مقالات

الإعلام أمانة ورسالة

بقلم: إبراهيم النعمي

في عصر تتدفق فيه المعلومات بسرعة الضوء، وتختلط فيه الحقيقة بالشائعات، يبقى الإعلام مسؤولية عظيمة وأمانة ثقيلة. لم يعد الإعلام مجرد وسيلة لنقل الأخبار، بل أصبح قوة مؤثرة في تشكيل وعي الأفراد وتوجيه الرأي العام، حتى لُقّب بـ”السلطة الرابعة”.

غير أن هذه السلطة، التي وُجدت لتكون صوتًا للناس، وسيفًا للحق، قد تُساء استخدامها من قِبل بعض من يفترض بهم أن يكونوا حراس الكلمة الصادقة. فبدلاً من أن يكون الإعلام منبرًا للحقيقة، صار لدى البعض منصة للمصالح، وبوقًا للتمجيد والتطبيل، أو وسيلة لبث الفتن ونشر الإشاعات.

عندما نعود إلى الماضي، نرى أن الشاعر كان بمثابة الإعلامي في زمنه. قبائل بأكملها كانت تتقرب من الشاعر حتى لا يهجوها، وتدفع له حتى يمتدحها. واليوم، ما أشبه الأمس باليوم! فبعض الإعلاميين يبيعون أقلامهم وأصواتهم لمن يدفع أكثر، متناسين أنهم أمناء على الكلمة، لا وكلاء على المصلحة.

ومع تطور الوسائل، تنوعت أدوات الإعلام: من الصحف والمجلات، إلى الإذاعة والتلفاز، ثم القنوات الفضائية، وأخيرًا وسائل التواصل الاجتماعي التي جعلت من كل شخص منصة إعلامية محتملة. هذا التوسع الرقمي منح الإعلام قوة غير مسبوقة، لكنه في الوقت نفسه زاد من حجم المسؤولية.

من أهم ما يجب أن يُدركه الإعلامي هو أن رسالته لا تقوم على الإثارة، بل على الإصلاح. فليس كل ما يُعرف يُقال، وليس كل ما يُقال يُذاع. عند وقوع خلل أو مشكلة، من الواجب المهني والأخلاقي أن يتم أولًا التواصل مع الجهة المسؤولة لإيجاد حل. فإن تجاوبت، فهذا هو الهدف. وإن لم تتجاوب، عندها فقط يكون النشر واجبًا لحماية حقوق الناس.

لكن المؤسف أننا نرى اليوم من يستخدم الإعلام للتشهير بدلاً من المعالجة، ولتحقيق المكاسب لا للقيام بالواجب، فيُلمّع هذا، ويُهاجم ذاك، ويخون أمانته الإعلامية في سبيل مجد شخصي أو مصلحة عابرة.

الإسلام حذّر من الكذب، واعتبره من الكبائر، خاصة إن كان ضرره عامًا. ففي الحديث الصحيح الذي رواه سمرة بن جندب رضي الله عنه، جاء وصف الكذّاب بأنه يُعذّب يوم القيامة لأنه كان ينشر الكذبة فتبلغ الآفاق. وهذا ما نراه اليوم من خلال بعض المحتويات المضلّلة التي تنتشر انتشار النار في الهشيم، وتترك أثرًا بالغًا في المجتمعات.

لهذا، لا بد أن يكون الإعلام مبنيًا على القيم: الصدق، والنزاهة، والحياد، والمسؤولية. الإعلام النزيه لا يُخفي السلبيات، لكنه لا يُضخّمها أيضًا. يوازن بين النقد البناء وإبراز الإيجابيات، ويعمل على بناء المجتمع لا تفكيكه.

الإعلام ليس وسيلة للتكسب ولا منصة للتملق، بل هو أمانة ورسالة. من صان الأمانة، كان سببًا في إصلاح المجتمع ورفعة الأمة. ومن خانها، أسهم في هدم القيم وتفكيك الأوطان.

فليكن الإعلام منبرًا للحق، لا صدى للمصالح.

وليكن الإعلامي ضميرًا حيًا، لا لسانًا مأجورًا.

بقلم: إبراهيم النعمي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى