مقالات

مذكرات ومواقف (17)

بقلم : موسى أحمد العبدلي

مذكرات ومواقف (17)

الهادئ :

في الطفولة نجد تباين كبير بين تصرفات الأطفال فمنهم من نراه وحيدًا لا يحب الاختلاط بزملائه، ومنهم كثير الحركة الذي لا يتوقف، وهذه الصفات موجودة في حياة الأطفال بشكل متفاوت ، في المدرسة ، البيت ، الحي ، العائلة والشارع ، وهذه الصفات تخلق مواقف وذكريات للطفل على مدى حياته، وقد تكون ذكريات ذاتية لا ترتبط بأحد سوى مع ذات الشخصية الطفولية ، وهذه الذكريات التي ارتبطت بصفة  الانطواء أو كثرة الحركة تبقى عالقة في الذهن بل أن معظمها يكون عاملاً من عوامل تكون الشخصية مستقبلاً ،وقد ذكرت ذلك مرارًا في صفحات هذه المواقف والذكريات، بالنسبة لي فقد اتسمت بصفة الحركة الكثيرة في طفولتي ، هكذا رأيت من خلال المواقف والذكريات التي ذكرنا بعضاً منها في هذه السلسة حتى أتى شخص مهم في حياتي كان له رأي آخر. مذكرات ومواقف (17)

مصدر اللقب؟

لا زلت أذكر استاذً سودانياً فاضلاً تتلمذت على يديه في الصف الخامس والسادس الابتدائي، كان اسمه الأستاذ عز الدين فقد أطلق علي هذا الاستاذ لقب “الهادئ”، كلمة بسيطة جداً، لكنها كانت بالنسبة لي ذات مدلولات كثيرة، حتى أن هذه الصفة استمرت معي حتى اليوم، ورسخت في ذاكرتي أن الهدوء هو المفتاح الأول للنجاح، وهذا الصفة (الهدوء) استطعت بفضل الله تجاوز الكثير من المشاكل بل وحلها أيضا، ليس على مستوى العمل بل على المستوى الاجتماعي والعائلة.مذكرات ومواقف (17)

لا أشك أبداً أن الهدوء يجعلنا متحررين من الأفكار السلبية والأصوات الداخلية والخارجية السيئة، ويجعلنا أكثر حكمة وروية في التعامل مع المواقف، ولا يعني هذا المثالية المطلقة في التعامل، فنحن بشر، فهناك مواقف نكون عاجزين أمامها في التعامل الحسن كوننا بشر، لكن مهما يكن من أخطاء ارتكبت فلابد أن نجعل لنا خط رجعة نصوب ما يحتاج للتصويب، وبهذا نسيطر على الأحداث من جديد، ولا نجعلها هي المسيطرة.

قد تدعي الهدوء بينما عقلك في حفل صاخب

الهادئ كلمة سمعتها لاحقا من مدراءي ومرؤوسي في العمل ومن زملائي وجيراني وعائلتي، ربما أنه كان طبعي هكذا، لكني بكل تأكيد لم أكن أعرف لحداثة سني، الأستاذ الفاضل هو من اكتشف هذه الصفة وغرسها في نفسي وفهمتها من خلاله على مدى سنتين كاملة.

وكما لكلمة (الهادئ) مميزات فهي أيضاً تحمل سلبيات خطيرة متى مارسنا الهدوء في غير مكانه، فقد نفقد فرصاً عظيمة لا تتكرر، إذاً علينا أن نميز بين المواقف والأحداث جيداً، فما يحتاج إلى الهدوء في موقف ما، قد يحتاج إلى السرعة في مواقف آخر.

التوقيت في اتخاذ القرار

لا أخفيكم أن الهدوء قد أفقدني الكثير من الفرص كانت في متناول يدي، ثم أدركت أنني لم أنجح في استخدام الهدوء في هذا الموقف، وهكذا لا زلت أدرس جيداً هذه الكلمة القصيرة والعظيمة في محتواها عند ممارستها.

عند الحديث عن المشاكل الاجتماعية، وما يتم نقله لنا عن الأشخاص، أو الحكم على الآخرين وكذلك العملية الإدارية تحتاج منا الهدوء قبل اتخاذ القرار، في حين أن اقتناص الفرص؛ تحتاج منا إلى المبادرة السريعة وعدم الانتظار، فقط نحتاج إلى تحليل سريع للنتائج المتوقعة لاقتناص الفرصة لنكون قادرين على التعامل مع الموقف الجديد سلبا كان أو إيجابا.

ولا يعني أن كلمة (الهدوء) التنازل عن الحقوق أو اتخاذ موقف معين أيا كان؛ بقدر ما تعني التوقيت الجيد في اتخاذ موقف يعبر عن رأيك ووجهة نظرك سواء كان فعلاً أو قولاً.

الهدوء كلمة تجلب لنا أكثر مما نخسره، فحري بنا الاتصاف بها.

مذكرات ومواقف (17)

‫2 تعليقات

  1. ما شاءالله تبارك الله كلمه بسيطه ولكنها وصلت وعملت بها وفقك الله ويسر أمرك.. الخاتمه رهيبه أعجبتني 👍🏻

    1. بارك الله فيك ابو فيصل يروق لي اقرأ هذه المذكرات الرائعه التي لا تخلو من العبر فبارك الله فيك .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى