رحلة الجزائر (الحلقة الرابعة)
الاربعاء 23/8/1444هـ 15/3/2023م
بعد ان صلينا الفجر عاودنا الارتخاء إلى حوالي الثامنة ، وتعاون بعض الاخوة على تجهيز الفطور، وبعد الافطار صعدنا إلى حيث سيارتنا على الطريق العام ، وقررنا العودة صعودا إلى اعلى الجبل الذي هبطنا منه البارحة، لتشويقنا للفرجة على شاطئ في الجهة الاخرى من الجبل، يتبع منطقة وادي الزهور، وبالفعل عدنا لما يقارب الاربعة كيلومترات، ثم وجد طريقنا في القمة يفترق عن هذا الطريق إلى الشمال، فأخذنا به، فاذا نحن نطل على البحر من هذه الجهة، ونزلنا لما يقارب الثلاثة كيلو مترات، فاذا نحن امام شاطئ رملي جميل، في فسحة بين البحر والجبل، (شاطئ الخرايف سيدي عبدالرحمن) شاطئ بكر جميل.
وفي الجهة الغربية منه، كان العمل قائما على الطريق الموصل له مباشرة من وادي الزهور، الذي لا يبعد كثيرا، ويقع في سفح الجبل الذي هبطنا منه، وهناك مشروع لبناء ميناء مصغر في هذه المنطقة، وبعد أن اخذنا فكرة عن المكان وجماله، وما ينتظره لسهولة الوصول اليه، عدنا من حيث اتينا، إلى اعلى الجبل ثم هبطنا الى الجهة الجنوبية، لنصل قرية الزهور التي كنا فيها، ولنواصل سيرنا لما بعدها، وغايتنا اليوم الوصول إلى ولاية بجاية، وعاصمتها مدينة بجاية، المشهورة باسم (لؤلؤة الجزائر)، تبعد من هنا ما يقارب 170كم تقريبا، وهبطنا إلى السهول داخل وادي الزهور، وهو واد يشتهر بالزراعة، ومليء بأشجار الزيتون، ويشتهر بالبطيخ (الحبحب) والفراولة، اخذنا بالطريق يمينا القريب من البحر، واستمتعنا بالتلفيفات التي تفرضها التضاريس، بين الجبال والبحر، ومررنا بكثير من الحواضر والقرى والاودية ، في مناظر جميلة آسرة، تكسوها الخضرة من كل الاتجاهات، ومن التسميات التي سجلناها من على اللوحات في هذا الطريق، وما حولها من المعالم ما يلي، الغوينات، مازر، حيم، بويازيل، عميرة، لخلاق، المعصار، بني محروب، اسردون، وادي الكبير، بوتياس، تبريجيت، العنصر، ميري، وادي عجول، وادي معزوز، الجناح، سيدي عبدالعزيز، ميناء جن جن، بازول، الطاهير، تاسوست الجامعة، مدينة جيجل، وهي مدينة كبيرة نسبيا، وفيها (قاعدة بحرية)، مرغيطان، المنار الكبير، وادي بور شايد، مدينة العوانية، وهي (متوسطة الكبر) يقع امامها في داخل البحر جزيرة صغيرة، (جبل صغير اخضر)، عليه منتزهات على ما يبدو، وتصل اليه بالقوارب، ويأتي من بعدها مباشرة على يسار الطريق العام، كهوف غار البار، دخلنا عندها فهي ملاصقة للطريق العام، ولكن وجدناها مغلقة، ولها باب كبير مقفل.
وتابعنا سيرنا بنفس الاتجاه، وبعد مسافة ليست ببعيدة، إذ بنا نجد لوحة تشير الى مغارات على اليمين، فاوقفنا سيارتنا في مواقف معدة تطل على البحر، قبل جسر تمر من فوقه الطريق العام، يقع فوق واد كبير يقدم من الجبال، وماؤه الغزير يصب في البحر مباشرة، وتجد البحر عند مصبه متعكرا، يطغى عليه اللون البني، اخذنا طريقنا مشيا على الاقدام فوق حافة هذا الجسر الحديث، وفي نهايته قبل النفق أخذنا باليمين إلى حيث مكان هذه المغارات، وهذا المكان كان على ما يبدو هو الطريق السابق للسيارات، قبل أن ينفذ هذا النفق الحديث، ويوجد فيه مباني قديمة مهجورة، وحولها بعض الباعة يعرضون بضائعهم، وغالب بضاعهم من التحف والملبوسات الشعبية، والقلائد والميداليات التذكارية، والموقع مبني بالحجارة، في بناء قديما، تهبط من طرفه بدرج، منفّذ ببناء حلزوني جميل، وتوجد عنده لوحة مكتوب عليها (مدخل الكهوف العجيبة)، هبطنا بهذا الدرج الذي يتفرع إلى فرعين، أحدهما يسارا إلى باب المغارة، واسمها (اوقاس)، وتهبط به في حدود عشرين مترا، ثم يأتي من بعدها جسر صغير من الحديد، يربط بين صخرتين تحتهما هوة فوق البحر، بطول حوالي عشرة امتار، لتصل به مباشرة إلى باب المغارة، ولكن وجدناها ايضا مغلقة بباب حديدي، وعلى ما يبدو انها اغلقت لخطورة الانهيارات، فيشاهد اثر تساقط بعض الحجارة فوق الجسر وما جاوره.
وعدنا ادراجنا بنفس الطريق وهبطنا من الفرع الثاني، الذي يتدرج بأكثر من درجة متتالية، إلى أن تصل قريبا من مستوى البحر، في حدود ثلاثين مترا.
وكان من هناك منظر رهيب لضربات امواج البحر، التي تتكسر على الحجارة امامك، ومنه تشاهد ماء الوادي الغزير، يتغلغل بكل قوة داخل البحر، بقينا لفترة نستمتع بهذه المشاهد، ثم عاودنا الصعود إلى الاعلى، وواصلنا سيرنا إلى حيث اوقفنا سيارتنا، لنواصل طريقنا الاساسي.
وبعد النفق التالي واصلنا طريقنا إلى مدينة افتيس (مدينة صغيرة)، ثم مدينة تازه (صغيرة)، وحي موزاري عبدالله، وزيامة منصورية، والولجة، وعزير وعمر، وادي زيامة، حي عمروش علي، بوبلاطن، مدينة ملبو (صغيرة)، سوق الاثنين، لوطه، مدينة أوقس، شاطئ سيدي ريحان، أزمور، مدينة تيشي (صغيرة)، شاطئ تاغزويت، الجاببة، شاطئ اشرشور، شاطئ جوة، مدينة خليفة، زيقوط، رأس كربون، ودخلنا مدينة بجاية، مدينة يحتضنها البحر والجبل المعترض في شمالها ، جبل (يما قوريا)، ويشكل منظره كما اخبرنا رفقائنا، شكل امراة تمد رجليها، ولم نستطع تمييز هذا المنظر بوضوح، ولعله يرى كذلك من جهة معينة، أو لم نستطع التركيز كما ينبغي.
واخترقنا البلد من الجنوب إلى الشمال، هدفنا ارتقاء هذا الجبل، وفي تلفيفات بين الاحياء اسفل الجبل، اتعبتنا حتى وجدنا الطريق السليم، فلا يوجد لوحات ارشادية، واخذنا بالصعود والمدينة تتبدى اسفل منا بكاملها، وفي حدود كيلوين أو ثلاثة ينتهي طريق السيارة، في مواقف معدة هناك، وفيها ساحات وحديقة صغيرة، وامامها اكشاك العمل قائم على تجديدها، واعادة الحياة إليها، استعدادا للصيف، حيث يكثر الزوار لهذه المنطقة الجميلة وامثالها في هذا الموسم، ومن هذا المكان كنا نرى فوقنا قلعة أو حصنا، متربعا فوق قمة هذا الجبل، اسمه (حصن قورايا)، والطريق إليه مرصوفة للمشاة فقط، ومعد بطريقة متدرجة مريحة، فقررنا السير فيه، وبالفعل اتخذنا طريقنا في هذه الممر المدرج والمرصوف بالحجارة، وعليه اعمدة اضاءة تعمل بالطاقة الشمسية، ويأخذ بك هذا الممر ذات الشمال لما يقارب مائة متر، ثم يأخذك يمينا بارتفاع متدرج لحوالي ثلاثمائة متر، وفي نهايته ياخذك يسارا بنفس الطول تقريبا، ثم يسارا باقل من ذلك قليلا، ثم يمينا بحوالي مائة وخمسين مترا، فاذا انت تحت القلعة مباشرة، تصعد إليها بدرج به ما يقارب من ثلاثين درجة، فاذا انت ملاصقا لسور الحصن.
لتصعد إلى بابه بدرج قد صقلت احجاره، من كثرة تخالف الارجل عليه مع طول الزمن، وتدخل إلى قلب الحصن أو القلعة، التي قد تهدم معظم البنيان فيها، وعلى ما يبدو أنها كانت قلعة عسكرية مهمة في يوم ما، بنيانها يقع على عدة مستويات، ولم يبقى سليما فيها إلا غرفة واحدة، صامدة لم تتهدم في اعلاه، وطفنا في محيطها من كل الجهات الاربع، واكثر ما تتميز به هو اطلالتها الرائعة على البلدة في الجهة الجنوبية، اما من الجهة الشمالية والشرقية فالبحر بامتداداته الواسعة امامك، اخذنا من فوقه متعة النظر والفرجة للجمال والعظمة اسفل منا، في كل الاتجاهات.
وبعدها قررنا العودة من حيث اتينا وقد قاربت الشمس على المغادرة، بالطبع لم نكن وحدنا الصاعدون إلى هذا المكان، فقد سبقنا اخرونا ولحق بنا غيرهم، وقابلنا في الطريق من هو في طريقه للصعود، والمكان والطريق مكسو بالأشجار والخضرة، وعندما وصلنا إلى المكان الذين اوقفنا سيارتنا فيه، لمحنا اثنين من الخنازير البرية داخل الحديقة المجاورة، ما إن هممنا بتصوريهما إلا وانطلقت هاربة إلى داخل الاحراش في الجوار.
عدنا الى داخل المدينة لنبحث لنا عن فندق، واهتدينا إلى فندق (ريفير)، ثم انطلقنا نجوب شوارع البلدة، وتعشينا في احد مطاعمها، وعدنا للراحة والنوم استعدادا ليوم قادم بمشيئة الله.
الخميس 24/8/1444هـ 16/3/2023م
كان هدفنا هو الاتجاه إلى المناطق الغربية من الجزائر، وبالذات مدينتي تلمسان ووهران، لنكون اخذنا فكرة شاملة عن كامل شمال الجزائر، واهم مدنها الكبيرة، من اقصى الشرق بعنابة قرب الحدود مع تونس، ومدينة تلمسان في اقصى الغرب، قرب الحدود مع المغرب، وحددنا المقصد بمدينة تلمسان، والمسافة تقدر من بجاية (744كم)، نمر خلالها قرب العاصمة الجزائر، ومن شمال مدينة البليدة غربا، وبعد تناول الفطور في الفندق وتسليم الغرف، انطلقنا في طريقنا وكان في بدايته مزدحما والحركة محدودة بسبب هذا الزحام، لأنه بمر بكثير بين المدن والقرى والبلدات في هذا المحيط، والتلفيفات والمطبات وكثرة الشاحنات، فمعظم طرقه ضيقة ومتعرجة ومزدحمة.
وهذا اخذ منا وقتا طويلا، وجهدا مضاعفا حتى نفذنا منه إلى الخط السريع المزدوج، بعد ما يقارب الساعتين، ورصدنا في هذا الطريق كثير من البلدات والمعالم، التي مررنا بها، وهي على النحو التالي، قرية ملالة، إبو راس، القصر، أبادو، تيفرة، رميلة، سيدي عيش، سوق اوفلا، تقريت، مدينة أقبو، امالو، مدينة احنيف، جنوب جبال جرجرة (ذات الثلوج)، البويرة، عين بسام، الاخضرية، تيزي وزو، بو مرداس، زرالدة، جنوب مدينة الجزائر (العاصمة)، ولاية البليدة، الاغواط، ولاية المدية وادي العلايق، جليل، آيت زرين، حمام البيبان، العجيبة، يشلول، تكجدة، انحراف، خميس الحسنة، بوفاريك، البلدية، الطوايلة، واد بومال، بو مدفع، بن زغيمي، بلحاج الطاهر، جندل، عين الحجل، سيدي بو بغله، بني عمران، عاجة، واد مافس، عين الدفلي، خميس مليانه، الشلف، العطاف، وادي خرارة، جليدة، أولاد صلاح، أولاد زيري، أولاد عتو، واد كبرال، تيير كانين، ولاية الشلف، وادي الفضة، وادي الزوتاثية ، الحسنية، ولاية بلعباس، تسلله، وغيرها من العامر، وهي شبه متواصلة لا تكاد تنقطع، فهي ارض خصبة وغنية وواسعة، إلى أن وصلنا إلى مدينة تلمسان مع غروب الشمس، ولم نتوقف إلا لفترة محدودة، صلينا في احدى المحطات الظهر والعصر، وتزودنا بالوقود وبعض الماء والبسكويتات فقط.
وتلمسان الاسم الحالي وكانت تعرف (بوماريا وأغادير)، ومن القابها (الجدار ولؤلؤة المغرب الكبير)، اتجهنا عندما دخلنا البلدة من الشرق، وهي كمثيلاتها من معظم مدن شمال الجزائر، بطبيعتها تقع متربعة فوق تلال وفي سفوح الجبال، وهي مدينة متوسطة ولها توابع كثيرة، وتقع في العمق بعيدة عن البحر بحوالي 40كم، ولكنها كولاية تمتد إلى البحر, وهي ذات معالم اندلسية في بنيانها ومساجدها، ولا تبعد عن الحدود المغربية (مغنية) إلا بحوالي اربعين كيلومتر، وصلنا إلى فندق الزيانين فندق كبير، وفي مدخل الفندق لوحة تعرّف باسم الفندق الزيانيين، ( الزيانيون أو عبد الواد هم سلالة زينيت ـ امازيغية تحكم مملكة تلمسان في وسط المغرب العربي (الجزائر الحالية) بين القرنين الثالث عشر والسادس عشر 1234ـ 1554م، مؤسس المملكة الزيانية ياغمور أسن بن زيان، وهو اول سلاطينها، حكم مدة خمسين سنة وفتح عدة مدن).
تركنا حقائبنا في الفندق، ثم نزلنا إلى المدينة، وجلنا في احيائها القديمة، ودخلنا احد المطاعم فيها وتعشينا، ثم عدنا الى الفندق للراحة استعدادا ليوم غد بمشيئة الله.
رحلة الجزائر (الحلقة الرابعة)
والى الحلقة التالية بمشيئة الله.
محبكم / عبدالله بن علي قاسم آل طارش الفيفي ـ ابو جمال
الرياض
أمتعتنا بوصفك الدقيق وسردك الشيق بارك الله فيك