أعلام ومشاهير

الباحث والاعلامي /علي احمد العبدلي

واسع الثقافة غزير المعرفة والعلوم ، مطلع يعشق القراءة في كل فن وفي كل مجال ، ولديه طموح وهمة عالية لا تكل ولا تمل، يملك مهارات التداخل والتعرف على الآخرين ، ويتقن بناء العلاقات والود الصادق مع كل من يقابله من الناس ، فهو صادق مع نفسه ومع غيره لا يتصنع، ويتميز بحسن الأدب وكمال الأخلاق وطيب المعشر ، كريم النفس، وفيء الطبع صادق الود ، بارع في تقديم نفسه وفي التعريف بذاته،  يعطي المتلقي دوما انطباعا جيدا وصادقا عن شخصيته، فهو صادق النبرة مؤمن بأفكاره وبكلامه، حسن الحديث جيد الطرح قوي في حواره ، واثقا من نفسه جري لا يتردد ولا يتلعثم، متمتع بأدب جم وأخلاق عالية ، يملكها جبلة لا تصنعا ولا نفاقا، ويملك نفسا متوثبة طموحة، لا يعيقها فشل ولا يثبطها إخفاق قد مرت به ، بل تجدها تلتف حوله لتجعله سلما ترتقي به إلى نجاحات أفضل وفي جوانب أخرى ، وتتخذ منه متكئا وتجربة مضيئة في دربها السالك، فهو يؤمن بالحكمة : إذا لم تستطع شيئا فدعه وجاوزه إلى ما تستطيع
له اهتمامات كثيرة بكل ماهو قديم
طور قدراته الذاتية، واستغل مواهبه الخلقية، واتخذ من القراءة والاطلاع سلما ومرتقا لتنمية رصيده المعرفي، واعتز بنفسه ولم يحتقر ذاته أو يخذلها، فعوض كل إخفاق أو ما قد يعتبره البعض كذلك، واعتمد على نفسه في تطوير ذاته، وتنمية قدراته العقلية، وصقل مواهبه الإبداعية ، فانغمس في الحياة دون تردد أو وجل ، وقدم نفسه بشكل ايجابي وفعال ، وترك نتائج أعماله تتحدث عنه، ولم يلقي بالا بما سيقوله عنه المثبطون .

    نجح في عمله الرسمي واخلص فيه، فوثق به مرؤوسوه واعتمدوا عليه، وسعى إلى إشباع هواياته النافعة وطوعها ليستفيد منها ويفيد مجتمعه ، فأبدع وبرز في فن التصوير الفوتوغرافي، وأحب القراءة وخصص لها جزءا من وقته وماله، وعشق الإعلام ومارسه واقعا واثبت نفسه فيه ، واشتغل بالكتابة والبحث العلمي وألف فيه، حتى اخرج بحوثا علمية دقيقة متخصصة ، ويملك عدد كبيرا من (الألبومات المصورة) والوثائقية التراثية، فهو شخصية متعددة المواهب والقدرات، وشخصية فاعلة ومؤثرة في مجتمعه، نرجو له من الله التوفيق والإعانة في إخراج بحوثه وكتاباته وطبعها بصورة لائقة ، بارك الله فيه وفي جهوده وفي حياته، وأصلح له نيته وذريته، وحفظ له والديه وجعله بارا بهما .

انه الاستاذ علي بن احمد بن سالم بن حسن العبدلي الفيفي

الشيخ احمد بن سالم العبدلي

والده هو احمد بن سالم بن حسن العبدلي من أهل العلاج، يسكن في وسط شرقي جبل آل عبدل بفيفاء، وقد عاش والده في بداية حياته مكافحا جلدا صبورا ، فكان يعمل في مزرعته الصغيرة مزارعا ناجحا، ويعمل لدى الآخرين بالأجر اليومي، فكان متخصصا في قطع الحجارة وتكسيرها، وإعدادها لبناء البيوت، ويعمل كذلك مساعدا للبنائين (معطيا)، وهذه المهنة كان لها رواجا قبل أن تندثر مع دخول الأساليب الحديثة في بناء البيوت، أحسن تربية أبنائه وإعدادهم الإعداد الجيد للحياة، حفظه الله وأطال في عمره على طاعته .

مولده في المربوعة الواقع في شرقي جبل آل عبدل

وأما أمه فهي الفاضلة متعبه بنت حسن بن احمد العبدلي، ابنة الشاعر حسن بن احمد آل غرسة، الذي فقدته صغيرة، وعاشت يتيمة في كفالة عمها سلمان بن احمد , وقد عانت في صغرها اليتم والحرمان، حيث كانت حياة ذلك الجيل والذين قبلهم حياة صعبة وشقية، فيها كثير من الكدح والتعب والشقاء ، والمرأة ينالها منه الشيء الكثير، لان معظم متطلبات المنزل تقوم على كاهلها، فهي المنوط بها جلب المياه الكافية من موارد المياه والآبار، وفي جلب علف المواشي التي يربونها في بيوتهم ، وفي إحضار حطب الطبخ ، إضافة إلى الكنس وطحن الحبوب ، وغير ذلك من الأعمال التي لا تكاد تنتهي.

    ولد لهذين الفاضلين في عام 1385هـ ، في بيتهم المربوعة الواقع في شرقي جبل آل عبدل، وقد ولد لهما بعد ولادة ثلاث بنات، توفي منهما اثنتان ، إحداهما توفيت وهي دون الثالثة من عمرها، ولحقت بها أختها في الحال، في أقل من أربع وعشرين ساعة، رحمهما الله وجعلهما فرطا وشفيعتين لوالديهما، لذا كانت ولادته تعويضا وبلسما جبر قلبيهما، وقد ناله شيء من الاحتفاء والدلال الزائد، على حسب ظروف وإمكانيات ذلك الزمن الصعب، فالحياة نكدة وشاقة ، فيها كثير من الكدح والشقاء، فإذا كان من تدليل فهو حسب معايير ذلك الوقت وليس بمعايير وقتنا الحاضر .

   لم تكن أسرتهم تختلف عن بقية الأسر في ذلك الزمن، كانت أسرة مكافحة تعيش علي الكد والتعب والجهد المضاعف، لتامين ضرورات الحياة ومستلزماتها، وتضخمت الأسرة في وقت وجيز ، وزاد أعداد أفرادها إلى أن بلغوا سبعة أبناء ، أربعة أولاد وثلاث بنات ، لا يتجاوز فارق السن بين الواحد منهم وأخيه السنة الواحدة، مما أضاف عبأ جديدا ومضاعفا على كاهل الأبوين، فالوالد يحرص على ألا ينقطع عن عمله لدى الناس طوال العام، حتى يستطيع أن يوفر لأفراد أسرته معيشة طيبة ، فكان يحرص على الحضور لعمله مبكرا في كل يوم ، ولا يسمح لنفسه بالتأخر لأي ظرف مهما عظم، وكشاهد لذلك، عندما خرج لعمله كالعادة في صباح احد الأيام ، وكان قلبه يتقطع حسرة وألما وهو يرى ابنه الصغير(سليمان) يعالج سكرات الموت، ولكنه لا يملك وسيلة وليس في اليد حيلة، وما إن مضت بضع ساعات إلا والأم ترسل في أثره ليعود، فقد فارق الابن الحياة ولفظ أنفاسه، ولنسمع (علي) وهو يحكي لنا الحكاية، التي لم يزل مشهدها (كما يقول)عالق في ذاكرته إلى اليوم ، فقد ارتسمت في مخيلته صورة مضخمة لم يستطيع نسيانها، فيقول ( توفي أخي الصغير(سليمان) في الربع الأول من ذلك اليوم، لتطلب مني أمي وأنا ابن السابعة، الذهاب إلى حيث يعمل أبي لأبلغه بموته، فعاد معي في الحال وعندما وصلنا ، كانت أمي متماسكة متجلدة، ولكن ما إن رأت والدي حتى انهارت حزينة باكية ، ثم تشبثت بالجثة بصورة عجيبة ، وأمسكت بها في حضنها بكل قوة، رافضة التخلي عنها، مما اضطرهم إلى انتزاعها من بين ذراعيها، وهي ذاهلة فاقدة للوعي) وكما يعقب فيقول (كان الموقف بالنسبة لنا ونحن صغارا موقفا مرعبا ، لأننا لا نفقه كثيرا من ملابساته، لذلك بقى ماثلا في نفوسنا لم تمحاه السنين).

  كانت هذه الأسرة رغم قسوة الحياة قوية مترابطة، يسود أفرادها الحب والتعاون، فكل واحد فيها يقوم بمهامه على قدر جهده، وليس بينهم عاطل أو خال من الشغل، فقد زرع فيهم والدهم ورباهم على  الجدية والإحساس بالمسؤولية، وفي المشاركة الفاعلة في أداء العمل والواجبات، فلما كان والدهم يقضى معظم نهاره خارج البيت، حيث يعمل أجيرا لدى الآخرين ، فكان لا يغادر البيت حتى يحدد لكل واحد من الأبناء عملا معينا، ويفرض له قسما مخصصا في المزرعة يقوم به ، وكل ملزم بانجاز ما أوكل إليه بعد عودته من المدرسة مباشرة، وهذه الأعمال يتمحور معظمها في أعمال المزرعة،  من الحرث والعزق والحصد وتنظيفها من الحجارة والأشجار وبقايا الزرع، وتجهيزها التجهيز المطلوب حسب الموسم، وهي أعمال كثيرة ومتعددة لا تكاد تنتهي ، وكان مع ذلك يؤكد على الواحد منهم أن لا يفرط في دراسته وأداء واجباته، فقد كان لها الأولوية والأهمية المطلقة على كل شيء، فكان حل الواجبات المدرسية واستذكار الدروس مقدم على ما سواه، ثم بعد ذلك يأتي ترتيب بقية الأمور والواجبات، فلم يكن الوالد يتنازل أو يسمح بشيء مما يتعلق بالدراسة ، فقد كان رغم أميته (لظروف زمن النشأة)، لا يعدم إيجاد وسيلة في متابعتهم الدقيقة في هذا الجانب، فكان حال عودته إلى البيت يسال الأم عن أداء الأولاد لواجباتهم المدرسية، وهل ذاكروا ذلك اليوم دروسهم أم لم يفعلوا، فإذا ما كانت الإجابة بالنفي، أقام المقصر منهم في الحال ولو كان نائما، وطلب منه إحضار كتبه ودفاتر واجباته، وقام باستعراضها وتمحيصها بدقة، فإذا ما ادعى احدهم أنه قد أدى ما عليه من الواجبات، طلبه أن يريه دفاتره، وقام في الحال باستعراض هذه الواجبات بطريقة حاذقة وعجيبة، حيث كان يستعرض كل مادة من المواد ، بحيث يضع احد أصابعه على الدرس من الكتاب ، ويضع الأصبع الأخرى على الحل في دفتر الواجبات، فيقارن بينهما متعقبا الدرس كلمة كلمة من شكلها، ويكون عقاب المقصر شديدا، لذلك كانوا يخشون هذه المتابعة، ويحسبون لها ألف حساب ، ومن ذلك ما يحكيه حيث يقول: (كنت ذات ليلة وأنا في الصف الثالث الابتدائي قد أجبت أبي باني لم اكتب الدرس،( وكنا لا نستطيع الكذب عليه مهما كان) فقال لي قم أكتبه الآن، فيقول بادرت إلى كتابته في الحال على ضوء القمر، لذلك مازلت اذكر هذا الدرس إلى اليوم ولم أنساه، واذكر أن عنوانه  الرياض ) .

مدرسة نيد ابار الابتدائية والمتوسة

الدراسة:

 مع افتتاح مدرسة نيد آبار الابتدائية في عام 1390هـ، اصطحبه إليها والده وأخيه (يحيى)الأصغر منه، رغم صغر أعمارهما حينها، وفي الطريق إلى المدرسة لأول مرة(يقول)، كان في داخله مزيج من المشاعر المتباينة، منها الشعور بالفرحة لأنها أول الخطوات التي تشعرك انك أصبحت كبيرا، ثم تتحول إلى الشعور بالخوف والإحساس بالرهبة، والخشية من المجهول القادم ، وتخف قليلا وطأة هذا الشعور إذا ما التفت إلى أخيه الأصغر يتبعه، ولكن ما إن دلف من باب المدرسة إلا وتغيرت وانقلبت كل الموازين، وطغى على نفسه الانبهار بذلك العالم الصاخب، الذي لم يرى له مثيلا من قبل، فهو أمام عالم مليء بالعديد من الأولاد الكثر يتراكضون في كل الاتجاهات ، وأصواتهم عالية مرتفعة، تخلف لجبة شديدة لم يتعودها في بيتهم الهادئ، في البداية انكمشت نفسه وأصابتها الحيرة، فكيف السبيل إلى التعايش مع هذا العالم، وزادت صدمته عندما علم أنه سيكون هنا وحيدا، حيث لم يقبل أخاه معه لصغر سنه، فاضطربت نفسه وهو يرى أباه وأخاه يغادران المكان، تلفت يمنة ويسرة لعله يعرف أحدا يأنس به ، وإذ به يلمح وجها بين الزحام مألوفا لديه ، إنه بالفعل خاله احمد بن سلمان (رحمه الله)، الذي طالما رآه يحضر لصلاة الجمعة في الجامع المجاور لبيتهم (جامع المربوعة)، سارع دون تردد راكضا إليه ، يحضنه وكأنه عثر على كنز ثمين، أو منقذ أمين.

   وبالفعل كان احمد بن سلمان العبدلي (رحمه الله)، حارس المدرسة حينها، قريب من كل الطلاب ، يملك نفسا عطوفة، وابتسامة مشرقة ، يرتاح إليها الصغير والكبير، وقد تلقاه وهو يراه مقبلا إليه، واحتضنه بكل حفاوة وابتسامة وبشاشة، فكان له الأمان والملجأ والملاذ، وإذا ما ضاقت به السبل وأحس بشيء من الوحشة، اقبل يبحث عنه حتى يستعيد به توازنه، يعبر عن ذلك الآن بقوله : (لقد خصني (رحمه الله) بشئ كثير من حنانه وعطفه ، بل قد كان بحق في مثابة الوالد لجميع الطلاب، في كلامه وأسلوبه وتعامله، يقف مع كل الطلبة بكرم نفس وعاطفة جياشة، ويحول بينهم وبين صلف بعض المدرسين وتعنتهم، حيث كان معظم المعلمين في تلك الفترة أو جميعهم من الأخوة المتعاقدين (فلسطينيين وأردنيين) ، وبالطبع فيهم كغيرهم من البشر الطيب وفيهم غير ذلك، وفيهم المربي الصالح ومنهم من هو دون ذلك ، ولما كان في هذه السن وهو يحتك بالعالم لأول مرة خارج نطاق أسرته، لابد أنها تركت في نفسه أثرا وذكرى ما زال لها حضورها إلى اليوم، وما زال يذكر الخيرين وهم كثر بالذكر الطيب والدعاء الخالص ، ومن هولاء الاستاذ الفاضل طارق (فلسطيني) درسهم في الصف الثاني الابتدائي، وله معه ذكرى ولقب بقي يعرف به لفترة طويلة ، حيث يقول ( كنت من صغري على ما يظهر كثير الكلام (ولا زلت) فلا أكاد اسكت بطبعي ، وإذا ما انشغل المعلم عنا بالكتابة على السبورة، ملت على زميل بجانبي أكلمه ، وتكرر الموقف مني عدة مرات ، والمعلم يرمقني بنظراته كل مرة لعلي اسكت، ولكنه على ما يبدو طفح به الكيل، فلم انتبه إلا وهو يرميني بكل قوة بقطعة (الطباشير) التي كان يكتب بها، مرددا بحدة وغضب اسكت (يا أبو لسان)، بالطبع سكت في الحال، ولكن هذه العبارة بقيت تتكرر بين زملائي، وذهبت مثلا ولقبا بقي يرافقني ).

   هناك العديد من أمثال هذا المعلم المربي، ما زل وزملائه كما يقول (نحبهم ونجلهم ونحترمهم كثيرا) ، ومن هولاء الاستاذ أكرم بن عبد الكريم (فلسطيني)، كان من رواد التعليم في فيفاء، عمل فترة طويلة في خدمة التعليم فيها ، فقد عمل معلما في فيفاء من عام 1393هـ إلى عام 1418هـ،  ربع قرن بالتمام والكمال (25) سنة، عمل معظمها في مدرسة نيد أبار الابتدائية ، معلما ثم مديرا لها إلى أن استلمها منه الاستاذ احمد بن يحي شريف العبدلي (رحمه الله) عام 1411هـ، واستمر معلما في مدارس الفرحة وقرضة بفيفاء، ثم في مدرسة الصلقة بتهامة إلى عام 1419هـ ، وما زالت له علاقة تواصل مع كثير من أهالي فيفاء، ومتواصلا مع الأخ علي إلى اليوم ( حفظه الله ) .

    مضت السنة الأولى بسلام، وما أسرع ما انقضت أيامها، فقد تأقلم سريعا معها، وألف جوها وتعرف على أكثر طلابها ومعلميها، واستأنس بفصولها وبالكتب المقررة عليهم فيها ، وأصبحت جزءا من حياته يتشوق إليها متعلقا بعالمها، لم يمضي طويل وقت حتى أتقن القراءة والكتابة وتفوق في بقية المواد الدراسية، ونجح بتفوق في نهاية العام الدراسي وانتقل إلى الصف الثاني، وفي العطلة الصيفية بقي يترقب بشوق ولهفة استئناف الدراسة من جديد ، وفي هذه السنة الجديدة رافقه أخوه (يحيى)، حيث كان قد بلغ سن الدراسة، وتم قبوله طالبا مستجدا في المدرسة، بالطبع زادت فرحته وانسه بأخيه ، الذي أصبح له رفيقا وأنيسا ، يذهبان معا ويعودان معا،  ويتعاونان في كل الأمور، ويشد بعضهما من أزر بعض .

   وذكريات الطفولة في العادة لا تنسى ، والفرحة فيها تكون فرحة صادقة، لأنها تجتاح النفس وتسعدها، ولما كانت ظروف المعيشة في ذلك الوقت صعبة والحياة شحيحة، فقد كان لكل جديد لذة ومتعة، فلا يزال فرحه وسعادته ماثلة أمامه، ويحس بطعمها إلى اليوم وهو يمتلك أول حقيبة لكتبه ، وكانت هذه الحقيبة من صناعة أمه (حفظها الله)، فقد خاطت له ولأخيه حقيبتين جميلتين من كيس البر (خيشة)، وكم تباهى بها وكم سعد .

    ومن ذكريات تلك الأيام التي لا تنسى ، ويستعيد تعبها إلى اليوم سعادة تغمر نفسه بالغبطة والفخر، فكم عان في ذهابه وإيابه إلى المدرسة كثيرا، لبعد المسافة على طفل في مثل سنه، مع صعوبة الطريق التي لابد أن يقطعها ماشيا على رجليه، فلا يوجد طريقا للسيارة ولا وسائل نقل كاليوم، فقد كان يعاني وكل الطلاب حينها، فكان من قبل طلوع الشمس ينطلق من بيتهم (المربوعة) ، الذي يقع في منتصف شرقي جبل آل عبدل، وتقع المدرسة بالطبع في نيد آبار بجبل آل الثويع ، يقطع خلالها أكثر من خمس (بقع) في هبوط ونزول، في سير حثيث لأكثر من ساعة ذهابا ومثلها في الإياب، مع ما قد يتخللها من عوامل الجو والطقس المتباينة طوال العام، فالحر الشديد ووهج الشمس المحرقة في الصيف، والبرد القارص والضباب الكثيف والأمطار الغزيرة في الشتاء، وإن ينسى لا ينسى ما وقع له ولأخيه ذات يوم وقد اشتدت فيه الأمطار وهما في طريقهما من المدرسة ، حيث عبرا احد مصبات المياه القوية، وعلقا فيها لقلة حيلتهما وضعف بنيتهما ، لولا أن ابتدرتهما أمهما التي جاءت راكضة، حيث تنبهت لما وقعا فيه، وشعرت (بحدس الأم) الخطر المحدق بهما، حيث كانت ترقب كعادتها عودتهما، لذلك أسرعت وأنقذتهما من هذه الورطة التي وقعا فيها (حفظها الله) .

    ومن الذكريات الجميلة بالنسبة له في تلك المرحلة، عندما كان في الصف السادس الابتدائي ، وطلبت المدرسة من الآباء ضرورة إضافة أبنائهم طلاب هذا الصف إلى السجل المدني (حفيظة النفوس)، لكي يتمكنوا من تعبة استمارات التخرج حسب التعليمات والأنظمة، ومن اجل ذلك فقد اتفق مجموعة من الآباء على النزول إلى مدينة صبيا سويا، حيث مقر إدارة الأحوال المدنية ، واصطحبوا معهم أبنائهم الطلاب، وكانت بالنسبة لهولاء الطلاب أول رحلة خارج بلدتهم، ويقول عنها: (اصطحبنا آباؤنا في رحلة هي بالنسبة لنا كصغار رحلة ممتعة طالما حلمنا بها ، لقد كانت أول مرة نغادر فيها بلدتنا فيفاء، وكان الانطلاق أولا مشيا إلى سوق عيبان، لأنه اقرب نقطة للاتصال بالعالم خارج فيفاء، وتوجد فيه السيارات يوم السوق الأسبوعي (الخميس) ، ولما وصلنا إلى (عيبان) كانت المشاعر مختلطة، ما بين الفرح والخوف، والتطلع إلى الاكتشافات الجديدة، وكان معظمنا لأول مرة يشاهد فيها السيارة ، وطالما حلمنا أن نركبها، لذلك لم نكد نصدق ونحن نركب في صندوق (سيارة الشاص)، التي كان يملكها

السائق حسن بن مسعود آل حيان الثويعي (رحمه الله)، فلا تسأل عن مشاعرنا وعن مدى فرحتنا بتلك التجربة، ولا تسأل عن نظرات الإعجاب والانبهار بهذا السائق، وكيف يستطيع  التحكم في هذه الآلة الضخمة ويسيرها بكل سلاسة ، لقد كانت بالطبع لنا رحلة ممتعة وشيقة، رغم ما داخلها من الرعب والخوف ، ثم التعب والإجهاد بعد أن طال الطريق أكثر من توقعاتنا ، كانت السيارة تسير وتتهادى في طريق غير ممهد، ما بين طلوع ونزول، واهتزازات عنيفة ومفاجئة ، فلا تكاد تخرج من واد إلا وهبطت في آخر، في طريق طويل لا ينتهي، مع ما يتخلل ذلك من روائح الدخان المنبعثة من السيارة، والغبار الذي يعلونا، والحر الشديد والعرق الغزير ، في رحلة تجاوزت خمس ساعات ، فلا تسال عن حالنا ووضعنا عند وصولنا ، ينبيك عنه حال السيارة المزري من داخلها ، وروائح العفن والأوساخ المنبعثة ، وصلنا بعد طول عناء ومشقة ، وأنزلونا في السكن الوحيد المتوفر حينها، عند (المعزبة) المشهورة (عمرية)، ونحن نعيش انبهارا لا ينتهي، فكل شيء أمامنا غريب ومختلف ويلفت النظر، فعوامل البيئة المختلفة من الحر والرطوبة والناموس الكثيف والحشرات ، ثم اختلاف الأكل والكلام، وحتى أشكال الناس وبيوتهم المصنوعة من القش، شيء مختلف عما ألفناه، لقد بقينا ثلاثة أيام حتى أنجزنا مهمتنا ، كانت لنا نحن الصغار متعة ومغامرة لا تنسى ، شاهدنا فيها كثيرا من المستجدات والاكتشافات الجميلة ، وتعرفنا لأول مرة على كثير من الأمور الغريبة والجديدة علينا، ومن أهم هذه التجارب ركوب السيارة،  ثم مشاهدة أنواع وأشكال عديدة من المواصلات ، وما رأيناه من اختلاف عادات الناس في اللبس والمأكل وحتى الكلام ، فكل شيء بالنسبة لنا كان جديدا وغريبا).

      وما إن انتهى العمل الذي حضروا من اجله، حتى حان موعد المغادرة والعودة إلى فيفاء، وقد اصطحبهم أبائهم قبل العودة إلى السوق، للفرجة أولا ثم لشراء بعض الهدايا البسيطة، وكانت إضافة جديدة لخبراتهم، ومازال يذكر انبهاره عندما شاهد (ساعة يد) في احد واجهات المحلات ، وكيف كان إعجابه الشديد بها، ومدى رغبته الكبيرة في تملكها ، وإصراره العجيب على أبيه لشرائها، ورغم ما صارحه به من أنه لا يملك ثمنها المرتفع، ومع ذلك لم يعذره بل ألح عليه متوسلا بدموعه الغزيرة في شرائها، ويقول: (لما كنا داخل السوق، كنت انظر يسرة ويمنة بكل انبهار، ولم يلفت نظري بين كل المعروضات إلا ساعة يد لمحتها في احد المحلات، وتعلقت بها نفسي من أول نظرة ، وسال والدي عن ثمنها الذي تجاوز قدرته المالية حينها(200) ريال ، واعتذر مني لأنه لا يملكه، ولكن رغبتي الغير مبررة جعلتني لا اعذره وألح عليه أن يشتريها، ولم أحس بما وضعته فيه من إحراج وهو يخاطبني بحرقة وصدق، (يا بني والله ليس معي ثمنها)، ولكن زاد إصراري ودموعي تذرف بغزارة ملحا عليه في تحقيق طلبي، فلم يسعه (حفظه الله) إلا أن عاد إلى شرائها بعد أن استلاف ثمنها من احد رفقائه) كان موقفا لم يأبه به حينها، ولكنه الآن يجده ماثلا أمامه بكل تفاصيله وملابساته، وفي تعامله مع أبنائه ، وكيف العاطفة والحنان والتضحية من الآباء .

   أنهى المرحلة الابتدائية في ذلك العام ، ونجح منها لينتقل إلى المرحلة المتوسطة في نفس المدرسة (نيد آبار)، ولم يختلف الوضع كثيرا في هذه المرحلة ، فالمبنى واحد والطريق والدرب الذي يسلكه كل يوم، ولكن  بحكم نموه الجسمي والعقلي ، تغيرت لديه بعض المفاهيم والخبرات، وتوسعت مداركه وزادت تجاربه، وأصبحت الرؤيا لديه أكثر نضوجا ووضوحا، وفي هذه المرحلة اختلفت بالطبع المواد الدراسية، وتعرف على معلمين جدد، ومن الأساتذة الذين أعجب بهم في تلك المرحلة، الاستاذ موسى بن يحي اسعد الثويعي (رحمه الله)، فقد كان لكل الطلاب بحكم انه ابن بيئتهم ومقاربا لهم في السن، أخا كبيرا يرتاحون لمجالسته، وكثير ما يبثونه بعض أحلامهم وشيء من مشاكلهم، وقد أعجب كذلك بمعلم اللغة الانجليزية الاستاذ عمر بن محمد عبده (فلسطيني)، وربطته به علاقة صداقة وجيرة في السكن، وفي هذه المرحلة ما أسرع ما مضت به سنينها، ومضت سريعة متعاقبة، واجتازها بنجاح متطلع إلى ما بعدها من المراحل.

    انتقل إلى الثانوية العامة بفيفاء في (نيد الدارة)، لكونها الثانوية الوحيدة في ذلك الوقت ، وكانت بالنسبة له نقلة مختلفة وجديدة بكل معاني الجدة، واكبر ما اثر فيه واستفاده من هذه المرحلة الدراسية والعمرية، هو تعرفه على مدير المدرسة المربي الفاضل الاستاذ حسن بن فرح (رحمه الله)، ولما كانت هذه المرحلة والطالب فيها قد قارب من سن النضج الجسمي والعقلي، وهو في مستقبل شبابه وكامل فتوته وتوهج أحلامه، وتربطه بزملائه ومعلميه علاقة قوية من الاحترام والود، ومع الاستاذ حسن بن فرح علاقة متميزة ، مجللة بالحب والاحترام المتبادل، حتى امتد تأثيرها إلى خارج أسوار المدرسة، واتصلت أسبابه دون انقطاع إلى أن توفي (رحمه الله وغفر له)، لذا إذا تحدث عن هذه المرحلة فهي متمثلة بكاملها في شخصية هذا المربي، حيث كان هو محور كل ما يتعلق به فيها، فيقول: (اخذ بيدي وأعطاني من حنانه الكثير، وتأثرت به جدا، بل تعلقت به، وحرصت على ملازمته من أول ما عرفته إلى وفاته، فقد كان التواصل بيننا مستمراً، من خلال مجالسه أو بالتواصل الالكتروني، وحظيت منه بالكثير والنادر من إنتاجه الأدبي والفكري، ومن تجاربه المتعددة في الحياة، رحمه الله رحمة واسعة واسكنه فسيح جناته ).

   وقد اجتاز السنتين الأولى والثانية من هذه المرحلة بكل سهوله ، وما إن وصل إلى السنة الثالثة حتى تعثرت بها خطواته، وعجز رغم إصراره على اجتيازها، وكرر هذه المحاولة لسنتين دراسيتين ولكنه لم يستطع، لذلك أحس بكثير من الإحباط الذي طغى على كل أفكاره وأحلامه وعلاقاته، وخشي من هذه النتائج السلبية أن يكون لها مردودا على نفسيته وعلاقاته، لذلك قرر بقناعة تامة أن ينسحب ولا يكرر المحاولة، وأن يترك الدراسة نهائيا ، ولما قابل مدير المدرسة لطلب ملفه وشهاداته ، لم يوافقه بل حاول أقناعه بالحسنى وأن يثنيه عما عزم عليه ، ولما رأى منه الإصرار وعدم التراجع، طلب منه أن يقف بجانبه عند احد النوافذ المفتوحة ، وقال له (انظر هل ترى السماء؟، فلما أجابه بالإيجاب! ، قال له في حزم .. إن استطعت أن تلحسها بلسانك فعندها خذ ملفك)، فيقول (بهت من هذا الرد القاطع، ورغم طول لساني (أبو لسان)، لكني رأيتني عاجزا عن الرد ، فانسحبت بهدوء، ولما رجعت إلى البيت حائرا، أقنعت أبي بان يذهب إلى المدرسة بنفسه لأخذ الملف، وفعلا ذهب في اليوم التالي وعاد وهو يحمله ، ولم أسأله كيف وافق له المدير على ذلك ، بل ظننت أن الأمر انتهي عند هذا الحد ، ولكن ما إن غربت شمس ذلك اليوم ، إلا وأنا أتفاجأ بزيارة لم أكن أتوقعها أو انتظرها، حيث دق باب بيتنا مدير المدرسة الاستاذ حسن بن فرح (رحمه الله)، الذي حضر شخصيا ليقنعني  ويثنيني عن قراري، ولكن كان إصراري اكبر من أي قناعات أخرى ، فلما غادر البيت أخذني لمرافقته في بداية الطريق، ولما ابتعدنا قليلا عن البيت، وضع في يدي مبلغاً من المال، وأصر على أن لا ارفضه، في موقف مؤثر لا أنساه ما حييت، وطلب مني أن أعده بان أبلغه إن احتجت لأي شيء ، وقد أطلعني فيما بعد (رحمه الله)على رسالة كنت قد أرسلتها إليه من الرياض، أطمأنه فيها على أحوالي، حيث كان (رحمه الله) يحتفظ بتلك الرسالة ضمن ملف خاص لديه، احتوى على جميع رسائل طلابه الذين تواصلوا معه فيما بعد).

  بالطبع غادر بعد أيام بلدته وأسرته، وكانت هذه أول مرة يبتعد فيها عنهم ، وهو لا يدري متى يعود إليهم مرة أخرى، وكان قد عزم في البحث عن مستقبل يشرفه، وعن عمل وظيفي يعوض به إحساسه بالفشل والإخفاق، ولكنه كان حائرا إلي أين يكون اتجاهه ، وبعد تفكيره واستعراضه للخيارات أمامه، قرر التوجه مباشرة إلى مدينة الرياض، حيث كانت تقيم فيها أخته وزوجها ، وفعلا حل ضيفا عليهما، وكم تردد على كثير من الوزارات والإدارات والشركات يبحث عن عمل، وكان يعود في كل مرة بالإخفاق في العثور على ما يتوافق مع طموحه، وفي أثنائها طرأت له فكرة التسلح بتخصص مفيد يميزه، حيث وجد ضالته في معهد الإدارة العامة بالرياض، والتحق فيه لمدة ستة أشهر بدورة في السكرتارية، وحصل منه على شهادة الدبلوم في هذا التخصص في بداية عام 1408هـ ، ورأى بعدها انه من الاوفق العودة إلى منطقة جازان، ليكون قريبا من أهله، مؤملا انه سيجد فيها العمل المناسب بمشيئة الله وتوفيقه.

     كانت الفترة التي قضاها في الرياض فترة تجارب واكتشافات لقدراته، فقد تركت في نفسه كثيرا من الآثار الايجابية والفوائد العديدة، وكان من أعظمها هو اكتسابه الثقة الحقيقة بنفسه، واعتماده عليها في تحقيق كثير من أموره واحتياجاته الحياتية، لأنه في بعده عن والديه الذين كان يعتمد عليهما في معظم أموره وحاجته ، اضطر أن يباشر معظمها بنفسه ، وكانت من أعظم النتائج والمكتسبات التي تضاف إلى عديد من مكتسبات الأسفار والاغتراب، وبما أنه من هواة القراءة والاطلاع، بل يعتبر من المدمنين عليها، لذلك لم يكن يترك القراءة مطلقا من يوم أن عرف فك الخط ،  فيقرأ كل ما يقع تحت يده ، وفي كل فن وفي كل تخصص ، ولا يدع منها شيئا حتى يطلع عليه، وأكثر ما يستهويه فيها قصص العظماء والناجحين، وتأسره المذكرات والمغامرات والرحلات، ولذته في التمعن والتفكر في كتب الإعجاز العلمي (القران والسنة)، وله مع القراءة كثير من المواقف والقصص، تعطي تصورا عن مدى تعلقه بالكتاب ، لان الكتاب لديه يطغى على ما سواه من الأمور، ومقدم على كل الاحتياجات والعديد من المغريات، وكمثال يقول: (وأنا ادرس في معهد الإدارة العامة في الرياض ، نزلت من إحدى سيارات النقل (حافلة النقل الجماعي)، في سوق البطحاء في طريقي إلى حي العود حيث مقصدي ، لأن أحوالي المادية حينها لا تسمح لي بركوب سيارة أجرة توصلني مباشرة إلى مقصدي، فلا املك حينها في جيبي إلا (20) ريالا، وأثناء ما كنت في البطحاء انتظر سيارة مماثلة لأكمل طريقي، كنت أمتع ناظري باستعراض المكتبات التجارية المحيطة بموقع وقوفي، وفيها لمحت في واجهة إحدى هذه المكتبات ، كتابا للأستاذ عبد الله عزام، بعنوان (آيات الرحمن في جهاد الأفغان)، لم استطع أن امنع نفسي من الدخول إلى هذه المكتبة ، لأنقد البائع الثمن وهو كل ما أملك، لاضطر بعدها لمواصلة طريقي سيرا على الأقدام ).

  هذه الهواية بالطبع كان مردودها الايجابي عليه قويا وما زال ، فهو بسببها واسع الثقافة، ثري المعلومات، فقد نمى معارفه وثقافته من خلالها، وأيضا من خلال اختلاطه بأهل العلم والمعرفة والأدب، وفي احتكاكه بكثير من المثقفين والأدباء، والتفاعل الايجابي من خلال وسائل التواصل الالكترونية الحديثة ، فأكثر ما تستهويه مجالس العلم والأدب والثقافة ، ومع أن الحياة العسكرية كما هو معروف فيها كثير من الجدية مما قد تهمل بسببه جوانب الفكر والثقافة والأدب ، فالعمل فيها يفرض التفرغ شبه التام للإعمال الميدانية، ومعظم دوراتها وبرامجها تركز على تطوير قدرات الفرد في هذا الجانب، ولكننا  نجد أن هوايته الأدبية والفكرية قادته دون شعور منه للبحث عن ما يشبعها بنفسه ، فسعى باجتهاده الشخصي للمشاركة في بعض البرامج العامة المتاحة، ومن ذلك التحاقه بورشة العمل التي أعدها المهندس رستم كبيسي مدير مكتب السياحة بجازان في فيفاء ، وأمثالها من المحاضرات والندوات والبرامج.

العمل الوظيفي:

  كما اشرنا عندما سافر إلى الرياض ، حاول فيها جادا البحث عن عمل وظيفي مناسب، يكون له دخلا ثابتا خاص به ، تطمئن به نفسه ويعينه على بناء مستقبله في قادم أيامه، ولكن كل محاولاته بآت بالفشل في العثور على العمل المناسب، وبعد تخرجه من معهد الإدارة العامة قرر العودة إلى أهله ، لعل الله ييسر له فيها عملا مناسبا أو قريبا منها، ولكن مضى به الوقت بعد عودته مواصلا بحثه في كل اتجاه ، حتى أحس بشيء من العجز واليأس في أن يجد مطلوبه ، وأخيرا تشجع في احد لقاءاته مع استاذه ومعلمه الشيخ حسن بن فرح (رحمه الله) وأفصح له بعد تردد عن وضعه ، وعما يعيش فيه من إحباط، وشعور قاتل بالفراغ والجلوس دون عمل ، فتفاعل معه كعادته في مثل هذه المواقف، واصطحبه في اليوم التالي إلى مقر أمارة المنطقة ، حيث استعان فيها بكل معارفه وعلاقاته ، إلى أن استطاع أن يجد له (بتوفيق الله وفضله) وظيفة مناسبة في مركز أمارة فيفاء .

     وكان ذلك في شهر جمادى الثانية من عام 1408هـ ، حيث تم تعيينه على وظيفة كتابية في مركز أمارة فيفاء، وكانت فاتحة خير عليه، وان لم تكن ترضي كامل طموحه، ولكنها حققت له بعض توازنه الاجتماعي، وأعادت له الأمل في نفسه بعد أن كاد يفقده، واكتسب منها فوائد جمة من خلال التعامل الايجابي فيها مع المجتمع ومع الناس، وفي مساعدة الآخرين والتفاعل مع مشاكلهم وظروفهم، بحكم موقعه في (الأمارة)، الحاكم الإداري للبلدة ، وقد أمضى في عمله هذا ما يقارب العامين وهو راض وقانع، وإن كانت نفسه تتوق إلى ما هو أفضل من الناحية المادية، وكان يبحث هنا وهناك ، وأعانه اتساع علاقاته الاجتماعية والمعرفية ، حتى وجد بتوفيق الله فرصة مناسبة في وظيفة جديدة أفضل في احد مجالات العمل الأمني (المباحث العامة ) بجازان ، وبعد الاستشارات والاستخارة ترك عمله في الأمارة بطريقة نظامية، وأكمل إجراءات تعيينه في العمل العسكري الجديد.

    تم تعيينه في1/7/1411هـ عسكريا في المباحث العامة، وكان لزاما عليه في البدء أن يلتحق بدورة تدريبية،  تؤهله للدخول في السلك العسكري بصورة صحيحة، وهذه الدورة تعتبر هي الاختبار الفاصل في القبول من عدمه ، لذلك كانت مرحلة شديدة ومرهقة، ولكنه استطاع اجتيازها لتربيته الجادة والقوية، ولكن بعد نجاحه منها تفاجأ بأنه قد وجه للعمل في جزيرة فرسان، ومع ذلك لم يتردد رغم شعوره بالإحباط، لمعرفته بما سيعانيه من معوقات المكان وصعوبة المواصلات، وزاد من شعوره كونه في بداية حياته الزوجية، وأنه سيبتعد عن أهله فترات طويلة، ولكنه رضي وسلم بواقعه الجديد، وأقلم نفسه مع هذا الوضع، وباشر عمله في هذه الجزيرة المقطوعة نسبيا عن بقية البلدان، لان وسائل المواصلات المتوفرة فيها القوارب والسفن فقط ، ولا بد أن يقطع فيها البحر ذهابا وإيابا، وقد مضت حياته الجديدة رغم كل المعاناة، وهو صابر مثابر يؤدي عمله بكل تفان وإخلاص ، وكان ينحبس عن أهله مضطرا لعدة أسابيع لظروف المكان، فلا يستطيع مغادرة الجزيرة متى ما أراد ، وهذا الشيء الوحيد الذي عكر عليه حياته .

   وقد تفاعل معه ومع وضعه الشيخ سليمان بن عبدالله البشري (رحمه الله) رئيس مركز أمارة بلغازي حينها، لاطلاعه عن قرب لظروفه الأسرية بسبب رابطة المصاهرة بينهما، فسعى شافعا له وباذل جاهه وجهده لدى مرؤوسيه ، حتى استطاع الحصول على نقله إلى الإدارة العامة في مدينة جيزان، وفيها خف العبء وتنفس الصعداء وارتاحت نفسه، وسارت معه الأمور بعدها في يسر وراحة، فاستطاع فيما بعد الانتقال إلى إدارة المباحث بمدينة صبيا، ثم بعد فترة انتقل إلى إدارة المباحث في الداير ببني مالك، التي كانت اقرب نقطة ممكنة لمقر إقامته، وبقي يؤدي فيها عمله على خير وجه وأتمه، حتى أحيل إلى التقاعد، لبلوغه السن النظامية.

  من خلال عمله الأمني المرن، الذي أتاح له كثيرا من الفرص في مجالات متعددة، فهذا المرفق الأمني يتيح فرص الاحتكاك بكثير من مؤسسات المجتمع الخدمية ، فهو عمل ميداني أكثر منه عمل مكتبي، إضافة إلى طبيعته الشخصية وحبه التداخل مع الناس ، لذلك بنا كثيرا من العلاقات الاجتماعية، وحقق ذاته في كثير من المجالات المتعددة في الحياة، فطور من قدراته وخبراته بما يناسب ميوله ومواهبه، فسعى في التعاون خارج نطاق العمل الرسمي مع هيئة السياحة كمرشد سياحي، ومارس هوايته الإعلامية ككاتب ومصور، وكان المرشح الرئيس من عمله ليكون مرافقا لمعظم زوار المنطقة في القطاع الجبلي، لمواهبه الشخصية ولكونه احد أبناء هذا القطاع العارفين بكثير من المعلومات الوفيرة عنه، فكان مؤهلا ليكون مرافقا سياحيا وامنيا من الدرجة الأولى، لذلك رافق عديد من هولاء الزوار، فقد رافق معظم سفراء دول العالم في المملكة، وكثير من الوفود الرسمية والإعلامية والسياحية والأمنية، التي زارت المحافظات الجبلية في سنوات خدماته الماضية، فكان خلالها مرافقا امنيا مكلفا من عمله الرسمي، وفي نفس الوقت مرشداً سياحيا متعاونا مع هيئة السياحة ، ويقوم ببعض الأدوار الإعلامية بما يسمح به الوقت وطبيعة عمله الرسمي.

     لذا رافق في هذا المجال عدد كبير من الشخصيات والزوار البارزين ، ومن هولاء كما يذكر كأمثلة، السفير البريطاني، وسفير الاتحاد الأوربي، والسفير الفرنسي ، والسفير الإيراني ،ورافق أيضا الفريق عبد العزيز محمد الهويريني مدير عام المباحث العامة، في زيارته لفيفاء يرافقه وفد يضم عددا من كبار ضباط وزارة الداخلية ، ثم رافق معالي الفريق خالد بن علي الحميدان مدير عام الاستخبارات العامة ، وكذلك سعادة اللواء إبراهيم بن محمد العايدي وكيل وزارة الداخلية لشؤون الأفواج، وغيرهم من الشخصيات التي يفخر ويعتز بمرافقتهم.

   لقد مرت السنين وما أسرع ما تمر من بين أيدينا، تمضي بحلوها ومرها وتعبها وراحتها، ولا يبقى للإنسان منها إلا الذكريات الطيبة ، والذكر الحسن الذي هو عمر ثان للإنسان، أمضى في عمله الرسمي في فروع وزارة الداخلية ما يقارب خمس وعشرين سنة ، حتى أحيل على التقاعد في تاريخ 2/6/1433هـ، لبلوغه السن المحددة لمرتبته العسكرية، وبعدها تم تعاقده مع وكالة وزارة الداخلية لشئون الأفواج ، التي استمر بها ما يقارب العامين والنصف، إلى أن قرر مغادرتها في 6/9/1436هـ طلبا للراحة وليتفرغ لشؤونه الخاصة .

مواقفه مع الإعلام :

  حقق ذاته وكثيرا من هوايته في مجالات الإعلام المتعددة، فقد تطلع أولا إلى خوض غمار الإعلام كهواية، لكونه يعتبره فنا وإبداعا في التواصل مع المجتمع، وكان لطبيعة نفسه الاجتماعية وما يتمتع به من قدرات التواصل مع الآخرين ، ولجرأته في تجربة كل جديد، قد أهله ذلك ليقتحم هذا الجانب وينجح، فثقافته الواسعة المتعددة، وسعيه الدؤوب للتعلم وفي تجربة كل المجالات ، مع تميزه في تقديم نفسه وإبراز مواهبه، وشجاعته في الإفصاح عن مكنوناتها، والتواصل الايجابي الفعال مع الآخرين ، ثم ما تهيئ له من مواقف عفوية كان يمارس فيها التحدث كإعلامي ، من خلال عمله كمرشد سياحي يتحدث ويعلق ويتجاوب، فتطورت خبراته في هذا المجال، وقدمته بشكل سليم في الإعلام ، وله العديد من الأنشطة والمشاركات الفاعلة في وسائل الإعلام المتعددة المحلية والخليجية، فشارك في بعض الصحف الرسمية، (الوطن وعكاظ والرياض) في إعداد بعض التحقيقات الصحفية، أو في التفاعل والتعريف بالمنطقة بما يطرح فيها من قضايا تناقش إعلاميا، وهو الآن يشغل سكرتيرا لتحرير صحيفة فيفاء أون لاين الإلكترونية، وهو عمل يعد من أصعب المهام وأشقها، لأن وظيفة (السكرتارية) بصفة عامة لها العديد من الأعمال والمهام المختلفة، بحسب الجهة التي يعمل فيها, وهي في الإعلام والصحافة أصعب واشد تعقيدا، حيث تسعى فيها جاهدا إلى تقديم كل ما يكون عوناً للمدراء ولرؤساء التحرير في تنفيذ أعمالهم بمهنية عالية، ونظرا لحساسية قسم التحرير وأهميته، لا بد أن يكون السكرتير محورا قويا وهمزة وصل فاعلة فيه، لذا يتطلب أن يكون السكرتير مطلعا بصفة عامة على أعمال التحرير في ظل  المهام المحددة، ومتابعتها والإشراف عليها، وتسجيل الملاحظات والآراء والتنويهات، سواء بشكل داخلي بالصحيفة، أو خارجيا بشكل عام في الإعلام، وعليه تزويد رئاسة التحرير بكل ما يتعلق بهذه الأمور، وتزويد الصحيفة بالاقتراحات والأفكار البناءة، بما يكفل ويحقق التطوير المنشود في العمل، بالإضافة إلى كونه حلقة وصل وتنسيق بين أقسام الصحيفة المختلفة ، مثل المحررين والمراسلين والمتعاونين والأقسام الأخرى، وبين رئاسة التحرير ومدراء الصحيفة, إضافة إلى تنسيق اجتماعات الصحيفة، ولقاءات الأعضاء، والإشراف على الدورات التطويرية للمحررين والمراسلين، وقد أعانه كثير تخصصه الأساسي (دبلوم سكرتارية) .

صحيفة فيفاء الالكترونية

  وتطورت مع الوقت والممارسة خبراته وقدراته الإبداعية، وسهل عليه وأعانه ما يتمتع به من ثقافة واسعة، وعلاقات متعددة وجرأة نفسية مقننة، فنجح بكل اقتدار في أكثر من مجال في الإعلام، وتجاوز عديدا من المواقف المحرجة بسلام، فالإعلام عادة لا يخلو من المماحكات والمفاجئات غير المتوقعة ، لذلك تجد كثيرا من الناس يصدم في بعض المواقف المفاجأة ، ويصيبه الفشل فلا يحسن التعامل معها كما ينبغي، بل يعتبر الوقوف أمام الناس والتحدث إليهم ، أو الوقوف أمام آلة التصوير أو جهاز (الميكرفون) من أصعب واشد المواقف، فإذا لم يمتلك الشخص العديد من المواصفات المؤهلة والثقة الشخصية والفكرية فشل فشلا ذريعا ، فالثقافة والخبرة والشجاعة وحسن التصرف أساسيات مهمة في هذا المجال، ويتضاعف فيها الحرج والإحساس بعظم المسؤولية، في البرامج المباشرة على الهواء، لان فرص التعديل والتصحيح فيها متعذرة، مما يزيد من الإحساس بثقل المسؤولية والارتباك، وله ذكريات عابرة وقفها في هذا المجال مرت بسلام، ولكنها بقيت بالنسبة له ذكريات جميلة يفخر بها اليوم، ومنها كما يقول : (أن الجرأة وهي منحة من الله، تضعني أحيانا في مواقف لا احسد عليها، واذكر منها موقفين أمام آلة التصوير التلفزيوني، فالأولى عندما كلفت بمرافقة قافلة الإعلام الخليجي في زيارتهم لفيفاء ، وعلى ما يبدو أن فترة التنسيق لهم مع المحافظة كانت قصيرة جداً، لذلك لم تتمكن المحافظة من إكمال استعدادات الاستقبال المطلوبة، والتنسيق مع من يستطيع التحدث والتعريف بالبلدة، ولكوني من أبناء البلدة فقد طلب مني أعضاء الهيئة السياحة المشاركة في البحث عن أشخاص يؤدون هذه المهمة , وحاولت البحث والاتصال ولكن للأسف لم أجد المطلوب، وعدت إليهم بخفي حنين ) ويستطرد (ولما عدت وزاد عتبهم علي، قلت لهم ممازحا أنا لم أجد أحدا ولكنني جاهز شخصيا للإجابة عما يريدون طرحه)، فيقول (ما كدت انهي عبارتي إلا وأنا في وسط بحر هائج من الإعلاميين والصحفيين المتعطشين ، ليتخطفوني ذات اليمين وذات الشمال، كل منهم يريد الفوز بأكبر قدر من المعلومات ، وأصبحت بين أيديهم غنيمة ضعيفة مستسلمة ، وكل هجم وقد احد شفرته وصوب سهام أسألته، في موقف لا احسد عليه ، اكتنفته الرهبة والخوف والارتباك، ولكنه بحمد الله وتوفيقه عدى بأمن وسلام لا ادري كيف كان ذلك، وأصبح اليوم ذكرى افخر واسعد بها كثيرا ).

  وأما الثانية فيقول : (كنت أقف مشاهدا لتصوير برنامج ( الوطن إنسان ) من القناة الثقافية السعودية، الذي أعده ونسقه الإعلامي عبدالله بن سالم المشنوي ، وقدمه الإعلامي عبدالله العرافي مدير محطة تلفزيون جازان، والبث مباشرة على الهواء، وبدأ اللقاء فيه بحوار مع الشيخ احمد بن محمد الحكمي، وما إن انتهى إلا وأفاجئ بالمقدم ينادي علي من بين الجمهور، والأخ عبدالله بن سالم يدفعني بيديه لأتقدم، وفي لحظات لا ادري فيها إلا وأنا أقف على الهواء مباشرة، دون تنسيق أو استعداد مسبق، ولكن كما قيل (ما من قحف وخار)، فقد اقتحمت الموقف بكل شجاعة وتبلد، وشرقت بالحديث وغربت لمدة عشر دقائق، لا أكاد ادري ماذا كنت أقول فيها، وكأنها دهرا ما ظننتها ستنتهي ) .

 بالطبع شارك في أكثر من لقاء عبر أثير إذاعة الرياض، ولكن الإذاعة أهون كثيرا من التلفزيون، وهو يملك هواية التصوير، ولديه ثروة هائلة من الصور المتعددة، مما صوره بنفسه أو جمعه من الآخرين أو من بعض المواقع، وهو يملك كثيرا مما يتعلق بفيفاء وبالتراث والآثار، فهو يحب التراث كثيرا ويعشق الموروث ، ويقول عن ذلك (إذا وقفت على طلل تجدني أسبح بخيالي لأعيش عيشة من عاشوه) وقد جاب معظم المنطقة الجبلية في منطقة جازان ، من القصبة جنوباً إلى حدود الريث شمالاً.

الانشطة الحالية:

في أواخر عام 1436 كان اول لقاء جمعني بمؤسس هايكنج السعودية المهندس علي بن مبارك القحطاني في تغطية إعلامية لأول فعالية هايكنج ينظمها هايكنج السعودية بالمنطقة وتحديداً في جبال مصيدة في بلغازي بمحافظة العيدابي وتلقيت خلالها الدعوة للإنضمام لهايكنج السعودية وبعدها تشرفت بتكليفي مديراً لهايكنج السعودية بمنطقة جازان وخلال هذه الفترة نضمنا الكثير من الفعاليات في المنطقة أولها فعالية اليوم الوطني 86في جبال فيفاء وبمشاركة دول الخليج توالت بعد تنظيم الفعاليات في معظم المحافظات الجبلية والساحلية تشرفنا خلال هذه الفترة بمشاركة زملائنا في دول الخليج افراحهم الوطنية . ونسعي من خلال هذا البرنامج تسليط الأضواء على معالم وطننا السياحية والتاريخية والحضارية وبمشاركة مدراء هايكنج السعودية في جميع المناطق

بحوثه ودراساته :

  مع كثرة قراءته واطلاعه، توسعت مداركه وزادت معلوماته، ومن خلال تأملاته الخاصة وربطها بما يسمعه من إجابات على ما يلقيه من اسأله واستفسارات على أهل الخبرة وكبار السن ، وما كان يسجله ويحتفظ به مما يلفت نظره، وملاحظاته وتعليقاته على ما يقرأه ويستهويه، ومن خلال متابعاته للكتب أو المقالات والاستطلاعات العلمية، كل ذلك قد ترك لديه مع الوقت ثروة وكنزا لا يقدر بثمن، فكان يقوم بإعداد بعض الدراسات والتقارير الإعلامية ،وينشر بعضها في المواقع الالكترونية، فوجد لمعظمها قبولا واستحسانا ، فسعى إلى تطويرها والإضافة عليها وتعديل ما يحتاج منها إلى ذلك، بعد عرضها على بعض المختصين والاستنارة بآرائهم ونقدهم، وأصبح بحمد الله وتوفيقه يملك ثروة يفخر بها من البحوث العلمية المتخصصة، تعالج جوانب عدة من جوانب الحياة (المكان والإنسان والبيئة الجغرافية والنباتية) ومن هذه البحوث التي يعتز ويفخر بها ، ونشر معظمها في بعض المواقع الالكترونية، أو عن طريق بعض الصحافة الالكترونية،ولكنها لم تطبع بعد في كتب خاصة ، ومنها :

1ـ بحث بعنوان (الاستيطان ومقوماته في فيفاء) , تطرق فيه إلى دراسة ما حباه الله لمن استوطن هذه المناطق المعزولة، من إمكانيات هائلة وفكر وذكاء وقوة بدنية، جعلته يستطيع تطويع ما حوله ليعيش ويتعايش مع هذه البيئة في اكتفاء ذاتي كامل، وهي دراسة جميلة دعمها بالعديد من الصور والشواهد، وقد نشره في موقع خاص أسسه على شبكة الإنترنت باسم (هذه فيفاء)، ولكنه اضطر إلى قفله بعد تعرض محتوياه للسطو.

2ـ بحث بعنوان (رحلة مع مزارع) ، تتبع فيه مراحل زراعة موسم كامل، من بداية استصلاح الأرض، إلى بذرها بالحبوب المناسبة حسب الموسم، ورعايتها ومتابعة مراحلها إلى أن تستوي على سوقها، ثم حصادها وجمع هذا المحصول وحفظه، ومعاودة استصلاح الأرض من جديد لموسم قادم، وهو بحث مدعم بالصور التوضيحية ،ويعتبر فصلا من فصول الاستيطان في فيفاء، نشره على حلقات في صحيفة فيفاء أون لاين .

3ـ بحث بعنوان (لهجتنا في ميزان اللغة العربية )، جمع فيه ما يفوق خمس ألف مفردة من لهجة أهالي فيفاء، واستشهد لكل كلمة منها وعرضها على قواميس اللغة العربية، ليثبت فصاحتها وفي التعريف بالعديد من جوانبها البلاغية، ومازال العمل جاريا فيه ولم يكتمل ، فهو موضوع كبير وواسع الأفق.

4ـ بحث بعنوان ( الموسوعة المصورة لنباتات جبال فيفاء)، صنف فيه الغطاء النباتي في فيفاء، ويعتبر فرع تكميلي من بحثه (الاستيطان)، لأن النبات من الركائز الأساسية للاستيطان، ودعاه إلى إعداده ـ كما يقول ـ قلة وندرة البحوث والدراسات في هذا الجانب المهم ، رغم ما تحويه فيفاء من غطاء نباتي هائل، مع توفر عديد من الدراسات والبحوث في مناطق مماثلة أو أقل منها في هذا الجانب، مثل بحث الدكتور (احمد سعيد قشاش)(النباتات في جبال السروات والحجاز)، وبحث العالمة البريطانية المتخصصة في النباتات(شيلاك ولينيت) ، بعنوان (الأزهار في المملكة العربية السعودية)، ولما لم يجد عن فيفاء إلا دراسة وحيدة (حصل على نسخة منها)، كانت رسالة ماجستير للأستاذ (محمد ابراهيم عبد اللطيف)، محفوظة في مكتبة جامعة الملك سعود ، وبدأ باجتهادات منه في البحث وتصنيف النباتات في فيفاء، وقد أنجز بتوفيق الله توثيق (79) فصيلة نباتية، تحوي أكثر من (445) مادة نباتية، وأطلع على هذا البحث الدكتور المتخصص احمد سعيد قشاش، المحاضر بجامعة الباحة عند زيارته لفيفاء ، وأعجب به كثيرا واثنا عليه، وابدأ استعداده لمساعدته على استكمال طباعته.

 وهذه البحوث رغم قيمتها العلمية مازالت مسودات لم تطبع، نظرا لقلة الإمكانيات، ومحدودية الخبرات، ثم للانشغال والتسويف ، لعل الله ييسر بإخراجها وطباعتها في كتب مناسبة .

الحالة الاجتماعية :

   متزوج من الفاضلة المعلمة / كاذية بنت حسن علي مفرح العبدلي , خريجة معهد إعداد المعلمات في فيفاء عام 1414هـ ، وتنقلت طوال خدماتها السابقة بين الإدارة والتدريس، في مدرسة الضالع بالعمريين ومدرسة بقعة العلاج للبنات الابتدائية ورياض الأطفال، وهي ربة بيت وأم فاضلة.

ولهما من الأبناء سبعة ، حسب ترتيبهم العمري :

1ـ أمجاد : تخرجت من الثانوية العامة 1433هـ، ثم درست لفترة في كلية العلوم بالداير ، قسم اللغة الانجليزية، ولظروف معينة لم تواصل دراستها.

2ـ أحمد: طالب في المرحلة الثانوية في مدرسة نيد الضالع .

3ـ أحلام : طالبة في المرحلة المتوسطة في مدرسة بقعة العلاج.

4ـ أروى : طالبة في المرحلة الابتدائية في مدرسة بقعة العلاج.

5ـ أنواء: طالبة في المرحلة الابتدائية في مدرسة بقعة العلاج.

6ـ وسام : طالب في رياض الأطفال روضة بقعة العلاج.

7ـ أفياء: دون سن الدراسة .

بارك الله فيهم ونفع بهم وجعلهم قرة عين لوالديهم ولمجتمعهم .

   وبعد وقد سعدنا بهذه اللحظات التي عشناها، واطلعنا فيها على شخصية نفخر بها من أبناء هذا البلد الطيب، طور بنفسه قدراته واستغل إمكانياته،  في خدمة نفسه وأهله ومجتمعه ودينه ووطنه، وتجاوز في ذلك كثيرا من المعوقات والاحباطات بعزيمة قوية وإرادة صلبة وإصرار منقطع النظير، مما جعله نموذجا واضحا لكل صاحب همة عالية، وكل ذي طموح يسعى إلى تحقيقه، وفقه الله وأسعده، وكثر في مجتمعاتنا من أمثالها.

             والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

                                                   

اعداد/ عبد الله بن علي قاسم آل طارش الفيفي

اخراج/حسن بن مفرح العبدلي

 

 

معجب بهذه:

 

   

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى