آداب

سرْبُ الشوق

للشاعرة : غيوم المليحي

سرْبُ الشوق

تقديم يسير وشيء من التأملات:

تتراءى لأعيننا «أسراب الطيور» ذاهبةً آيبةً وهي تمخر أجواء السماء آونةً وعلى الأرض المبسوطة تهبط آونة أخرى مستجيبةً لنداء فطرتها التي فطرها الله عليها.

يستغرقنا التفكير و تأخذنا الدهشة من مشهد كهذا ،وتنبسط أساريرنا في آخر الأمر إيماناً واعترافاً بقدرة الخالق العظيم .

ولاينقدح في أذهاننا من تفسيرٍ لذلك المشهد العجيب سوى أنّ تلك الكائنات وأمثالها استطابتْ فيما بينها روح الوئام والرّضى والأُلفة،واصطلحتْ بتقدير -العزيز العليم- على مواجهة أعباء حيواتها ومطالبها جماعاتٍ وفُرادى،والمُحصّلة كما في الحديث الشريف:«تغدو خماصاً وتعود بِطاناً».

وبين يدَي القرّاء «سربٌ آخر لافي السماء ولافي الأرض، هو «سرب الشوق « متجسّداً في نصّ شعري سلسٍ رائق عذب الإيحاءات.

وإذا كانت أسراب الطيور المشار إليها على تلك المثابة في تحليقها عالياً في عنان السماء، وفي اقتياتها مايتاح لها من “خشاش الأرض» من بذور وثمار وغيرها،فإنَّ النص الفنّي الذي بين أيدينا مجنّح هو الآخر و يقتاتُ من لغة البيان أدواته وصوره وأخيلته، ومن الشاعرة طاقتها المحشودة ورؤيتها وأسلوبها المتميّز في عالم الكلمة الفينانة.

ومن هنا ستصادفنا في نصّها هذا تجربة شعرية متفرّدة حفلتْ بالعديد من الإشارات واللفتات النفسية البارعة
والتوظيفات المتشحة برداء اللطافة والرّقة والجمال الإنساني.

إننا هنا -ولاريب في ذلك- أمام تجربةٍ وجدانية قلباً وقالباً،رومانسية النزعة، تجلّت فيها «نفس الشاعرة الأمّارة بالشوق» لا بالسوء الذي اصطبغت بنهره الآسن المعتكر بعض نفوس الأحياء.

كما تجلّى لنا جانبٌ من الليالي الطويلة السوداء المحيطة بالشاعرة ممثلاً في اللوعة والتسهيد ،فسمعنا
أنين مشاعرها من وراء الكلمات الموّارة بالعتاب والحنين والاستغراب والحيرة والقلق.

لقد جعلتْ الشاعرة كِيانها كلّه مسكناً كما في : «تسكنني»،وفي الوقت ذاته «هجرتْ نافذةَ الحنين » التي كانت تطلّ منها على مدار الأوقاتِ مترقبةً مجيء ذلك«الغائب الحاضر» الذي مالبث أن استحال طيفاً ملموحاً في :«سنا الأغراب» بعد أن كان ملء السمع والبصر.!

وقد يتبادر إلى الذهن أننا هنا إزاء مفارقة توحي بالتناقض في القرار لاسيّما وأنَّ الشاعرة عبّرتْ عن عشقها الأزليّ «بمازال »المفيدة للاستمرار.

فكيف نوفّق بين وفائها الإنسانيّ المكين المتغلغل في أعماقها وبين «سرب عتابها» الذي طارت مضامينه إلى مسامع مخاطَبها، خاصةً وأن ذلك «السرب العتابي» الطائر إليه لن يخلوَ بطبيعة الحال من مؤاخذات وتقريعات فوق ماعلى رفيف أجنحته من معاتبات ناريّة كثيفة؟!

أليس من شأن ذلك التصوّر -لوكان صحيحاً- أن يقوّض أركان صرحها الغرامي، وعاطفتها المترعة بالأمل، وافتراضاتها القديمة،وينزع منها تضامنها المستمر على طول الخط؟! بشيء من إعمال الفكر نستشفّ أنَّ الشاعرة مستوعبة تماماً لمايجري فهي لم تُرد إسدال الستار على قضيتها هذه، ولم ترد الاستسلام لمخاوفها فلربما كانت محض وهم ليس إلّا ولم تُرد أيضاً أن تتخلّى عن طبيعتها الإنسانية الصَّافية المرتبطة بنظرتها الكونية للأشياء قريبها وبعيدها.

وهي إلى جانب ذلك كله تؤكد له وللعالم أجمع أنَّ «ساحتها بريئة» تماماً مما اعتور تلك المملكة الغرامية من إشكالات تكاد تعصف بها وتتركها نهْباً للأعاصير والزوابع المتتابعة.

فنحن إذن بين حالتين أشبه ماتكون بالمدّ والجزر أو الشدّ والجذْب،وفي ضوئهما أمكنتنا المواءمة بين معطيات العتاب والخِصام .

والخلاصة كماهو ملحوظ أنّ صوتَ الشاعرة تفرّد بمساحات النص إجمالاً ،وآية ذلك ياء المتكلم التي اشتملت عليها أكثر مفردات النص ومبيتها وحدها في معقل الحيرة «كالمستجيرة من غرامٍ قاتل» آيةٌ أُخرى .

ويلاحظ هنا وصفها للغرام بالقاتل الذي يوحي إلينا بمقدار جبروته وحدّته وهيمنته المطلقة.

لقد سفحتْ كلماتها الرقراقة ذلك التعبير المؤثر بانسيابية ولطافة على الرّغم من موقف الاستجارة الذي هي فيه،والملابسات المتصلة به، وجاءت معاناتها الأليمة متشِّحةً بعاطفتها الجيّاشة، ورافلةً في حلل الفنّ الزاهية التي منها «السهل الممتنع»، لتصافح مشاعرنا وأحاسيسنا دون أدنى تعقيد أو التواء.

تحياتي لأُختنا الشاعرة الفاضلة وتقديري.
محمد الأمير
________________________

سرْبُ الشوق.

هاقد تعطَّل في الشفاهِ حديثُنا

ضاعتْ لغاتُي… تاهَ فيك خطابي

أمَّارةٌ بالشوق نفسي دائماً

وإليكَ أبعث سِربَه بعتابي!

مازلتَ تسكنني بكلِّ مشاعري

تهمي الليالي السودُ كالجلباب

منذ التقينا في ضفافِ قصيدةٍ

ألقاكَ تشعل بالهوى أعصابي !!

فهجرت نافذةَ الحنينِ وها أنا

ألقاك طيفاً في سنا الأغرابِ!

كالمستجيرةِ من غرامٍ قاتلٍ

عبثاََ أراكَ محابري وكتابي!

فأضمُّ طيفكَ في محاجرِ مقلتي

هذا النعيمُ وذاك جلُّ جوابي!!

 

سرْبُ الشوق

للشاعرة :غيوم المليحي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى