مقالات

العميد متقاعد :خالد بن موسى حسن المثيبي الفيفي

إعداد الشيخ :عبدالله بن علي قاسم آل طارش الفيفي ـ أبو جمال

العميد متقاعد :خالد بن موسى حسن المثيبي الفيفي

  انسان واضح في كل اموره، سهل لين الخلق، لا تتعب في التواصل معه، ولا في فهمه واستيعاب فكره، يعيش مع نفسه ومع من حوله في سلام دائم، حدد مساره وعرف طريقه، وفهم الحياة واستوعب متطلباتها، قوي الارادة مستنير الفؤاد، قليل امثاله، تربى في بيئة صالحة ناصحة، ابوين كريمين مدرارين بالخير والعطاء، نشئاه على حسن الخلق، وجميل التعامل، وعلى محبة الناس، وخدمتهم والتعايش معهم، لذلك تجده محبوبا من كل من عرفه، لا تمل الجلوس والحديث معه، فلن تفارقه إلا وقد نفحك فكرا وعلما وادبا، وفقه الله واسعده وكثر في مجتمعاتنا من امثاله.

زاوج بين الحياة العسكرية الجادة، وبين حسن التعامل في محيطه ومجتمعه، ونال النجاح والتفوق في كل منهما، تقاعد من العسكرية وهو هو لم يتغير، ولا تشعر باختلاف في اسلوب حياته، استطاع أن يعيش الحياة على حقيقتها، أدى واجباته، واشبع رغباته، ومارس هواياته، في حدود امكانياته، متحدث لبق، وكاتب جميل موفق، يغرف من مخزون علم وثقافة واسعين، زاده الله علما وفضلا وادبا ونجاحا.  

إنه العميد ركن متقاعد:

خالد بن موسى بن حسن بن سليمان المثيبي الفيفي

حفظه الله ووفقه.العميد متقاعد :خالد بن موسى حسن المثيبي الفيفيوالده الشيخ موسى بن حسن سليمان المثيبي الفيفي رحمه الله، وكانت شهرته موسى حسن ابن اهل (امنقيل)، والنقيل هو اسم بيتهم  المشهور في بقعة ال داوود، يمر بجواره طريق النفيعة عيبان (الجمالية) وكان من اهم الطرق الممهدة للدواب والجمال قبل فتح طرق السيارات، ويعتبر الطريق الرئيسي والاكثر استخداما، من مركز الامارة بفيفاء وسوق النفيعة الاسبوعي، الموصل مباشرة إلى سوق عيبان، في سفح جبل فيفاء، الذي يعد اكبر اسواق المنطقة الجبلية، والمكان الوحيد الذي كانت تصل إليه السيارات، وكان هذا الطريق المار بجوار بيتهم النقيل، طريق دائب الحركة، ليلا ونهارا، يجلب الناس عن طريقه ارزاقهم، ويأتي منه اهل البلدة وزائريها، والنقيل احد الأماكن التي يستريح فيها العابرون، اما لشرب الماء أو الاستراحة قليلا قبل استئناف سيرهم.

تميز رحمه الله بالكرم والطيبة والتسامح، كريم المعشر حسن التعامل مع كل الناس، ولذلك نجد ولده تأثر به كثيرا في هذا الجانب، وغيرها من الصفات النبيلة، احسن تربيته وتنشأته واخوانه بأسلوب راق جميل، يستند على المرونة والوضوح والحوار والاقناع، فلا يفرض على واحد منهم شيء وهو لا يريده أو لا يؤمن به، إلا فيما يرضي الله من العبادات، وكان لا يتدخل في اختياراتهم إلا إذا طلب الواحد منهم رأيه أو مشورته، انسان سهل لين لا يفرض اراءه وقناعاته، ويقول عنه ولده ( لم اذكر أنه ضربني في يوم من الايام، أو جرحني بكلام، بل كان لين الجانب لدرجة ان والدتي تتهمه بتدليلي الزائد)، حليم قليل الغضب، حتى إذا ما غضب فلا يتجاوز غضبه الساعات، ولا يحمل في قلبه حقدا او ضغينة على أي أحد مهما كان السبب، ومما يذكره عنه قبل وفاته بيوم واحد، وكان مرافقا له في المستشفى، أن طلب منه مسامحته واخوانه عن أي قصور قد حدث منهم، فنظر إليه باستغراب شديد، ثم قال عن أي شيء تريد أن اسامحكم يا خالد، علم الله أن ليس في قلبي شيء على احد من الناس، حتى لمن اساء إلى منهم ولو متعمدا، فكيف بكم وانتم قرة عيني، ويشهد الله اني مسامح لكل الناس، يقول : لقد هزتني كلماته الصادقة، وأثرت علي بقوة، حتى انني عند قبره في يوم دفنه، طلبت من الحاضرين ان يسامحوه، وقلت لهم واما بالنسبة له فاشهد الله اني سمعته يسامح كل الناس، سامحه الله ورحمه وغفر له.

  واما امه فهي الفاضلة خيرة بنت علي حسن المثيبي حفظها الله، ابنة الوجيه التاجر الشيخ علي بن حسن ال داوود المثيبي رحمه الله، عريفة ال داوود في زمنه، وتاجر معروف كان له دكان مشهور في سوق النفيعة، يبيع فيه الاقمشة أو ما يسمى حينها(بالبز)، معروف بتدينه وصلاحه واحسانه، وكان ممن شارك في اطعام الناس في سنة الجوع عام 1368هـ، وقد ورثت منه ابنته (خيرة) حفظها الله، كثيرا من هذه الصفات والاخلاق، وهي رغم اميتها امرأة فاهمة واعية، وربة بيت من الطراز الأول، راعية لأسرتها ومدبرة حازمة، ولم يدرك منذ صباه المبكر إلا وهي تعاني من شدة المرض، حيث أصيبت في بداية زواجها بمرض في إحد مفاصل ركبتها، ولما لم يكن الطب وقتها على المستوى الجيد، فقد اجريت لها عملية في احد المستشفيات بالطائف، ولكنها لم تنجح، بل كانت سببا في زيادة معاناتها، حتى أنهم سعوا إلى علاجها في مستشفى الملك فيصل بالطائف، وبقيت منومة فيه لحوالي ثلاثة اشهر، ولكن دون جدوى، ومع ذلك فلم يؤثر عليها مرضها ومعاناتها، أو يكون سببا أو حجة في أي تقصير من جهتها، قامت بكل وظائفها ومسؤولياتها تجاه زوجها وابنائها وضيوفهم، وتميزت بأنها ذات شخصية قوية، وصبر وإصرار عجيب، في كل الحالات والظروف، تعالج الامور بالحكمة والصبر وقوة التحمل، وكانت لأبنائها ومن حولها القدوة والأسوة، ومما يذكره من تحفيزها الدائم له قولها : (اريدك أن تكون لنفسك شيئا تفخر به ونفخر به كلنا، فأرجو أن تكون رجلا بمعنى الكلمة ولا تخذلني وتخذل أباك)، كلمات كانت وقوده ودافعه كل ما تراخت عزيمته، حفظها الله وجزاها كل خير، واطال على الخير عمرها, وختم لها بالصالحات.

ولد لهذين الفاضلين في بيتهما في مدينة الطائف، في حي الفيصلية (أم الخبز)، في اواخر عام 1388هـ، وكانت الطائف في تلك الفترة مصيف الدولة الأول، ينتقل إليها الملك ومجلس الوزراء، وكبار الدولة ومعظم افراد الأسرة المالكة، يقضون فيها كامل فصل الصيف، لذلك كانت مدينة حضارية متطورة، متكاملة البناء، وتتوفر فيها جميع وسائل الحياة الراقية، من خدمات الكهرباء والمياه والطرق وغيرها، مع تميزها بأجوائها المعتدلة الجميلة، ووفرة الفواكه فيها والمنتجات الزراعية، وابتدأ في تلك الفترة البث التلفزيوني لأول مرة، واحدث نقلة فكرية وحضارية كبيرة، وتردد كثير من الناس على ادخاله إلى بيوتهم، وكان والده من المبادرين إلى شراء هذا الجهاز، ومما يذكره أن أبناء الجيران كانوا يجتمعون لديهم في البيت من بعد العصر، لمشاهدة ما يبث فيه من افلام الكرتون، وبعض افلام قصيرة عن الكابوي الأمريكية، وكانوا يعجبون بما يشاهدونه، حتى أنهم يقلدونه في لعبهم، فكانوا يحضرون العصي وسعف النخيل من المزارع القريبة، ويتخذونها احصنة يركضون بها، ويرددون بعض كلمات ابطال هذه الافلام بالغة الانجليزية، مع إنهم لا يدركون حينها معانيها، ولا حتى طريقة نطقها الصحيحة، وكان بيتهم عامر حينها برواده، فلا يخلو في غالب الوقت من الضيوف، وبالأخص في مواسم الحج للقادمين من فيفاء، أو غيرهم من الباحثين عن الوظائف والعمل، وكان لكل ذلك الأثر الكبير في شخصيته، وخلقه وتعايشه مع كل الناس.

  وفي صغره في عام 1394هـ ، ولم يتجاوز حينها الخامسة من عمره، كانت أول زيارة له مع والديه إلى فيفاء، وكانت سفرية وتجربة رائعة، تركت في نفسه انطباعا لا ينساه، مما جعله يحب فيفاء، ويتعلق بها كثيرا، ويصف تلك الرحلة بكل تفاصيلها، وكانه يعيش احداثها اليوم، فما زالت كل احداثها عالقة في ذاكرته بكل تفاصيلها، فيقول : كانت الانطلاقة من مطار الطائف في الحوية، وكانت هذه اول مرة اشاهد فيها الطائرة واركبها، ولذلك انغرس في وجدانه من تلك اللحظة، أمنية أن يصبح طيارا، وصلوا الي مطار جيزان، حيث تغيرت عليه الامور، ودخل في مقارنات بين ما يشاهده وما ألفه في الطائف، بدأ بالمطار ومدرجاته ومبانيه، ثم بالمحيط الخارجي والبيوت والشوارع، وقد حجب عنه الظلام كثير من ذلك، لأنهم وصول إليها بعد المغرب، ولم يلبثوا بها طويلا، بل واصلوا طريقهم إلى صبيا، وفيها نزلوا في احدى البيوت من القش (العشش)، عند المعزبة المشهورة (عمرية)، وكانت هي وامثالها في ذلك الوقت النزل والفنادق للمسافرين، واما غالب البيوت في البلدة فهي بهذا الشكل (العشش)، ولم يدرك كنه محيطهم إلا مع شروق الشمس في اليوم التالي، فقد كانت مفاجأة له بمنظرها الغريب الممتد في كل الاتجاهات، واسرته ونقلته إلى عالم مختلف من الابهار والمتعة والجمال، وزاد من احاسيسه ما تذوقه فيها من الاكلات اللذيذة المختلفة، من الزلابية والمطبق واللحوح، ومن حلويات الزمبطية والمشبك والمقصقص، ولم يستأنفوا رحلتهم منها إلى فيفاء إلا بعد صلاة العصر، حيث استقلوا سيارة ونيت (شاص) تايوتا، السيارة الوحيدة المناسبة لهذه الطرق البدائية، وطالت بهم المسافة والوقت خلاف توقعاته، فكان يظنها مسافة قصيرة، ما اسرع ما يصلون بعدها إلى فناء بيتهم، ولكنه نام وقام وما زالت السيارة تسير، وخاب امله في سرعة الوصول، وطال انتظاره وترقبه، إلى أن توقفت بهم السيارة اخيرا في مكان قفر مظلم، في ما يسمى بالسربة في احد سفوح فيفاء، وكانت الصدمة عندما اخبروه بأنه يجب مواصلة السير مشيا على الاقدام، صعودا إلى اعلى الجبل المعترض امامهم، وفعلا ما هي إلا دقائق حتى حملت حقائبهم، فوق الحمير التي احضرها مستقبلوهم، وانطلقوا خلفها في صعود مرهق، وكان عليه أن يسايرهم رغم صغر سنه، فكانوا يستحثونه ويشجعونه، ويوحون إليه أنهم على وشك الوصول، وهو لا يرى شيئا مما امامه، فالظلام دامس، ولا يبدد ظلمته إلا ضوء سراج صغير، اعجب به من أول ما رآه، ومن فرط هذا الاعجاب، اصر إلا أن يحمله بنفسه، رغم محاولتهم صرفه عن ذلك، ولكنه لم يتراجع وتمسك بقراره إلى حين، واصلوا صعودهم لساعات كثيرة، كان خلالها يعيش حلم الاكتشاف، والتوقعات لما خلف الظلام المحيط، وكانوا يتوقفون بين حين وآخر، للتقاط الانفاس لبضع دقائق، حيث توقفوا عندما يسمى بالبركة، وانطلقوا بعدها وكلما ارتفعوا تغيرت الطريق، وبرد الجو المحيط، وحفتهم المدرجات الزراعية، ولكنه طال به الوقت، واتعبته الدرجات الحجرية التي لا تكاد تنتهي، حتى أنه ردد بصوت مرتفع يا الله متى ستنتهي هذه الدرجات، فجاوبه عمه سليمان (رحمه الله) ضاحكا، لن تنتهي وستطلع درجا وتنزل اخر حتى تعود إلى الطائف.

  انبلج الصبح وكان امامه منظر آسرا كالحلم لا ينساه، عندما صعدوا اعلى راس الساقية، المطل على بيتهم النقيل، وعلى بقعة آل داود وما فوقها، وتبدت امامه فيفاء التي طالما سمع بها، ويصف ذلك المشهد بقوله : (رأيت جنة ما زال منظرها ماثلا في ذاكرتي إلى اليوم) رأيت جبلا يعانقه السحاب، وخضرة تكسو الأرض، ومدرجات تحتضن الزرع، مناظر اذهبت كل تعب من تلك الرحلة، حياة هادئة هانئة منبسطة امامك، لا تتخيل لها نظيرا في هذه الدنيا، ومن فرط جمالها وابهارها له في تلك اللحظة، فقد ارتسمت في مخيلته صورة لا يستطيع وصفها، فبقيت تلك الصورة وذكريات هذه الرحلة خالدة في ذاكرته ووجدانه، وقيل (الحب من أول نظرة)، رحلة احس أنها نقلته إلى عالم مختلف، وتركت في نفسه بصمة ايجابية لا تمحى، وكان لها الدور الاكبر في تعلقه القوي وإلى اليوم  بفيفاء، وهكذا نرى أنه عاش طفولة ماتعة، وجميلة آسرة، قبل دخوله المدرسة، مرت به الايام في انس وحبور وسعادة لا يريد أن يستيقظ منها، كان يعيش بين ابوين حنونين، يحسنان تدليله والتعامل الجميل معه.

تعليمه:

عندما بلغ السن المناسبة للدراسة ، في عام 1395هـ، الحقه والده بمدرسة النصر الابتدائية، الواقعة  في حيهم الفيصلية ( ام الخبز)، وكانت في مبنى سكني مستأجر، فصولها صغيرة ضيقة، لا تكاد تتسع للمقاعد والطاولات، والسبورات الواح صغيرة من الخشب، ولا يوجد فيها ولا حولها ساحات ولا ملاعب، حتى أنه خصص سطح المبنى للفسحة، وكان ذلك شيء طبيعي حينها، وانتظم فرحا سعيدا في مدرسته، وما اسرع ما ألفها وتأقلم مع نظامها وزملائه ومعلميه، وجد واجتهد وترقى في دراسته، وما اسرع ما مضت به الايام والسنين، نجح في السنة الاولى والثانية، وكان مع بداية العام الدراسي في السنة الثالثة، وقد استبشر كبقية زملائه وهم ينتقلون إلى المبنى الحكومي الجديد، مبنى نموذجي على احدث طراز، فصول واسعة وسبورات كبيرة، ومقاعد جديدة مريحة، وساحات وملاحق وملاعب، وكل التجهيزات والوسائل التعليمية، ولكنه شخصيا لم تكتمل فرحته كبقية زملائه، فقد طرئ عليه ما غير كل ذلك، يقول الشاعر :

ما بين غمضة عين وانتباهتها 

يغير الله من حال إلى حال

فما إن مضى الاسبوع الاول من الدراسة في عام1397هـ، إلا وصدر قرار نقل والده العسكري إلى مدينة تبوك، ولابد من التنفيذ في الحال دون تردد، وظهر امامهم أنه من الصعوبة مرافقته في الحال إلى هناك، وفي نفس الوقت يستحيل بقائهم وحدهم في الطائف، وكان الحل الافضل هو عودتهم إلى فيفاء، والبقاء فيها إلى أن تستقر أوضاع والده، ويهيئ لهم الأمور في مقره الجديد، ولذلك جرى في الحال تنفيذ ما اتفقوا عليه، فالوقت لا يحتمل الابطاء، فغادر بهم الأب الطائف في طريقهم إلى فيفاء، وتركهم هناك ليعود وحده إلى مدينة تبوك.

  استقر بهم الحال في فيفاء، في وضع لم يكن مخطط له من قبل، واصبحوا امام امر واقع جديد، لا بد أن يتأقلموا معه، فكانت لا شك تجربة جديدة، لم تخطر له على بال، ولكنه رغم الشعور بالضيق والإرباك في بداية الأمر، لأنه لم يكن يرى حينها إلا الجانب السلبي، ولكنه فيما بعد ومع مضي الوقت تبدت له كثير من الايجابيات، بل اصبحت تجربة ثرية في مستقبل ايامه، قال الله تعالى (…. فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا)، كان تفاعله مزيجا من الفرح والحزن، الفرح لذهابه الي فيفاء، وما شكلته في مخيلته من صورة جميلة، اثناء زيارته الاولى لها قبل ثلاث سنوات، وداخله الحزن من جانب آخر، بسبب فراقه لوالده، وبعده عن زملائه وأصدقاء طفولته في الطائف، ولكنه كان لزاما عليه التعايش مع واقعه الحالي، وليس امامهم خيار آخر، ويعتبر الآن مقيم من اهل البلدة، بخلاف الأمس عندما كانوا ضيوفا وزوارا، ولذلك لم يمضي طويل وقت إلا وانتظمت حياتهم الجديدة، واستقر سكنهم في بيت (المفارج)، بيت جده لأمه رحمه الله، كان هذا البيت فارغا منذ وفاة جده قبل بضع سنوات، وهو بيت حجري دائري قديم، يتكون من  ثلاثة ادوار (دارتين ومشراحة)، اتموا تفقده وترميمه وتنظيفه وتهيئته، ثم تأثيثه بالضروريات والاساسيات بشكل مبسط، وبالطبع لم يكن ضمنها شيء من الاجهزة الحديثة، ففي تلك الفترة لا تتوفر الكهرباء في فيفاء، فليس هناك فرن ولا غسالة ولا تلفزيون أو شيء من هذا القبيل، والحياة حينها ما زالت شبه بدائية، فالإضاءة والطبخ تعتمدان على مادة (القاز) الكروسين، بل الطبخ غالبا على الحطب، والماء يجلب بالقرب الجلدية من موارده البعيدة، فكان لا بد من التأقلم مع الوضع الحالي، وكانت الأم حديثة عهد بذلك، وكان بالنسبة لها امر طبيعي، ولكنه كان عليه شيء جديد وغير مألوف،  فكانت صدمة حضارية عكسية لا بدا من تجاوزها، والانسان الطبيعي ما اسرع ما يتأقلم مع الوضع الذي هو فيه، وبالفعل فقد تقلصت احاسيس الغربة، وبدأت تظهر له كثير من الايجابيات الكامنة، وتروضت طبائعه، واستوعب محيطه بشكل صحيح، وعقد العديد من الصداقات، وتعرف على زملاء جدد، وتأقلم مع محيطه الخاص والعام، مما عوضه اشياء لا تقل عن ما فقده، وتخلقت بداخله كثير من القناعات والرضى، بل اصبحت له دروس نافعة وتجربة ناجحة، ويصف هذه التجربة الفريدة بقوله :

 كانت فيفاء في تلك الفترة ارضا بكرا، تعيش على طبيعتها الاولى، وفي مرحلة الاستيقاظ لتلحق بالآخرين، فكانت تتمطى لتطرد عنها النعاس، وتلحق بالركب السائر قدما إلى التغيير والتطور، ولاحظ كل ذلك بوضح من خلال مقارناته، واكتسب من خلالها دروسا وتجربة وعمقا، ونضجا مبكرا في تفكيره، حيث اتيحت له الفرصة الذهبية للتعرف على فيفاء بشكل مباشر، واستطاع التركيز على كل التفاصيل امامه، التي لم يكن معظم من ولد في فيفاء وعاش فيها يتنبه لها، بحكم الألفة والتعود، رأى فيها الصورة المغايرة لما الفه في مدينة الطائف، حيث تبدت له الاصالة في هذه البيئة شبه البدائية، فأحبها وعاشها واقعا جميلا ومفعما،  نسى فيها كل رفاهية الماضي، فلا كهرباء ولا خدمات ولا ترفيه، يخلد للنوم من بعد صلاة العشاء مباشرة، ليستيقظ مبكرا مع طلوع الفجر، ويذهب إلى المدرسة مشيا على الاقدام، قبل بزوغ الشمس، تسير به الطريق صاعدا في ضلع الجبل، يتسلق الدرجات بين المدرجات ليصل للمدرسة في جهة النفيعة، وقد كان الطلاب من ابناء الجيران، يتجمعون في محطات ليسيروا مع بعضهم، وكان هو  ينطلق من فناء بيتهم المفارج، ليصعد إلى جحدمة، يلتقي هناك بمن يأتون من جهة النقيل والغربي وبقعة ال داوود، ويواصلون سيرهم صعودا إلى العارف، ليلتقوا بمن يقدم من جهة خيران والمشعل وسهلان وحمزة وغيرها، ويكملون مسيرهم جميعا إلى الاستراحة الاخيرة قبل المدرسة، في اعلى درجات المغاشي، ومنها إلى مدرستهم في اطراف سوق النفيعة.

   لا مقارنة بين هذه المدرسة ومدرسته السابقة، فالمبنى هنا من الحجارة، ومسقوف بالأخشاب، وغرفه صغيرة ومظلمة، وجلوسهم على حنابل في الأرض، فلا توجد مقاعد ولا طاولات، والسبورة خشبية صغيرة، فوق مقعد في مقدمة الفصل، وكان شباك فصله الذي يجلس بجواره، يطل على شجرة الابراء في شرق السوق، التي يستخدمها الجزارون لتعليق ذبائحهم، من الثيران والخرفان يجهزونها للسوق، واصبح يترقب هذا المشهد صباح كل يوم اثنين، حيث يستقطب اهتمامه مستمتعا بما يشاهده، مما يلهيه عن درسه ويشغله عن ما حوله، فتمضي معظم الحصة الأولى وهو لا يدري ماذا شرح فيها، فقد كان يوم الاثنين يوما مختلفا ومميزا هنا، كان فيه السوق الاسبوعي الوحيد لأهالي فيفاء، ويكون استثنائيا ومختلفا عن بقية ايام الاسبوع، حتى أن الحصص تقلص فيه من ست إلى اربع، مراعاة للسوق وللتسوق فيه، وبالنسبة له فكان يوما مختلفا، لأن عليه جلب احتياجات البيت، حيث اسندت إليه امه هذه المهمة، لكونه اصبح رجل البيت والمسؤول الأول فيه، فكانت تملي عليه المتطلبات من الليلة السابقة، مع حرصها أن تكون شاملة وخفيفة الحمل، فهدفها الأول تربيته واكسابه المهارات، وكان منها ذلك اسلوبا حكيما وحصيفا، زرعت فيه الثقة بنفسه، ومنحته كثيرا من الدروس والخبرات، بممارسته الفعلية لهذا الشأن، مما أثر في تكوين شخصيته وبناء فكره، حتى أن الأثنين(الثنو) اصبح لديه يوما جميلا مرتقبا، ولا تزال صور هذا السوق محفوظة في ذاكرته، فيذكر بوضوح كل زواياه، وكل اماكن بيع السلع فيه، من المجلبة والمجزرة والمحناط، ومكان بيع الحطب والخصفيّات، وبيع الزبيب والحلويات، ويميز دكاكين التجار المشهورين حينها، من امثال (حسن جبران، واسعد سليمان، وسلمان يحيي وغيرهم) رحمهم الله، فالسوق هو المصدر الوحيد لتزود الناس باحتياجاتهم، فلا توجد دكاكين ولا محلات للبيع خارجه.

 ومما لا ينساه من معالم السوق، التي لم يراها في غيره (المهجم)، وكان في الماضي منبر في وسط السوق، استبدل فيما بعد بأسطح بعض الدكاكين الكبيرة، ومما يذكره ولفت نظره بشدة، عندما اعتلى احد اخويا مركز الامارة احد الدكاكين، واطلق من بندقيته رصاصة في الفضاء، فالتف الناس حول المكان ينصتون لما سيقوله، وفي احدى المرات صعد شيخ الشمل حينها، الشيخ حسن بن علي رحمه الله، وسمعه وهو يطلب من كل قادر من قبائل فيفاء، على مرافقته في صباح اليوم التالي إلى العيدابي، ليستقبلوا أمير المنطقة (امير العموم) فيها.

    لقد كان السوق بساحاته ملتقى يجمع كل أبناء فيفاء، يتبادلون فيه المنافع والاحاديث والاخبار، وكان يستخدم في غير يوم السوق للاحتفالات الرسمية، كان المحفل والمنبر والإذاعة لكل ما يهم الجميع من الأمور، وشاهد بنفسه في ذلك (العام) داخل السوق، كثيرا من الاحتفالات والمناسبات، ومنها احتفال أهالي فيفاء بعودة الملك خالد (رحمه الله)، من رحلته العلاجية إلى لندن، وكان يوما مشهودا، ما زالت احداثه محفورة في ذاكرته، حيث توافدت جميع القبائل، يرددون الالوان الشعبية والاهازيج، والقيت فيه الكلمات والقصائد الشعرية، ويذكر نجم هذا اليوم الاستاذ الشيخ حسن بن فرح (رحمه الله)، وشاركه بعض المشايخ وطلاب المدارس،  وكان السوق كذلك مكان الافراح ومصدر المسرات، تعلن فيه نتائج طلاب المدرسة الابتدائية والمتوسطة، ويتم فيه استلام شهادات النجاح والتفوق، في يوم استثنائي مشهود، وتعم الفرحة الجميع، وتطلق فيه الاعيرة النارية ابتهاجا، في احتفالية تكون كرنفالا رائعا، ولعل لذلك دور كبير في تحفيز الهمم، وخلق المنافسة بين الطلاب للتفوق، فيعطيهم كثيرا من الدافعية والابداع على اختلاف الأجيال، ويدفع بهم إلى مواصلة الدراسة والترقي، والالتحاق بالجامعات وما بعدها من الشهادات العليا.

 والسوق للشباب في غير يوم السوق، ميدان ومتنفس يتجمعون فيه، ويمارسون فيه الالعاب والانشطة المختلفة، فهو ملعب لكرة القدم والطائرة وغيرها، ولمعظم انشطة المدرسة المجاورة، تقام فيه الاحتفالات والامسيات الثقافية، بل اقيم في اطرافه مسرح ثقافي مبسط، تنفذ فيه العديد من الفقرات التمثيلية والاناشيد، التي يعد معظم فقراتها ويخرجها الاستاذ حسن بن فرح رحمه الله، تهدف تصريحا وتلميحا لمعالجة ادواء المجتمع، وتناقش فيه معظم القضايا والمستجدات التي تهمهم، وكانت تلك الفترة وما سبقها وما تلاها بداية لنقلات ثقافية ومعرفية عمت المجتمع.

   لا ينسى مدير المدرسة الابتدائية في تلك الفترة، الاستاذ الفاضل حسن بن محمد الابياتي رحمه الله، كان بالنسبة له المعلم والأب، وكم ردد على مسامعه كلمات الامتنان والشكر لوالده، وكيف كان يهتم به عندما كان طالبا في معهد اعداد المعلمين بالطائف، وكان سكنه بجوار بيتهم، فكان يعامله حينها بكل طيبة وكرم، ويعينه على كثير من اموره المعيشية الصعبة، وكم كان يحفزه ويشجعه على الجد والاجتهاد.

    انتهى ذلك العام سريعا، ومضى كحلم عابر جميل، رغم ما وجده فيه من صعوبات جمة، ولكن مردودها وما خلّفته من دروس ايجابية لا تنسى، ففي نهاية العام الدراسي غادروا فيفاء، ليستقروا مع ابيه في مدينة تبوك، وكانت رحلة السفر طويلة وشاقة، لبعد المسافة من اقصى الجنوب الغربي إلى اقصى الشمال الغربي، في رحلة بالسيارة استغرقت يومين كاملين، وعندما وصلوا تبوك وكانت حينها مدينة صغيرة، لا ترتقي لمدينة الطائف، ولكن الخدمات فيها والحياة المعيشية، افضل بكثير عما هي عليه في فيفاء، استقروا في البداية في حي الخالدية، الذي يسكن فيه غالب ابناء فيفاء حينها، وسعد فيه بالتقائه بكثير من جيرانهم السابقين في الطائف، والتحق فيه بمدرسة زيد بن حارثة الابتدائية، التي تقع داخل الحي، واكمل فيها بقية المرحلة الابتدائية، وانتقل بعدها إلى المرحلة المتوسطة، في نفس الحي، في مدرسة علي بن أبي طالب المتوسطة، وتزامن ذلك العام مع ما ادخل على المناهج من تحديثات وتغييرات، اهمها إدخال مادة الرياضيات الحديثة ومادة العلوم، مما كان لها تأثير سلبي على معظم الطلاب، وكان واحد منهم، ولعل من اسباب هذا الضعف، عدم توفر المعلم المؤهل لهذا التغيير، فصعب على معظم الطلاب فهمها واستيعابها، وبالأخص مادة الرياضيات الحديثة، مما جعله ضعيفا لم يتجاوزها في نهاية العام إلا بصعوبة، واستمر معه الضعف في السنة الثانية، وفي السنة الثالثة مع انتقاله إلى مدرسة الابناء في المدينة العسكرية، برز ضعفه فيها بشكل واضح، مما تسبب في رسوبه في الدورين، واعادة دراسة السنة مرة ثانية، ولعل من اسباب ذلك ضعف تأسيسه السابق، وعدم توفر المعلم المتمكن في المدرسة، وكانت له درسا قويا لا ينساه، حيث سعى بعدها بكل جد إلى تجاوز هذا القصور والضعف، وركز على فهم المادة واستيعاب مفاتيحها، ومن حسن حظه أنه تعين لهم ذلك العام معلما مصريا متمكنا، ساعده وامثاله على تجاوز هذه المادة بكل سهولة، حتى اصبحت من احب المواد لديه واسهلها، واحرز فيها أعلى الدرجات بحمد الله وتوفيقه.

  كان سكنهم الجديد داخل المدينة العسكرية متميزا، ونقلة حضارية كبيرة، مباني متكاملة وحديثة واسعة، كل وحدة منها تتكون من دورين، الدور الأول للمعيشة، والدور الثاني لغرف النوم، غرف واسعة ومتعددة الخزانات، ومجهز بكل وسائل الراحة، والمطبخ متكامل يحوي كل الاجهزة الحديثة، وتتوفر فيه غسالات الاواني والملابس، والتكييف المركزي، ولا مقارنة بينه وبين بيتهم السابق المستأجر، والأمر كذلك في مباني المدارس، من حيث الفصول والتصميم والمعامل وكل التجهيزات، ففيها هنا معامل متكاملة للغة الانجليزية والعلوم الطبيعية، وعيادة طبية مجهزة، وملاعب لكرة القدم والطائرة والسلة، وقاعة لممارسة الجمباز، وتجهيزات راقية على احدث التقنيات، مع أن غالب هذه المعامل لا تشغل حينها.

انتقل بعد نجاحه إلى المرحلة الثانوية في نفس المدرسة، وسارت معه الامور على خير ما يرام، إلا أنه اصيب بصدمة ثانية في السنة الثانية، عندما تعرض خلالها لظلم فادح، كاد يطير بكامل احلامه، وكان هذه المرة في مادة الفيزياء، بعدما وضع لهم اسألة المادة معلم غير معلمها، وجعلها معقدة وصعبة بشكل مبالغ فيه، حتى أنه لم يستطيع الحصول على ثمان درجات، التي كانت تؤهله للنجاح، وتضاعفت الصدمة والاحباط عندما رسب في الدور الثاني، ولم يقتنع نهائيا بالنتيجة، لسهولة الاختبارات واستعداده التام فيها، ولذلك طلب بإصرار على مراجعة أجوبته، إلا أن طلبه قوبل بالرفض النهائي، واصابه بالإحباط عندما اعيد تصحيح اجوبة بعض الطلبة لمكانة ابائهم، مما اشعره بفداحة ما وقع فيه من ظلم، وجعله يقرر عدم اكمال الدراسة في هذه المدرسة، بل انقطع عن الحضور نهائيا، وابتداء العام الدراسي الجديد وهو مصر على موقفه، ولم يستطع احد اقناعه بالعدول عن هذا القرار، إلى أن هيء الله له صديقه الاستاذ عيسى بن سليمان الداثري، وكان حينها موظفا في الخدمات الطبية بمستشفى القوات المسلحة، حيث اقنعه بطريقة اخرى لم تخطر على باله، فقد دله على اكمال الدراسة عن طريق المنازل، ليكون له خط رجعة فيما بعد لإكمال تحصيله، وقد وعده بأن يساعده في هذه الفترة بالحصول على وظيفة مؤقته داخل المستشفى، وبالفعل تسهل قبوله طالبا منتسبا في ثانوية تبوك، ولم يكن يلزمه نظاما إلا الحضور وقت الاختبارات، ويحق له الحضور مستمعا إذا رغب، وسارت معه الامور على خير ما يرام، إلا أنها لم تتيسر له الوظيفة بسبب انتقال الاستاذ عيسى خارج المنطقة، وكان في كل ذلك الخيرة من الله، حيث انقضى ذلك العام، واجتاز فيه الاختبارات، ونجح بحمد الله متفوقا، ولكنه مع بداية العام الدراسي التالي، بعدما سعى إلى قبوله منتظما في الصف الثالث الثانوي، وتقدم على ادارة التعليم لإكمال هذا القبول، فاشترطت عليه الإدارة احضار موافقة من إحدى المدارس الثانوية، وهنا صعب عليه الايفاء بهذا الشرط، فلم تكن في تبوك حينها الا ثلاث مدارس ثانوية فيها اقسام علمية، وهما مدرستي الأبناء في المدينة العسكرية والقاعدة الجوية، ثم الثانوية العامة بمدينة تبوك، وهو لا يرغب في أي من مدرستي الابناء لسابق تجربته فيهما، ولذلك ركز على ثانوية تبوك، ولكن طلبه فيها قوبل بالاعتذار، لاكتمال الطاقة الاستيعابية لديهم، وكثر تردده على المدرسة حتى أنه فقد الأمل، وبالذات وقد بدأ العام الدراسي وهو معلق، مما اضطر معه إلى تصعيد الأمر، فاتجه ذات يوم لمقابلة مدير التعليم شخصيا، وعلى ما يبدو أن الانفعال والتحفز ظاهر على محياه، وعند استئذانه من سكرتير مدير التعليم للدخول عليه، ظن من ملامحه أن لديه مشكلة شخصية مع احد معلميه، أو مع مدير مدرسته، فهدئ من روعه وانفعاله، وخاطبه خطاب الأب الناصح، بأن الأمر بسيط ولا يستحق منه الشكوى، وقال له أنها قد تضر بك وانت طالب، فأرى أنه من الأحسن لك تقديم اعتذار لهذا المعلم او المدير وتنهي المشكلة، وعندها صارحه وبثه كامل مشكلته التي حضر من أجلها، فتبسم حينها السكرتير وقال إذا الأمر سهل وفي غاية البساطة، ولا يحتاج منك حتى الدخول على مدير التعليم، وناوله ورقة بيضاء وقلما، واملى عليه ما يكتبه فيها من معروض، ثم اخذها منه وادخلها بنفسه على مدير التعليم، ولم يلبث أن خرج متبسما، وناوله الورقة ليذهب بها إلى مدير ثانوية تبوك، وتناولها واطلع على محتواها غير مصدق، فكان شرح المدير على معروضه، اعتمدوا قبول الطالب في الصف الثالث العلمي لديكم.

   حيث عاد من ذلك اليوم إلى مقاعد الدراسة منتظما، ولم يكن في مخيلته حينها إلا أن ينتهي العام الدراسي سريعا، ليشرع في تحقيق احلامه وطموحاته فعليا، التي كان من اهمها الالتحاق بكلية الملك فيصل الجوية، حلم الطفولة الذي طالما راود مخيلته، مع اول مرة يركب فيها الطائرة في صغره (كما اسلفنا).

    انقضى العام الدراسي بحمد الله وتوفيقه، وانتهت الاختبارات، وحقق بفضل الله النجاح المنشود بتفوق، في نهاية ذلك العام الدراسي 1409هـ، وما إن اعلنت نتائج الناجحين في الصحف، حتى انطلق حثيثا لتحقيق هدفه، فذهب مباشرة وفي نفس اليوم الي القاعدة الجوية في تبوك، ليحصل منها على استمارة القبول كما جرت العادة، إلا انهم اخبروه بأن الاستمارات اصبحت هذا العام توزع من وزارة الدفاع بالرياض، وعليه اخذها من هناك بنفسه، أو تكليف آخر ليرسلها له، وبالفعل فقد اوصى من استلمها وارسلها اليه، وعندها استكمل تعبئتها، ثم طار بها مباشرة الي الكلية بالرياض، لاستكمال بقية الخطوات المطلوبة، وكان منها الفحص الطبي الأولي، اجراه في مستوصف طب الطيران في الكلية، ثم بعده تمت اختبارات القدرات على الطيران، حيث يتم بواسطة مقعد عادي يجلس عليه، وامامه طاولة عليها جهاز كمبيوتر، مربوط به محركات يدوية، مماثلة للمستخدمة في لعبة الاتاري القديمة، وعند قدميه دواسات شبيه بدواسات السيارة، يلزمه فيها استخدام اليدين والرجلين معا، لكي يبقي نقطة امامه في منتصف الشاشة، وكان الهدف منها قياس التوافق الحركي، بين الايدي والأرجل والدماغ، فاذا ما اجتزاه يحددون له موعدا للفحص الطبي المتخصص، الذي يتم في مركز الطب الجوي بالظهران، ويعتبر هو الفيصل في اتمام القبول من عدمه، حيث تجلس على مقعد شبيه بمقعد الطائرة الحربية، وفيه يفحص بدقة السمع والنظر وتناسق العظام، فاذا ما اجتزته لا يتبقى امامك إلا المقابلة الشخصية، وينتظر بعدها الطالب ظهور النتيجة النهائية، وقد اجتاز بحمد الله كل هذه المراحل الأولية، وانتظر بعدها لأكثر من ثلاثة اشهر لتعلن نتائج القبول.

    كانت هناك مشكلة لفتت نظره إليها والدته، غفل عنها أو تغافل عنها، وكأنه متيقنا من قبوله في الكلية الجوية، فقد سألته لماذا لم يسجل في جامعة أو كلية اخرى احتياطا، فربما لم تتحقق رغبته في القبول، فيضمن أنه لن يضيع عليه العام الدراسي سدى، فتحرك بالفعل من قبيل ارضاء امه، وقدم اوراقه للقبول في الكلية المتوسطة بتبوك،  ولم حان اختبار القبول لم يحضر إلا بعد الحاح منها، وحضر إلى الكلية دون رغبة ولا تحضير، وفي القاعة المخصصة لقسم الرياضيات، التي كانت  اختياره الأول، وكانت اللجنة فيها قد ابتكرت طريقة مختلفة، بحيث يسلم الطالب ورقة فيها عشرة اسأله، امام كل سؤال منها اربعة اجوبة، يختار اجابة واحدة منها خلال ثلاثين ثانية، وتعتمد على الذكاء وسرعة البديهة، وقد قام بإختيار الاجابات دون تركيز واهتمام، بل كان يستعرض السؤال سريعا ويشير إلى ما يظنه الإجابة، ولما ناول الورقة لرئيس اللجنة (مصري)، خاطبه بانفعال ظاهر، قائلا : ما هذا يا ابني انك الوحيد الذي كانت اجاباته كاملة (مائة في المائة).

    ولم يمضي طويل وقت حتى اعلنت نتائجها في الصحف، وكان اسمه متصدرا للمقبولين في هذا القسم، ولكنه كتم النتيجة ولم يخبر بها والدته، إلى أن اعلنت نتائج القبول في الكلية الجوية، بعد اكثر من اسبوع، ووجد اسمه ضمن المقبولين فيها، وحينها اتصل بوالدته من الرياض، ليخبرها بقبوله في الكلية المتوسطة بتبوك، وفي الكلية الجوية بالرياض، وكان ينتظر ردة فعلها، فقد كان يظنها معارضة لتخصصه في الطيران، جرياً على عاطفة الأم وخشيتها على ولدها، ولكن كانت المفاجأة المفرحة له، عندما هنأته بقبوله في الكلية الجوية، وعقبت بقولها اليس هذا هو حلمك، ثم اردفت بكثير من الدعوات له بالتوفيق والتيسير والنجاح، وحينها اقبل منشرح الخاطر، سعيدا بما هو مقدم عليه.

   كانت الكلية الجوية متميزة، ومختلفة عن بقية الكليات العسكرية، سواء في نظامها الأكاديمي أو العملي، والاختلاف فيها بدأ من فترة الإستجداد المشهورة، حيث يجرى تقسيم الطلاب الي مجموعتين، تبدأ المجموعة الأولى في الحال، وبعد ثلاثة اشهر تبدأ المجموعة الثانية، وهذه المرحلة (الاستجداد) تعتبر من أصعب المراحل، معروف ذلك في جميع الكليات العسكرية، وهي فترة تدريب عسكرية مكثفة ومركزة، يلزم خلالها الطالب الكلية ولا يسمح له بمغادرتها نهائيا، والغاية من هذه المرحلة هو اعداد وتمحيص الجاد من الطلاب، وفي نفس الوقت نقله من الحياة المدنية المترفة، إلى الحياة العسكرية الجادة، وكان هو ضمن المجموعة الثانية، وكما توقع من قبل ووطن نفسه عليه، فقد قابل فيها كثيرا من المعاناة والشدة، ومكث فيها ثلاثة أشهر، كانت دهرا لا تكاد تنتهي، لا يرى الطالب فيها سو العسكر وتسلطهم، ومحاصر فيها بالضغوطات المتعمدة، لدرجة أنه يحرم من اختيار نوع طعامه وشرابه، بل واختيار مواعيد نومه واستيقاظه، وليس عليه فيها الا السمع والطاعة، دون تردد أو تذمر، وصبر وصابر وتحمل بكل عزيمة وجلد، يدفعه قوة الاصرار والتحدي واثبات الذات، حتى أنه من شدة ما قابله فيها، أنه بعد نهايتها زار والديه في اجازة خمسة ايام، فلم يتعرف عليه والده وهو يستقبله في مطار تبوك، واما والدته فدمعت عيناها لما رأته شفقة عليه.

    انتقل بعدها الي دراسة اللغة الانجليزية، وكانت هي المادة الاساسية للتدريس في الكلية، فكل المقررات تدرّس بهذه اللغة، وإذا ما اجتازها الطالب ينتقل إلى دراسة ما يسمى بالعلوم الجوية، التي تصل مدتها إلى اربعين أسبوعا دراسيا، وينتقل بعدها الي جناح الطيران، للتدرب على الطيران الحقيقي، تكون على طائرة مروحية صغيرة، ينفذ عليها الطالب طيران ما لا يقل عن اثنتي عشرة رحلة، وبعدها يعود من جديد إلى جناح التعليم، لدراسة أنظمة الطائرة النفاثة التي سيؤهل عليها، ومدة هذه المرحلة تتراوح بين ثمانية إلى اثني عشر اسبوعا، ليغادر بعدها مرة اخرى إلى مركز الطب الجوي بالظهران، لإجراء دورة فسيولوجية لمدة أسبوع كامل، فاذا ما نجح فيها عاد لإكمال ساعات الطيران، التي تنقسم إلى مراحل مترابطة، منها ساعات طيران اساسية، وساعات طيران عدادات، وساعات طيران ملاحة، وساعات طيران تشكيل، وساعات طيران ليلي، فإذا ما أنهاها يكون مؤهلا للتخرج مع زملاءه، وأما إذا ما فشل في اي مرحلة من مراحلها، اما بسبب عدم قدرته، او بسبب أمراض الطيران،  ومنها ( الدوران او ما يصيب الأذن الوسطى ويوثر على الاتزان او يصيبه بالطراش)، فعندها يتم استبعاده نهائيا من الطيران، لينتقل إلى جناح التعليم، ويدرس حينها تخصصا اخر، وقد استطاع بفضل الله اجتياز كل هذه المراحل، بعد أن قضى في الكلية ما يقارب من ثلاث سنوات ونصف، ولكنهم لم يتخرجوا منها إلا في تاريخ 15/7/1414هـ، وعندها تحقق حلمه بشكل كامل، وسعد كثيرا وهو بتخرج ضمن دفعته بحمد لله وتوفيقه، وقد كانت فرحة والديه وكل اهله ومحبيه كبيرة، واقامت له قبيلته (آل المثيب) في فيفاء حفلا كبيرا، حضره عدد كبير من الأهالي والمشايخ والأعيان.

والحياة العسكرية كما هو معروف، وبالأخص منها مجال الطيران، مجال متجدد متطور، يلزم منسوبيه السعي الحثيث إلى تطوير قدراتهم، وتجديد معلوماتهم، وتحسين مهاراتهم،، وإلا فاته الركب وسبقته التغيرات المتعاقبة، واصبح خارج السرب، مما قد يكون سببا لاستبعاده منها، وهو كعادته لا يحب الركون، بل يسعى دوما إلى التجديد ورفع مستواه، فكان يبادر في الالتحاق بكل فرصة تلوح امامه، اضافة إلى الدورات التي تكون اجبارية، مما تفرضها مستجدات العمل والتقنيات المستحدثة، وهي دورات تبدأ من بعد التخرج مباشرة، وقد بدأت معه اغلب هذه الدورات التأهيلية والمتقدمة مباشرة، ثم سعى برغبة منه للالتحاق بعدد من الدورات والبرامج التطويرية، وهي كثيرة لا تكاد تنتهي، ولذلك فقد نسي ذكر كثير منها، وكانت من اهم هذه الدورات والبرامج، ما يلي :

  • دورة تحويلة تأسيسية على طائرات (التورنيدو) الدفاعية.
  • دورة متقدمة على طائرات (التورنيدو) الدفاعية.
  • دورة قائد تشكيل ثنائي على طائرات (التورنيدو) الدفاعية.
  • دورة قائد تشكيل متعدد على طائرات (التورنيدو) الدفاعية.
  • دورة تطوير مهارات قتالية على طائرات (التورنيدو) الدفاعية.
  • دورة الحرب الإلكترونية في العمليات.
  • دورة الحرب الإلكترونية التأسيسية.
  • دورة السلامة الجوية.
  • دورة التحقيق وإدارة حوادث الطائرات.
  • دورة في إعداد ميزانية القوات ألجوية.
  • دورة النجاة التأسيسية.
  • دورة ضباط الأسراب.
  • دورة كلية القيادة الأركان.

والعديد من الدورات القصيرة، مع حضوره عدد من المعارض وورش العمل.

العمل الوظيفي :

بعد أن تخرج من كلية الملك فيصل الجوية، عيّن مباشرة في قاعدة الملك عبدالعزيز بالظهران، وفيها بدأت معه الدورات التأهيلية، وكذلك الدورات المتقدمة، لزيادة تأهيله بشكل شبه متكامل، وقد مكث في هذه القاعدة بالظهران لمدة اربع سنوات، لتنتقل بعد ذلك في عام 1419هـ ، كامل منظومة (الترنيدو) الدفاعية، التي هو احد منسوبيها، إلي قاعدة الملك فيصل الجوية بتبوك، وكم كانت سعادته بهذا الانتقال، وبالذات وهو يعود إلى مدينته، وكأنها كما يقول (دعوات الوالدين التي جعلت المنظومة بكاملها تنتقل إليهم وليس الابن فقط)، وهنا واصل عطاءه وبذله، وتحسنت مستوياته، واستمر في هذه القاعدة الي أن تم تقاعده في عام 1442هـ، وقد ترقى وتنقل خلال هذه السنوات على الرتب العسكرية المستحقة، حتى أنه تقاعد وهو على رتبة عميد مكمل للخدمة في هذه الرتبة، حيث بلغت سنوات خدماته الفعلية ثمان وعشرين سنة، واسند إليه خلالها العديد من المهام والمناصب والمسؤوليات، ومن ذلك باختصار :

  1. مدير قسم العمليات في السرب تسعة وعشرين.
  2. قائد (رف) السرب التاسع والعشرون.
  3. مدير قسم السلامة بجناح الطيران السابع.
  4. مدير قسم التخطيط والميزانية والمتابعة بقاعدة الملك فيصل الجوية.
  5. قائد جناح السلامة بقاعدة الملك فيصل الجوية.

  وتم تكليفه مرتين، بالعمل مساعداً لقائد قوة جازان، لشؤن العمليات الجوية، وكانت مدة كل منها ثلاثة اشهر، خلال عمليات عاصفة الحزم واعادة الأمل.

ونال بحمد الله في كل مراحل عمله رضى نفسه، ساعيا من خلال ذلك إلى اخلاص النية، والجد والاجتهاد والاتقان، وكم كانت سعادته وهو يقوم بتنفيذ كلما يوكل إليه، وقد نال بفضل الله وتوفيقه عدد من الشهادات والاوسمة والانواط، مما يعتز ويفخر به، ومن ذلك :

  1. وسام تحرير الكويت.
  2. وسام تحرير الكويت، من دولة الكويت.
  3. وسام المؤية.
  4. نوط المعركة.
  5. نوط الإدارة.
  6. نوط الامن.
  7. نوط القيادة.
  8. نوط الاتقان.
  9. انواط الخدمة من الدرجة الأولى الي الثالثة.
  10. نوط التمرين.

مشاركاته الاجتماعية :

  تميز بطبيعته الاجتماعية، وأنه عضو فاعل في مجتمعة، من خلال ما تربى عليه وألفه، واصبح معتقدا له وخلقا لا ينفك عنه، فبيئته الاولى بين والديه، تميزت بهذه الممارسات، كان والده قدوة له في كل ذلك، اقتبس منه (رحمه الله) هذا الخلق الرفيع، ثم أطر نفسه على أن يكون في مجتمعه عضوا فاعلا، تكون له ادواره الايجابية النافعة، ورغم طبيعة عمله العسكرية الجادة، وضيق وقته الذي لا يساعده على القيام بالتزاماته خارج العمل، ولكنه كان يراه امرا واجبا عليه ادائه، ويضغط على نفسه ويأطرها في استقطاع شيء من وقتها، ليتمكن من المشاركة الايجابية، وقد برز تميزه وادواره في هذا الجانب مع بداية حياته العملية، وكانت الانطلاقة الأولى مع بداية تعيينه في المنطقة الشرقية، حيث شارك في حوالي عام 1416هـ في تأسيس صندوق تعاوني، كان يخص أبناء فيفاء في المنطقة الشرقية، وكانت فكرة رائدة من الشيخ أحمد بن سلمان القرشي العمري، وقد بلغ اعضائه اكثر من ثلاثين عضوا، يتوزعون بين مدن الدمام والجبيل والظهران والخبر والثقبة، ويقوم الصندوق على لائحة تنظيمية واضحة، وعلى كل عضو فيه دفع مشاركة سنوية مقدارها (1200) ريال،  بما يوازي (100) ريال في الشهر، ويعتبر المبلغ رصيد للعضو  متى ما اراد الانسحاب، وتتاح لكل عضو الاقتراض من هذا الصندوق، ليقسطها شهريا فيما بعد، وقد تدرجت قيمة القروض من (5000) ريال في البداية، إلى أن وصلت لاحقا مع ارتفاع رأس ماله إلى (30000) ريال، استفاد منها اكثر الاعضاء، واغناهم خلالها عن الاقتراض من خارجه، واستمر هذا الصندوق لأكثر من عشر سنوات، واستمر هو عضوا فيه، حتى من بعد انتقاله إلى خارج المنطقة.

   وفي تبوك مقره الجديد، شارك في هذا الجانب بكل فعالية، فكان له دوره الفاعل في تأسيس ملتقى فرسان ابناء فيفاء، بعدما اتفق مجموعة من ابناء فيفاء في عام 1427هـ، على تأسيس هذا الملتقى، واستمر عضوا ايجابيا فيه إلى اليوم، وترأس مجلس إدارته في احدى الفترات لمدة خمس سنوات، وشارك لاحقا في عام 1428هـ على تأسيس برنامج وسيط الخير، وما زال مشاركا في عضويته إلى اليوم.

  لديه حس وطني، وعاطفة جياشة، وانتماء كبير إلى بلدته فيفاء، وحرصا على خدمة اهلها، ويسعى دوما بكل حب وشغف إلى أن يساهم في الارتقاء بها، من خلال كل فرصة تتاح امامه بالقول والفعل، شارك بكل فعالية وفخر في عضوية منتديات فيفاء حين ظهورها، وشارك كذلك بكل نشاط واقبال مع بداية ظهور صحيفة فيفاء أون لأين الإلكترونية، ولا يفتر في الكتابة والمشاركة في ايصال فكره بأي وسيلة، سواء من خلال وسائل التواصل أو الصحافة وغيرها، بل له مشاركات في كثير من المواقع والصحف، وآخرها ما يكتبه في صحيفة (بصمة) الالكترونية المتميزة.

هواياته المحببة :

  لكل انسان في هذه الحياة ميول ورغبات يسعى لتحقيقها، ويجد فيها لذته وآماله واحلامه، وكانت له كغيره في كل مرحلة من حياته شغف وميول معين، ولم يكن يحرم نفسه من تحقيق الايجابي والمفيد من ذلك، فيسعى إلى امتاعها واشباع شغفها في حدود المعقول، ولا يبخل في سبيل تحقيقها بالشيء الكثير، سواء من وقته أو ماله أو جهده، ويذكر من ضمن هواياته مع بداية شبابه، تعلقه بالقراءة وحب الاطلاع، وكان من اشد المعجبين بكتابات الدكتور مصطفى محمود (رحمه الله)، حيث اقتنى حينها جميع اصداراته وكتبه، وما زالت مكتبته إلى اليوم زاخرة بكثير منها وبغيرها من الكتب القيمة، وكانت نتيجة هذا الشغف أن استهوته الكتابة، وتبدت لديه بشكل واضح، عندما أتيح له المجال مع ظهور المنتديات والانترنت، واصبح لديه اليوم ثروة ادبية يعتز بها ويفخر، ثم كانت لديه هواية احبها منذ صغره، ولكنه لم يستطع تفعيلها بالشكل الذي يرضيه إلا من بعد تقاعده، حيث احب ممارسة حرفة النجارة، وبعد تفرغه مع التقاعد، انشاء له ورشة متكاملة خاصة في بيته، مارس فيها هوايته بشكل جاد، ويفسر هذا التوجه والميول بأنه قد يكون (جينات وراثية)، حيث عرف أن جده (حسن بن سليمان رحمه الله) كان نجارا، وكذلك عميه (فرحان) و (سليمان) رحمهما الله، ومات عمه سليمان وهو يحتفظ بأدوات النجارة القديمة في بيته النقيل، واما هو فقد وجد في نفسه حبا وميلا إلى العمل في الأخشاب، دون أن يدرك كنه هذا الحب، إلى أن قرر أخيرا ان يمارسها هواية، ومن شغفه بها أنه كان يتابع منذ سنوات قنوات اليوتيوب، التي تتحدث عن هذه المهنة، ولاحظ من خلال اطلاعه، انه لا يخلو بيت في أمريكا من ورشة صغيرة للنجارة، رغم تكلفتها المادية الباهظة، وبالنسبة له فقد سعى جادا من حوالي خمس سنوات إلى تكوين ورشة خاصة به في بيته، صرف عليها الكثير من المال، إلى أن ضاق بها البيت، فاستئجار استراحة خصصها لهذه الورشة، واصبح يلازمها وبالذات من بعد تقاعده، ويجد فيها راحته ومتعة نفسه.

اشخاص يعتز بهم في حياته :

  هناك اشخاص يكون لهم ادوار اساسية في حياتك، مؤثرون ولا تكاد تنسى بصماتهم في شخصيتك، وبالطبع بالنسبة له كان الوالدان هما في المقدمة، ولكن هناك شخصية ثالثة كان لها اكبر الأثر في حياته، وهو وكما قيل (رب أخ لك لم تلده امك)، فمنذ وعى على هذه الدنيا وهو لا يعرف إلا أنه اخوه، أنه الاستاذ محمد بن يحيى هادي الابياتي حفظه الله، ابن خالته (رحمها الله)، فعندما توفيت امه وهو صغير، ربته خالته أم خالد، وعاش معها واعتنت به كأولادها، ، ولم يفارقها بل عاش معها ومع زوجها، وكانا لا يفرقان بينه وبين ابنائهما في كل شيء، ويحظى في هذه الأسرة بالتقدير والمعاملة كأبن أكبر، لذلك كانت علاقتهما منذ صغرهما وإلى اليوم اكبر من علاقة الاشقاء، كانا اخوين وصديقين لا يفترقان، بل ويعتبره المعلم والموجه في كل اموره دقها وجلها، وكان يحرص على مساعدته والوقوف معه، ويستذكر له دروسه في صغره، ويعتمد عليه في شأنه كله، حفظهما الله ووفقهما وادام المودة والمحبة بينهما.

الحالة الاجتماعية :

زوجته هي الفاضلة الاستاذة مريم بنت حسين شريف آل حسين الابياتي حفظها الله، عملت في التدريس بعد تخرجها من معهد المعلمات بفيفاء، وتزوجها بعد تخرجه في عام 1414هـ ، وكانت نعم الزوجة والمربية الفاضلة، عاضدته وساندته في كل منعطفات الحياة، ورزقا بخمسة من الولد، ثلاثة ابناء وابنتان، وهم على النحو التالي :

  1. عبدالله خريج كلية التمريض جامعة تبوك، ويعمل في المستشفى العسكري بجدة، في قسم العناية المركزة لأمراض القلب، وهو مهيأ لدخول البورد السعودي لأمراض القلب في المستشفى ( البورد دراسة لمدة عامين و تطبيق لمدة عامين في نفس المستشفى وهو يعادل الماجستير).
  2. فيصل ملازم بحري خريج كلية الملك فهد البحرية.
  3. زياد أنهى السنة التحضيرية جامعة الامير فهد بن سلطان، وسيكمل دراسته في جامعة عفت في جدة، تخصص المحاسبة والتسويق، ضمن برنامج شركة نيوم، ولديه عقد دراسة وعمل وفق ذلك البرنامج.
  4. افنان تدرس في المرحلة الثانوية مسار عام.
  5. ريم تدرس في المرحلة الابتدائية.
  6. حفظهم الله وبارك فيهم، ورزقه برهم، وبارك الله فيها من اسرة كريمة موفقة، ووفقه الله وزاده علما وفضلا وادبا، وكثر في مجتمعاتنا من امثاله.

              العميد متقاعد :خالد بن موسى حسن المثيبي الفيفي

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

محبكم/ عبدالله بن علي قاسم آل طارش الفيفي ـ ابو جمال

  الرياض في 1445/2/21هـ

المقالات

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى