا الامر او هم تجنبوه، فتبعهم الاخرون من باب التقليد، لذلك تأتي هنا اهمية القدوات الصالحات في المجتمعات، وتأثيرها العملي الكبير اشد من الأقوال والمواعظ، نسال الله التوفيق والنجاح، وان يهدي مجتمعاتنا إلى دروب الخير والفلاح.
الحالة الاجتماعية:
تزوج في عام 1417هـ، وهو طالب حينها في الجامعة، من الفاضلة كاذية بنت سليمان اسعد المخشمي، ابنة الشيخ سليمان بن اسعد شيخ قبيلة آل مخشم السابق رحمه الله، وكانت نعم الزوجة والمربية الفاضلة، ساندته واعانته في كل ادوار حياته، طالبا وموظفا في نجران، ثم في تنقله لأكثر من مدرسة داخل فيفاء، وقد رزقا بحمد الله بثمانية من الولد، سبعة ابناء وبنت واحدة، حفظهم الله وبارك فيهم، وهم (عبداللطيف ومحمد وعمر وأميرة وأمير ورمزي ورامز واديب)، تخرج الأكبر عبداللطيف، من كلية الشريعة في جازان، والثاني محمد يعمل في شركة ارامكو بالمنطقة الشرقية، وعمر في الجامعة، وأما البقية فمازالوا يواصلون دراستهم في مراحل التعليم العام (الثانوية والمتوسطة والابتدائية), وفقهم الله وبارك فيهم وجعلهم بارين بوالديهم، وبارك فيها من اسرة فاضلة، وكثر في مجتمعاتنا من امثاله الايجابيين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
محبكم/ عبدالله بن علي قاسم آل طارش الفيفي ـ أبو جمال
الشيخ: موسى بن محمد علي المخشمي الفيفي
الرياض 1445/5/5هـ
ماشاءالله ماشآءالله جزاك الله خيراً ياشيخ عبدالله على ماتقوم به لبيان سِيَر بعض الإخوة الأفاضل وبيان ماهم عليهم ومايقومون به في مجتمعنا الفيفي
أباعبداللطيف رجل فاضل صاحب دين وأخلاق وتواضع جم
صاحب إبتسامة لاتفارق محياه أحبه الصغير والكبير
نفع الله به كثيراً في جبلنا الأشم حفظه الله وبارك فيه
وزاده من واسع فضله ومبتغاه.
ما شاء الله تبارك الله سيرة عطرة وتاريخ حافل بالأحداث
تعرفت عليه عام ١٤٢٢ تقريبا عندما كان معلما في مدرسة العمامي .. ونعم الرجل من معلم خلوق يذكر دائما بالخير .
بارك الله فيك يا ابا عبداللطيف ووفقك لكل خير وبارك الله لك في عملك وجهدك وزادك الله من خيري الدنيا والآخرة .
سيرة عطرة وشخصية طيبة هادئة وناجحة سدده الله ووفقه وحفظه هو وأبنائه …وشكرا لكم يا أبا جمال ….