مقالات

وجوهٌ تعيد للمهرجان صوته القديم

بقلم حمد دقدقي

أثناء زيارتي لمدينة الرياض، كانت الأرواح تسبق الخطى؛ تجرّ خلفها حقائب من الحنين لسنواتٍ جمعتنا على أرض الجنادرية. هناك، حيث كنا نكبر مع المهرجان عامًا بعد عام، كان موعد اللقاء مع زملاءٍ سكنت وجوههم ذاكرة القلب قبل ذاكرة المكان.

استضافنا الأستاذ عبدالله الفرحان، رئيس لجنة الفنون الشعبية، رجلٌ يعرف كيف يفتح أبواب الودّ وكأنها جزء من إرثه.


وعلى مائدة العشاء، لم يكن الطعام هو ما اجتمعنا حوله… بل عبق الماضي، ودفء تلك السنوات التي ما زالت تنبض في صدورنا. اجتمع الرفاق؛ الأستاذ سعود عبدالله الرومي والأستاذ عبدالرحمن البواردي،
والأستاذ عبدالله الفرحان، ورئيس الفنون الشعبية بحازان عيسى غزاوي وكوكبة من زملاء الإدارة العامة للمهرجان الوطني للتراث والثقافة…

رجالٌ كانوا—كما يعرفهم كل من مرّ بالجنادرية— خط الدفاع الأول، وواجهة الترحيب، وأصحاب البصمات التي نسجت خيوط الانطباع الأول لكل حرفيٍّ ووفدٍ وزائر.

كانوا يسهّلون الإجراءات، ويوفرون السكن، ويهيئون الظروف، ويُشعرون كل مشارك بأن الوطن يفتح ذراعيه له. لم يكن ذلك عملاً بروتينيًا، بل كان شغفًا خالصًا و انتماءً نقيًا و وفاءً لتراثٍ يعيش فيهم قبل أن يعيش في المهرجان.

وفي لحظة من لحظات المساء، ابتسم الأستاذ سعود الرومي ابتسامته التي نعرفها؛ ابتسامة قائدٍ أدرك معنى أن تخدم الذاكرة الوطنية ثلاثين عامًا دون أن تفقد وهج البداية.

كان حديثه موزونًا كخطى أمين على كنز، رجلٌ صاغ ملامح الجنادرية، ورسم دروبها، وأعاد للحرفة هيبتها وللتراث حضوره.

ثلاثة عقود… لم يكن فيها الرومي مديرًا وحسب، بل حارسًا للهوية، و رفيقًا للحرفيين، و عينًا لا تنام على تفاصيل الجمال.


جمع المثقفين والموهوبين والحرفيين تحت سقفٍ واحد، ليصنع منظومة متكاملة ما زالت آثارها ماثلة حتى بعد أكثر من خمس سنوات على تقاعده. بقي شامخًا كما عهدناه، لا تُسقطه السنون، ولا تُغادره بصمته الإدارية التي باتت علامةً فارقة في تاريخ المهرجان. ذلك اللقاء لم يكن اجتماعًا عابرًا…كان نزهةً للذاكرة،
ورحلةً إلى أعماق الجنادرية التي عشنا فيها أجمل الأيام.


كان الليل يشبه احتفاءً خفيًّا بنا نحن الذين حملنا المهرجان في قلوبنا، وبقي فينا رغم مرور الزمن.
م تكن الجنادرية مهرجانًا فقط كانت نافذة وطن…وحين كنا نجتمع حولها، كنا نسمع صوت الماضي يهمس:ما زلتم هنا… وما زال الوفاء يكتب اسمه
.


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى