
في أوقاتٍ كثيرة، يشتاق الإنسان إلى حياته القديمة، ليس لأنها كانت مدهشة أو مليئة بالفرح، بل لأنه كان فيها أقلّ وعيًا وجهلا بالكثير من الأمور،وأبعد عن ثقل الحكمة.
فالمعرفة، رغم نورها، تحمل في طيّاتها وجع الإدراك… والجهل، رغم ما يُقال عنه، كان في يومٍ ما غلافًا ناعمًا يحيط القلب بالسكينة، ويمنحه راحةً لا نعرف قيمتها إلا حين تزول وليست الأعوام التي مضت هي ما نشتاق إليه… بل تلك النسخة البسيطة منّا، التي لم تكن تعرف الكثير، ولم تكن تُرهقها التفاصيل.
والحنين للماضي أحيانًا ما يكون حنينًا للبساطة، لا للأحداث نفسها، بل لحالة داخلية كنا نعيشها دون أن ننتبه: قلة الوعي، قلة المسؤوليات، أو حتى جهلنا ببعض الحقائق المؤلمة.
والوعي نعمة، لكنه أحيانًا يثقل القلب، يجعلنا نرى الأمور بوضوحٍ قد لا نريده، وندرك أشياء لم نكن مستعدين لها.
وربما هذا ما يجعل “الجهل سكينة” أحيانًا.
لكن رغم ذلك، كل مرحلة من حياتنا تحمل جمالها الخاص، حتى لو لم نره وقتها.
قال الشاعر العباسي ابن المعتز:
نسير إلى الآجال في كل ساعة
وأيامنا تطوى وهن مراحل
ولم أر مثل الموت حقاً فإنه
إذا ما تخطته الأماني باطل
فما أقبح التفريط في زمن الصبا
فكيف به والشيب في الرأس شاعل
ترحل من الدنيا بزاد من التقى
فعمرك أيام تعد قلائل.
الحنين إلى الماضي
بقلم ابراهيم النعمي
