مقالات

قائد الأمة وجامع كلمة المسلمين

د. علي بن يحيى بن جابر الفيفي

قائد الأمة وجامع كلمة المسلمين

الحمد لله الرّزَّاق الوهَّاب ، الكريم المنّان ، لا يُحصى خيره ، ولا ينتهي منّه على عباده. يعزُّ من يشاء ويذلُّ من يشاء ، يعطي من يشاء ، ويمنع من يشاء ، عطاؤه فضلٌ وكرمٌ وجودٌ وإحسان، ومنعه عدلٌ وحكمةٌ ومشيئةٌ نافذة.

نحمده حقَّ حمده ، ونشكره شكراً يليق بجلاله وعظمته -جلَّ في علاه – على كل ما أعطانا وأولانا من النعم العظيمة الجليلة التي لا نحصيها عدّاً ، ولا نحيط بها علماً ، ولا نستطيع أن نكافِئَها حمداً وشكراً ، وإنما نعمل ما استطعنا وربنا يتقبل منّا قليل عملنا ، ويتجاوز عن ضعفنا وعجزنا وتقصيرنا ، فله – جلَّ جلاله – الحمد والفضل والمنَّةُ علينا في كل حال.

ولا شك أن أجلَّ النعم وأعظمها نفعاً ، وأعلاها قدراً هي : نعمة الإسلام والاستسلام لله رب العالمين ؛ لأن العبودية لله -سبحانه وتعالى – هي أعلى المقامات ، وأجلُّ الهِباتِ التي يُنعم بها على من شاء من عباده ، فيختارهم ويصطفيهم ويجتبيهم ؛ ليكونوا عباده وأولياءه المتقون ، وحزبه الغالبون ، كما قال تعالى: ( أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63) لَهُمُ الْبُشْرَىٰ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۚ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) [سورة يونس]. فشرط عليهم لولايته لهم : الإيمان والتقوى ، فإذا حققوا ذلك كانت لهم البشرى في الحياة الدنيا بالنصر والتمكين والغلبة على أعدائهم ، وفي الآخرة بالرضا والرضوان ، وجنّات النعيم ، التي فيها ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر.

ومن الآيات الدالة على نصر الله وتمكينه لأوليائه إذا استقاموا على طاعته قوله تعالى: (وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ ) [ سورة المائدة – 56] .

ويقول تعالى عن أوليائه الثابتين على دينه المتمسكين بطاعته الراغبين في رضاه: ( أُولَٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ ۖ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ۚ أُولَٰئِكَ حِزْبُ اللَّهِ ۚ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) ، [ سورة المجادلة – 22] .

فأجل نعم الله – عزوجل – على عباده هي : معرفة الدين الحق ، والثبات عليه ، والتمسك به ، فذلك هو سبيل الفوز والنجاة ، والنصر والتمكين ، والعون والـتأييد والتيسير من العظيم الجليل القدير – جلَّ في علاه – .  

ونحن في المملكة العربية السعودية نحمد الله – جلَّ جلاله – ونشكره على ما أسبغ علينا من نعمه الظاهرة والباطنة ، والتي من أجلّها وأعظمها بعد نعمة الدين ، نعمة الأمن والأمان ، ونعمة وحدة الصف ، واجتماع الكلمة ، وما منَّ الله به على بلادنا المباركة ، وأرضنا الطاهرة من التراحم والتلاحم بين القيادة الرشيدة والشعب السعودي الأصيل .

فالقيادة الرشيدة حازمة عادلة ، رحيمة بشعبها ، حريصة على تحقيق مصالحه ، باذلة جهدها في خدمة الدين والمقدسات والوطن وفق رؤية تسابق الزمن ، وتستشرف المستقبل ، وتوظف ثروات الوطن ، وقدرات أبنائه لتحقيق كل ما يصبو له أبناء الوطن من نماء ورخاء وازدهار ، مع توظيف كل ذلك فيما يخدم ديننا ، ويُحقق أمننا ، ويحمي وطننا من مخططات الأعداء الحاقدين المتربصين.   

والشعب السعودي الأصيل يبادل قيادته حبًّا وسمعًا وطاعةً في المعروف ، ويقتدي بها في المعالي ، ويحمل لها ولاءً صادقاً لا تزعزعه شائعات الأعداء ، وأراجيف الحاقدين مهما أرجفوا وضلَّلوا ، وكذبوا وافتروا !.

والقيادة السعودية تتميز بعقيدتها الإيمانية ، وأصالتها العربية ، وسياسته الحكيمة ، وبعد نظرها في معالجة كل قضايا الأمة العربية والإسلامية ، فهي تؤمن بدورها الإيماني والقيادي في كل شؤون الأمة وقضاياها .  

إن القيادة السعودية لا تنكفئُ على نفسها وتتجاهل قضايا الأمة أبداً ، بل هي تحمل هموم الأمة في كل مكان ، وهذا هو نهجها الثابت منذ عهد مؤسسها الملك العادل ، والقائد المؤمن التقي ، الملك عبدالعزيز بن عبد الرحمن الفيصل – طيَّب الله ثراه- ، وسار على نهجه أبناؤه البررة من بعده بكل صدق وأمانة وإخلاص ، مبتغين بذلك الأجر من الله – جلَّ جلاله – ، ومحتسبين عنده كل ما يقدّمون من خدمة لدينه وأمتهم ، وللبشرية جمعاء. 

وهذا النهج المستمدُّ من نصوص الكتاب والسنّة ، التي تدعو إلى تعاون المسلمين وتكاتفهم وتراحمهم حتى كأنهم جسد واحد في الشعور والأحزان والأفراح ، هو ما جسدته مواقف المملكة في كل القضايا والأزمات التي مرَّت بها الأمة العربية والإسلامية.

ورغم أن الأحداث والأزمات التي تعاني منها الأمة لا تزداد مع الأيام إلا اتساعاً وخطورة وتدهوراً ؛ لأسباب كثيرة ومعقدة ومتشابكة ، من أهمها :

1. ضغطُ الأعداء ومكرهم وأطماعهم التوسعية والعدوانية.

2. تأخر الأمة وتخلفها في ميادين القوة والإعداد ، والبحث العلمي ، والتزود المعرفي.

3. التشرذم والاختلاف الذي يضرب أطنابه في أوساط المجتمعات الإسلامية ، وفيما بين نخبها ومكوناتها ، مما يجعل الآراء متناقضة ، والرُّؤَى متباينة ، والأهداف والغايات متفاوتة جداًّ ، إن لم تكن متضادة!.   

4. ضعف كثير من القيادات السياسية والعلمية والمجتمعية في العالم العربي والإسلامي عن مواجهة التحديات التي تعيشها الأمة سابقاً وحاضراً ، وهذا الضعف له جوانب متعددة منها:

– ضعف الإيمان بالله والاعتماد عليه ، وصدق اللجأ له مع بذل الأسباب الواجبة في تحقيق ذلك.

– ضعف التصور والإدراك لخطورة الموقف على الأمة أرضاً وكياناً وإنساناً.

– الضعف عن وضع خطة ورؤية لمقاومة التحديات ومواجهتها وفق تكامل وتعاون صادق وشفاف مع جميع الدول والهيئات العربية والإسلامية ، بل وكل الدول التي لا تحمل عداءً ضد الأمة أو مكراً بها.

إن الأمة في هذه اللحظة التاريخية هي في أمس الحاجة إلى قائد يقودها إلى العلياء ، ورائد يدلها على مكامن قوتها ، ومواضع ضعفها ؛ لتنهض من كبوتها، وتستفيق من غفوتها ، فتجمع كلمتها ، وتوحد صفها ، وتنفض عنها غبار التخلف عن ركب التقدم العلمي ، والسباق الحضاري ، والتمكن المعرفي الذي يُغذَّى بروح التسامح والاعتدال ، والوسطية المستمدّة من سماحة الدين الإسلامي وجماله وكماله. فديننا الحنيف ينبذ الغلو والتطرف ، ويرفض التفريط والجفاء والانحلال.   

ولقد صدق وزير الأوقاف السوري في كلمته في حفل إستقبال سمو ولي العهد نيابة عن خادم الحرمين الشريفين لرؤساء بعثات الحج والمشاركين فيه من جميع دول العالم ، حيث تحدث الوزير باسم وفود بعثات الحج لهذا العام 1446هـ ، فقال في ختام كلمته موجهاً خطابه لسمو ولي العهد المعظَّم  :

” وقبل الختام سمو الأمير من القلب إلى القلب ، قلبي يحدثني وأملي بالله كبير أن يكون توحيد كلمة المسلمين على أيديكم إن شاء الله تعالى ، فلكم دور كبير في كل بقعة من بقاع العالم ، في فلسطين ، في لبنان لرفع الظلم عن المظلومين ، ومدُّ اليد إلى المقهورين ، كان آخر ذلك في سوريا الحبيبة ، ودوركم الكبير في مساعدة إخوانكم في سوريا ، ورفع العقوبات عنهم ، ومساهمتكم البنَّاءة في ذلك…

آمل وأدعو الله – عز وجل – أن يكون جمع كلمة هذه الأمة ، ونشر قيم الفضيلة والوسطية والإخاء ، والمحبة والتسامح والسلم الأهلي ، أن يكون نابعاً من هذه البقاع الطاهرة … لي أملٌ أن تطلق المملكة برعاية سموكم ، وبتوجيهات خادم الحرمين الشريفين حملة 2040 لنشر المحبة والسلام ، والإخاء والوسطية ، والتعايش بين شعوب الأرض قاطبة ، كل ذلك بالحكمة والموعظة الحسنة ، والحوار البنَّاء لتعيش البشرية في أمانٍ وسلام..”

إن سمو ولي العهد – حفظه الله ووفقه – هو القائد الأبرز الذي تُعلَّقُ به آمال المخلصين من أبناء الأمة لجمع كلمتها ، وتوحيد صفها ، والسير بها في سلّم المعالي ؛ لتستعيد قوتها وهيبتها ومكانتها في مصافّ الأمم المتقدمة.

إن قيادة الأمة نحو نهضة شاملة ، وتقدم ملموس يحقق الآمال ، ويلامس التطلعات ، كل ذلك يتطلب قائداً فذًّا عظيماً يمتلك مزيجاً من الصفات الدينية والسياسية والفكرية والإدارية ، والتي من أهمها :

 أولاً : أن يكون قوي الإيمان بالله تعالى ، متمسكاً بقيم الإسلام السمحة ؛ ليستمدَّ بذلك العون والنصر والتمكين من الله – جلَّ جلاله – ؛ وليكون قدوة حسنة في أخلاقه وأفعاله وتصرفاته.

ثانياً : أن يتحلى بالكفاءة الإدارية والقيادية المتميزة في إدارة شؤون الدولة والمؤسسات ، ليشكل فريق عمل متناسق ومتكامل ، وقوي وفعَّال ، ويوزع المهام حسب الكفاءة والقدرة والتخصص.

ثالثاً : أن يكون ذا علم واطلاع عام في مختلف مجالات الحياة ، السياسية والاقتصادية والإدارية.

رابعاً : أن يتحلى بالشجاعة والحزم المقرونان بالحكمة والعدل ، ليتمكن من مواجهة التحديات ، واتخاذ القرارات الجريئة واللازمة في الوقت المناسب، وبالقدر المناسب ، ليدرأ المفاسد عن الأمة ، ويُحقق مصالحها دون حيف أو ظلم.        

خامساً : أن يكون لديه القدرة الكافية ، والإمكانية المؤثرة في تحقيق وحدة الأمة ، ونبذ الفرقة والتشرذم – وهذه مسألة مهمة جدًّا في ظل التحديات التي تواجه دول الأمة وشعوبها – ، فينبغي أن يكون قادراً على لمِّ الشمل ، وجمع الكلمة ، وتوحيد الصف ، ونبذ الخلافات السياسية والعرقية والمذهبية التي مزَّقت الأمة ، وأوهنت قوتها.

إن وحدة الأمة ونهضتها ، واستعادة قوتها وعزتها هو أمل كل مسلم محبٌّ لدينه ، معتز بأمته وتاريخها المجيد ، ولكن تحقيق ذلك في ظل الأوضاع الحالية هو حمل كبير تنوءُ به الجبال الراسيات! .. ومع كل ذلك فأملنا بالله كبير ولا حدود له! ، وإيماننا بنصره وتمكينه لأمة الإسلام راسخ في أعماق قلوبنا ، وأعيننا شاخصة إلى سمو ولي العهد المُفدَّى ، فهو ابن الأمة البار ، وقائدها الكرَّار ؛ ليقود الأمة نحو وحدتها ، وجمع كلمتها ، لتكون كلمتها واحدة ، وصفها متحداً في سلمها وحربها ، وفي أفراحها وأتراحها ،  فكما وحَّد جده قبائل شبه الجزيرة العربية على عقيدة صافية ، ومنهج قويم ، وأقام بهم دولة مترامية الأطراف ، متماسكة الأركان ، قوية البنيان ، متحدة في قولها وفعلها وتوجهها ، لا يعكر صفو وحدتها، ونقاء عقيدتها مكدر – ولله الحمد والفضل والمنَّة – ، فكذلك سمو ولي العهد نأمل وندعو الله – عز وجل – أن يُعزه وينصره ويمكِّنه من جمع كلمة الأمة وتوحيد صفّها ، وقيادتها إلى ما فيه عزها ومجدها وسؤددها.. ( وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ).  

قائد الأمة وجامع كلمة المسلمين

الاثنين 13 ذي الحجة 1446هـ .

‫3 تعليقات

  1. بارك الله فيك من كاتب راقي فكراً وعقلاً وعلماً..

    لقد أجاد وأفاد فضيلة الشيخ الدكتور – علي بن يحي الفيفي .. وأحسن حين سطر مقالًا بليغًا وجميلًا في سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود – حيث أمتزجت كلماته بروح الوفاء وصدق الانتماء فجاء المقال صورة ناصعة تعبّر عن حب صادق وإمتنان عميق لقائد نهض بوطنه وارتقى بمكانته بين الأمم..

    تميّز مقال الشيخ الحموي بجزالة اللغة وعمق الفكرة وسلامة الرؤية فلم يكن مجرد ثناء تقليدي بل كان شهادة منصفة تستقر في القلوب والعقول..
    فقد سلط الضوء على الأدوار الجليلة التي يؤديها سمو ولي العهد سواء في الساحة المحلية بتحقيق التنمية والتحديث أو في الساحة الدولية حيث أصبح وجه المملكة المشرق وصوتها الحكيم في المحافل العالمية..

    ولعل من أبهى ما ورد في المقال هو إبراز سموه كقائد يحمل همّ الأمة الإسلامية والعربية ويعمل على تعزيز وحدتها ونصرة قضاياها بكل حنكة وبعد نظر..
    وقد وفِّق الشيخ في إظهار هذه الأبعاد بصدق وأمانة بعيدًا عن المبالغة بل بأسلوب راقٍ يمزج بين الاعتزاز الوطني والروح الإسلامية الجامعة..

    أجزم أن كل من أطلع وقرأ يثمّن هذا المقال الرائع ويرفع أكف الدعاء للشيخ – علي بأن يبارك الله في قلمه ويزيده توفيقاً وسداداً كما نسأل الله أن يحفظ خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وسمو ولي العهد محمد بن سلمان ويعينهما على مواصلة مسيرة الإصلاح والبناء لما فيه خير الوطن والأمة..

  2. يعطيك العافيه ابا عبد الرحمن.
    ونسأل الله أن يحقق كل ماذكرت .

    وبارك الله في جهود ولي العهد حفظه الله واعانه ويسر له ما يصبوا اليه من رفعة وتقدم للمملكة. والعرب والمسلمين

  3. بارك الله فيك – ياشيخ علي…
    مقال رائع جداً جزاك الله خير الجزاء
    وبارك الله في جهود ولي العهد ونسأل الله أن يحفظه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى