تعازي ومواساة

الفقيد الغالي

 د. علي بن يحيى جابر الفيفي     

الفقيد الغالي

 نائب شيخ شمل قبائل فيفاء

  الحمد لله المتفرد بالجمال والجلال والبقاء ، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء ، وعلى آله وأصحابه الأتقياء..أما بعد :  

فسبحان من جعل الآجال محدودة ، و الأنفاس معدودة .. فمهما بلغ الإنسان في هذه الحياة من المكانة والجاه ، ومهما عُرف عنه من المحاسن والمناقب ، ومهما كان له من الأحباب والأنصار والأعوان إلا أن ذلك لا يردُّ قدراً ، ولا يؤخر أجلاً .. ولا يجعل المحبَّ قادر على أن يفتدي من يحبّه..

هو الموت لا منجى منه ولا مهربُ  

متى حطَّ ذا عن نعشه ذاك يركبُ

نؤمل آملاً   ونرجو نتاجها   

وعلَّ الردى مما نرجيه أقربُ

ونبني القصور المشمخرات في الهوى  

وفي علمنا أنا نموت وتخربُ

والمصيبة الكبرى أن الإنسان إذا مات فَقَدَ كل شيء ، ويُسأل عن كل شيء..

ولو أنا إذا متنا تركنا  

لكان الموت راحة كل حيٍّ

ولكنا إذا متنا بعثنا 

ونسأل بعده عن كل شيٍّ

هذه خلاصة الحياة ، أمد محدود ، وأجل عند الله معلوم ، ثم موت وبعده سؤال وجواب ، ثم نعيم أو عذاب.. نسأل الله جلَّ في علاه لطفه ورحمته..

ومع إيماننا بهذه الحقيقة الإيمانية المعلومة يقيناً عند كل مسلم ، ومع التسليم لله بالرضا بقضائه وقدره ، والإيمان بلطفه ورحمته بعباده..

إلا أن المسلم يحزن لفقد أحبته ، ويتألم أكثر إذا كان الفقيد ذا أثر في مجتمعه ، كمن  يكون قائداً عظيماً ، أو شيخاً حكيماً ، أو شهماً كريماً ، أو مصلحاً ساعياً في الخير بين الناس.. أو غير ذلك من الأعمال الجليلة التي لا يقوم بها إلا الموفقون من عباد الله تعالى.  

ولقد فقدت فيفاء بالأمس قائداً شهماً حبيباً ، شاباً أريباً ، متواضعاً كريماً ،  إنه نائب شيخ شمل قبائل فيفاء ، حيث فاجأه المرض  وهو في عنفوان شبابه! ، وعزّ قوته!.. فاللهم لك الحمد على كل حال.  

لقد كان باراًّ بوالده سعادة شيخ شمل قبائل فيفاء  وسنداً له!.. لقد كان نائبه في المهمات ، وسنده في الملمات .. ولكنها الأقدار التي تجري لحكمة يقدرها الله عز وجل ، فالمؤمن ليس له إلا أن يحمد الله عز وجل ويؤمن بقدره ، ويرضى بقضائه فإن الله سبحانه وتعالى قد جعل الدنيا دار اختبار وابتلاء ، والآخرة دار قرار وجزاء ، وقد وعد الصابرين على البلاء أن يوفيهم أجورهم بغير حساب! ، وأن يعطيهم عطاءً كريماً ينسيهم كل بلاء أو كدر أو ألم مرَّ بهم في هذه الحياة الفانية.

قال تعالى : ( إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) ،

وقال تعالى: ( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ) .

وفي الحديث  عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « إذا مات ولد العبد قال الله لملائكته : قبضتم ولد عبدي ، فيقولون : نعم ، فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده ، فيقولون : نعم ، فيقول: ماذا قال عبدي ؟. فيقولون : حمدك واسترجع ، فيقول الله: ابنوا لعبدي بيتاً في الجنة ، وسموه بيت الحمد » .

وفي البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « يقول الله تعالى: ما لعبدي المؤمن عندي جزاء ، إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسبه ، إلا الجنة » . والصفي هو الوالد والولد والأخ ، والزوج ، وكل من يحبّه الإنسان ويتعلق به ، ويتألم لفقده!.

إن الشيخ مبارك بن علي بن حسن السنحاني الفيفي – رحمه الله تعالى- هو فقيد الجميع في فيفاء ، إنه شيخهم وابن شيخهم ، ألمهم بفقده كبير ، ومصابهم به جلل.. ولكن نحتسبه عند الله عز وجل ، ونسأل الله أن يبدله أهلاً خيراً من أهله! ، وداراً خيراً من داره! ، كما نسأل الله جلت قدرته أن يغفر ذنبه ، ويرفع قدره ، ويعلي منزلته في جنات النعيم مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً.  

   كما لا يفوتني في هذا المقام أن أقدم صادق المواساة بأحر العبارات ، وأعمق المشاعر لسعادة شيخ شمل قبائل فيفاء الشيخ علي بن حسن السنحاني ، ولأخيه سعادة الشيخ حسين بن حسن السنحاني وجميع أسرة آل سنحان ، وكافة أبناء قبائل فيفاء في هذا المصاب الجلل.. وأقول لأهله وذويه ، وكل محبيه: أحسن الله عزاءهم ، وعظَّم أجرهم ، وجبر مصابهم ، وعوضهم خيراً .. وغفر للشيخ مبارك ورحمه ، ورفع درجته في عليين ، وتقبله في الصالحين.

كما أسأل الله جلت عظمته أن يملأ قلوبهم ونفوسهم إيماناً ويقيناً ، و صبراً واحتساباً ، ورضىً بقضاء الله وقدره  (( فإن لله ما أعطى ، وله ما أخذ ، وكل شيء عنده بأجل مسمَّى ، فليصبروا وليحتسبوا )) فإن الأولى والآخرة لله ، له الحكم وإليه ترجعون.. وإنا لله وإنا إليه راجعون. اللهم آجرنا وآجرهم في مصيبتنا واخلفنا خيراً إنك أنت أرحم الراحمين ، وأكرم الأكرمين.. ولا نقول إلا كما قال رسولنا صلى الله عليه وسلم: « إن العين تدمع ، والقلب يحزن ، ولا نقول إلا ما يرضى ربنا.. » وإنا بفراق شيخنا لمحزونون ، ولكن نحتسبه عند الله عز وجل ، ونسأله جلت قدرته وتقدست أسماؤه أن يجمعنا به في جنّات ونهر       ( فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ ) اللهم آمين ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

              

  د. علي بن يحيى جابر الفيفي      

 الأربعاء الموافق 3 ربيع الثاني 1445هـ

الفقيد الغالي

تعازي ومواساة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى