أحداث سوريا.. كيف ننظر لها ؟!
- مما ينبغي لكل مسلم معظم لربه ، ومعتز بدينه ، ومحب لأمته الإسلامية في كل مكان ، أن يسجد لله شكراً ، وأن يلهج بالثناء على الله تعظيماً وتمجيداً ، وحباًّ وشكراً ؛ لأن الأمة جسد واحد ، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى .. وكم شكت سوريا الشقيقة واستنجدت؟! ، وكم بكت وانتحبت! .. كم صرخت حرائرها من الخوف والإهانة والعار! ، وكم بكى شيبانها كمداً وألماً ! ، وكم عاش أهل الحق والإيمان فيها ألواناً من الضيم والذل والهوان!!.. فإذا لم يكن زوال الظلم والاستبداد عنهم نصراً ، فما هو النصر؟!.. وإذا لم تكن عودة المهجرين إلى بيوتهم ، وخروج المغيبين من سجون القمع والذل والإهانة والتقاؤهم بأهليهم فرحةً كبرى ، ونصراً للحق وأهله فما هو النصر؟!.. وإذا لم يكن القضاء على مليشيات المجوس الرافضية ، وشبِّيحة النصيرية الباطنية نصراً لأهل الحق والإيمان فقولوا لي بربكم ما هو النصر؟!!.
فيا ربنا نسجد لك شكراً وحمداً وتعظيماً ، فلك الحمد والشكر والمنّة على عبادك المؤمنين في كل مكان وزمان! .. وعزتك وجلالك إننا مقرون معترفون بضعفنا ، وهواننا على الناس ، وتقصيرنا في حقك العظيم ، ونؤمن ونوقن بأنه لا حول لنا ولا قوة إلا بك ، أنت الذي تنصر عبادك الموحدين ، وتدافع عن المؤمنين ، وتوهن كيد الكافرين ، وتقطع دابر القوم الظالمين ، والحمد لله رب العالمين.
- ما حصل في سوريا الشقيقة من دحر البعث المجرم! ، والباطنية النصيرية ، والمليشيات الرافضية هو قدر كوني قدَّره الله عز وجل لحكم جليلة ، وفوائد عظيمة ، وما كان فيه من الخير والطاعة والعبادة ، والنفع لعباد الله تعالى ، والإحسان إليهم وتفريج كربهم ، ورفع الضيم والذل عنهم ، فهو مما اجتمعت فيه المشيئة النافذة ، والإرادة الشرعية التي يحبها الله ويرضاها لعباده جلت قدرته ، وتقدست أسماؤه.. ولا شك أن في غلاة الباطنية النصيرية ، والرافضة المجوس من هو أكفر من اليهود والنصارى ، وأشدُّ عداءً وحقداً على أهل الإسلام! ، وقد رأيناهم يجبرون الأسرى على الكفر بالله!! جلَّت قدرته وتقدست أسماؤه ، وعلى تأليه بشار! ، والقول بأن بشار أحسن من الله!!! تعالى الله عمَّا يقول الكافرون علواً كبيراً ، بل ويجبرون بعض الأسرى على أن يقولوا إنهم يعبدون بشاراً ويصلون له! ، ويسجدون له!!.. فهل القضاء على أؤلئك الزنادقة ، وتخليص العباد والبلاد من شرهم لا يعدُّ نصراً وتمكيناً لعباد الله المستضعفين في تلك البلاد؟!.
- النصر الذي تحقق ما زال في مهده! ، ولقد وُلد من رحم معاناة كبرى استمرت عقوداً من الزمن! ، وما زال محفوفاً بالمخاطر المحدقة بسوريا الشقيقة من كل جانب! .. ويجب أن يعلم الشعب السوري بحكومته وقياداته لجديدة ، وكل أطياف الشعب السوري الشقيق أن من أوجب الواجب عليهم في المرحلة الحالية ، عدة مسائل:
أولها : الحرص التام على تقوية اللحمة الوطنية دون مزايدات أو عنصريات مقيتة ، وأن لا يفتحوا للجهات الخارجية مجالاً للتدخل في رسم سياسات الوطن العزيز.
ثانياً: يجب تأمين الحدود وضبطها بأسرع وقت ممكن ، منعاً لدخول المخربين والمهربين والمليشيات الضالة ، وجواسيس الأعداء المتربصين.
ثالثاً: ضبط الأمن الداخلي مع الهدوء والعقلانية في التعامل مع أي حوادث قد تقع ، أو تُفتعل! ، مع الإسراع في تفعيل المؤسسات الخدمية التي تلبي حاجات الناس ، وتنهي إجراءاتهم الضرورية.
رابعاً: الإسراع بتفعيل ممثلي الدولة السورية في الهيئات الدولية مع الحرص التام على اختيار الأشخاص ذو الكفاءة العالية ، وحب الوطن والاعتزاز بخدمته ، والحفاظ على سيادته بكل أمانة وإخلاص.
خامساً: لا بد للحكومة الحالية أن تستعين بالضباط الكبار أهل الخبرة والقدرة القيادية ليتم إعادة وحدات الجيش للعمل الميداني المنضبط وفق المفهوم العسكري في أقرب وقت ممكن ، حتى تتمكن من إنهاء التنظيمات والفصائل المسلحة ودمجها في قوة واحدة وهيكلتها وفق الخطة التي تعتمدها قيادة وزارة الدفاع المكونة من نخبة منتقاة من خيرة ضباط الجيش السوري.
سادساً: لا بد من عمل جهد مضاعف لتحقيق توعية دينية معتدلة ، توضح سماحة الدين الإسلامي ووسطيته ، وترفض كل أشكال العنف والتطرف والإرهاب ، ولا تسمح لأي فصيل أو طائفة أو فئة برفع شعارات تخالف ما ترسمه الحكومة السورية لمواجهة التحديات والمشاكل الخارجية التي تهدد الوطن كله!.. ولا بد أن توجد حملة توعية فكرية وسياسية توضح للناس أهمية بناء الدولة على أسس وقواعد ثابتة تخدم الجميع ، وتحقق المصلحة العامة للشعب السوري كافة ، وأن يسعى الجميع للنهوض بالوطن في كل مناحي الحياة ، وأن يكون ذلك بسواعد أبنائه المحبين المخلصين لوطنهم وأمتهم.
- رغم النصر الذي تحقق فالشعب السوري بأكمله منهكةٌ قواه! ، ومدمّرة كل مدنه ومحافظاته وأريافه ، والناس يعانون فقراً مدقعاً ، وعوزاً شديداً ، وآلاماً وأحزاناً – تطول آثارها – بسبب فقد أقاربهم ، وتدمير ممتلكاتهم ، والقضاء التام على بنية وطنهم بشكل لا نظير له!.. ولذلك ، فليس من الحكمة الدخول في أي مواجهة عسكرية كبرى مع الكيان الصهيوني أو غيره ، لا سيما في هذه المرحلة الحرجة ، وإنما على الحكومة السورية أن تستعين بالدول العربية بالتواصل المباشر مع الدول المؤثرة ، وعبر الاستعانة بالجامعة العربية مجتمعة ، وكذلك منظمة التعاون الإسلامي ، لمخاطبة الهيئات والمنظمات الدولة للقيام بلجم الاحتلال عن تصرفاته العدوانية! ، وعن استباحة الأرض السورية ، وإلزامه باحترام السيادة السورية.
- يجب الحذر كل الحذر من وجود الجماعات التكفيرية في المجتمع السوري ، التي تُهلِكُ الحرث والنسل! ، وتنشر في الأرض الفساد باسم الجهاد! ، وما هم إلا خوارج مُخْتَرَقُوْنَ ومُوَجَّهُون من أعداء الإسلام والمسلمين! ؛ ليُوجِدُوا بأفعالهم وخطاباتهم ذرائع للأعداء المتربصين بالوطن السوري شراًّ وعدواناً.
إن الواجب الأول على كل مواطن سوري حر شريف هو بذل الجهد الصادق في بناء الوطن ، وتقوية مؤسساته! ، وبناء قدراته ، واستخراج خيراته ، وإشاعة روح المحبة والتراحم والتلاحم بين كل أبناء الوطن ، مع الاستفادة التامة من كل أخطاء الماضي وسلبياته ، والعزم على أن لا تتكرر تلك الكوارث التي ضيَّعت أجيالاً ، ودمَّرت وطناً وبدَّدت ثرواته!.
فللهم إنا نسألك لإخواننا في سوريا الشقيقة ، وبلاد الشام كافَّة نصراً وتمكيناً ، وعزاً وكرامة ورفعة ، وصلاحاً في الحال والمآل ، وفي النفس والأهل والمال ، اللهم كما نصرتهم على من ظلمهم ، فانصرهم على من عاداهم أو اعتدى عليهم ، وكما أسعدتهم بخروج أقاربهم من السجون والمعتقلات المرعبة فأخرج لهم خيرات أرضهم ، وأنزل عليهم بركات من السماء ، واجمع كلمتهم ، وألِّف بين قلوبهم ، وقَوِّ شوكتهم ، واجعل قلوبهم مطمئنة بذكرك وشكرك وحسن عبادتك ، وأغنهم بفضلك عمّن سواك. اللهم آمين يارب العالمين.
د. علي بن يحي بن جابر الفيفي
الجمعة 12 جمادى الآخرة 1446ه.