مقالات

الأستاذ: محمد بن أحمد يحيى المشنوي الفيفي

اعداد الشيخ :عبدالله بن علي قاسم آل طارش الفيفي ـ أبو جمال

الأستاذ: محمد بن أحمد يحيى المشنوي الفيفي

عاش حياة جادة لا تراخي فيها ولا كسل، ترعرع منذ طفولته في كنف والد متميز، والد اتصف بالنشاط وتعدد المواهب، لا يفتر ولا يكل ولا يمل ولا يتعب، فأشغاله كثيرة، وطموحاته عالية، وشخصيته قوية مسيطرة : 

وإذا كانت النفوس كبارا 

 تعبت في مرادها الاجسام

 كان رحمه الله لا يرضى لمن حوله إلا أن يكونوا على شاكلته، وطوع امره في أداء كل ما يؤكله لأحدهم، من المهام والواجبات والمسؤوليات، ولا يقبل الاعذار ولا يسمع الحجج، فكان هو الاقرب منه بعد مغادرة ابنه الاكبر جابر، حيث وجد فيه ما يتطلبه من السمع والطاعة والجلد، وفي تميزه بقوة التحمل وحسن التصرف، فصقل شخصيته وزادها توهجا ومضاء، إلى أن تخلق بها واصبحت طبيعة ملازمة له،

ولذلك نجح في حياته وفي دراسته وعمله وكل أموره، حتى بلغ بها اعلى درجات النجاح والتفوق، وادى عمله كمستشار لسمو امير منطقة جازان، وكسب ثقة سموه وتقديره، على مدى اكثر من عشرين سنة، وأبقى له الكثير من الثناء العاطر، والذكر الحسن، وفقه الله وبارك فيه، وزاده فضلا وعلما وتفوقا.

إنه الاستاذ المستشار :محمد بن احمد يحيى المشنوي الفيفي حفظه الله ووفقه.

والده هو الشيخ: احمد بن يحيى جابر المشنوي الفيفي رحمه الله، كان عريفة آل امحدلم بقبيلة المشنوي، خلف في ذلك سلفه والده يحيى بن جابر احمد رحمه الله، وقد درس وتعلم صغيرا، حسب المتاح من التعليم في وقته، حيث اتقن قراءة القرآن الكريم، واحسن القراءة والكتابة، ثم لاحقا وقد وجدت المدارس الحديثة، التحق بها إلى أن نال الشهادة المتوسطة، ولديه العديد من القدرات الذاتية، التي طورها ونماها بعصاميته وجهده، واصبح ملما بشكل كبير بالمحاماة والمرافعات الشرعية، وله دراية وخبرة في الاسلاف والاعراف القبلية، وفي العادات والتقاليد المتوارثة،

في محيط قبائل فيفاء وما جاورها من القبائل، فكانت توكل إليه بعض من هذه القضايا القبلية المهمة، واصبح معتمدا من اهل الخبرة  لدى أمارة المنطقة، وكان يشارك في خرص المزارع بفيفاء، وفي تقدير انصبتها اللازمة لإخراج الزكاة، ومن المشاركين الفاعلين في قبيلته في قضايا كثيرة، ومنها توزيع اراضي القدة والثاهرة على جرور القبيلة، وكذلك قضية الرقة، وتميز بأنه رجل قيادي ذو شخصية قوية، ورجل حازم ذو رؤية ثاقبة، ومربيا قويا وناجحا، اعد اولاده بالعلم وحسن التعامل، وحرص على محافظتهم على أداء  الصلوات، واصطبر عليهم في ذلك، ولا يتسامح معهم فيها،

ويحب العلم ويحث ابنائه على طلبه، بل هو أولى اولوياته في الاهتمام، وأما مهنته الاساسية فكانت في الزارعة، فهو ذو همة عالية في الاهتمام بأرضه، وفي زراعتها، بل وينتقد كل من يراه يهمل مزرعته، وزرع في ابنائها كثير من الخصال الطيبة، فنجدهم نوابغ ناجحين في كل مجالات الحياة، رحمه الله وغفر له وتجاوز عنه.

واما امه فهي الفاضلة سعيدة بنت اسعد هادي حسن المشنوي الفيفي حفظها الله، ترجع في نسبها إلى أسرة آل جحمة، اسرة قيادة وحزم وحكمة، فهم مشايخ آل المشنية سابقا، واشتهر منهم الشيخ محمد بن حسن وأخوه الشيخ احمد بن حسن رحمهما الله، وهم اعمام والدها اسعد بن هادي حسن رحمه الله، نشأت في بداية حياتها امية كمعظم بنات جيلها، لعدم توفر مدارس التعليم لهن حينها، ولكنها لاحقا وقد توفر التعليم، جدت واجتهدت حسب الممكن، إلى أن اصبحت تتقن قراءة القرآن، ثم التحقت بمدارس محو الأمية، ولا زالت وقد تفرغت من مشاغل الابناء، مواصلة في هذا الطريق،

نسال الله لها التوفيق والسداد، وأن يعوضها خيرا في تعبها وشقائها، وما بذلته من جهد في مكابدتها لظروف الحياة الاولى الصعبة، في خدمة زوجها وابنائها، مع صعوبة الامور في تلك الايام، في توفير كل متطلبات المنزل، في جلب الحطب والماء وعلف الأبقار، فكانت ربة بيت مدبرة، وأم فاضلة ناجحة، رزقت بعشرة من الأبناء والبنات، وأصبحت جدة لعدد من الأحفاد والاسباط، أطال الله في عمرها على ما يحبه ويرضاه، وهي اليوم تعيش معززة مكرمة بين ابنائها وبناتها في مدينة الرياض، بارك الله فيها وحفظها بحفظه وتوفيقه.

ولد لهذين الفاضلين في بيتهما (الجميمة)، ببقعة المرمى بجبل آل المشنية، في ١/٧/١٣٨٤هـ حسب تاريخ الميلاد الرسمي، وكان ترتيبه الأول بين اخوته لأمه، والثالث بين أخوته لأبيه، قضى طفولته كأمثاله من ابناء ذلك الجيل، مشاركا فعالا في حياة الاسرة، يكلف من الاعمال بما يتناسب وقدراته الجسدية والعقلية، في داخل البيت وفي المزرعة والمحيط، فيرعي بعض الاغنام، ويرتاد بها المراعي في الجنب والوهاد، ويرافق احيانا والده في مزرعته حول بيوته، ومزارعه في الحقو، ويخدمه ويساعده في كل ما يقدر عليه، ويعينه على تهيئة المزرعة وتنظيفها، وفي اعدادها للحرث والزراعة،

حتى أنه مع الوقت وكثرة الممارسة، قد أتقن كثيرا من المهام والمتطلبات، ومنها (التزبير والتحليط، والعزل والتوقيل، والفرس على الزرع والاشجار، والتجلية بالشريم والمحش والمخرشة، والعمل بالثور من جرف وشتاء، ثم  الحش والصرب والخبط والطياب، وما يتلوا ذلك من التحدير والترميد، حيث يتكرر معه ذلك العمل في كل عام بصفة دورية موسمية)، وكلها مهام انتهت اليوم وانقرضت، بفضل ما نحن فيه من نعم شتى في هذا العصر الزاهر الميمون، لقد كان نشيطا يبذل كل ما يستطيع لإراحة والديه،

حتى أنه كان يعين والدته في اعمال البيت وما تطلبه منه، وبالذات في حالة تعبها ومرضها، فيعلف لها الابقار، ويقوم بسقايتها وحلبها وكل ما يلزم، ويرعى إخوانه الصغار، ويهتم بمتطلبات البيت من التنظيف والطبخ، واحضار الماء والحطب، إلى أن تستعيد صحتها، فقد كانت الحياة صعبة وشاقة، وتحتاج إلى تكاتف الجميع لتسييرها، ومع ذلك فهو يجد الفرصة لكي يلهو ويلعب حسب ما هو متاح، فيلعب مع اخوانه واقرانه من الجيران، بعمل بعض المراجيح البدائية، من الحبال بالأشجار الكبيرة، ويتسلقون هذه الاشجار(الأثبير والقاع والإبراء والظّلام)، ويبنون بيوتهم واحلامهم وخيالاتهم، من خلال تلك الالعاب والمغامرات، وقد يمارسون لعبة كرة القدم والطائرة، بالمتوفر من الكور التي يصنعونها، وغالبها من الأكياس ومن قطع القماش والقراطيس، ويمارسون بعض الالعاب الفكرية (المحارصة والمنادعة والتخفي(المخاشة)، فكانت حياة سعيدة ممتعة، خليط من الالعاب واداء المهام المطلوبة، عاش طفولة متوازنة خالية من الكبت والحرمان.

التعليم :

   ما إن بلغ السادسة من عمره، حتى الحقه والده بمدرسة نيد آبار الابتدائية، وكان سعيد فرح بذلك، رغم بعد المدرسة الكبير عن بيتهم، فهي تقع في الجهة الخلفية من الجبل الذي يسكنونه، ويلزمه للوصول إليها مشيا على الأقدام، عبر إحدى طريقين كلاهما وعر وخطير، وبالذات التي عن طريق الربعة والمهلل، في الجهة الشرقية لبيتهم من حلقن، وأحيانا قد يذهبون إلى الجهة الغربية، فيلتفون حول جبل المشنوي وجزء من جبل آل الثويع، يتجهون من بقعتهم شمالا إلى الفحجاء والغولة والوبد، وكلا الطريقين يتطلب ما يقارب السير لنصف ساعة ركضا في الغالب،

تمر بتقلبات الظروف من الامطار واشتداد البرد، أو حرارة الشمس والرياح، مع نقص وقلة في توفر وسائل الوقاية التامة، سواء في الملبس أو الاحذية أو التغذية، ويتعرضون للإصابات ومن الامراض الدورية، من الحمى والزكام والسعال الديكي (القحيديدة)، ومن الملاريا والعذرة (الحلقة)، أو الغروف والجروح وغيرها، وملابسهم غالبها مهلهلة ومرقعة، لا تقي من الشمس ولا من البرد، واما الفسحة المدرسية فلا تزيد على كسرة بسيطة من الخبزاحيانا، يغمسها احدهم في قليل من الماء المتوفر،

وحاله كحال غالب بقية الطلبة، ولذلك كان سعيدا مستبشرا بمدرسته، احبها حيث اضافت إلى حياته شيئا جديدا مختلفا، فانسجم كثيرا مع دراسته ومع زملائه ومعلميه، ويذكر من هؤلاء المعلمين حينها، كل من الاستاذ يوسف البيك، والاستاذ أكرم النمر، ومن مدرائها الاستاذ احمد بن محمد بريك، والاستاذ يحيى بن حسن فرحان الابياتي والاستاذ أكرم النمر، ولا ينسى معلم المرحلة الابتدائية والمتوسطة الاستاذ يوسف الزعاترة، الذي إذا ما صحح له واجبات الرياضيات (الحساب والهندسة والجبر)، كتب له عبارة ممتاز اشكرك، مما جعله يميل إلى هذه المادة ويحبها، ويذكر من زملاء تلك المرحلة،

كل من جابر بن احمد سلمان العبدلي، واحمد بن اسعد يزيد العبدلي، ويحيى بن حسن اسعد المشنوي، وعلي بن يحيى جابرالمشنوي، وغيرهم كثير ممن يعتز بهم، وقد واصل جده واجتهاده ونجاحه بتفوق، إلى أن حصل على شهادة المرحلة الابتدائية، ثم بعدها على المرحلة المتوسطة، من نفس المدرسة.

ومما يذكره وهو في نهاية المرحلة الابتدائية، في حوالي عام 1397هـ، وقد سافر عنهم اخوه الأكبر جابر، أو بمعنى اصح هرب من شدة تعامل والده وقسوته عليه، ولذلك تحولت كل مسؤوليات هذا الأخ عليه شخصيا، رغم صغر سنه، لأنه التالي له في العمر من الابناء، فاصبح هو المسؤول الاول في البيت أمام والده، وهو الخيار الوحيد المتاح أمامه، مما تطلب زيادة مسؤولياته، ومضاعفة الجهد منه في خدمة أسرته، والعمل على جلب معظم المتطلبات الخارجية، وغالبها من سوق النفيعة أو من سوق عيبان، وكان الذهاب إليهما والعودة سيرا على الاقدام، وقد يستعين في تحميل ما يجلبه على حمار لهم، فاذا ما لزمه الذهاب إلى سوق عيبان وهو الأكثر، فلابد أن ينطلق من بيتهم مع الصباح الباكر،

ليجمع منه المتطلبات الضرورية، من(الملح  والقاز والدقيق والرز والسكر والبهارات وغيرها)، ويعود بها إلى بيتهم في اعالي الجبال، وكم كان يعاني إذا ما مال الحمل اثناء الطريق، وهو لا يستطيع تعديله بنفسه، وقد ينتظر إلى أن يمر به من يعينه على تصحيح تلك الوضعية، إضافة إلى بعد المسافة وصعوبتها، فكانت الطريق طويلة ومتعبة، يمر خلالها من اميثيا وامقستبا وذراع العبد والمبتع في جبل الحكمي، وجزء من جبل المشنوي، إلى بقعة المرمى، واغلبها طلوعا متواصلا،

وقد يكون غالبا غير منتعل، وليست له ظلة تحميه من الشمس أو المطر، وكانت من مهامه الاساسية ايضا طحن الحبوب، حيث يلزمه حملها على كتفيه أو على حماره، إلى حيث يتوفر طاحون الحبوب، وكان أقربها لفترة طاحون عند بيت (حِيَيْنْ)، لصاحبه الشيخ يحيى بن يزيد المشنوي رحمه الله، ولما تعطل اضطر إلى الذهاب إلى طاحون في جهة موقفة قرضه، لصاحبه احمد بن يحيى العبدلي (الحدبة)،

أو شريف بن سلمان احمد (آل غرسة)العبدلي، فكان يستعين على ذلك بالحمار لبعد المسافة، ويعبر إليه عن طرق وعرة ومسالك موحشة، فيأتي على الملعبة الواقعة شرق بيتهم الجميمة، وفي جِنًبْ العروق، وثاهر الغارب والوعشة، والعروق  بين حلقن والشباب، والقمعة وبيت الفاحش، ويتطلب منه كذلك جلب كثير من الحملات المختلفة، ومنها بعض ادوات البناء، كالزينكو واخشاب البلكاش والمراين، والكثير من متطلبات البيت المتزايدة، من الفواكه والطماطم والخضار، حيث يجلبها من موقفة قرضه للسيارات، أو يجلبها من موقفة طريق حبيل السرو (بردان)، في أسفل بقعة السرة، وقد يشاركه احيانا بعض اخوانه (خالد وسليمان) حفظهما الله حملا على الاكتاف.

 اصبح والده يعتمد عليه كثيرا، لطاعته المطلقة له وحسن تصرفه، فكان يكلفه في الغالب بأكثر مما يتحمله وفوق طاقته، ولكنه لم يكن يشكو أو يتذمر أو يعصي له امرا، بل كان أكثر الابناء مرافقة له واعتمادا عليه، حتى أنه  يكلفه بإبلاغ كثير من الرسائل، ليوصلها إلى بعض المشايخ والمسؤولين، وعلى رأسهم قاضي البلدة حينها، فضيلة الشيخ علي بن قاسم الفيفي، وامير المركز الشيخ سليمان البشري، وشيخ الشمل الشيخ حسن بن علي الفيفي، وراعي المعشي الشيخ احمد بن سالم المثيبي، وغيرهم ولمعظم الجهات الرسمية، وكان يلازمه دائما في كل تحركاته،

ولذلك تعلم منه الكثير والكثير، حتى أنه تعلم منه الرماية والقنص، وكيفية ضبط البندقية على الكتف أو الصدر، وتعلم منه الذبح والسلخ، وحسن استقبال الضيوف والترحيب بهم، وكثير من الاصول والعادات الكريمة والطيبة، وبعد أن أصبح يملك سيارة، اتخذه سواقا خاصا رغم صغر سنه، وما يترتب على ذلك من المخالفات المرورية، حتى أنه يخيّل للرأي أن السيارة تمشي دون سائق، فلا يرى داخلها لضآلة حجمه وصغر سنه، مما يقابل كثيرا من الملاحظات والمعاتبة من رجال المرور،

إذا ما أوصله إلى مدن صبيا وابو عريش وجيزان، مما دفع والده إلى أن يعجل باستخراج حفيظة نفوس له، قبل الأوان بحوالي اربع سنوات، ثم ارسله في حوالي عام ١٤٠٠هـ، وهو يدرس في المرحلة المتوسطة، إلى اخيه جابر المستقر حينها في تبوك، لكي يتعلم في مدرسة قيادة السيارات، ويستصدر له رخصة قيادة، ومن بعدها استمر مرافقا لوالده في غالب مشاويره، إلا ما كان متوافقا مع اوقات الدراسة، فكانت الدراسة هي الشيء الوحيد المقدم، فيأتي  له حينها بسائق بدلا عنه، واكثر ما رافقه في بعض القضايا التي كلف بها من قبل قبيلته وغيرهم، حيث كانت له ادواره الايجابية في انهائها بطريقة صحيحة وناجحة.

كانت تلك الفترة هي اوج نشاطه، مع بداية دخوله في فترة المراهقة والشباب، في اثناء دراسته للمرحلة المتوسطة، لذلك ما إن تخرج من هذه المرحلة، إلا وقد دخل في سن التغيير وبداية الشباب، والطموحات المتزايدة للانطلاق والاستقلال، وفي طلب الانفكاك من التبعية، فكانت تتنازعه كثير من الافكار، والرغبة الجامحة للخروج من تحت عباءة والده، وفي الاستقلال البدني والفكري والمادي، وانصب تفكيره القاصر حينها، على الاكتفاء بما قد تحقق له من دراسة،

وفي البحث عن عمل وظيفي، فأقصى أمانيه الحصول على راتب، وتملك سيارة خاصة به، وما يتلوها في نظره من الحرية والسفر والانطلاق، لذلك لم يهتم بالتسجيل في المرحلة الثانوية، بحجة أنها بعيدة جدا عن بيتهم، وأنها تقع في جهة نيد الدارة من الجبل  الاعلى، ولا توجد وسيلة مواصلات خاصة، وكانت كل تلك الحجج ليمهد بها للخطوة التالية، مما يجعل والده امام الامر الواقع، فلا يعارض في السماح له بالسفر، ليبحث له عن عمل وظيفي، وكان تفكيره متوقفا عند فكرة (أنه يرتاح  من تعب الدراسة، وكرف العمل مع الوالد، وفي طلب الوظيفة)، ولكن والده احس بتغيره وجفاء طبعه،

وكان لماحا لا تفوته مثل هذه الامور، ولما تأكد بطريقته الخاصة مما يخطط له، وبما يجول في فكره، وكان رحمه الله اشد ما يحرص عليه في اولاده مواصلة الدراسة، لذلك استفرد به ذات يوم في البيت، وقال له بصريح العبارة، لا بد لك أن تواصل دراستك، فلا يصح أن ترى زملائك غدا وهم في مناصب عليا، وانت حبيس في وظيفة متواضعة، واخذه بكل حزم وانطلق به إلى المدرسة الثانوية، دون أن يسمع منه أي كلمة أو تبرير، وكانت الطف عبارة له قوله (جرب ويمكن أن تعجبك الثانوية)، ولم يدعه بعدها حتى ضمن قبوله في المدرسة الثانوية.

كانت ثانوية فيفاء حينها هي الوحيدة في القطاع الجبلي من جازان، وكانت تعيش أوج قوتها ونشاطها، بقيادة الاستاذ المربي الشيخ حسن بن فرح الابياتي رحمه الله، وكانت كل الظروف موائمة له ومهيأة للانطلاق الجاد، مع وجود نخبة متميزة من الزملاء، من كل الجبل والجبال المجاورة، يذكر منهم زملائه في المرحلتين الابتدائية والمتوسطة، الاستاذ جابر بن احمد سلمان العبدلي حفظه الله والعميد عبدالله بن زاهر علي الثويعي رحمه الله، وعدد من ابناء قبيلة آل المشنية وقبيلة ال بالحكم، منهم الدكتور سالم بن محمد احمد الحكمي حفظه الله (الطبيب الخاص للملك سلمان حفظه الله)،

والشيخ حسين بن محمد جابر المشنوي حفظه الله شيخ قبيلة آل المشنية اليوم، وكانت كل الظروف والاعتبارات محفزة للمنافسة الشريفة، مما جعله يغير فكره السابق بكل قناعة، بعد خوض هذه (التجربة)، حتى أنه قال في نفسه لا بد أن ادرس واتفوق، فلست أقل من أي واحد من هؤلاء، وقد كان له كل ذلك بتوفيق الله وفضله، حيث تدرج في سنواتها الثلاث، ينجح في نهاية كل عام بتفوق، إلى أن حصل على الشهادة الثانوية العامة (علمي)، في عام ١٤٠٤ هـ بتقدير عام جيد جدا،

وكان خلالها وكما كان سابقا، هو اليد اليمنى لأبيه في كل أموره، حيثما وجهه وما يطلبه منه، يخدمه ويعينه ويرافقه في كثير من اعماله وجولاته، وإن كان يلحقه حينها كثيرا من العنت والتعب والارهاق، إلا أنه لم يندم لاحقا وقد انفصل عنه، حيث يقول (تعلمت من والدي الكثير من الصبر والاصرار وقوة العزيمة، وفي طريقة التفكير الجاد، وعدم اليأس والتردد، بل وحتى في الكتابة وحسن التعبير، والدقة في اختيار الالفاظ المناسبة، علاوة على الأمور المادية والعملية المختلفة) رحمه الله وغفر له وتجاوز عنه.

الدراسة الجامعية :

بعد استلامه شهادة المرحلة الثانوية، حان حينها مغادرة اسرته وبلدته، وقد اتسعت الافاق امام ناظريه، فودع والديه واخوانه واخواته وبلدته، وانطلق كرائد لبقية اخوانه، ليكون (كما يقول)أول مبتعث من أسرة (آل يحىي بن جابر) للدراسة الجامعية بالرياض، كان حلمه وامله (التخصص في الإدارة العامة)، رغبة منه ومحبة في الاعمال القيادية، في مجالات الإدارة الحكومية، ليعوض نفسه عن حلمه الدفين في أن يكون (ضابطا عسكريا)، ويقول سبحان الله كان ذلك عكس اخواني، فاغلبهم اصبحوا ضباطا عسكريين، رغم عدم رغبتهم في هذا المسلك من الاساس، بعكسه هو فسبحان الله المقدر والمدبر.

  انطلق على بركة الله قاصدا الرياض العاصمة، وعندما نزل في مطار الرياض، وكانت هذه أول مرة له، وليس له مقصد ولا غاية إلا التسجيل في الجامعة، وما إن وصل إلا وصدم بواقع مختلف عن ما يعرفه، فلم يدري ما يفعل وإلى أين يتجه، فلم يجد احد يستقبله ويأخذ بيده، وداخله الارتباك والحيرة، ليتلفت يمنة ويسرة لا يدري ماذا يفعل، ولكن من حسن حظه أن كان معه في الطائرة أو أنه وجد بعضا من زملائه بالمطار، حيث اخذه معه زميله الاستاذ علي بن حسن آل خفشة الابياتي،

واستضافه في منزل اخيه الشيخ محمد بن حسن حفظهما الله، المقيم حينها في حي الدخل المحدود (العريجاء)، وبقي في ضيافتهم إلى أن حضر إليه الشيخ عبدالله بن زاهر حسن المشنوي حفظه الله، واستضافه عنده في منزله بحي الدار البيضاء، ثم قام على انجاز شؤونه في التسجيل في الجامعة، حيث صحبه لعدة مرات في اكثر من يوم إلى الجامعة، إلى أن اكمل جميع متطلبات التسجيل، وقدم له خدمة كبيرة لم يكن ليقدر عليها وحده بسهولة، وفقه الله واسعده.

بعد أن اكمل عملية التسجيل، عاد قافلا إلى اهله في فيفاء، منتظرا اعلان نتيجة القبول  النهائية، حيث اعلنت بعد فترة عن طريق الصحف، ووجد قبوله في رغبته الاولى في كلية العلوم الادارية، ولكن لظروف خارجة عن ارادته تأخر في السفر في الوقت المناسب، مما حرمه من الحصول على بعض الخدمات الضرورية، واهمها السكن الجامعي، الأساسي للطالب المغترب،

حيث وجد أن جميع الوحدات السكنية قد اشغلت، ولولا أن اثنين من زملائه في الثانوية، وهما الاستاذ سليمان بن قاسم الابياتي، والاستاذ احمد بن محمد فرحان الداثري حفظهما الله، استضافاه معهما في غرفتهما الخاصة، إلى أن تيسرت له الأمور لاحقا، وعان كذلك في عملية تسجيل المواد التي يرغبها، وكانت أول سنة مخصصة لدراسة اللغة الانجليزية (كورس) ،

حتى أنه لا يذكر كيف استطاع اجتيازه، فقد مضت أول سنة جامعية عام 1405/1406هـ، كطيف عابر لا يذكر منها شيء ذو بال، ولكنه لا شك اكتسب فيها كثيرا من الخبرات والمعارف، وتعلم من الوسائل والمستجدات، ومن الثقة الجيدة بالنفس، فكانت الدراسة الجامعية، والغربة لأول مرة عن والديه، وبما فيها من ظروف وإمكانيات ومتغيرات، وما ناله من خبرات ومعارف وصداقات،  وكلها كانت امور تظافرت لتصنع منه انسانا آخر متميز، سواء في شخصيته وفي تفكيره ومشاعره وتعاملاته.

   وعاد في بداية العطلة الصيفية إلى اهله ووالديه، وفي اثنائها تيسر له بتشجيع من والده الزواج، ليدخل في مرحلة جديدة من المسئولية الحقيقية، رغم أن امور الناس في تلك الفترة كان فيها كثير من التيسير، فقد بقيت زوجته في بيت اهلها في فيفاء، ليعود وحيدا من جديد لإكمال دراسته، فكان زواجه نوع من التحفيز، والاحساس المتنامي بالمسؤولية، مما دفعه أكثر إلى الاهتمام بدراسته، والسعي الجاد إلى النجاح والتفوق، واستشعر أنه لا بد أن يكون على قدر المسؤولية،

وبالذات وكان لزاما عليه تسديد المترتبات المالية للزواج، من المهر وخلافه بما يقدر بـ (ستين الف مجدولة على عدة سنوات)، مع المتطلبات الخاصة بالزوجة،  ثم لاحقا المتطلبات الخاصة بالأبناء، لذلك ما إن عاد مع بداية هذا العام الجامعي الجديد، حتى سعى إلى البحث عن مصدر دخل إضافي مع المكافأة الجامعية، حتى يتمكن من تلبية هذا الطلبات والالتزامات الجديدة،

فتيسر له العمل مساعد مشرف في السكن الجامعي، وسعى كذلك للحصول على مساعدة وقرض للمتزوجين، من صندوق طلاب الجامعة، مبلغ (عشرين ألف)، وقرض زواج من بنك التسليف (عشرين ألف) ، ليدفع منها جزء من المهر المتبقي عليه،

وزانت بعدها بحمد الله الأمور، وسارت معه الحياة من حسن إلى أحسن، ومضت به هذه السنين الجميلة، حتى أن صعوباتها كانت بالنسبة له محك حقيقي استفاد منه، وبقيت له ذكرى يجد فيها لذة التذكر إلى اليوم، واكتسب الكثير من المعلومات والعلاقات الطيبة، مع زملائه في الجامعة، من خلال الاجتماعات واللقاءات بهم، داخل الجامعة في قاعات المحاضرات،

وفي السكن والمطعم، وفي صالات الرياضة والمذاكرة والمكتبة، وفي الملاعب واثناء الطلعات والرحلات، وفي المناسبات خارج الجامعة، وخلال رحلاته المكوكية بعد زواجه إلى فيفاء، وقد بقيت زوجته ام فيصل طوال هذه السنوات في بيت والديها، ورزق منها في تلك الفترة بأولاده فيصل وأريج، وتلك كانت عادة طيبة ميسرة للزواج، ابتدأت وللأسف تختفي في الأوقات المتأخرة.

كما ان هذه المرحلة الجامعية جميلة، بكثير من معلميها الافاضل، يذكر منهم حسن تعاملهم وطيب اخلاقهم، مع سعة معارفهم، وجمال اساليبهم وتواضعهم، يخص بالذكر كل من الدكتور أسامة بن عبدالرحمن، والدكتور وحيد الهندي، والدكتور عبدالرحمن البراك، والدكتور صاحب السمو الملكي الامير منصور بن متعب بن عبدالعزيز آل سعود، والدكتور حزام المطيري، والدكتور المصري محمد فتحي، رحم الله من مات منهم وحفظ بحفظه الباقين، وما اسرع ما مضت به تلك السنوات، إلى أن تخرج من الجامعة في عام ١٤٠٩هـ، حاملا شهادة البكالوريوس في الادارة العامة.

ولم يلبث أن توظف، ولكنه لم يتوقف عن مواصلة تعليمه، والترقي في مستوياته وخبراته، حتى أنه في اثناء السنة التجريبية الأولى، استحدث في جامعة الملك سعود برنامج ماجستير، في الإدارة العامة، فرغب في التسجيل في هذا البرنامج، وبادر دون تردد إلى انهاء اجراءات التسجيل، وأكمل المقابلة الشخصية، رغم علمه بأن نظام الخدمة المدنية لا يسمح له بالتفرغ التام للدراسة في هذه السنة،

ولكن يسر الله له أمر الموافقة بصفة شخصية من مديره المباشر، الاستاذ سلطان بن محمد السياري حفظه الله، الذي زوده بموافقة خطية بالتفرغ الكلي، بعد أن تعهد له بإنجازه لأي عمل يسند إليه دون تأخير، في أي وقت من ليل أو نهار، حسب جدول محاضراته، وكانت هذه الموافقة شرط اساسي مطلوب للقبول، وحينها بدأت معه الدراسة الجادة من جديد،

ثم لم يشعر إلا وقد ازدحم عليه الوقت، بكثير من الشواغل والملهيات، منها ما كان في العمل، أو في الحياة الخاصة والعامة، ثم ارتخت همته شيئا فشيئا، حتى أنه اضطر إلى حذف بعض الفصول الدراسية، ووجد أن السنوات تمضي سريعة متعاقبة، وهو لم ينهي ما كان بين يديه، ولم  يتنبه إلا بعد مضي الكثير من الوقت المحدد، الذي لا بد أن ينهي دراسته فيه، وإلا يجد أنه قد طوى قيده نظاما، وكان حينها قد تجاوز كثيرا من الشواغل والمعوقات، وقد وصل إلى درجة من الرضى في كثير من اوضاعه المادية والاجتماعية،

ولذلك عزم وركز كل جهده ووقته ليكمل هذه الدرجة، حتى انهاها بفضل الله وتوفيقه، ليحصل على درجة الماجستير في عام ١٤١٧هـ، التي كان عنوان رسالتها (واقع إدارات المشتريات الحكومية في الأجهزة الرسمية المركزية)، حيث دمج فيها الدراسة العلمية بالتجربة العملية، ومازج بين الواقع والمأمول.

 وفي هذه الاثناء وما بعدها، سعى جادا إلى العمل على تطوير ذاته ومعلوماته، من خلال حرصه على حضور كل أو معظم حلقات ودورات معهد الإدارة العامة، وكثير من دورات المنظمة العربية للتدريب، ذات الصلة بتخصصه وبما يشغله أو يمارسه من وظائف، إدارية في امارة المنطقة، ومنها دورة خارجية عقدت في تركيا، بعنوان التخطيط الاستراتيجي ومعالجة المشكلات، ومن هذه الدورات والبرامج ما يلي :

  • سلوكيات الوظيفة العامة ، معهد الادارة العامة في جازان يومين في 18ـ19/12/1425هـ.
  • القيادة الادارية، معهد الادارة العامة الرياض، ثلاثة ايام في 1ـ3/4/1427هـ.
  • إدارة تقنية المعلومات، معهد الادارة العامة الرياض، يومين في 11ـ12/4/1427هـ.
  • التخطيط الاداري، معهد الادارة العامة الرياض، خمسة ايام في 14ـ18/5/1427هـ.
  • ادارة اجتماعات (حلقة تطبيقية) معهد الادارة في جازان ثلاثة ايام في 16ـ18/11/1427هـ.
  • إعداد التقارير، معهد الادارة العامة في الرياض، خمسة ايام في 24ـ28/11/1427هـ.
  • اعداد الخطط الخمسية، معهد الادارة العامة الرياض، خمسة ايام في9ـ13/5/1428هـ.
  • التحقيق الجنائي، معهد الادارة العامة الرياض، خمسة ايام في 19ـ23/12/1428هـ.
  • تنمية مهارات التطوير الاداري (حلقة تطبيقية)، معهد الادارة العامة فرع مكة جازان، ثلاثة ايام في 6ـ8/2/1430هـ.
  • المرافعات أمام الجهات الشرعية، معهد الادارة العامة الرياض، خمسة ايام في 3ـ7/3/1430هـ.
  • اعداد الدراسات والاستشارات القانونية، معهد الادارة الرياض، ثلاثة ايام في 17ـ19/3/1430هـ.
  • تنمية مهارات الاتصال الاداري (حلقة تطبيقية)، معهد الادارة العامة فرع مكة جازان ثلاثة ايام في 25ـ27/1/1434هـ.
  • إدارة الجودة الشاملة (حلقة تطبيقية)، معهد الادارة العامة فرع مكة جازان، ثلاثة ايام في 25ـ27/6/1434هـ.
  • التفكير الابداعي في حل المشكلات (حلقة تطبيقية)، معهد الادارة العامة فرع مكة جازان، ثلاثة ايام في 26ـ28/6/1437هـ.

 وغيرها مما لم يحتفظ ببياناتها.

العمل الوظيفي :

تم تعيينه بعد مرور سبعة أشهر من تخرجه من الجامعة، وبالتحديد في ١٨/٦/١٤١٠هـ، على وظيفة محاسب او مدقق حسابات في وزارة الصحة، على المرتبة السادسة، واستقرت اموره وسدد ديونه والتزاماته المادية، واحضر زوجته واطفاله من فيفاء إلى الرياض، واستأجر له بيت في حي الدار البيضاء، الذي لم يتمكن من تأثيثه كاملا إلا بعد عدة سنوات، وتملك سيارة مناسبة،

وسارت اموره طيبة مسددة، واستمر على هذا الوضع لعشر سنوات كاملة، كانت كلها حافلة بالجد والاجتهاد وتنوع المسؤوليات، مارس خلالها العديد من المهام الوظيفية، من مدقق حسابات ومحلل مالي، وكلف خلالها بالعمل رئيسا لشعبة انشاء وتشغيل المستشفيات، وعضو بلجنة فتح المظاريف، وعضو في عدة لجان مالية وفنية، وبالعمل في قسم الضمانات البنكية، وبعض لجان ترسية المناقصات، وعمل بشعبة الأدوية، واكتسب العديد من الخبرات والمهارات، وحصل على عدة خطابات شكر وتقدير، بعضها من وزير الصحة، ومن بعض المدراء المباشرين، مع ما ذكرنا من جهوده في دراسة الماجستير، اضافة إلى اهتمامه المتزايد  باهله وامه واخوانه الصغار، وقد جرب حظه في التجارة مع بدايات عمله الرسمي،

بعد أن اسس مؤسسة مقاولات وصيانة ونظافة، باسم والده رحمه الله، عمل من خلالها في مجال المال والاعمال، وفي المشتريات والعقود، وتنفيذ بعض المشاريع التجارية، ونجحت وفتح الله عليه كثير من المكاسب، وتحسنت اوضاعه المالية بشكل لا باس به، ولذا قرر احضار والدته بعد أن ساءت صحتها، وكان والده معارضا ولا يرى ضرورة ذلك، ولكنه راجع بها في خميس مشيط،

ثم استحسن اخذها معه إلى الرياض، ثم تبعها وانضم إليها بقية الاخوة الاشقاء، ومنهم من كان يواصل دراسته الجامعية، ثم استلحقوا بقية الاخوة الصغار، وكان بعضهم يدرس في المراحل الابتدائية والمتوسطة، وقد تم استرضاء الوالد لاحقا، وتطييب خاطره بمبلغ اعانه على الزواج بأخرى، وفي تجديد بيته واعادة ترتيبه، وحينها زانت الأمور بفضل الله وتوفيقه، وارتاحت الانفس وطابت الخواطر، وتمت معالجة والدته، واستطاع كل الاخوة مواصلة دراساتهم وتفوقهم.

وبعد انهائه لدراسة الماجستير واستلامه للوثيقة، تقدم بها إلى ديوان الخدمة المدنية، ليستفيد منها في الترقية، لأنه ما زال على المرتبة السادسة منذ تخرجه، وقد امضى عشر سنوات بالتمام والكمال، وبناء عليه تمت ترقيته في١٩/٦/١٤٢٠هـ إلى المرتبة الثامنة، وتم نقل عمله إلى وزارة الداخلية، وتعيينه على وظيفة باحث تنظيم، ليعمل في إدارة التنظيم،

في الإدارة العامة للتطوير الاداري والتدريب، وكانت تلك بداية مرحلة وظيفية مختلفة، استطاع من خلالها اثبات نجاحه وقدراته، وحظي بثقة وتشجيع زملائه ورؤساءه، وحصل على كثير من الدورات الانمائية، في كل من مركز المعلومات الوطني، وفي معهد الإدارة العامة، وفي الحاسب الآلي، ومضت به السنوات يحقق فيها ذاته وقدراته، وفي خلال السنتين التاليتين لعمله في الوزارة، تم تعيين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن ناصر آل سعود حفظه الله، اميرا لمنطقة جازان، الذي طلب حينها تكليف فريق عمل متكامل،

من كل الوحدات الادارية والتخصصية في الوزارة، للاستفادة منهم والاستعانة بهم في التطوير والإصلاح الاداري والتنظيمي، في كل من ديوان الإمارة وفروعها في المحافظات والمراكز، وكان هو من ضمن من تم انتدابهم وتكليفهم لهذه المهمة.

كانت بداية هذه المهمة من أول شهر صفر من عام١٤٢٢هـ، حيث كان أول لقاء لهم فيها مع سمو امير المنطقة، وكان اجتماع تعارف تلقوا فيه التوجيهات من سموه الكريم، بشأن واقع الإمارة وما هو المأمول، لكي تكون الأمور في نصابها الصحيح، وفي مسارها السليم، وقد وفر لكامل الفريق كل ما يلزم، من السكن والمواصلات والمتطلبات، وبدأ الجميع في العمل كل في ما يخصه،

وحسب تخصص وحدته الادارية التي يمثلها، ومنحوا كامل الصلاحيات والدعم، مع المتابعة المتواصلة من سمو امير المنطقة شخصيا، وكانت طريقته هو وزميله الاستاذ علي بن فايز القرني، من نفس وحدة التنظيم الاداري، هي العمل على استكشاف الوضع القائم، من خلال جمع المعلومات ميدانيا ومكتبيا، وبعدة طرق وأساليب علمية، منها المقابلات والاستبيانات والجولات الميدانية،

ورصد الملاحظات، والرجوع للأرشيف والسجلات والملفات، وكان كل فريق من المجموعة يعمل بطريقته الخاصة في اختصاصه، دون ما تنسيق بين كامل الفريق، وقد كان لطبيعة تخصص وحدته(التطوير الاداري)، هي مهمة متابعة كامل التنظيم الاداري، ومراجعة الهيكل التنظيمي، وتفرعاته من الوحدات الادارية، ودراسة (مهامها ووظائفها وارتباطاتها الادارية)،

وكل المستويات الادارية داخل الجهاز، من راس الهرم إلى القاع، وبعد مضي شهر أو اكثر، في عمل مجهد فيما يخصهما، ولكنهما لا يدريان عن ما يفعله بقية زملائهم الاخرين، وإذا به يتفاجأ ذات يوم بأن سمو الامير يطلبه شخصيا في مكتبه، وتشرف بالمثول امام سموه وحيدا في مكتبه لأول مرة، وقد لاحظ أن امام سموه بيانا كامل المعلومات عن كل افراد اعضاء الفريق.

كان سموه بمنتهى اللطف والبشاشة، وكان يريد أن يعرف منه إلى أين وصل الفريق خلال هذه الفترة الماضية، فاعتذر لسموه عن عدم معرفته عن ما فعله الاخرون، لأن كل  واحد او اثنين يعملون في ما يتوافق مع تخصصهم، وللأسف لا يوجد تنسيق أو اجتماعات بين كامل الفريق، ولا توجد  تقارير جماعية، ولكنه أوضح لسموه ما قد قام به هو وزميله،

وهما يمثلان إدارة التنظيم الاداري والتطوير، وانهما على وشك انجاز خطة عمل متكاملة، وخارطة طريق لدراسة الوضع بصورة شاملة، حيث قاما ببنائها على منهج بحثي علمي مكتبي وميداني، وقاما بجمع استبيانات من كل الاقسام، وبأساليب متعددة جمعا فيها كل المعلومات، وعرض على سموه خلاصة الخطة، التي تقوم على تشخيص واقع الإمارة، وفروعها في الوقت الراهن، وما يتعلق فيها بالجوانب الادارية والوظيفية والتنظيمية والتقنية والمالية (الميزانية)،

ثم العمل على استخدام الدليل التنظيمي المعتمد، في تشخيص كل وحدة إدارية قائمة، ومدى ارتباطها الاداري ومستواها التنظيمي، وكذلك تطبيق الهيكل التنظيمي المعتمد لأمارات المناطق، ثم بعد التشخيص يتم طرح مقترحات المعالجة، واقتراح إيجاد الوحدات الادارية المعتمدة في الهيكل التنظيمي، التي لم تفعل على ارض الواقع بعد، وتحديد الوظائف والمسميات والمراتب، والوكالات والادارات العامة، والمحافظات التابعة والمراكز، ثم العمل على تقدير الميزانيات المطلوبة،

والفترة الزمنية اللازمة لتحقيق كل تلك الاقتراحات والتوصيات، مع الاخذ في الاعتبار موقع المنطقة الجغرافي والحدودي بحرا وبرا وجوا، والوحدات الادارية اللازمة، وبعد فراغه من العرض وجد أن سموه يشكره وزميله، ويؤيد طريقتهما والاسلوب العلمي الذي استندا عليه، وبعد نهاية اللقاء كلفه بإبلاغ جميع الفرق، بأنه يريد الاجتماع بهم في اليوم التالي، ثم أجل هذا الموعد إلى ما بعد اسبوع، حتى يتمكن كل الاعضاء من الحضور، وقد اعدوا تقارير موجزة عن ما تم إنجازه.

وفي هذا الاجتماع المقرر، وجههم سموه بالتنسيق التام بين كامل الفرق، وضرورة اجتماعاتهم بصفة دورية، ومن حينها تظافرت الجهود وتم انجاز الكثير من المهمة، وعاد كل من اكمل مهمته إلى مقر عمله في الرياض، وبعد اعتماد خطتهم التطويرية التي قدمها هو وزميله، وهما يستكملان جميع جوانبها، استدعاهما سمو الامير في مكتبه، وعرض عليهما امكانية انتقالهما إذا رغبا للعمل في الامارة، ووعدهما كحافز لهما، الترقية لكل واحد منهما مرتبتين، وتثبيتهما على ملاك الإمارة، فلم يترددا واجابا سموه بالموافقة،

وبالفعل تم اتخاذ الاجراءات لإتمام ذلك، واصبح بهذا الانتقال ضمن (الرعيل الأول المؤسس)، لكيان إمارة المنطقة بثوبها الجديد، المتوافق مع المرحلة الادارية الحديثة، برعاية وقيادة سمو الامير محمد بن ناصر بن عبدالعزيز آل سعود، وكان شرف له (كما يقول) العمل المباشر مع سموه الكريم، ومما يعتز به في هذا المجال، ما سمعه ذات مرة من سمو الامير، وهو يقول لأحد الوكلاء، (إن الفيفي من الرعيل الاول الذي اسست الامارة على روسهم وبجهودهم واسهاماتهم الفعالة)، وتلك لا شك شهادة وتزكية يفخر بها من سموه.

وخلاصة المهام والمسؤوليات التي اسندت إليه، والوظائف التي شغلها، خلال عمله في وزارة الداخلية، ثم في امارة منطقة جازان، من 19/6/1420هـ، والى تقاعده في 1/7/1444هـ ، كانت على النحو التالي:

  • مستشار تطوير إداري في بداية المهمة بإمارة المنطقة ، بالمرتبة الثامنة.
  • رئيس فرقة أمنية بالمرتبة العاشرة بالأمارة.
  • مدير ادارة شئون الموظفين بالمرتبة العاشرة.
  • مدير ادارة التطوير الاداري بالمرتبة العاشرة.
  • مدير إدارة الحقوق العامة بالمرتبة الحادية عشرة.
  • مدير إدارة الشئون المالية بالمرتبة الثانية عشرة.
  • مستشار مكلف بالمرتبة الثانية عشرة.
  • مفتش اداري مكلف بالمرتبة الثانية عشرة.

 تشرف خلال معظم تلك الفترة بالعمل المباشر، تحت قيادة وتوجيهات سمو امير المنطقة، التنمية والمرونة والصبر والتطوير والإنسانية، ذو الرؤية الصائبة والحكمة والخبرة، صاحب السمو الملكي الامير محمد بن ناصر بن عبدالعزيز آل سعود حفظه الله ووفقه.

وقبل ذلك عمل في وزارة الصحة، وشغل ومارس على مدى عشر سنوات ( وظيفة محاسب ومدقق حسابات، ورئيس شعبة انشاء وتشغيل المستشفيات، وعضو بلجنة فتح المظاريف بالمشتريات والمشاريع، وعضو بعدة لجان مالية وفنية، وعمل بقسم تامين الأدوية، وفي قسم الضمانات البنكية في ادارة المشتريات).

 وله العديد من الانشطة الفكرية والادارية والبحثية، مثل بحث (هجرة الادمغة العربية)، وبحث (الفجوة التي تزداد اتساعا)، كما شارك بورقة عمل في اول ملتقى للتطوير الاداري، عقد في عام 1427هـ بأمارة المنطقة الشرقية، برعاية اميرها صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن فهد بن عبدالعزيز، قدمها باسم مدير ادارة التطوير الاداري بإمارة منطقة جازان، بعنوان (أهمية ادارة التطوير الاداري وعلاقتها ببقية الوحدات الادارية بالمنظمة)، ويشارك دوما وما زال بكتابات فكرية، ونصائح دينية واجتماعية، عن طريق برامج التواصل الحديثة، وحصل على العديد من خطابات الشكر والتقدير، والدروع التكريمية، منها ما كان من صاحب السمو الملكي امير منطقة جازان، ومن شخصيات اعتبارية ومشايخ قبائل في المنطقة، وفقه الله وبارك فيه.

الحالة الاجتماعية :

تزوج وعدد في حياته، واستبدل زوج بزوج، ومن هؤلاء الزوجات الفاضلة سعيدة بنت سلمان فرحان المشنوي حفظها الله، وله منها عشرة اولاد، والفاضلة فاطمة بنت احمد عقيل ازيبي رحمها الله، وله منها أربعة أولاد، والفاضلة مريم بنت يحيى يزيد المشنوي حفظها الله، انفصلا وليس لهما أولاد، والفاضلة هيلة بنت محمد القيسي حفظها الله، انفصلا وليس لهما اولاد، والفاضلة هلا بنت يحيى علي قاسم السنحاني حفظها الله، وليس لهما اولاد إلى الان، واما الاولاد فهم أربعة عشر ولدا، خمسة ابناء وتسع بنات، على النحو التالي :

  • فيصل بكالوريوس تسويق، معلم ومتخصص في تثمين وتسويق العقار، مدير لأحد مكاتب السعدون العقاري بالرياض، متزوج ولديه ثلاثة اولاد ابنين وبنت.
  • اريج ، ثانوية عامة، متزوجة ولها اربعة اولاد ثلاثة ابناء وبنت، موظفه بأحد مراكز التجميل الطبي بالرياض.
  • عبدالرحيم بكالوريوس ادارة اعمال، يعمل مدير مكتب المدير التنفيذي بالمالية (المال والاعمال) بالرياض، متزوج ولديه اربعة اولاد ابنين وبنتين.
  • أروى بكالوريوس، تعمل في مؤسسة او هيئة مشروع تطوير التعليم، ومتزوجه.
  • روان بكالوريوس، متزوجة ولديها ثلاثة ابناء.
  • رانيا بكالوريوس، متزوجة.
  • شيخة طالبة في الجامعة، وموظفه.
  • العنود طالبة في الجامعة، وموظفه.
  • ريناد ثانوية عامة ، وموظفه.
  • عبدالعزيز طالب مرحلة ثانوية.
  • فارس طالب مرحلة ثانوية.
  • رزان طالبة في الجامعة، ومتزوجة.
  • احمد طالب مرحلة ثانوية.
  • ريم طالبة مرحلة ابتدائية.

نسأل الله لهم الصلاح والتوفيق، وان يبارك فيهم جميعا، وان يحفظه ويوفقه لكل خير.

                                                 والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

                                                محبكم/ عبدالله بن علي قاسم آل طارش الفيفي ـ ابو جمال

                                                          

الأستاذ: محمد بن أحمد يحيى المشنوي الفيفي

الرياض في 1445/10/20هـ

المقالات

 

تعليق واحد

  1. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    ما شاء الله تبارك الله جد واجتهاد ومثابرة وذلك بتوفيق الله سبحانه وتعالى سرد جميل وشيق كما هي عادته ابو جمال حفظه الله ورعاه وزاده من علمه وفضله فشكرا له من القلب على ما يتحفنا به ويعرفنا به فكل فترة له علم من اعلام فيفاء الحبيبة الذين ثابروا وناضلوا رغم الصعوبات في تلك الحقبة من الزمن والشكر موصول لهذه الصحيفة الفتية العتيقة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى