مقالات

الاستاذ :موسى بن أحمد اسعد العمري الفيفي

إعداد الشيخ :عبدالله بن علي قاسم آل طارش الفيفي ـ أبو جمال

الاستاذ :موسى بن أحمد اسعد العمري الفيفي

من حديث للرسول صلى الله عليه وسلم يقول فيه (كل ميسر لما خلق له)، إذا اراد الله بالإنسان خيرا هيء له اسبابه، وجعل له في طريقه من يعينه ويسدده، كان منذ صغره المبكر متعلقا بالقراءة، وكانت اجمل العابه كتب يصنعها بنفسه،

يعملها من بقايا الاوراق التي يجمعها، ومعظمها من مخلفات الصحف الأجنبية القديمة، يستخدمها التجار في تلك الفترة، ليلفوا فيها بضائعهم للمشترين، فكان إذا أحضر والده شيء منها عند عودته من السوق، جمعها ونظمها والصقها على شكل كتاب، فيحمله بين يديه ويقلبه كأنه يقرأ منه، ويتمتم بشفتيه كالقارئ، فاستنتج والده من خلال ذلك توجهه،

ورغبته الكامنة داخله في طلب العلم وتعلقه به، فسعى لتنمية هذه الموهبة لديه، وحسسه بأهمية هذا التوجه النافع المفيد، فلما كبر قليلا الحقه بالمدارس القائمة في محيطهم (المعلامة)، يدرس فيها القرآن الكريم وشيء بسيط من القراءة والكتابة،

حتى أنه كان يستقطع جزءا من دخله المحدود، ليدفعه أجرة لهذا المعلم أو ذاك، ثم شجعه على الالتحاق بالمدرسة الابتدائية، رغم بعدها الكبير عن بيتهم، ثم جعل منه كاتبه الذي يعتمد عليه في كل احتياجاته في هذا المجال، واستمر يدعمه ويحفزه في كل خطواته وترقيه، ويبث فيه روح الاصرار والثقة بالنفس، حتى أنه في شهر رمضان وما زال صغير السن،

يسمح له بالخروج من البيت ليلا، ليلتحق بحلقات مُدارسة القرآن في بعض المساجد حولهم، التي تبدأ فيها من بعد صلاة العشاء إلى وقت السحور، ويهيأ له (كشافا) للإضاءة في الطريق، ويزوده بثلاجة من القهوة أو الشاي، كل هذا التعامل والتقدير من الاب، بث في نفسه الكثير من الحماس والاصرار، والترقي في مواصلة التحصيل العلمي، والثقة المطلقة في قدراته ومواهبه طوال حياته.

نجده رجل متميز في كل اموره، في دراسته وعمله وتعامله، وفي كل شؤون حياته، اشتغل بالتدريس وابدع، وباشر قيادة المدرسة لسنوات ونجح، عضو ناجح ونافع ومؤثر في مجتمعه، شخص ايجابي يشارك في كل ما فيه رفعة ومصلحة لجماعته، وفقه الله وزاده علما وفضلا وتوفيقا. 

إنه الاستاذ: موسى بن احمد اسعد العمري الفيفي حفظه الله ووفقه.

والده هو احمد بن اسعد يزيد آل شويهة العمري رحمه الله، وآل شويهة فرع من آل قينة من قبيلة العمريين بفيفاء, كان رجل امي لا يقرأ ولا يكتب، لم تتح له فرصة التعلم في صغره لظروفه المعيشية ولعدم وجود مدارس حينها في محيطهم، ولكنه يحب العلم والمتعلمين، ويحرص على مجالسة اهل العلم، ويتلقى بكل شغف من مجالستهم المعلومات النافعة، في الفقه والموعظة وقصص الانبياء، وفي الغالب ينقل ما سمعه منهم لأسرته، بل ويحرص على تعليمهم بقدر طاقته، خصوصا ما يتعلق بأمور الدين،

وكانت حياته مليئة بالكثير من الجد والاجتهاد، والاخلاص في العمل، والوفاء بكل ما يوكل اليه من امور، رغم ظروفه المادية الصعبة، وفقره المدقع في غالب احواله، وفي صعوبة توفير لقمة العيش لأسرته، كان يعول اسرة كبيرة تعتبر من اكبر الاسر في ذلك الزمن، تتكون من زوجته وابنائه التسعة وامه، فكان يعمل دوما مع اهل الاموال من الميسورين، ومهنته هي الزراعة والحرث، يستمر في عمل متواصل شبه يومي على طول العام، والأجرة زهيدة حتى يوفر لهم العيشة الرغيدة، حتى أنه لا يجد وقتا للاهتمام بحرث مزرعته الخاصة، وإذا حل الموسم بكر للعمل فيها من قبل الفجر إلى شروق الشمس، لينطلق بعدها مباشرة إلى عمله لدى الاخرين.

  عندما لاحظ على ابنه موسى تعلقا وشغفا بالعلم، شجعه على الالتحاق بالتعليم، واستقطع جزء من دخله المحدود لينفقه عليه في هذا المجال، وكان يفرح كثيرا عندما يراه يقرأ شيئا من القران، لأنه كان الوحيد في اسرتهم الذي برز في هذا الجانب، فلا يوجد في العائلة ولا حتى في الاسر المجاورة لهم من يجيد القراءة والكتابة، فكان يبذل كل ما يقدر عليه ليراه متعلما، ومما لا ينساه عندما رأه ذات يوم وهو ما زال صغيرا وقد جمع قراطيس على شكل كتاب،

صنعه من القراطيس التي تجلب فيها الاحتياجات من السوق، ويقلبه بين يديه كانه كتاب يقرأ منه، فتبسم سعيدا وقال ستكون بمشيئة الله قارئا وكاتبا إذا كبرت، الحقه بمعلامة الشيخ عبد الله بن شريف العبدلي في نيد الدارة، وهو في سن صغيرة بين الخامسة والسادسة، ثم عند الشيخ موسى بن محمد القيسي (يمني) في البديع، وبما ان الشيخ سليمان بن جبر الظلمي رحمه الله كان صهرا لهم، فقد كان يعلمه القران في الفترات التي لا يوجد فيها معلامة،

فختم على يديه القران  الكريم، وكان من فرح ابيه وقد اصبح قارئا وكاتبا في الاسرة، أنه كان يطلب منه أن يكتب له كل المبايعات والظنات والسندات، حتى أنه اشترى له قلما خاصا لأجل ذلك، يحتفظ به ولا يخرجه له إلا إذا احتاج منه كتابة شيء مهم، فاذا ما اكمل كتابة المطلوب استعاد منه القلم ليحفظه، توفي رحمه الله في 20/10/1403هـ، وقد رأى من ابنه ما يسره.

واما الوالدة فهي الفاضلة سلامة بنت مسعود يحيى العمري رحمها الله، من آل عجيبة نشأت وتربت في بيت متدين، وفي اسرة متعاونة في كل شؤنها، اشتهروا بتخصصهم في بناء البيوت الحجرية، وقد نشأت يتيمة الام، ولم تتعلم فهي أمية لا تقرأ ولا تكتب، وقد واجهت في شبابها قبل زواجها ظروف قاسية وكثير من المحن، حتى أنها تعرضت للدغة ثعبان وهي برافقة والدها في منبه، كادت أن تودي بحياتها،

وبقيت بسببها مريضة لمدة طويلة، ولم تهنئ بعد زواجها، فقد عاشت حياة كلها تعب وكد وفقر، ولكنها صبرت وتحملت وساندت زوجها، ووقفت بجانبه في كل الشدائد والظروف، تربي الابناء وتعمل معه على توفير احتياجاتهم قدر استطاعتها، وتربي الابقار وتجلب الماء والحطب وكل ما يلزم، وتحرص على توفير احتياجات الاسرة إلى جانب زوجها، كما  واجهتها ظروف صحية صعبة،

عندما اصيبت بجلطة وهي في طريقها إلى مورد الماء، وبقيت بسببها في غيبوبة لأكثر من ثمانية اشهر، وافقدتها حاسة السمع بالكلية، ولكنها كانت صبورة تتحامل على اتعابها، إلى أن توفيت في 19/8/1420هـ، رحمها الله وغفر لها وتجاوز عنها.

ولد لهذين الفاضلين في عام 1379هـ الموافق 1959م، في بيتهما الحلو في ذراع آل شويهة، بشرقي جبل العمريين بفيفاء، وكان ترتيبه التاسع بين اخوته واخواته, نشأ كغيره من اطفال تلك الفترة، وما هي عليه اسرته من شح ذات اليد، فدرج يعاني كثيرا مما تعاني منه اسرته، من الفقر والتقتير والمعاناة، والحرمان من كثير مما يتمتع به امثاله في الاسر الميسورة، ويقول عن شيء من ذلك(لم نكن نعرف الألعاب ولا الملابس التي نتجمل بها، حتى أنه في يوم العيد كانت اكبر امانيه أن يجد طاقية، يلبسها فوق رأسه مع ثيابه الرثة، وكانت أجمل العابه تتمثل في جمع القراطيس، ويعملها على شكل كتب يمثل أنه يقرأ فيها، علما أنها كانت كلها بكتابات غير عربية، ولا يعرف حتى اسفل الصفحة من اعلاها) ولكن كانت تلك من السعادة التي يخلقها لنفسه، سعيدا بها كأعظم سعادة.

تعليمه :

  من خلال العابه وتعلقه بتمثيل دور القارئ، فقد لاحظ عليه والده ميله إلى هذا الجانب، فالحقه وهو دون السادسة من عمره، بمعلامة الشيخ عبدالله بن شريف العبدلي رحمه الله، التي افتتحها في جهة نيد الدارة، رغم بعدها عن منزلهم وصعوبة وصوله اليها، واضطراره إلى اقتطاع مبلغ شهري اجار للمعلم من مصروف الاسرة، ومع ذلك لم تستمر هذه المعلامة طويلا، وكانت استفادة منها محدودة، قاصرة على تعلم مبادئ التهجي البسيط، ولذلك الحاقه بعدها بمعلامة الشيخ موسى بن محمد القيسي (يمني)، كانت في جهة الفرحة بالدفرة، وكانت كذلك بعيدة عن منزلهم، ولكنها انتقلت لمكان اقرب قليلا، في جهة بيت عِلي المسلم، ثم إلى بيت البديع في نفس هذه الجهة،

تحت شجرة الحمرة (التمر الهندي) في فناء البيت، ولازم هذا المعلم،  واستمر معه إلى ان قارب على ختم القران الكريم، الذي اكمله لاحقا على يد الشيخ الفاضل سليمان بن جبر الظلمي رحمه الله، في دراسة خاصة لوحده لكونه صهرا لهم.

 واثناء دراسته في البديع عند القيسي، كان ينضم اليهم في العطلة الصيفية بعض طلاب مدرسة فيفاء الابتدائية، ممن يحرص ابائهم على زيادة تحصيلهم في القران الكريم، وفي استغلال فترة العطلة الصيفية التي تتوقف فيه المدارس لفترة طويلة، ولاحظ من اختلاطه بهؤلاء الطلاب، تميزا كبيرا عن ما هو عليه، وسمع منهم معلومات جديدة عن هذه المدرسة النظامية، فكانت تتوق نفسه كثيرا إلى تجربة الدراسة فيها معهم، ومع قرب نهاية العطلة الصيفية، والمدرسة على وشك استئناف الدراسة،

ولذلك قبلها باسبوع صرف المعلم طلاب هذه المدرسة، فعلى ما يبدو أنه ملزم بالتوقف لفترة إلى أن يرجع الطلاب الى مدرستهم الاصلية، فلما انصرفوا الى منازلهم استبقى الطلاب الأصليين، والقى فيهم كلمة فيها كثير من التوصيات والنصائح، وحثهم على مواصلة الدراسة لديه في هذه المعلامة، ومنحهم بعدها اجازة اسبوعين، فيقول كنت قد اتفقت انا وزميلي موسى بن يحيى الثويعي رحمه الله، على الالتحاق بالمدرسة الابتدائية، لذلك ما إن خرجنا من هذا اللقاء،

حتى جددنا العزم على تنفيذه، فاستأذنت من والدي ولم يعارض، ولذا ذهبت بعدها للتسجيل في المدرسة، وكان موقعها حينها في بيت المربوعة، بجوار بيت مأمور المالية (سالم بن حسن عابدين)، وكانت الامور سهلة وبسيطة، فلم يكن يلزم حضور ولي الامر إلى المدرسة، وإنما التسجيل يكتفى فيه بكتابة اسم الطالب، ويكتب امامه في الملاحظة مستجد، لكي يوضع في الصف الاول الابتدائي، ولذا اعتمد مباشرة طالبا في هذه المدرسة، مع بداية العام الدراسي 1386/1387هـ.

    كان جو المدرسة شيء جديد عليه، في النظام والحصص وتعدد المواد الدراسية، والمدرسون من جنسيات مختلفة، وكثير منهم حينها كانوا لا يفقهون غالب كلامهم، لكن تزامنت تلك الفترة مع بدايات وجود معلمين من ابناء فيفاء، ومنهم الاستاذ يحيى بن علي الابياتي رحمه الله، والاستاذ حسين بن جابر الخسافي رحمه الله، فوجدوا فيهما انسا، واحبوهما لكونهم يفقهون كلامهما، ويعاملونهم بطبية وبكلام محترم، ويسمعون منهم اي استفسار يطرحونه عليهما، وكان مدير المدرسة حينها الاستاذ عبدالله بهلول من اهل صبيا رحمه الله، والباقين فلسطينيين رحم الله من مات منهم وحفظ الباقين على طاعته.

ويقول (لما كنت قد ختمت القران، ومعي في الفصل حوالي ستة زملاء، وكنا نتقن الكتابة جيدا، ولاحظت أن من يجيد القراءة، يرفع مباشرة إلى الصف الثاني الابتدائي، فكتبت ورقة اشرح فيها مستواي، واطلب فيها ترفيعي للصف الثاني، وسلمتها للإستاذ يحيى بن علي، وهو بدوره اخذني وذهب بي الى مدير المدرسة، وعرض عليه الطلب واخبره بمضمونه، وكان رد مدير المدرسة سوف ندرس الطلب، ومضى الامر ونسيته وبقيت طالبا في الصف الاول) ويقول (كنا في الفصل الاول مجموعة كبيرة على نفس المستوى، ومن هؤلاء موسى بن يحيى الثويعي، واحمد بن موسى آل خفشه الابياتي، وحسين بن موسى آل خفشه الابياتي، ومبره بن ابراهيم العمري، ويحيى بن يزيد يحيى الخسافي، ومازال التعليم حينها في سنواته الاولى، ومعاملة الطلاب فيها كثير من القسوة والتعسف من بعض المعلمين،

وبعيدة جدا عن اساليب التربية المعتبرة، فكان في اول حصة لهم، أن طلب المعلم من جميع الطلاب، أن يكتب كل واحد منهم الحروف الهجائية، فأبتدأ اكثر الطلاب وهم ما يقاربون الثلاثين، يكتبونها لسابق معرفتهم بالكتابة والدراسة من قبل، وانجزوها وسلموها بسرعة للمعلم، إلا أن هناك حوالي احد عشر طالبا لم يستطيعوا كتابتها، لعدم سابق معرفتهم بذلك، ولذلك حكم عليهم المعلم من ذلك الوقت بحكم جائر، وبأنهم اغبياء لا فائدة منهم، وقيمهم على هذا الاساس، وحدد مستويات الجميع، فعزل هؤلاء الطلاب الاحد عشر، بل وحدد لهم جزءا من الفصل، وسماهم بفرقة (علي عوض)،

واهملهم بعدها ولم يلتفت لهم بتاتا، لا بتعليم ولا باهتمام، على الرغم من انهم نوابغ، ولكنهم حينها لم يكونوا قد دخلوا مدرسة من قبل، وقد ظهر نبوغهم فيما بعد في السنوات التالية، بل كان منهم متميزون فاقوا كل زملائهم، ونجحوا في الحياة وتقلدوا مناصب كبيرة، ويذكر منهم كل من سالم بن يحيى الظلمي رحمه الله، الذي توالت نجاحاته، حتى أنه في نهاية المرحلة الابتدائية، كان الاول على جميع طلاب منطقة جازان، ومن هؤلاء الشيخ فرحان بن يحيى آل حالية الخسافي، قاضي التمييز اليوم، ومنهم الاستاذ فرحان بن شريف الخسافي احد المعلمين المتمكنين، وغيرهم الذين كاد أن يؤودهم هذا المعلم، الجاهل بأساليب التربية.

في هذا العام انتقلت المدرسة إلى المبنى الجديد حينها، بجوار سوق النفيعة، وفي السنة الثانية انتقل للمدرسة الاستاذ الشيخ علي بن فرحان الخسافي رحمه الله، الذي تولى ادارة المدرسة بدل مديرها السابق، فبدأ الطلاب يشعرون بالثقة والاعتزاز اكثر، ويعتبرون هؤلاء المعلمين من ابنا البلدة نماذج وقدوات ماثلة امامهم، وقد كانوا بالفعل قدوة حسنة، ولهم تأثير كبير في بناء شخصيات طلابهم، مع أن هناك في المقابل كثير من المثبطات عن الدراسة، بسبب تفشي الجهل في كثير من مكونات المجتمع، ويعززها بعض الهفوات التي قد تحصل من بعض من يمثل هذه المدارس عن جهل،

فالكمال لله وحده، وكذلك للظروف التي يعيش فيها بعض الطلبة، فكم هو شخصيا قد همّ بترك الدراسة، ليتجه للبحث عن عمل يساعد  من خلاله اسرته، لأنه كان يعجز احيانا عن توفير بعض متطلبات المدرسة، مثل الدفاتر والاقلام واللبس الخاص بالرياضة، وادوات الهندسة والوان الرسم للتربية الفنية، وكان ذلك يشكل على الاب عبئا كبيرا، واكثر الاباء لا يملكون ما يستطيعون به توفيرها، وكان والده واحد من هؤلاء وهو يعلم ذلك، حتى أنه كان يخفي عنه كثيرا من تلك المتطلبات،

ويحاول أن يتحمل نتيجة عدم توفرها، بل كان يبحث له عن عمل يستطيع القيام به اثناء العطل، ليستعين بمردوده البسيط في مساعدة والده، أو على الاقل ليكفيه متطلبات المدرسة، وكانت ظروف الناس في ذلك الوقت متقاربة، فالسنوات الست في الابتدائية، مرت على البلدة فيها سنوات عجاف، وانقطاع طويل لنزول الامطار، التي هي عماد الخصب والحياة، بل كانت معظم الاسر في غاية من الفقر والحاجة الماسة، ولذلك لا ينسى أن فلان من الناس منحه نصف ريال، أو هذا أو ذاك تلمس حاجته وساعده، أو على الاقل شجعه بكلمة ما زلت راسخة في خلده.

 مضت السنوات بكل اطوارها، ومع قرب نهاية الصف السادس الابتدائي، الزمتهم المدرسة بإحضار وثائق رسمية من الاحوال المدنية، ليتم بموجبها تعبئة استمارات دخول الاختبارات النهائية لهذه المرحلة، فاضطر للذهاب الى مدينة صبيا، حيث مقر ادارة الاحوال المدنية، وكان برفقته اخيه الاكبر محمد، ومجموعة أخرى من الزملاء، من ضمنهم زميله مبره بن ابراهيم العمري، وبقوا في صبيا لما يقارب الاسبوع، إلى أن استطاعوا الحصول على الوثيقة المطلوبة، وكانت اقامتهم في صبيا مكلفة ومتعبة، وكانت اول مرة يغادر فيها بلدة فيفاء، والجو هنا صائف حار، وغبرة لم يألفها من قبل، مع كثير من تعقيد اجراءات اثبات الهوية، ولكنها في المقابل كانت تجربة جديدة وخبرة مضافة، ودرس له على قوة التحمل والصبر، وفي حسن التصرف عند الشدائد والصعاب، ولذلك في نهاية العام الدراسي،

كان لزاما عليهم اداء الاختبار لهذه المرحلة، في اللجنة العامة للاختبارات التي تعقد في مدينة صبيا، ويحضر إليها جميع طلاب المرحلة الابتدائية في هذا القطاع، ومن ضمنهم طلاب مدرسة فيفاء الابتدائية، حيث ذهبوا جميعا إلى مدينة صبيا، ورافقهم فيها ممثل المدرسة الموظف سليمان بن حسين الداثري رحمه الله، ولحق بهم من الاهالي الشيخ يزيد بن يحيى الخسافي (حاذر) رحمه الله، لكون ولده يحيى احد هؤلاء الطلاب،  فكانوا يتابعون جميع الطلاب ويوجهونهم، ويهيئون لهم كل ما يستطيعون من الخدمات، واستمرت مدة الاختبارات أسبوعين كاملين، لا يغادرون فيها مدينة صبيا، فكانوا لهم كالآباء في الحرص عليهم، وحتى في بذل المال والنفقة، وفي التشجيع إلى أن رجعوا الى بيوتهم، بعد انتهاء الاختبارات، رحمهما الله وجزاهما كل خير.

بعد حصوله على شهادة المرحلة الابتدائية، لم يدري حينها ماذا يتلوها وماذا يفعل، فلم تكن لديه رؤيه واضحة للمستقبل حينها، وهو السائد بين معظم ذلك الجيل، فكانوا كزملاء يسأل بعضهم بعضا، إلى اين نذهب لمواصلة تعليمنا ؟، أم نكتفي ونتفرغ لمساعدة اسرنا، ولكنهم يقولون اذا اكتفينا بهذا الحد فما فائدة ما تعلمناه، وكلها اسئلة تدور في رأسه ولدى معظم من كانوا حوله، رغم شعوره بوجوب المسارعة إلى مساعدة اسرته، فهم بأشد الحاجة إليه في ذلك، ولكنه في الاخير قرر هو وزميله وصديقه الصدوق موسى بن يحيى الثويعي رحمه الله، ومعهما زميلهما مبره بن ابراهيم العمري،

على التسجيل في المعهد العلمي في جيزان، لكون هذا المعهد يصرف فيه مكافأة شهرية للطلاب قدرها (210) ريالا، قد تساعدهم في استئجار سكن بسيط وما يكفيهم من مصاريف المعيشة، فذهبوا وسجلوا فيه وتم قبولهم المبدئي، على أن يجتازوا المقابلة الشخصية لتأكيد قبولهم الرسمي، ولكنه لم يحدد لهم موعدها بالضبط، وحرصا منهم على أن لا تفوتهم ولضمان القبول، فكانوا طوال هذه الاجازة الصيفية، يتناوبون للحضور إلى مقر المعهد في جيزان، لاستجلاء موعد هذه المقابلة، فاتفقوا على أن ينزل بعد كل اسبوعين واحد منهم، ليسأل عن الموعد فقط، وفي الغالب يحصل الواحد منهم على كلمة واحدة (لم يتحدد بعد)،

ثم يرجع الى الجبل بخفي حنين، وكم كان صعب ومكلف على كل واحد منهم، فالمسافة بعيدة والسيارات قليلة والمال شحيح، ومما يذكره عندما حان دوره للنزول، وما حصل له بعد سماعه الاجابة بأنه (لم يتحدد بعد)، وفي طريقه للعودة في صباح ذلك اليوم، ولكنه لم يكن يملك حينها إلا خمس ريالات فقط، فحسب أنه يحتاج إلى الافطار بريال، ثم يركب إلى صبيا بريال، ومن صبيا إلى عيبان اربع ريالات، فالخمسة لن تغطي كل هذه الأمور، فقرر أن يغير الخطة ليختصر في النفقة،

فبعد أن افطر بالريال الأول، ركب بريال آخر الى ابي عريش، ومنها بثلاث ريالات إلى العارضة، ولكنه عندما وصل إلى العارضة لم يكن يعرف ما بعدها الى فيفاء، فكان يسأل ويمشي إلى ان حل عليه الظلام وهو لم يصل، واستمر في مشيه إلى أن وصل إلى احدى الدمن (مجمع سكني صغير)، في حوالي صلاة العشاء، فرحبوا به وجلس على احد الكراسي في القرب منهم، ودخل في نوم عميق من التعب والارهاق والجوع، وفي اليوم التالي قام مبكرا ليواصل سيره وهو دون أكل، فكان يسكت جوعه بالأقتيات على بعض ما يجده من النباتات والاعشاب، إلى أن وصل بيتهم بعد المغرب، وكانت تجربة قاسية لم ينساها.

   فيما بعد نزلوا جميعا إلى جيزان وتم قبولهم، وسعوا إلى تهيئة امورهم ليكونوا جاهزين مع بداية العام الدراسي 1393/1394هـ، ولكنه في هذه الاثناء التقى بهم الاستاذ حسين بن جابر الخسافي رحمه الله، وكانت قد استدت اليه ادارة المدرسة الابتدائية بفيفاء، بدلا من الاستاذ علي بن فرحان الخسافي رحمه الله، الذي ذهب لإكمال دراسته في الطائف،

فلما قابلهم اخبرهم أن له محاولة مع مدير التعليم الاستاذ محمد بن سالم العطاس، في الموافقة على فتح فصل اول متوسط، ليكون  ملحقا بالمدرسة الابتدائية، حيث شكى له من أن غالب الطلاب لا يواصلون دراستهم، لعدم وجود مرحلة متوسطة، ثم قال لهم إن ذهبتم انتم فلن يتبقى طلابا يكفون لفتح هذا الفصل، واقنعهم بالفكرة تماما وأنه الافضل لهم،

وبالفعل وافقوا له فرحين ومستبشرين بالعودة للدراسة بين اهاليهم، وهذا ما حصل فكان بحمد الله النواة الاولى للمرحلة المتوسطة في فيفاء، حيث فتح هذا الفصل وكانت البداية فيه بعشرة طلاب، كانوا يمثلون ذلك العام الصف الاول المتوسط، وسارت بهم الامور على خير وجه، وانتهى ذلك العام بنجاح لكامل المجموعة، ليترقوا الى الصف الثاني المتوسط، وفي منتصف هذه السنة الثانية، من العام الدراسي 1394/1395هـ، انتقل الى هذه المدرسة الاستاذ القدير الشيخ حسن بن فرح الابياتي رحمه الله، الذي تسلم إدارة المدرسة المتوسطة، والاشراف على المدرسة الابتدائية، بعد أن انتقل مديرها الاستاذ حسين بن جابر، ليكون مديرا لمدرسة العدوين الابتدائية المحدثة، وهنا عمل الاستاذ حسن بن فرح على التعاون مع الشيخ علي بن قاسم قاضي فيفاء رحمهما الله، في التبرع بمبنى آخر مستقل، ليكون خاصا بالمرحلة المتوسطة، وقد درسوا فيه بقية ذلك العام والعام التالي، إلى أن حصلوا منها على الكفاءة المتوسطة، في نهاية العام الدراسي 1395/1396هـ.

بعد أن حصل على شهادة الكفاءة المتوسطة، عاد لنفس الحيرة السابقة من جديد، والسؤال الابدي إلى أين الاتجاه، فلا يوجد هنا مرحلة ثانوية، ومن رغب مواصلة دراسته فلا بد له من المغادرة ومفارقة الاهل،  وتشعبت امامه الخيارات والطرق، وتنوعت وتباينت الافكار والرؤى، وكانوا خمسة من الزملاء يديرون الافكار والتشاور فيما بينهم، كان معه زملائه السابقين موسى الثويعي ومبره العمري، وانضم لهم الاخوين احمد وحسين موسى آل خفشه الابياتي، واستقر عزمهم وتأكد على مواصلة الدراسة في معهد المعلمين بابها،

لأنه الأقرب والاقصر للوصل سريعا الى الهدف المنشود، فرغبتهم الوحيد الانضمام إلى سلك التعليم، لأنهم يرون انهم قد تأخروا كثيرا عن مساعدة اهاليهم ماديا، فكانوا يشعرون أنهم في سباق مع الوقت لأجل هذه المهمة والواجب، وكان قد عرض الرأي على والده بما عزم عليه، فوافق له رحمه الله وقال له مادام سيرافقك اولاد موسى بن احمد آل خفشه فلا شك أن فيه الصواب، ( وقد كان يجل الشيخ موسى ويحترمه كثيرا، وهو معلم قديم في معلامة (شيحة) مع اخيه الشيخ حسن بن احمد رحمهما الله).

  وغادروا فيفاء إلى ابها بتوفيق الله وحفظه، وكانوا اثنائها في صحبة الاستاذ حسن بن فرح، الذي كان له بصمة لا ينسونها في هذه السفرية العظيمة، فقد كان يوجههم ويعلمهم عن آداب السفر، وعن حسن التعامل ومراعاة الرفقة، وكيف على الواحد أن يعامل زملائه، وقدم لهم العديد من الخدمات، حيث بقي معهم فترة طويلة، لأنه تزامن ذلك مع مرض اخيه الشيخ علي بن فرحان آل السلعي الخسافي رحمه الله، الذي تنوم في مستشفى ابها العام، ثم بعدها اضطر للسفر مرافقا له الى خارج المملكة، حيث توفي هناك رحمه الله.

 انتظموا جميعهم في معهد المعلمين، وكانت المناهج المقررة تركز على النواحي التربوية، وعلى ميزات نمو الاطفال في علم النفس، بالإضافة الى طرائق التدريس لجميع المواد، وكانوا بحمد الله نخبة متميزة بين طلاب هذا المعهد، في أدبهم وانتظامهم واجتهادهم وتفوقهم، درسوا فيه الثلاث السنوات المقررة، وكانت تقديراتهم في كل هذه السنوات ممتازة، إلى ان حصلوا على شهادة معهد اعداد المعلمين الثانوي، في نهاية العام الدراسي 1398/1399هـ، ويذكر أن لهم زملاء قد سبقوهم، كانوا يدرسون في معهد المعلمين في جيزان، وهم كل من (الشيخ حسن بن حسين الخسافي، والاستاذ يحيى بن علي الخسافي، والشيخ عبدالله بن حسن علي ال سنحان المثيبي، والاستاذ موسى بن محمد احمد الداثري، ومعهم من مكة الاستاذ الشيخ محمد بن حسين محمد الظلمي)، حيث تخرجوا قبلهم بعام واحد، وتعينوا كلهم في مدارس فيفاء الابتدائية، فكانوا يتابعون اخبارهم ونجاحهم، وما يقومون به في عملهم، ليضيفوها خبرات مكتسبة لهم في مستقبل ايامهم.

  ولم يمضي طويل وقت بعد تخرجه، حتى تعين وفي نفس العام معلما في مدرسة الفرحة الابتدائية، وانتظم في عمله، ونال بحمد الله كثيرا من النجاح، وبعد ثلاث سنوات اسندت إليه ادارة المدرسة، إلا أنه مازال يشعر بحاجته إلى زيادة التحصيل العلمي، وكانت الوزارة تتيح الفرصة لكل من يرغب التفرغ للدراسة، ولذلك في نهاية عام 1403هـ طلب الموافقة له على الالتحاق بالكلية المتوسطة بجيزان، وبالفعل تم الموافقة له وقبوله في هذه الكلية، وكان معه كما يذكر كل من الاستاذ احمد بن موسى آل خفشه،

ومديره السابق في المدرسة الابتدائية، الاستاذ علي بن فرحان الخسافي، وانتظم في دراسته وعاد إلى مقاعد الطلب من جديد، وترقى في مستوياتها وفي اقسامها، إلى أن تخرج منها في 9/4/1406هـ، ليحمل شهادة دبلوم الكليات المتوسطة، وعاد بعدها مرة اخرى الى التعليم، حيث وجه للعمل في مدرسة (حجن بني امشيخ)، ثم في العام التالي اعيد مدير لنفس مدرسته السابقة (الفرحة)، ليطلب مرة اخرى في عام 1427هـ، السماح له بإكمال دراسته في كلية المعلمين بجيزان،

وتم قبوله وانتظم طالبا فيها الى عام 1429هـ، حيث اعترته ظروف مرضية شديدة، لم يطق معها مواصلة دراسته وانتظامه، مما اضطره إلى طلب اعفائه من اكمال هذه الدراسة، واعادته الى العمل الميداني، وبالفعل فقد وافقت له الادارة بعد عدة محاولات وتقارير طبية، ليعود معلما ولكن الى مدرسة العدوين، ولم يبقى فيها طويلا، فلم يكمل العام الدراسي حتى طلب إحالته على التقاعد.

وطوال سنوات عمله في التدريس، حضر عدة دورات متخصصة، وبرامج تطويرية قصيرة، ومنها :

  1. دورة لتلاوة القرآن الكريم وتجويده.
  2. دورة ادارة مدرسية.
  3. دورات لطرائق تدريس اللغة العربية.
  4. دورة عن الحاسب الالي وكيف تسخيره للإدارة المدرسية.

  ويعيد الفضل بعد الله سبحانه وتعالى، إلى اشخاص كان لهم ادوار مهمة، وتأثير كبير في دعمه وتشجيعه وتحفيزه، ليصل بفضل الله إلى ما وصل إليه، على امتداد مسيرته الطويلة، وبالذات في بداياته المتعثرة وغير الواضحة ، ومن هؤلاء الفضلاء نجده يشير إلى كل من :

  1. والده الفاضل احمد بن اسعد يزيد العمري رحمه الله رحمة واسعة، فهو المؤثر الاكبر، والداعم والمحفز في كل ماوصل إليه، كان يستقطع من دخله البسيط مبالغ يدفعها لمعلمي القرآن في بداية حياته، وعندما التحق بالمدرسة الابتدائية، كان يشجعه رغم تثبيط الكثيرين من الناس حينها لهذه الدراسة، الذين لا يرون في التعليم النظامي، تركيزا على القران الكريم، ويرددون كلمات في الهجاء من باب التهكم، ومن أكبر الدلالات التي تشير إلى دعمه وتشجيعه الكبير، في أنه كان يسمح له بالخروج ليلا في شهر رمضان، ليلتحق بحلقات مُدارسة القرآن الكريم، التي تتم في بعض المساجد من حولهم، وتبدأ من بعد صلاة العشاء إلى وقت السحور، بل كان يزوده ببعض ما يعينه على الوصول اليها من الاضاءة (الكشاف)، ويجهزون له في البيت ثلاجة القهوة والشاي، وربما قليلا من التمر.
  2. اخيه الفاضل محمد بن احمد اسعد العمري حفظه الله.
  3. خاله الفاضل يحيى بن مسعود يحيى العمري رحمه الله.
  4. فضيلة الشيخ سليمان بن جبر الظلمي رحمه الله، الذي ختم على يديه قراءة القرآن الكريم.

ومن المعلمين الذين لهم ابرز الاثر في الاقتداء بهم، كل من :  

  1. الاستاذ حسين بن جابر جبران الخسافي رحمه الله,
  2. الاستاذ يحيى بن علي حسن الابياتي رحمه الله ,
  3. الاستاذ علي بن فرحان احمد الخسافي رحمه الله.
  4. الاستاذ حسن بن فرح اسعد الابياتي رحمه الله .

ومن الزملاء الذين عايش ظروفهم وعايشوا ظروفه، وكانوا له نعم الرفقة ولهم الدور الايجابي المؤثر، كان كل من :  

  1. الاستاذ موسى بن يحيى اسعد الثويعي رحمه الله.
  2. الاستاذ حسين بن موسى احمد ال خفشة حفظه الله.
  3. الاستاذ احمد بن موسى احمد آل خفشه حفظه الله.
  4. الاستاذ مبره بن ابراهيم حسن علي العمري حفظه الله.
  5. الاستاذ موسى بن مصلح فرحان الابياتي رحمه الله.
  6. الاستاذ ضيف الله بن سعد عيد الرشيدي حفظه الله.

العمل الوظيفي :

كما اشرنا لم يمضي طويل وقت على تخرجه، حتى تعين في 21/11/1399هـ معلما في مدرسة الفرحة الابتدائية، وكان الوحيد فيها سعوديا، ففيها عدد كبير من المدرسين الاجانب، وكان مدير المدرسة حينها الاستاذ ابراهيم بن محمد احمد يعقوب (فلسطيني)، وانسجم مع عمله تماما، وسارت معه الامور على ما يرام، ومضت سنواته الاولى وهو يكتسب الخبرة والثقة بالنفس، وكل سنة تمر به تصقل شخصيته اكثر واكثر، وبعد ثلاث سنوات اسندت اليه ادارة المدرسة، رغم تمنعه وعدم رغبته في ذلك، بدعوى قلة الخبرة في هذا المجال، وانسجامه مع التدريس وعشقه له،

إلا أنه كان لزاما عليه الانصياع وقد شغرت الادارة بانتقال مديرها السابق، ومسك الادارة وكانت تجربة أخرى نجح فيها، واستمر على ذلك إلى أن تم تفريغه للدراسة بناء على طلبه، حيث فرغ للدراسة في الكلية المتوسطة بجيزان مع نهاية عام 1403هـ، وبعد تخرجه منها في 9/4/1406هـ، وجه للعمل في مدرسة (حجن بني امشيخ)، وبقي فيها الى نهاية العام الدراسي 1406هـ ، وفي العام التالي1407هـ مرت مدرسته السابقة الفرحة الابتدائية، بإشكالات بسيطة وشيء من الربكة في ادارتها، ليتم إعادته مديرا لها من قبل ادارة التعليم، وبقي يمارس عمله فيها الى عام 1414هـ،

حيث طلب اعفائه من ادارة المدرسة، وبالذات ومعه فيها عدد متميز من المدرسين الوطنيين، ولأنه يؤمن بإتاحة الفرصة لهم في مجال الادارة، وبالذات لمن كان منهم له رغبة في اكتساب الخبرة الادارية، واما هو فقد تشبع ويعشق ممارسة التدريس، وله رغبة في العودة الى ميدانه الجميل، وبالفعل سلم القيادة وعاد معلما في نفس المدرسة، ليدرّس في المجال الذي يستهويه،

متخصصا في اللغة العربية والقران الكريم، وواصل عمله سعيدا به الى عام 1427هـ، ليطلب السماح له بإكمال دراسته في كلية المعلمين بجيزان، وتمت الموافقة له وباشر الدراسة فيها، إلا أنه لم يستطع اكمال الدراسة لظروف صحية اعاقته، حيث اضطر إلى طلب اعفائه من اكمال هذه الدراسة في عام 1429هـ، ليعود معلما إلى مدرسة العدوين الابتدائية، ليواصل تدريس مادتي اللغة العربية وفرع التربية الاسلامية، وبقي فيها لمدة فصل دراسي واحد، وما إن انتهى هذا الفصل إلا وقد اعتراه شعور بالتشبع،

وأنه قد ادى كل ما يستطيع بذله في هذا المجال، ولذلك الح في طلب قبول احالته على التقاعد المبكر، وصدر قرار تقاعده في العام 1429هـ، بعد خدمة استمرت لثلاثين سنة كاملة، كانت بحمد الله حافلة بالعطاء والجهد المثمر، وبالأدوار الايجابية النافعة، التي كان راض عنها تمام الرضى، حفظه الله ووفقه، وبارك فيه، وجزاه خيرا.

  ويعتبر من الناس المتفاعلين الايجابيين داخل مجتمعه، يبذل جهده وفكره وعلمه وماله في خدمة هذا المجتمع، ومن الاعمال التي شارك بجهوده فيها وهي كثيرة، وكلها يفخر بها كثيرا، ويشعر تجاهها بتمام الغبطة، ويذكر منها باختصار ما يلي :

  • كان يقوم بطلب من الشيخ سلمان بن جبر الظلمي رحمه الله، امام وخطيب جامع الفرحة حينها، بالنيابة عنه على مدى حوالي خمس سنوات، في إمامة مسجد (الفرحة بالدفرة)، والخطابة فيه ايام الجمع والاعياد.
  • منذ صغره المبكر، ولكونه الوحيد حينها في محيط اسرتهم الذي يتقن القراءة والكتابة، فكان يطلب منه والده وكثير من الناس حولهم، في أن يكتب لهم اشيائهم المهمة، ومنها الظنات والمبايعات والسندات والاتفاقيات والرسائل، حتى اصبح مشهورا في هذا الجانب، رغم أنه توفر فيما بعد كثيرين من المتعلمين ومن الكفاءات الجيدة، الا أن كثيرا منها توكل إليه، من باب التميز والثقة في خبراته.
  • كان يعمل بطلب كثيرين من الناس، على تقسيم المواريث، وكتابة المستندات اللازمة لذلك.
  • بذل متعاونا مع غيره من الفضلاء في المطالبة بإيجاد طرق للسيارات، من جهة الفرحة إلى نيد الضالع، ومن الفرحة إلى نيد الحرم، في الوقت الذي كانت فيه الفرحة تعيش في عزلة وبعيدة عن توفر الخدمات، لعدم توفر طرق السيارات، ولصعوبة ظروف الناس في هذه الجهات.
  • كانت جهة الفرحة محرومة من تعليم البنات، وكان من ضمن الجادين في متابعة المطالبة على ايجاد هذه المدارس للبنات فيها.

كانت لهذه الاعمال دور كبير في تنمية مهاراته أولا، وتشجيعه على اقتحام الحياة بكل ثبات، وفي شعوره بدوره المتنامي في خدمة هذا المجتمع واهله، ثم يفخر كثيرا بأدواره وبمشاركاته مع اخرين في تقديم هذه الخدمات النافعة، التي تحققت بحمد الله، ونالت كثيرا من النجاح والتوفيق والقبول، واعطت الكثير من الخير والنماء لهذا الجزء من فيفاء، جزاه الله خيرا هو وكل من عاضده وشاركه وتعاون معه في هذا السبيل المبارك، وكتبها في موازين حسناتهم.

الحالة الاجتماعية :

تزوج في 10/11/1400هـ من الفاضلة جميلة بنت علي جبران العمري حفظها الله، وتعليمها ابتدائي، ورزق منها بسبعة اولاد ابنان وخمس بنات، ثم تزوج من الفاضلة فاطمة بنت حسين حسن الظلمي حفظها الله، وتعليمها ابتدائي، ورزق منها بسبعة اولاد ستة ابناء وبنت، وهم على النحو التالي :

  • محمد بكالوريوس لغة عربية، معلم في ثانوية الامير سلطان بابها، متزوج وله ابناء.
  • حنان ثانوية عامة متزوجة.
  • اسماء كفاءة متوسطة متزوجة.
  • هدى ثانوية عامة متزوجة.
  • خلود ثانوية عامة متزوجة.
  • منال كفاءة متوسطة متزوجة.
  • عبدالله بكالوريوس في السياحة والتراث جامعة جازان.
  • احمد بكالوريوس ميكانيكا جامعة الملك فهد ويعمل مهندسا في شركة ارامكو.
  • وليد هندسة كيمائية جامعة جازان ويعمل في شركة تحلية مياه البحر الاحمر بالشقيق.
  • شهد طالبة بكلية الطب بجازان السنة الرابعة.
  • عبدالمجيد طالب بجامعة الملك فهد السنة الاولى.
  • اياد طالب في المرحلة الثانوية.
  • سعود طالب في المرحلة الثانوية.
  • سند طالب في المرحلة المتوسطة.

حفظهم الله وبارك فيهم، وحفظه الله ووفقه وزاده علما وفضلا وتوفيقا.

                                  والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

                                     محبكم/ عبدالله بن علي قاسم آل طارش الفيفي ـ أبو جمال

الرياض في 1445/9/20هـ

الاستاذ :موسى بن أحمد اسعد العمري الفيفي

المقالات

ابق على إطلاع بآخر المستجدات على موقع بصمة

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى