فخ الماعز
في عالم السينما، يُعتبر النقد الاجتماعي وسيلة فعّالة لتسليط الضوء على القضايا الاجتماعية ومعالجتها، لكن تصوير الواقع بطريقة منحازة ومُضلّلة يحرف هذا الفن ورسالته العظيمة إلى نتائج عكسية، كما هو الحال مع الفيلم الهندي “حياة الماعز” الذي يتناول المعاملة التي يلقاها العمال الأجانب في السعودية بشكل منحاز يتجاوز الحق في تناول المواضيع الاجتماعية إلى التعميم الجائر وشيطنة مجتمع بأكمله بناءً على حالة فردية لا نجزم حتى بصحتها.
البشر يتفاوتون في سلوكياتهم وتصرفاتهم، وليس من العدل أن نحكم على مجتمع كامل بناءً على أفعال أفراد أو مجموعات قليلة، فهذه المعالجة السطحية تفتقر إلى الموضوعية وتخلق صورة مشوهة وغير عادلة عن الواقع، ومحاولة تصوير المجتمع السعودي ككل بصورة سلبية واستثارة الكراهية تجاهه يُعدّ عملًا غير مسؤول، ويعكس حالة من الحقد وعدم المسؤولية أكثر من كونه نقدًا بناءً.
ومن الواضح أن كادر العمل لم يكلف نفسه حتى عناء دراسة البيئة التي وقعت فيها القصة، ونتج عن ذلك تقديم مشاهد غير واقعية تُظهر المواشي تعيش في صحراء قاحلة والعواصف الرملية تبتلع البشر، وغيرها من مشاهد التهويل التي لا تخدم الحقيقة، بل تعمق الفجوة بين الشعوب والثقافات وتزيد من سوء الفهم، في عالم تزداد الحاجة فيه إلى الحوار والتقارب لتصحيح المفاهيم الخاطئة وتعزيز التفاهم المتبادل، بدلًا من الاعتماد على التعميمات المغرضة التي لا تؤدي إلا إلى تعميق الانقسامات.
السينما ليست مجرد وسيلة ترفيه، بل هي من الأدوات القوية لتشكيل الرأي العام وبناء التصورات عن المجتمعات الأخرى؛ وعندما يتم تقديم صورة مغلوطة ومنحازة، كما هو الحال في فيلم “حياة الماعز”، يمكن أن تؤدي هذه الصورة إلى تعزيز الصور النمطية السلبية وإثارة التوترات بين الثقافات المختلفة، وهذا ليس بالأمر الهين في ظل وجود ملايين العمال الهنود في الخليج، حيث يسهل انتشار هذه الصور بسرعة وتأثيرها بشكل كبير على أمنهم ومصدر رزقهم.
ومهما بذل الفيلم من نوايا خبيثة، فإنه لن يستطيع إنكار حقيقة أن العمل في السعودية يُعتبر حلمًا للكثير من الأشخاص حول العالم، وأن السعودية قدّمت على مدى عقود فرص عمل لملايين العمال من مختلف الجنسيات وما زالت، والذين استفادوا من اقتصادها القوي والحياة الكريمة التي توفرها للملايين من الأجانب، وهناك العديد من القصص الملهمة للعمال الأجانب الذين جاؤوا إلى السعودية بحثًا عن فرص أفضل، ونجحوا في بناء حياة مستقرة وتحقيق طموحاتهم، وبعضهم أسسوا مشاريعهم الخاصة، والبعض الآخر ترقوا في وظائفهم إلى مناصب قيادية.
كما أنه من المؤسف في هذا الفيلم أن البعض من أبناء جلدتنا قد تم استدراجهم للانضمام للقطيع ووقعوا في فخ الماعز، متأثرين بهذه الصورة المشوهة التي يقدمها الفيلم، حيث إنه من المحزن أن يتم تضليل البعض واستدراجهم بغباء أو لأجندة ضيقة لتبنّي وجهات نظر مغرضة تنشر الكراهية والتفرقة بين الشعوب.
النقد البنّاء هو الذي ينبع من الرغبة في تحسين الأوضاع وتقديم حلول عملية للمشاكل القائمة، بينما النقد الهدام الذي يعتمد على التعميمات المغرضة والتشويه المتعمد لا يسهم في تحسين حياة المجتمع، بل يزيد من حدة التوتر ويعمق الفجوات بين الناس؛ ونحن لا نتمنى أن تتجه “بوليوود” لهذا الاتجاه “الهوليودي” الذي كان ولا يزال يروج لدعايته السمجة واحتقاره للشعوب وتصنيفها؛ بل نتوقع أن يتحلوا بالمسؤولية عند تناولهم لقضايا اجتماعية حساسة، وأن يسعوا لتقديم صور متوازنة وموضوعية؛ لأن النقد البناء هو ما يساعد المجتمعات على التحسن والتطور، وليس التعميم الجائر أو شيطنة الآخر.
المقالات