مقالات

مذكرات ومواقف (18)

أ. موسى أحمد العبدلي

مذكرات ومواقف (18)

التخرج الأول

وهنا نصل إلى مرحلة مهمة من مراحل الطفولة وهي إتمام الدراسة الابتدائية والحصول على الشهادة في حفل بهيج يحضره أولياء الأمور وتجلس الأمهات في شرفات منازلهن يستمعن إلى أسماء الخريجين بصوت المعلم القدير/ موسى محمد الفيفي مدير مدرسة نيد الضالع الابتدائية عبر مكبر الصوت الذي يتردد صوته عبر الوديان والبقع المجاورة.

فقد كانت حفلات التخرج من الصف السادس علامة تجارية مسجلة لهذا المعلم الفذ الذي غرس حب الطموح وحب التحدي في نفوس الطلاب الطامحين، ولم تكن تلك الشجرة الكبيرة في فناء المدرسة سوى رمز بقي محفوراً في ذاكرتي وذاكرة جميع الطلاب الذين كان لهم حظ الدراسة في تلك المدرسة التي إن جاز لي التعبير سميتها جامعة، شجرة (الشداني) كما نسميها في فيفاء وهي شجرة سدر كبيرة تظل فناء المدرسة ويتجمع الطلاب تحتها أثناء الفسحة والاختبارات، ولا ننسى الدكاكين مثل دكان أحمد محمد العمري رحمه الله تعلى، فقد كنت استأنس به كثيرا لمعرفة سابقة به حيث أننا كنا أنا وأخي حسن نذهب إلى دكانه في منزلهم في -إمفستوع -في قبيلة العمريين لشراء بعض احتياجات المنزل ، هذا الدكان لازلت أشم رائحته إلى اليوم وانتقلت تلك الرائحة أيضاً إلى دكانه في نيد الضالع ، وكيف كان يدير دكانه بكل براعة وأمانة حيث أحبه الجميع لصدقه وأمانته في البيع خاصة مع الأطفال ، وفي يوم التخرج لابد لنا من شيء من المفرحات كما يسميها أبنائي اليوم من ذلك الدكان العجيب.

كُنَّا في الصفوف الأولى ننظر إلى طلاب الصف السادس بأنهم في موقع مرموق وأنهم في صفوة النبلاء، فعددهم قليل وأجسامهم أطول واحترام المعلمين لهم ملموس وسوف يغادرون المدرسة إلى مدرسة أخرى في السنة التالية.

 ما كنت أراه بالأمس صار واقعاً اليوم، وبدأت أتقمص شخصية النبلاء والطلاب المهمين كيف لا؟ وقد أصبحت في طابور الصباح ضمن هذا الصف المهيب، حتى أنني أرى من هم في الصفوف الأولى في مستوى أقل، في حين أراني في مرحلة كبيرة، هذا الشعور قابله شعور غريب في الفصل الدراسي الثاني وهو قرب انتهاء علاقتي بهذه المدرسة التي قضيت فيها أجمل أيام الدارسة.

في يوم التتويج انتابني شعور بالحصول على ترتيب متقدم، فقد أجبت بشكل صحيح في الاختبارات، ومنافسي في نفس مستوى تقريبا، والترتيب الذي كنت أحلم به هو الحصول على المرتبة الثانية، لأن المرتبة الأولى هي حصراً لولد عمتي وأخي من الرضاع-سالم مفرح حفظه الله – وكنت أنا وابن عمي الآخر- جابر سلمان حفظه الله- نتنافس على الترتيب الثاني، وكذلك ابن عمتي/ محمد مفرح حفظه الله حيث أنهم كانوا منافسين اقوياء وأذكياء ويذاكرون بكل اجتهاد وفي كثير من المرات لا أستطيع أن اتفوق عليهم، وهذا ما حصل فقد حصل ابن عمي على الترتيب الثاني في حين كنت في الترتيب الثالث أو الرابع لم أعد أتذكر- ومع كل هذا التنافس الشريف كنا نهنئ بعضنا ونفرح بنجاحنا.

في مدرسة نيد الضالع الابتدائية في مبناها القديم ذكريات لا تنسى لكل أبناء جيلي حيث كنت ضمن الدفعة الرابعة منذ بداية افتتاحها عام 1395 هجرية ، وكان هناك بعض المعلمين من جنسيات عربية كان لهم أثر في تعليم أبناء فيفاء في ذلك الزمن هذا الأثر كان إيجابياً في بعضها وسلبياً في بعضها الآخر نظير العنف الذي كان يمارس على الطلاب من الضرب إلى التعذيب أحياناً وإلى إهانة الطلاب في ذوات شخصياتهم في أحيان كثيرة، لكن هذا لم يستمر في عهد الأستاذ القدير والمربي الفاضل / موسى محمد الفيفي مدير المدرسة ومع وجود معلمين أكفاء من أبناء فيفاء في ذلك الوقت وكان منهم الأساتذة الأجلاء: محمد سلمان الفيفي ، حسين موسى الفيفي، أحمد موسى الفيفي، مبره الفيفي ، ولا أنسى الشخصية المؤثرة جدا في تلك المدرسة وشاعر زمانه العم سلمان يحي الفيفي- رحمه الله – الذي كان يحتوينا بكل عطف أبوي حنون ويتوسط لنا عند إدارة المدرسة عندما يتم التقصير في حل واجبات المدرسة أو حتى الغياب.

لم تكن مغادرة هذه المدرسة بكل ما فيها من ذكريات شيء سهل فقد اعتدنا على كل شيء فيها، فناؤها وجدرانها ونوافذها ومعلميها، مرحلة مهمة سوف ننتقل بعدها إلى مدرسة أخرى وكأننا نبدأ من جديد ونصنع ذكريات جديدة تستمر معها الحياة.

حملت شهادة التخرج الأول في حياتي التعليمية وعشت فرحتها كطفل، ليس هذا فحسب بل أخذت ملفي الدراسي كاملاً، وكأن المدرسة تقول اذهب فلن نراك مجدداً، وكان هذا الملف يحمل صورة قديمة لي ، صارت حديث العائلة وقتها.

الانتقال من المرحلة الابتدائية إلى المرحلة المتوسط يعني مرحلة جديدة في حياتي أسميتها مرحلة البرزخ وهو عنوان افتتاحي للجزء الثاني من سلسلة (مواقف وذكريات).

وهنا يكون قد أنهينا الجزء الأول من سلسلة (مواقف وذكريات) التي رأينا نشرها، ولا زالت هناك الكثير من الأسرار والذكريات والمواقف التي سوف تكون ضمن الكتاب المراد نشره بإذن الله، وأختم هذا الجزء بالشكر والعرفان والاحترام لكل من علمني حرفا وأدبني سلوكا ولفظا ولكل منسوبي مدرسة نيد الضالع الابتدائية من إداريين وفراشين ومعلمين وسائقين سائلا المولى عز وجل أن يتغمد من مات منهم بواسع رحمته وأن يمتع الأحياء منهم بالصحة والعافية.

ما أن تنتهي مرحلة من مراحل حياتنا إلا وتتبعها مرحلة أخرى مهمة علينا الاستعداد الجيد لها.

المقالات

‫3 تعليقات

  1. أحسنت ابو فيصل التعبير … نعم ذكريات لا تنسى منها الحلو ومنها المر ولكن لازم نذكر الإيجابيات وننسى السلبيات .. اذكر يوم قالوا لنا ذا يبغا لو كرسي وماسه يجيبها بها في امسربه تقريبا والله اعلم في صف ثالث او رابع ، وفعلا جبتها طبعا بمساعدة ابي رحمة الله عليه وكان فرحتنا لا تنسى ورائحة الكرسي واماسه عالقه في عقلي حتى الان رائحه مميزه سبحان الله ،وشي غير معقول تجلس على كرسي وماسه تضع فيها الكتب وامشمطه تعلقها بجنب اماسه حاجه ما كنا نحلم فيها … للتوضيح كنا نسمي في وقتها للطاوله( ماسه ) تذكرت هذا الموقف الحلو الذي لا انساه من عدة ذكريات جميله مع هذه المدرسه المميزه ومديرها المميز الاستاذ موسى وفقه الله .

  2. مقال رائع وحقبة لاتنسى من حياة كل طفل تم سردها بتفاصيل تشد القارئ بانتظار المرحلة المقبلة بالتأكيد ستكون ذات تفاصيل أكثر وقصص اكثر

  3. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    هنيئا لك هذا القلم الرائع
    عشت مع القصه لحظات الدراسه وعشت جو ولحظات التخرج
    والمكان وتذكرت الاسماء ولحظات الوداع وصوت الاستاذ موسى
    والتنافس الشريف
    شكرا لك من القلب وننتظر نقل كل هذه اللحظات والقصص بكتاب يستفيد منه الابناء
    تقبل تحياتي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى