مكة تُهيئ مشاعرها لضيوف الرحمن
تتصدَّر المملكة العربية السعودية في هذه الأيام اهتمامات وسائل الإعلام العالمية وهي تترقب موسم الحج الأعظم، وتتطلع نحوها أنظار وقلوب أكثر من مليار ونصف المليار مسلم وهم يشاهدون ضيوف الرحمن يتنقلون بسهولة ويُسر بين مكة المكرمة والمدينة المنورة، تغمرهم السعادة، ويملأ وجوههم الأمل، ويحظون بعناية فائقة، وفّرتها لهم الأجهزة المختصة ذات العلاقة بأعمال الحج، بإمكانات ضخمة ومقدرات هائلة، وإشراف مباشر من القيادة على أعلى مستوياتها.
بطبيعة الحال، إن هناك نسبة كبيرة من هؤلاء الحجاج من المرضى الذين يجدون عناية خاصة، ويُمنحون الأولوية على من سواهم؛ إذ لا يقتصر الاهتمام بهم على معالجتهم من الأمراض الطارئة التي قد تصيبهم، بل تُجرى لكثير منهم عمليات جراحية معقدة لأمراض مزمنة.. فإحصاءات وزارة الصحة تشير إلى أن كثيرًا من عمليات القلب المفتوح تُجرى للحجاج سنويًّا مجانًا.
وبالرغم من أن حالة بعضهم الصحية قد تكون حرجة إلا أن السلطات السعودية تحرص على أدائهم فريضة الحج التي قَدِموا لأجلها، وعدم تفويت الفرصة عليهم، حتى لو تطلب الأمر نقلهم بطائرات مروحية؛ لتمكينهم من حضور نسك الوقوف على صعيد عرفة.
كما تولي السلطات السعودية اهتمامًا كبيرًا لتجويد الخدمات المقدمة لهذه الحشود الضخمة التي تتحرك في أوقات متشابهة داخل بقعة جغرافية محددة؛ وهو ما يُشكل تحديًا هائلاً لضمان سلامتها، وتلبية احتياجاتها.. وهو ما بات يعرف باسم “إدارة الحشود”، وهي عملية معقدة، وبالغة الصعوبة، لكن السلطات السعودية أكدت باستمرار القدرة على تنفيذها باحترافية عالية.
هناك قصص إنسانية تحدث على هامش موسم الحج، لكنها تستأثر باهتمام وسائل الإعلام العالمية، وهي تتعلق بتعامُل الأفراد مع الحجيج. وقد شهدنا كيف أن كثيرًا من الصحف والفضائيات الغربية أفردت مساحات واسعة لمتابعة رجل الأمن الذي خلع حذاءه وألبسه لامرأة كبيرة في السن، وسار معها حافي القدمين حتى أوصلها إلى مقر سكنها والابتسامة لم تفارق شفتيه.. وكم كان ذلك الجندي شهمًا عندما ساعد رجلاً مسنًّا، سقط من الإعياء أثناء الطواف، فحمله على ظهره، وأكمل له طوافه. وكذلك أعضاء فريق الكشافة الذين يقفون في عز الظهيرة؛ ليوزعوا مياه الشرب على الحجاج، ويقوموا برش رذاذ الماء على وجوههم؛ لتلطيف حرارة الأجواء.
هذه التصرفات التي نقوم بها بصورة عفوية تلفت انتباه الآخرين؛ لذلك ينبغي أن تُسلِّط عليها وسائل إعلامنا اهتمامها، وتنقلها للعالم، ليس للتفاخر والتباهي، ولكن لتقديم فكرة حقيقية عن الإنسان السعودي، واستعداده لتقديم المساعدة لكل من هو بحاجة إليها.
ومن الضروري ألا يقتصر هذا الجهد على الأجهزة الرسمية أو المؤسسات الإعلامية فقط، بل إن الناشطين على وسائل التواصل الإعلامي يمكنهم المشاركة فيها بصورة أفضل؛ لأن الفعل الشعبي يكتسب مصداقية أكبر؛ لذلك بإمكانهم نشر هذه القصص والصور على حساباتهم الشخصية، ولاسيما في ظل ما تتمتع به تلك الوسائط من انتشار وقدرة على الوصول للجميع.. وبذلك نكون قد أسهمنا في تعزيز صورتنا الذهنية الإيجابية لدى الآخرين بأكثر مما تقوم به حملة علاقات عامة، تتطلب إنفاق ملايين الدولارات.